المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيرسل اللَّه ريحًا من الجنَّة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهوٍ - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: فيرسل اللَّه ريحًا من الجنَّة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهوٍ

فيرسل اللَّه ريحًا من الجنَّة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهوٍ كان في الدنيا"

(1)

.

حدثني إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثنا سعيد بنِ أبي سعيد الحارثي قال: "حُدَّثْتُ أنَّ في الجنَّة آجامًا من قَصَبٍ من ذَهَبٍ حملها اللؤلؤ، فإذا اشتهى أهل الجنَّة أنْ يسمعوا صوتًا حسنًا؛ بعث اللَّه على تلك الآجام ريحًا فتأتيهم بكل صوت يشتهونه"

(2)

.

‌فصل

ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كلُّ سماع، وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله، وخِطَابه وسلامه عليهم، ومحاضرته لهم، ويقرأ عليهم كلامه، فإذا سمعوه منه، فكأنَّهم لم يسمعوه قبل ذلك، وسيمرُّ بك - أيها السُّنَّيُّ - من الأحاديث الصِّحاح والحسان في ذلك ما هو من

(3)

أحب سماع لك في الدنيا وألذه لأذنك، وأقرِّهِ لعينك، إذ ليس في الجنَّة لذَّةٌ أعظمُ من النظر إلى وجه الرَّبِّ تعالى، وسماعِ كلامه منه، ولا يُعْطَى أهل الجنَّة شيئًا أحبَّ إليهم من ذلك.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (266)، وابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (4/ 310)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (404) وغيرهم.

قال ابن كثير: "هذا أثرٌ غريب، وإسنادهُ جيد قوي".

لكن في سنده، زمعة بن صالح فيه ضعف، انظر: تهذيب الكمال (9/ 386 - 389).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (267).

(3)

ليس في "ب، هـ".

ص: 554

وقد ذكر أبو الشيخ عن صالح بن حيَّان عن عبد اللَّه بن بُرَيْدة قال: "إنَّ أهلَ الجنَّة يدخلون كلَّ يومٍ مرَّتين على الجبَّارِ جل جلاله فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلسَ كلُّ امرئٍ منهم مجلسه الَّذي هو مجلسه على منابر الدرِّ والياقوت، والزبرجد والذهب والزمُرُّد، فلم تَقَرَّ أعينهم بشيءٍ، ولم يسمعوا شيئًا قطُّ أعظم ولا أحسنَ منه، ثمَّ ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قرِيرة أعينهم، إلى مثلها من الغَدِ"

(1)

.

(1)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (270)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (2/ 6 ق/ ب).

وسنده ضعيف جدًّا: فيه صالح بن حيان القرشي ضعيف، وفيه المسيب ابن شريك متروك. انظر: لسان الميزان (6/ 47 - 48).

ص: 555

الباب الثامن والخمسون: في ذكر مطايا أهل الجنَّة وخيولهم ومراكبهم

قال الترمذي: حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بُريدة عن أبيه: أنَّ رجلًا سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه: هل في الجنَّة من خيل؟ قال: إن اللَّهُ أدخلك الجنَّة فلا تشاءُ أن تُحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنَّة حيث شئت إلَّا فعلت

(1)

، قال: وسأله رجل، فقال: يا رسول اللَّه! هل في الجنَّة من إبل؟ قال: فلم يقل ما قال لصاحبه، قال: إن يدخلك اللَّهُ الجنَّة يكن لك فيها ما اشتهت نفسُك ولذَّت عينُك"

(2)

.

(1)

قوله: "إلا فعلت" من الترمذي.

(2)

أخرجه الترمذي رقم (2543)، وأحمد (5/ 352)، وابن أبي شيبة (7/ 57) رقم (33980)، والطيالسي في مسنده رقم (843) وغيرهم.

من طرق عن المسعودي به نحوه.

لكن رواهُ عنه مَنْ سمعوا منه بعد اختلاطه.

وأشارَ المؤلِّف إلى اضطراب علقمة فيه:

- فرواهُ حنش بن الحارث عن علقمة عن عبد الرحمن بن ساعدة مرفوعًا "هكذا رواهُ الأشعث بن شعبة -فيه جهالة- عن حنش.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (424)، والبيهقي في البعث (439) وغيرهما.

- ورواهُ سالم بن قتيبة "لم أقف عليه" عن علقمة عن رجل من الأنصارِ يقال له: عمير بن ساعد فذكره.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 273) رقم (424). =

ص: 556

حدثنا سويد بن نصر، أنبأنا عبد اللَّه بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النَّبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه وهذا أصحُّ من حديث المسعودي.

حدثنا محمد بن إسماعيل بن سَمُرة الأحْمسِي حدثنا أبو معاوية عن واصل بن السائب عن أبي سَوْرة عن أبي أيوب قال: أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ فقال: يا رسول اللَّهِ إنَّي أحبُّ الخيل أفي الجنة خَيْلٌ؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن أدخلت الجنَّة أُتيتَ بفرسٍ من ياقوتةٍ له جناحان فحملت

= - ورواهُ أبو طيبة عن علقمة عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (426) لكن السند إليه ضعيف، وأبو طيبة: عيسى بن سليمان ضعَّفه ابن معين، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ.

انظر: لسان الميزان (4/ 461 - 462).

- ورواهُ ميكائيل عن علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. أخرجه أبو نعيم (2/ 276) رقم (427).

وميكائيل فيه جهالة، وحديثه يدل على ضعفه. انظر: لسان الميزان (6/ 181).

- ورواهُ الثوري عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط فذكره مرسلًا.

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (271)، وعبد الرزاق في المصنف (3/ 564) رقم (6700) وغيرهما.

والَّذي يظهر أنَّ الاضطراب ليس من علقمة بن مرثد "ثقة" بل من الرواة عنه.

والصحيح رواية الثوري لإمامته وحفظه وإتقانه كما رجحه أبو حاتم الرَّازي والترمذي، فالحديث مرسل.

انظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 215) رقم (2132)، والإصابة لابن حجر (5/ 150 - 151).

ص: 557

عليه، ثمَّ طار بك حيث شئت"

(1)

.

قال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بالقوي، ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلَّا من هذا الوجه، وأبو سورة: هو ابن أخي أبي أيوب، يضعَّف في الحديث، ضعفه ابن معين جدًّا، قال: وسمعتُ محمد بن إسماعيل يقول: أبو سورة هذا منكر الحديث، يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليه

(2)

".

قلتُ: أمَّا حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة:

فمرَّة يقول: عن سليمان بن بريدة عن أبيه.

ومرَّة يقول: عن عبد الرحمن بن سابط

(3)

عن عبد الرحمن

(4)

بن ساعدة قال: كنتُ أحبُّ الخيل، فقلتُ: هل في الجنَّة خيلٌ يا رسول اللَّهِ؟

ومرَّة يقول: قال رجلٌ من الأنصارِ يُقال له عمير بن ساعدة: يا رسول اللَّه.

(1)

أخرجه الترمذي رقم (544)، والطبراني في الكبير (4/ 180) رقم (4075)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (423).

وهو ضعيف جدًّا، واصل بن السائب: متروك الحديث، وأبو سورة ذكر الكلام فيه الترمذي.

(2)

في "د": "عليها".

(3)

قوله: "عبد الرحمن بن سابط" سقط من "هـ".

(4)

في "أ، ج": "عمير".

ص: 558

ومرَّة يقول: عن عبد الرحمن بن سابط عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

والترمذي جعل هذا أصحَّ من حديث المسعودي؛ لأنَّ سفيان أحفظ منه، وأثبت.

وقد رواهُ أبو نعيم من حديث علقمة هذا، فقال: عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ أعرابيًّا قال: يا رسول اللَّه! أفي الجنَّة إبلٌ؟ قال: يا أعرابي إنْ يُدخلك اللَّه الجنَّة رأيتَ فيها ما تشتهي نفسك وتلذُّ عينُك".

ورواه أيضًا من حديث علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذكر الجنَّة فقال: "والفردوس أعلاها سُمُوًّا، وأوسعها مَحَلَّةً، ومنها تفجر أنهار الجنَّة، وعليها يوضعُ العرش يومَ القيامة، فقام إليه رجلٌ، فقال: يا رسول اللَّهِ إنِّي رجلٌ حُبِّبَ إليَّ الخيل

(1)

، فهل في الجنَّة خيل؟ قال: إي والَّذي نفسي بيده، إنَّ في الجنَّة لخيلًا وإبلًا هَفَّافةً ترفّ بين خلال ورق الجنَّة، يتزاورون عليها حيث شاؤوا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه! إنِّي حُبِّبَ إليَّ الإبل

وذكر الحديث.

وأمَّا حديث أبي سَوْرَة فلا يعرف إلَّا من حديث واصل بن السائب عنه، ولم يروه عنه غيره، وغير يحيى بن جابر الطائي.

وقد أخرج له أبو داود حديث: "ستُفتح عليكم الأمصارُ، وتجندون أجنادًا"

(2)

.

(1)

وقع في "هـ": "الخيل والإبل وذكر الحديث".

(2)

أخرجه أبو داود (2525)، وأحمد (5/ 413) وغيرهما من حديث أبي أيوب =

ص: 559

وأخرج له ابن ماجه عن أبي أيوب: "رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلَّل لحيته"

(1)

.

وحديثًا آخر في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] "

(2)

.

وأخرج له الترمذي حديث: "خيل الجنَّة"

(3)

فقط.

ورواهُ أبو نعيم: من حديث جابر بن نوح عن واصل به وقال: "إنَّ أهل الجنَّة ليتزاورون على نجائب بيضٍ، كأنَّها الياقوت، وليس في الجنَّة من البهائم إلَّا الخيلُ والإبل"

(4)

.

وقال أبو الشيخ: حدثنا القاسمُ بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل

= رضي الله عنه.

وهو من منكراته عن أبي أيوب كما ذكر البخاري (ص/ 558).

(1)

أخرجه ابن ماجه (433).

وسنده ضعيف جدًّا، واصل: متروك، وأبو سورة كما تقدم.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 243 - 244) رقم (25665)، والطبراني في الكبير (4/ 178) رقم (4065) وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

وهو حديث منكر، عِلَّته ما سبق في الحديث قبله.

(3)

كما تقدم قريبًا.

(4)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (428)، والطبراني في الكبير (4/ 179) رقم (4069).

وهو ضعيف جدًّا، فيه واصل: متروك، وأبو سورة تقدم حاله.

ص: 560

الجنَّة الجنَّة جاءتهم خيولٌ من ياقوت أحمر، لها أجنحةٌ، لا تروث ولا تبول فقعدوا عليها، ثمَّ طارت بهم في الجنَّة، فيتجلى لهم الجبار، فإذا رأوه خرُّوا سجدًا فيقول لهم الجبار تبارك وتعالى: ارفعوا رؤوسكم فإنَّ هذا ليس بيوم عمل، إنَّما هو يوم نعيم وكرامة، قال: فيرفعون رؤوسهم، فيُمطر اللَّه تعالى عليهم طيبًا، فيمرُّون بكثبان المسك، فيبعث اللَّه على تلك الكثبان ريحًا، فتهيِّجها عليهم حتى إنَّهم ليرجعون إلى أهليهم وإنَّهم لشعث غُبْر"

(1)

.

وقال عبد اللَّه بن المبارك: حدثنا همام عن قتادة عن عبد اللَّه بن عمرو قال: "في الجنَّة عِتَاق الخيل، وكرائم النجائب يركبها أهلها"

(2)

.

(1)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (429)، والآجري في الشريعة رقم (616، 617).

ومدارهُ على الحكم بن أبي خالد: هو ابن ظهير الفزاري: متروك، واتهم بالكذب، وسيأتي موقوفًا ص (690).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (252).

وهذا فيه انقطاع، قتادة لم يسمع من عبد اللَّه بن عمرو.

ص: 561

الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنَّة بعضهم بعضًا، وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} [الصافات: 50 - 57].

أخبر سبحانه وتعالى أنَّ أهل الجنَّة أقبل بعضهم على بعض يتحدثون، ويسأل بعضهم بعضًا عن أحوال كانت في الدنيا، فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أنْ قال قائلٌ منهم: كان لي قرينٌ في الدنيا ينكر البعث والدَّار الآخرة، ويقول ما حكاهُ اللَّهُ عنه، يقول:{أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)} بأنَّا نُبعث ونُجازى بأعمالنا، ونُحاسبُ بها بعد أنْ مَزَّقَنَا البِلَى، وكُنَّا تُرابًا وعظامًا، ثمَّ يقول المؤمنُ لإخوانه في الجنَّة: هل أنتم مطلعون في النَّارِ لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه.

هذا أظهرُ الأقوالِ، وفيها قولان آخران:

أحدهما: أنَّ الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الَّذين يحدث بعضهم بعضًا: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)} [الصافات: 54].

رواهُ عطاء عن ابن عباس

(1)

.

(1)

لم أقف عليه. وذكر هذا القول القرطبي في الجامع (15/ 82)، وابن الجوزي =

ص: 562

والثاني: أنَّه من قول اللَّه عز وجل لأهل الجنَّة يقول لهم: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) } .

والصحيح القول الأوَّل

(1)

، وأنَّ هذا قول المؤمن لأصحابه ومحادثيه، والسياق كله والإخبار عنه وعن حال قرينه.

قال كعب: "بين الجنَّة والنَّارِ كُوًى، فإذا أراد المؤمنُ أنْ ينظر إلى عدوٍّ كان له في الدنيا اطَّلعَ من بعض تلك الكُوى"

(2)

.

وقوله تعالى: {فَاطَّلَعَ} أي: أشرف. قال مقاتل: "لما قال لأهل الجنَّة: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} ؟ قالوا له: إنَّك أعرف به منَّا، فاطَّلِعْ أنت، فَأَشْرَفَ فرأى قرينه في وسط الجحيم، ولولا أنَّ اللَّه عرَّفه إيَّاهُ لما عرَفه، لقد تغيَّر وجهُهُ ولونُهُ وغيَّرهُ العذاب أشدَّ تغيير، فعندها قال:{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) } [الصافات: 56 - 57] أي: إنْ كدتَ لتهلكني، ولولا أنْ

(3)

أنعمَ اللَّهُ عليَّ بنعمه لكنتُ من المحضرين معَك في العذاب"

(4)

.

= في زاد المسير (7/ 50).

(1)

وإليه ذهب عامَّة المفسرين: الطبري (23/ 58)، والماوردي (5/ 49)، والقرطبي (15/ 81 - 82)، وابن الجوزي (7/ 49)، والبغوي (7/ 41) وغيرهم.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره "كما في الدر المنثور (5/ 52) بنحوه"، وذكره ابن المبارك "كما عند القرطبي (15/ 83) بمثله". من طريق قتادة قال: ذكر لنا أنَّ كعب فذكره.

وسنده منقطع، قتادة لم يدرك كعب الأحبار.

(3)

ليس في "ج".

(4)

انظر: تفسير مقاتل (3/ 99) بمعناه.

ص: 563

وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) } [الطور: 25 - 28].

وقال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شَرِيك عن بشر بن نُمير

(1)

عن القاسم عن أبي أُمامة قال: سُئِلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيتزاورُ أهل الجنَّة؟ قال: يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى، إلَّا الَّذين يتحابون في اللَّه يأتون منها حيث شاؤوا على النُّوق محتقبين الحشايا"

(2)

.

وقال الدورقي: حدثنا أبو سلمة التبوذكي، حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: بلغنا أنَّ أهل الجنَّة يزورُ الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى"

(3)

.

(1)

في "ب، د": "نمر" وهو خطأ.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 286) رقم (7936)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (421).

قال الهيثمي في المجمع (10/ 279): "وفيه بشر بن نمير، وهو متروك".

وقد اتُّهم بالكذبِ ووضع الحديث. انظر: تهذيب الكمال (4/ 156 - 157).

- ورواهُ جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة.

عند الطبراني (8/ 292) رقم (7959)، وجعفر اتُّهم بوضع الحديث.

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (422).

ورواهُ سليمان بن المغيرة وابن المعتمر عن حميد، نحوه.

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (235)، وابن حبيب في =

ص: 564

وقد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه

(1)

.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب يرفعه: "إنَّ أهل الجنَّة يتزاورون على النجائب" وقد تقدم

(2)

.

فأهلُ الجنَّة يتزاورون فيها، ويستزيرُ بعضهم بعضًا، وبذلك تَتِمُّ لذَّتُهم وسرورهم، ولهذا قال حارثة للنَّبي صلى الله عليه وسلم وقد سألهُ:"كيف أصبحتَ يا حارثة؟ " قال: أصبحتُ مؤِمنًا حقًّا، قال:"إنَّ لكلِّ حقًّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ " قال: عزَفتْ نفسي عن الدنيا، فأسهرتُ ليلي، وأظمأتُ نهاري، وكأنِّي أنظرُ إلى عرش ربي بارزًا، وإلى أهل الجنَّة يتزاورون فيها، وإلى أهل النَّارِ يُعَذَّبون فيها، فقال:"عبدٌ نوَّر اللَّهُ قلبَه"

(3)

.

= وصف الفردوس رقم (179). وسنده صحيح.

(1)

ص (579).

(2)

ص (560).

(3)

أخرجه البزار "كشف الأستار" رقم (32)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (10590)، والحكيم الترمذي في الصلاة ومقاصدها (ص/ 73).

من طريق يوسف بن عطية عن ثابت وقتادة عن أنس بن مالك.

قال البزار: "تفرَّد به يوسف بن عطية، وهو لين الحديث".

قلتُ: يوسف بن عطية الصفَّار متروك الحديث.

والحديث وقع فيه اختلاف كثير، ولا يصح مرفوعًا، وإنَّما هو من قول بعض أتباع التَّابعين ومن دونهم: كمالك بن مغول وصالح بن مسمار، وقد =

ص: 565

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد اللَّه

(1)

حدثني سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: فيشتاقُ الإخوان بعضهم إلى بعض، فيسير سريرُ هذا إلى سرير هذا، وسرير هذا إلى سرير هذا، حتَّى يجتمعا جميعًا، فيقول أحدهما لصاحبه: تعلمُ متى غفر اللَّهُ لنا؟ فيقول صاحبه: يوم كُنَّا في موضع كذا وكذا، فدعونا اللَّه فغفر لنا"

(2)

.

قال: وحدثنا حمزة بن العباس، أنبأنا عبد اللَّه بن عثمان أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني ثعلبة بن مسلم

(3)

، عن أيوب بن بشير العجلي، عن شُفَيِّ بن ماتِعٍ

(4)

أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ من نعيم أهل الجنَّة أنَّهم يتزاورون على المطايا

= قال ابن صاعد: ". . . وهذا الحديث لا يثبت مرفوعًا".

انظر: المعرفة لأبي نعيم (2/ 778)، والإصابة لابن حجر (1/ 303).

(1)

قوله: "حدثنا عبد اللَّه" ليس في المطبوع من كتاب ابن أبي الدنيا، وهو مثبت في جميع النسخ، ولعلَّ عبد اللَّه هذا: هو ابن أحمد بن حنبل، واللَّه أعلم، انظر: تهذيب الكمال (11/ 285).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (245).

وأخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 103)، والبزار "كما في كشف الأستار رقم (3553).

قال أبو حاتم الرَّازي: "هذا حديث منكر، وسعيد "يعني: ابن دينار" مجهول". انظر: تفسير ابن كثير (4/ 260).

(3)

في "أ، ج": "سلم" وهو خطأ.

(4)

في "هـ": "نافع" وهو خطأ، وفي "ج":"مانع" وهو خطأ.

ص: 566

والنجب، وأنَّهم يؤتون في الجنَّة بخيلٍ مُسرجةٍ مُلْجمةٍ، لا تروث ولا تبول، فيركبونها حتَّى ينتهوا حيث شاء اللَّهُ عز وجل، فيأتيهم مثل السحابة، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، فيقولون: أمطري علينا، فما يزال المطرُ عليهم حتَّى ينتهي ذلك فوق أمانيهم، ثمَّ يبعث اللَّه ريحًا غير مؤذية، فتنسف كثبانًا من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم، فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم، وفي مفارقهم

(1)

وفي رؤوسهم، ولكلِّ رجلٍ منهم جُمَّة على ما اشتهت نفسه، فيتعلَّق ذلك المسك في تلك الجمام وفي الخيل، وفيما سوى ذلك من الثياب، ثمَّ يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء اللَّهُ تعالى، فإذا المرأة تنادي بعض أولئك: يا عبد اللَّه أمالك فينا حاجة؟ فيقول: ما أنتِ ومن أنتِ؟ فتقول: أنا زوجك وحِبُّكَ، فيقول: ما كنتُ علمتُ بمكانِك، فتقول المرأة: أوما تعلم انَّ اللَّه قال: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } [السجدة: 17] فيقول: بلى وربِّي، فلعلَّه يُشْغَلُ

(2)

عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفًا، لا يلتفتُ ولا يعودُ؛ ما يشغلهُ عنها إلَّا ما هو فيه من النعيم والكرامة"

(3)

.

(1)

في "ب، ج، د، هـ": "مفارقها".

(2)

في "ب": "ليشغل".

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (246)، وابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم- رقم (239).

وهو حديث مرسل ضعيف الإسناد؛ لأن شُفي بن ماتع تابعي على الصحيح، وثعلبة بن مسلم فيه جهالة. انظر: جامع التحصيل للعلائي رقم (288).

ص: 567

حدثني حمزة أنبأنا عبد اللَّه بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا رشدين ابن سعد قال: حدثني ابنُ أنعم أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: "إنَّ أهل الجنَّة ليتزاورون على العِيْس الجُوْنِ، عليها رحال المَيْس، تثير مناسمها غبار المسك، خِطام أو زمام أحدها خيرٌ من الدنيا وما فيها"

(1)

.

وذكر ابن أبي الدنيا: من حديث أبي اليمان، حدثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه سأل جبريل عن هذه الآية:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] قال: "هم الشهداء يبعثهم اللَّه متقلدين أسيافهم حول عرشه، فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت، أزِمَّتها الدُّرُّ الأبيض، برحال الذهب، أعِنَّتها السندس والإستبرق، ونمارقها أَلْيَنُ من الحرير، مدُّ خُطَاها مدُّ أبصار الرجال، يسيرون في الجنَّة على خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي اللَّه

(2)

بين خلقه، يضحك اللَّهُ إليهم، وإذا ضحك اللَّه إلى عبدٍ في موطن فلا حساب عليه"

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (247).

وسنده ضعيف، رشدين وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيفان.

(2)

ليس في "أ، ج".

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (248).

- وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 277) رقم (3000) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، والدَّارقطني في الإفراد "كما في الأطراف (5/ 155) رقم (4984) وغيرهما. =

ص: 568

قال ابن أبي الدنيا: وحدثنا الفضل بن جعفر ثنا جعفر بن حسن

(1)

، حدثنا أبي، عن الحسن بن علي عن علي

(2)

رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ في الجنَّة لشجرةً يخرجُ من أعلاها حللٌ، ومن أسفلها خيلٌ من ذهب مسرجةٍ ملجمةٍ من درٍّ وياقوت، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة خطوها مدُّ بصرها، فيركبها أهل الجنَّة فتطيرُ بهم حيث شاؤوا، فيقول الَّذين أسفلَ منهم درجة

(3)

: يا رب بِمَ بلغ عبادُك هذه الكرامة كلها؟ قال: فيقال لهم: كانوا يصلون بالليل وكنتم تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون"

(4)

.

= من طريقِ بقية بن الوليد وحماد بن أُسامة كلاهما عن عمر بن محمد به نحوه.

قال الدَّارقطني: "غريب من حديثه "يعني زيد" عن أبيه، تفرَّد به عمر بن محمد عنه. . . ".

والحديثُ مدارهُ على عمر بن محمد وهو ابن صهبان الأسلمي: وهو متروك الحديث، وهذا الحديث من مناكيره.

انظر: تهذيب الكمال (21/ 400 - 401).

(1)

كذا في جميع النسخ، وفي مصدر التخريج، ولعلَّ صوابه "جسر"، وهو: ابن فرْقَد أبو جعفر القصَّاب، انظر: لسان الميزان (2/ 132 - 133).

(2)

قوله "عن علي" سقط من "هـ".

(3)

في "أ، جـ": "فرحة".

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (249).

وهو حديثٌ منكر، فيه جعفر بن جسر بن فرقد، وأبوهُ جسر وكلاهما ضعيف، لكن جسر أضعف وله منكرات، وقال بعضهم فيه: متروك.

انظر: لسان الميزان (2/ 140 - 141).

ص: 569