المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وأمَّا العيون: فقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌ ‌فصل وأمَّا العيون: فقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

‌فصل

وأمَّا العيون: فقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)} [الذاريات: 15]، وقال تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5 - 6].

قال بعض السلف: "معهم قضبان الذهب، حيثما مالوا مالت معهم"

(1)

.

وقد اختلف في قوله: {يَشْرَبُ بِهَا} [الإنسان: 6]:

- فقال الكوفيون: الباء بمعنى مِنْ. أي يشرب منها

(2)

.

- وقال آخرون: بل الفعل مُضَمَّن

(3)

. ومعنى يشرب بها: أي يروى بها، فلمَّا ضمَّنه معناه عدَّاه تعديته، وهذا أصح وألطف وأبلغ.

- وقالت طائفة: الباء للظَّرفية، والعين اسم للمكان

(4)

، كما تقول: كنا بمكان كذا وكذا.

ونظير هذا التَّضمين قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] ضُمِّنَ معنى يَهُمُّ

(5)

فَعُدِّيَ تَعْدِيته.

= علي بن عبد اللَّه بن عباس.

انظر: تهذيب الكمال (26/ 424).

(1)

انظر: تفسير الطبري (29/ 208)، والدر المنثور (6/ 483).

(2)

في "هـ": "أي: من شرب منها".

(3)

من "أ"، وفي باقي النسخ "مُضْمَر"، والمثبت هو الصواب.

(4)

في "ب، ج": "مكان"، وفي "هـ":"المكان".

(5)

من "أ"، وفي باقي النسخ "بهم" وهو خطأ.

ص: 391

وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) } [الإنسان: 17، 18]، فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صِرْفًا؛ أنَّ شراب الأبرار يمزج منها؛ لأنَّ أولئك أخلصوا الأَعمال كلها للَّه، فأخلص شرابهم، وهؤلاء مزجوا، فمزج شرابهم.

ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) } [المطففين: 22 - 28].

فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين؟ بالكافور في أوَّل السُّورة، والزنجبيل في آخرها، فإنَّ في الكافور من البرد وطيب الرَّائحة، وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرَّائحة، وما يحدث لهم باجتماع الشَّرابين -ومجيء أحدهما على إثر الآخر- حالةً أخرى أكمل وأطيب وألذ من كلٍّ منهما بانفراده، وتعتدل

(1)

كيفية كل منهما بكيفية الآخر، وما ألطف موقع ذكر الكافور في أوَّل السورة، والزنجبيل [108/ ب] في آخرها، فإنَّ شرابهم مُزِج أوَّلًا بالكافور، وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله.

والظَّاهرُ أنَّ الكأس الثانية

(2)

غير الأولى، وأنَّهما نوعان لذيذان من الشراب، أحدهما: مُزِجَ بكافور، والثاني: مُزِجَ بزنجبيل.

(1)

في "ب، د": "يعدل".

(2)

في "ب، د": "الثاني".

ص: 392

وأيضًا؛ فإنَّه سبحانه أخبر عن مَزْجِ شرابهم بالكافور وبَرْدِهِ في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف، والإيثار، والصبر، والوفاءِ بجميع الواجبات التي نبَّهَ بوفائهم بأضعفها، وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنَّذْرِ على الوفاءِ بأعلاها، وهو ما أوجبه اللَّهُ عليهم، ولهذا قال:{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) } [الإنسان: 12]، فإنَّ في الصَّبر من الخشونة وحبس النَّفس عن شهواتها؛ ما اقتضى أنْ يكون في جزائهم من سعة الجنَّة، ونعومة الحريرِ ما يقابل ذلك الحبس والخشونة، وجمع لهم بين النضرة والسرور، هذا جمال ظواهرهم، وهذا جمال بواطنهم، كَمَا جمَّلُوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام، وبواطنهم بحقائق الإيمان.

ونظيره قوله تعالى في آخر السورة: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21]، فهذه زينة الظاهر، ثمَّ قال:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) } [الإنسان: 21].

فهذه زينة الباطن المُطَهِّر له

(1)

من كلِّ أذى ونقص.

ونظيرهُ قوله تعالى لأبيهم آدم عليه السلام: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) } [طه: 118، 119].

فضَمِنَ لهُ أنْ لا يصيبه ذل الباطن بالجوع، ولا ذلُّ الظاهر بالعُريِّ، وأنْ لا يناله حرّ الباطن بالظمأ، ولا حرُّ الظاهر بالضحى.

ونظيرُ هذا ما عدَّدهُ على عباده من نعمه أنَّه أنزل عليهم لباسًا يواري

(1)

كذا في جميع النسخ.

ص: 393

سوآتهم، ويزين ظواهرهم، ولباسًا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم، وهو لباس التقوى، وأخبر أنَّه خير اللباسين

(1)

.

وقريبٌ من هذا إخباره أنَّه زيَّنَ السَّماءَ الدنيا بزينة الكواكب، وحفظها من كلِّ شيطانٍ ماردٍ، فزيَّن ظاهرها بالنُّجوم، وباطنها بالحراسة

(2)

.

وقريبٌ منه أمره من أراد الحج بالزَّاد الظَّاهر، ثمَّ أخبر أنَّ خير الزَّادِ الزادُ الباطن، وهو التقوى

(3)

.

وقريبٌ منه قول امرأة العزيز عن يوسف: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]، فأرتهنَّ حُسْنَهُ وجماله، ثمَّ قالت:{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32]. فأخبرتهنَّ بجمال باطنه، وزينته بالعِفَّةِ.

وهذا كثيرٌ في القرآن لمن تأمله.

(1)

يُشير إلى آية (26) من سورة الأعراف.

(2)

يشير إلى آيتي (6 و 7) من سورة الصافات.

(3)

يشير إلى آية (197) من سورة البقرة.

ص: 394

الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنَّة، وشرابهم ومصرفه

قال اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} [المرسلات: 41 - 43]، وقال:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 19 - 24]، وقال تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)} [الزخرف: 72 - 73]، وقال تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35]، وقال تعالى:{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)} [الطور: 22 - 23]، وقال تعالى:{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [المطففين: 25 - 26].

وفي "صحيح مسلم"

(1)

من حديث أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يأكل أهل الجنَّة ويشربون، ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، طعامهم ذلك جُشاءٌ كريحِ المسكِ، يُلْهَمُون التسبيح والتكبير كما تُلهمون النَّفَسَ".

ورواهُ أيضًا من رواية طلحة بن نافع، عن جابر وفيه: قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جُشاءٌ ورشحٌ كرشح المسك، يُلْهَمون التسبيح

(1)

رقم (2835) - (19).

ص: 395

والحمد"

(1)

.

وفي "المسند" و"سنن النسائي" بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم قال:"جاء رجلٌ من أهل الكتاب إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال: "نعم، والذي نفس محمد بيده، إن أحدهم ليُعْطَى قوة مئة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة"، قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، قال: "تكون حاجة أحدهم رشحًا يفيض من جلودهم كرشح المسك فَيضْمُر بطنه"

(2)

.

ورواه الحاكم في "صحيحه"

(3)

ولفظه: "أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم، ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ -ويقول لأصحابه: إن أقرَّ لي بهذا خصمته- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "بلى والذي نفس محمدٍ بيده، إن أحدهم ليُعْطَى قوة

(1)

رقم (2835) - (18).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 367 و 371)، وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب رقم 263)، والنسائي في الكبرى (6/ رقم 11478)، وهناد في الزهد رقم (63، 90)، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه (16/ 7424)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 366)، (8/ 116)، وابن حبيب في وصف الفردوس رقم (83 و 84) وغيرهم.

والحديث صححه ابن حبان وأبو نعيم والضياء المقدسي والمؤلِّف.

(3)

لم أقف عليه في المطبوع، ولا في إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة لابن حجر (4/ 570 و 571) رقم (4671، 4673). لكن أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (352) عن الحاكم ومحمد بن موسى به.

ص: 396

رجل في المَطْعم والمَشْرب والشهوة والجماع"، فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "حاجتهم عَرَق يفيض من جلودهم مثل المسك، فإذا البطن قد ضمر".

وقال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه، فَيَخِرّ بين يديك مشويًّا"

(1)

.

وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد اللَّه بن سلام في أول طعام يأكله أهل الجنة، وشرابهم على أثره

(2)

.

(1)

أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه رقم (22)، والبزار في مسنده (5/ 401) رقم (2032)، والبيهقي في البعث رقم (353).

- ورواهُ جماعةٌ عن خلف بن خليفة به.

أخرجه الشاشي في مسنده رقم (858)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 268)، وابن عدي في الكامل (2/ 273)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (104)، والبيهقي في البعث رقم (353) وغيرهم.

والحديثُ مدارهُ على حميد الأعرج الكوفي: ضعيف جدًّا، بل قال ابن حبان:"يروي عن ابن الحارث عن ابن مسعود نسخة كأنَّها كلها موضوعة".

وقال ابن عدي: "وهذه الأحاديث عن ابن الحارث عن ابن مسعود، أحاديث ليست بمستقيمة ولا يتابع عليها. . ".

والحديثُ باطل، وقد ضعفه العقيلي وابن عدي والبوصيري والذهبي وغيرهم.

(2)

عند البخاري رقم (3723).

ص: 397

وحديث أبي سعيد الخدري: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفَّؤها الجبار بيده نُزُلًا لأهل الجنة"

(1)

.

وقال الحاكم: أنبأنا الأصم، حدثنا إبراهيم بن منقذ، حدثنا إدريس ابن يحيى، حدثني الفضل بن المختار، عن عبيد اللَّه بن موهب، عن عصمة بن مالك الخطمي، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة طيرًا أمثال البخاتي، فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول اللَّه، قال: أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر"

(2)

.

قال الحاكم: وأنبانا الأصم، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء، أنبأنا سعيد، عن قتادة في قوله تعالى:{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) } [الواقعة: 21] قال: ذكر لنا أن أبا بكر قال: يا رسول اللَّه، إني لأرى طير الجنة ناعمة كما أهلها ناعمون، قال:"من يأكلها أنعم منها، وإنها أمثال البخاتي، وإني لأحتسب على اللَّه أن تأكل منها يا أبا بكر"

(3)

.

(1)

عند البخاري رقم (6155)، ومسلم رقم (2792).

(2)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (354).

قال العراقي: غريب. قلت: فيه الفضل بن المختار البصري قال أبو حاتم: "هو مجهول، وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل"، وقال ابن حجر:"مدارها على الفضلِ بن المختار، وهو ضعيف جدًّا".

انظر: الجرح والتعديل (7/ 69)، والإصابة (6/ 243).

(3)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (355).

وسنده حسن إلى قتادة، والحديث مرسل.

ص: 398

وبهذا الإسناد عن قتادة، عن أبي أيوب رجلٌ من أهل البصرة، عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما في قوله تعالى:{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]، قال:"يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذَهَبٍ، كلُّ صفحةٍ فيها لون ليس في الأُخرى"

(1)

.

وقال الدراوردي: حدثني ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه

(2)

عبد اللَّه ابن مسلم أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول في الكوثر: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هو نهرٌ أعطانيه ربي أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجُزُرِ"، فقال عمر بن الخطاب: إنها يا رسول اللَّه لناعمة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"آكِلُها أنعم منها"

(3)

.

(1)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (356)، والطبري في تفسيره (25/ 96) مختصرًا.

وسنده صحيح، أبو أيوب هذا هو يحيى، -ويقال حبيب- ابن مالك الأزدي العتكي. انظر: تهذيب الكمال (33/ 60 - 62).

(2)

في "ب، د": "عن" بين "أبيه" و"عبد اللَّه" وهو خطأ.

(3)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (291).

- ورواهُ إبراهيم بن سعد ومعن بن عيسى القزَّاز وعبد اللَّه بن مسلمة القعنبي وأبو أُويس "لكنه اضطرب فيه"، كلهم عن محمد بن عبد اللَّه بن مسلم عن أبيه عن أنس فذكره نحوه؛ لكن قال إبراهيم بن سعد "أبو بكر" بدل "عمر".

أخرجه أحمد (3/ 236، 237)، وبقي بن مخلد فيما روي في الحوض والكوثر رقم (31)، والآجري في الشريعة رقم (1087)، والترمذي برقم (2542)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة (79) وغيرهم.

- ورواهُ جعفر بن عمرو عن عبد اللَّه بن مسلم عن أنس فذكره. =

ص: 399

تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب، وقال: فقال "أبو بكر" بدل "عمر".

وقال عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا عبد اللَّه بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) } [الواقعة: 18]، يقول:"الخمر"، {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] يقول

(1)

: "ليس فيها صداع"، وفي قوله تعالى:{وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة: 19] يقول: "لا تذهب عقولهم"، وقوله تعالى:

= أخرجه بقي بن مخلد في الحوض والكوثر رقم (30) وغيره.

- ورواه عبد الوهاب بن أبي بكر ويزيد بن الهاد (إن كان محفوظًا) عن عبد اللَّه بن مسلم عن ابن شهاب الزهري عن أنس فذكره نحوه.

أخرجه أحمد (3/ 220)، وبقي بن مخلد "فيما روي في الحوض والكوثر" رقم (32/ 33)، والطبري في تفسيره (30/ 324) وغيرهم.

- ورواه الليث بن سعد إن كان محفوظًا -عن الزهري عن أنس مرفوعًا- قاله لأبي بكر.

أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (88).

قال الترمذي: "حسن"، وفي بعض النسخ "حسن غريب".

قلت: طريق عبد الوهاب أصح، فإن محمد بن عبد اللَّه بن مسلم في حفظه مقال، وجعفر بن عمرو هو ابن جعفر بن أميه فيه جهالة، والراوي عنه ابن إسحاق ولم يصرح بالتحديث، والحديث غريب عن الزهري.

- ورواه سيار عن جعفر بن سليمان الضُّبَعي عن ثابت عن أنس رفعه: "إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة فقال أبو بكر. . . " نحوه.

أخرجه أحمد (3/ 221)، وصحَّح العراقي إسناده، وفيه نظر، والصواب أنَّه ضعيف الإسناد.

(1)

سقط من "ج".

ص: 400

{وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) } [النبأ: 34]، يقول:"ممتلئة"، وقوله:{رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] يقول: "الخمر ختم بالمسك"

(1)

.

وقال علقمة، عن ابن مسعود:{خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]. قال: "خلطه، وليس بخاتم يختم"

(2)

.

(1)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (357).

وسنده حسن، وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وإنما لقي مجاهدًا فسمع منه التفسير.

انظر تهذيب الكمال (20/ 490).

وأخرجه الطبري مفرَّقًا ببعضه، عن علي عن عبد اللَّه بن صالح به في (27/ 175) و (30/ 19 و 105 و 106).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (277)، وابن وهب في التفسير - من الجامع (1/ 143) رقم (334)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (131)، والطبري في تفسيره (30/ 106)، والبيهقي في البعث رقم (359) وغيرهم.

من طريق سفيان الثوري عن أشعث بن سليم عن زيد بن معاوية عن علقمة عن ابن مسعود فذكره.

- وقد خولف الثوري:

خالفه أبو الأحوص وزائدة وأيوب وشريك وإسرائيل كلهم عن أشعث به (من قول علقمة).

وسئل يحيى القطان عن ذلك فقال: "لو كانوا أربعة آلاف مثل هؤلاء لكان سفيان أثبت منهم".

وسئل عبد الرحمن بن مهدي عن ذلك فقال: "هؤلاء قد اجتمعوا، وسفيان أثبت منهم، والانصاف لا بأس به".

انظر المجروحين لابن حبان (1/ 51).

والأثر فيه زيد بن معاوية ذكره ابن حبان في الثقات (6/ 317) وسكت =

ص: 401

قلت: يريد -واللَّه أعلم- أن آخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة، ليس من الخاتم.

وقال زيد بن معاوية: سألت علقمة عن قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] فقرأ {خاتمه مسك} ، فقال لي علقمة: "ليست خاتمه، ولكن اقرأها {خِتَامُهُ مِسْكٌ} قال علقمة: ختامه: خلطه، ألم تر إلى

(1)

المرأة من نسائكم تقول للطيب: إنَّ خَلْطهُ من مسك، لكذا وكذا"

(2)

.

وذكر سعيد بن منصور

(3)

: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن مسروق: "الرحيق: الخمر، والمختوم: يجدون

= عنه البخاري، وروى عنه راويان.

وعليه فالإسناد لا بأس به.

(1)

في "ب، ج، د، هـ""أنَّ".

(2)

أخرجه هناد في الزهد رقم (67)، والطبري في تفسيره (30/ 106)، والبيهقي في البعث رقم (360).

وفيه زيد بن معاوية العبسي -تقدم الكلام فيه- وهو هنا يسأل علقمة فهو أقرب إلى الضبط في الجُمْلة.

وعليه فالإسناد ثابت.

(3)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (361) من طريق سعيد بن منصور به مثله.

لكن رواه هناد في الزهد رقم (64)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (137).

عن داود بن عمرو الضَّبي كلاهما "هناد وداود" عن أبي معاوية به.

وزاد "عن ابن مسعود" وهذا هو الصحيح.

ورواهُ وكيع عن الأعمش به -وذكر ابن مسعود- مقتصرًا على أوَّله.

أخرجه هناد رقم (66) وغيره.

ص: 402

عاقبتها طعم المسك".

وبهذا الإسناد عن مسروق، عن عبد اللَّه في قوله تعالى:{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) } [المطففين: 27] قال: "يمزج لأصحاب اليمين، ويشربُها المقربون صرفًا"

(1)

.

وكذلك قال ابن عباس: "يشرب منها المقربون صرفًا، ويمزج لمن دونهم"

(2)

.

وقال مجاهدٌ: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] يقول: "طينه مسك"

(3)

.

وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير. ولفظ الآية أوضح منه، وكأنه -

(1)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (362) من طريق سعيد بن منصور به مثله.

وأخرجه هناد في الزهد رقم (65)، والمروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1522)، والطبري (30/ 108).

- ورواهُ جريرُ عن الأعمش عن عبد اللَّه عن مسروق قوله "ولم يذكر ابن مسعود".

أخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 449).

والأثر ثابت صحيح عن ابن مسعود.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 290) رقم (3545)، والطبري في تفسيره (30/ 109)، والبيهقي في البعث رقم (363) وغيرهم.

وسنده صحيح، انظر تغليق التعليق (3/ 500).

(3)

أخرجه الطبري في تفسيره (30/ 107)، والبيهقي في البعث رقم (364) وغيرهما.

وسنده حسن. انظر تغليق التعليق (3/ 500).

ص: 403

واللَّه أعلم- يريد ما يبقى في أسفل الإناء من الدُّرْدِيِّ

(1)

.

وذكر الحاكم: من حديث آدم، حدثنا شيبان، عن جابر، عن ابن سابط، عن أبي الدرداء في قوله:{خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]، قال:"هو شرابٌ أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، لو أنَّ رجلًا من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها؛ لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها"

(2)

.

قال آدم: وحدثنا أبو شيبة، عن عطاء قال:"التَّسْنِيم: اسم العين التي يمزج به الخمر"

(3)

.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:{وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34]

(1)

دُرديُّ الشيء: ما يبقى في أسفله، الصحاح (1/ 403).

(2)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (365) عن الحاكم به مثله.

وأخرجه ابن المبارك في الزهدِ -رواية نُعيم- رقم (276)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (130)، والطبري في تفسيره (30/ 107).

من طريق أبي حمزة ورجل عن جابر به مثله.

والأثرُ ضعيفُ الإسناد فيه جابر الجعفي متكلَّمٌ فيه، وعبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي الدرداء.

انظر: تهذيب الكمال (17/ 125).

(3)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (366) عن الحاكم به مثله.

وسنده حسن، وأبو شيبة هو: شعيب بن رزيق الشامي أبو شيبة المقدسي، وعطاء هو ابن أبي مسلم الخراساني. انظر: تهذيب الكمال (12/ 524).

ص: 404

قال: "هي المتتابعة الممتلئة"، قال: ورُبَّما سمعت العباس يقول: اسقنا وادْهَق لنا"

(1)

.

وقد تقدَّم الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 5 - 6] وعلى قوله: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) } [الإنسان: 17 - 18]

(2)

.

فقالت فرقة: "سلسبيلًا" جملة مركبة من فعل وفاعل، و"سبيلًا" منصوب على المفعول، أي سل سبيلًا إليها

(3)

.

وليس هذا بشيء، وإنما السلسبيل كلمة مفردة، وهي اسم للعين نفسها باعتبار صفتها، وقد شفى

(4)

قتادة ومجاهد في اشتقاق اللفظة،

(1)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (358) من طريق الإمام أحمد به مثله.

وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في تغليق التعليق (3/ 501) عن هشيم به نحوه مختصرًا.

- رواهُ يحيى بن المهلب عن حصين به نحوه وفيه (. . . اسقنا كأسًا دهاقًا).

أخرجه البخاري في صحيحه (66) فضائل الصحابة (56) باب: أيام الجاهلية (3/ 1395) رقم (3627).

(2)

انظر ص (391 - 392).

(3)

ذكره الماوردي في تفسيره (6/ 171) عن علي رضي الله عنه.

قال ابن الجوزي: "ولا يصح" أي: عن علي رضي الله عنه. وقال السمعاني: "ومن قال ذلك فقد أبعد، وهو تأويل باطل، وليس من قول أهل العلم". انظر زاد المسير (8/ 438)، وتفسير القرآن للسمعاني (6/ 119).

(4)

في "أ، ب، هـ""سعى" وهو خطأ.

ص: 405

فقال قتادة: "سَلِسَة لهم يصرفونها حيث شاؤوا"

(1)

. وهذا من الاشتقاق الأكبر

(2)

. وقال مجاهد: "سَلِسَةُ السبيل حديدة الجرية"

(3)

، وقال أبو العالية والمقاتلان

(4)

: "تسيل عليهم في الطرق، وفي منازلهم". وهذا من سلاستها وحِدَّة جريتها.

وقال آخرون: معناها طيبة الطعم والمذاق

(5)

.

وقال أبو إسحاق: "سلسبيل: صفة لِمَا كان في غاية السلاسة،

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 271) رقم (3437)، والطبري (29/ 218).

عن معمر عن قتادة فذكره.

- ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: (سَلِسَة مستقيدًا "أي: منقاد" ماؤها).

أخرجه الطبري (29/ 218). وهو أثر صحيح عن قتادة.

(2)

في "ج""الأكثر" وهو خطأ.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 271) رقم (3436) وهناد في الزهد رقم (96) والطبري (29/ 218 و 219).

من طريق الثوري وشبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. .

ولفظ الثوري: حديدة -وفي رواية: شديدة- الجرية. ولفظ شبل: سلسة الجرية. وهو أثر صحيح عن مجاهد.

(4)

المقاتلان هما: مقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان.

وانظر هذا النقل عنهما في تفسير السمرقندي "بحر العلوم"(3/ 432)، وتفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (19/ 143)، وتفسير الماوردي (6/ 171)، ومعالم التنزيل للبغوي (8/ 297).

(5)

انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (19/ 142).

ص: 406

فسميت العين بذلك.

وقال ابن الأنباري: "الصواب في سلسبيل: أنه صفة للماء، وليس باسم للعين". واحتج على ذلك بحجتين:

إحداهما: بأنَّ سلسبيلَ مصْرُوف، ولو كان اسمًا للعين لم يُصْرَف للتأنيث والعلمية.

الثانية: أن ابن عباس قال: معناه "أنها تنسل في حلوقهم انسلالًا"

(1)

.

قلت: ولا حجة له في واحدة منهما، أما الصرف: فلاقْتِضَاء رؤوس الآي له كنظائره. وأما قول ابن عباس: فإنما يدل على أن العين سميت بذلك باعتبار صفة السلاسة والسهولة

(2)

.

فقد تضمنت هذه النصوص أنَّ لهم فيها الخبز والَّلحم والفاكهةَ والحلوى، وأنواع الأشربة من الماء واللبن والخمر، وليس في الدنيا ممَّا في الآخرة إلَّا الأسماء، وأمَّا المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر.

فإنْ قيل: فأين يُشْوى اللحم وليس في الجنة نار؟.

فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه يُشْوى بـ {كُن} .

(1)

ذكره الماوردي في تفسيره (6/ 171).

(2)

راجع معاني القرآن للزجاج (5/ 261)، وتفسير السمعاني (6/ 119)، وزاد المسير لابن الجوزي (8/ 438).

ص: 407

وأجاب آخرون: بأنَّه يشوى خارج الجنة، ثم يؤتى به إليهم.

والصواب: أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز العليم

(1)

لإنضاجه وإصلاحه، كما قَدَّرَ هناك أسبابًا لإنضاج الثمر والطعام، على أنَّه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح ولا تفسد شيئًا.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مجامرهم الأَلُوَّةُ"

(2)

، و"المجامر": جمعِ مَجْمَر، وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه. و"الألوة": العود المُطرَّى. فأخبر أنهم يتجمرون به، أي: يتبخرون بإحراقه، لتسطع لهم رائحته.

وقد أخبر سبحانه أنَّ في الجنَّة ظلالًا، والظلال لا بُدَّ أنْ تفيء ممَّا يقابلها فقال:{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) } [يس: 56].

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) } [المرسلات: 41].

وقال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) } [النساء: 57].

فالأطعمة والحلوى والتَّجمر تستدعي أسبابًا تتم بها، واللَّه سبحانه خالق السَّبب والمُسَبَّب، وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو، وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابًا تُصَرِّف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم، فهذا سبب إخراجه، وذاك سبب إنضاجه، وكذلك يجعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويُلطِّفه، ويهيئه لخروجه رشحًا وجشاءً، وكذلك ما هناك من الثمار

(1)

في "هـ": "الحكيم".

(2)

تقدم في (ص/ 231).

ص: 408

والفواكه يخلق لها من الحرارة ما يُنْضِجها، ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالًا، فربُّ الدنيا والآخرة واحد، وهو الخالق بالأسباب والحِكَم ما يجعله

(1)

في الدنيا والآخرة، والأسباب مظهر أفعاله وحكمته؛ ولكنَّها تختلف، ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة، وربما حمله ذلك على الإنكار والكفر، وذلك محض الجهل والظلم؛ وإلَّا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصّرة عن أسباب أُخَر؛ وَمُسَبِّبَات ينشئها منها؛ كما لم يقصر في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته، وليس هذا بأهون عليه من ذلك.

ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة = أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب. ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة، والماء والخشب والنوى

(2)

المناسب لها = أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها.

ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذَّة من بين فرث ودم، ومن فِيِّ

(3)

ذُبَابٍ = أعجب من إجرائها أنهارًا في الجنة بأسباب أُخر.

(1)

في "ب، د": "يخلقه".

(2)

في "ب، د، هـ": "الهواء".

(3)

في "أ، ب، ج": "قِيِّ"، ويعني بالذباب: النحل.

ص: 409

ولعل أخراج جوهَرَي الذهب والفضة في

(1)

عروق الحجارة من الجبال وغيرها = أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر. ولعل إخراج الحرير من لعاب دُوْدِ القَزِّ، وبنائها على أنفسها القباب البِيْض والحُمر والصفر أحكم بناء = أعجب من إخراجه من أكمام تتفتَّق عنه شجر هناك، قد أودع فيها، وأنشئ منها.

ولعلَّ جريان بحار الماء بين السماء والأرض على ظهور السحاب = أعجب من جريانها في الجنة في غير أخدود.

وبالجملة، فتأمل آيات اللَّه التي دعا عباده إلى التفكُّر فيها، وجعلها آياتٍ دالةً على كمال قدرته، وعِلَّةً في مشيئته

(2)

وحكمته وملكه، وعلى توحُّده بالربوبية والإلهية، ثم وازن بينها وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار = تجد هذه أدلَّ شيءٍ على تلك، شاهدة لها، وتجدهما من مشكاةٍ واحدة، وربٍّ واحد، وخالقٍ واحد

(3)

، وملكٍ واحد، فبُعدًا لقومٍ لا يؤمنون.

(1)

في "هـ": "من".

(2)

في "ب، د": "وعلمه ومشيئته"، وفي "هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ":"وعلمه في مشيئته".

(3)

قوله "وخالق واحد" من "ب، ج، د، هـ".

ص: 410

الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون، وأجناسها وصفاتها

قال اللَّهُ تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف: 71]، فالصحاف: جمعُ صَحْفَة، قال الكلبي:"بقصاعٍ من ذهبٍ". وقال الليث: "الصحفة: قطعةٌ مُسْلَنْطِحَة عريضة، الجمعُ: صِحَاف، قال الأعشى:

والمَكَاكِيْكَ والصِّحَافَ منَ الفِضَّـ

ـة والضَّامِزَاتِ تحتَ الرِّحَالِ

(1)

وأمَّا الأكواب فجمع كوبٍ، قال الفرَّاء: "الكوب: المستدير الرَّأس الَّذي لا أُذَنَ له، وأنشد لِعَدِي:

مُتكئًا تصفقُ أبوابُه

يسعى عليه الغيد بالكوب

(2)

وقال أبو عبيدة: "الأكواب: الأباريق التي لا خراطيم لها"

(3)

، قال أبو إسحاق:"واحدها كوبٌ، وهو إناء مستدير لا عُروة له"

(4)

. وقال ابن عباس: "هي الأباريق التي ليست لها آذان"

(5)

. وقال مقاتل: "هي

(1)

انظر: تهذيب الَّلغة للأزهري (2/ 1981)، وانظر البيت في ديوان الأعشى ص (167).

(2)

انظر معاني القرآن للفرَّاء (3/ 37).

(3)

انظر مجاز القرآن (2/ 206)، وفيه "الأبارق" بدل "الأباريق".

(4)

انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 419).

(5)

لم أقف عليه.

ص: 411

أواني مستديرة الرَّأس ليس لها عُرًى"

(1)

.

وقال البخاري في "صحيحه"

(2)

: الأكواب: الأباريق التي لا خراطيم لها".

وقال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) } [الواقعة: 17 - 18].

الأباريق: هي الأكواب التي لها خراطيم، فإنْ لم

(3)

يكن لها خراطيم ولا عُرًى فهي أكواب. وإبريق: إفعيل من البَرِيق، وهو الصفاء الَّذي يبرق لونه من صفائه، ثمَّ سُمِّيَ ما كان على شكله إبريق؛ وإنْ لم يكن صافيًا، وأباريق الجنَّة من الفضة في صفاء القوارير، يُرَى من ظاهرها ما في باطنها، والعربُ تسمى السيف إبريقًا، لَبريق لونه، ومنه قول ابن أحمر:

تعلَّقتَ إبريقًا وعلَّقْتَ جَعْبَة

لتُهلِكَ حيًّا ذَا زُهَاءً وَجَامل

(4)

وفي "نوادر الِّلحياني": "امرأة إبريق إذا كانت برَّاقة"

(5)

.

(1)

انظر تفسير مقاتل المنسوب إليه (3/ 312).

(2)

الَّذي في صحيح البخاري في "63" بدء الخلق (8)، باب: ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مخلوقة (3/ 1184) بهذا اللفظ "والكوب: ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق: ذات الآذان والعُرى". وانظر (4/ 117) ط: بولاق.

(3)

سقط من "أ".

(4)

انظر البيت في تهذيب اللغة للأزهري (1/ 316).

(5)

انظر تهذيب اللغة للأزهري (1/ 316).

ص: 412

وقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) } [الإنسان: 15 - 16].

فالقوارير: هي الزجاج، فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك الآنية أنَّها من الفضة، وأنَّها بصفاء الزجاج وشفافته، وهذا من أحسن الأشياء وأعجبها، وقطع سبحانه توهُّم كون تلك القوارير من زجاج فقال:{قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} ، قال مجاهد وقتادة ومُقاتل والكلبي والشعبي:"قوارير الجنَّة من الفضة"

(1)

، فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير.

قال ابن قتيبة: "كل ما في الجنَّة من الأنهار وسررها وفرشها وأكوابها مخالفٌ لما في الدنيا من صنعة العباد، كما قال ابن عباس: "ليس في الدنيا شيءٌ ممَّا في الجنَّة إلَّا الأسماء"

(2)

، والأكواب في الدنيا، قد تكون من فضة، وتكون من قوارير، فأعلمنا اللَّهُ تعالى أنَّ هناك أكوابًا لها بياض الفضة، وصفاء القوارير، قال: وهذا على التشبيه، أراد قوارير كأنَّها من فضة، وهذا كقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ

(1)

انظر: تفسير الطبري (29/ 215 - 217)، ومعالم التنزيل للبغوي (8/ 296)، وتفسير مقاتل (3/ 312 - 313).

(2)

أخرجه هناد في الزهد رقم (3، 8)، ووكيع في نسخته عن الأعمش رقم (1)، وابن أبي حاتم في تفسيره البقرة رقم (261)، والطبري (1/ 174)، ومسدد في مسنده كما في المطالب العالية (4617)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (124) وغيرهم.

من طرق عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لا يشبه شيءٌ ممَّا في الجنَّة ما في الدنيا إلَّا الأسماء". هذا لفظ الأشجعي عن الثوري.

وهو أثرٌ صحيح ثابت.

ص: 413

الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) } [الرحمن: 58]، أي لهنَّ ألوان المرجان في صفاء الياقوت"

(1)

.

وهذا مردودٌ عليه، فإنَّ الآية صريحةٌ أنَّها من فضة، و"من" ها هنا لبيان الجنس كما تقول: خاتم من فضة، ولا يراد بذلك أنه يشبه الفضة، بل جنسه ومادته الفضة، ولعله أشكل عليه كونها من فضة وهي قوارير، وهو الزجاج، وليس في ذلك إشكال لما ذكرناه.

وقوله: {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} التقدير: جعل الشيء بقدر مخصوص، فقدرت الصُّناع هذه الآنية على قدر رِيِّهِم

(2)

، لا يزيد عليه ولا ينقص منه، وهذا أبلغ في لذة الشارب، فلو نقص عن رِيِّهِ لنقص التذاذه، ولو زاد حتى يُسْئر

(3)

منه حصل له ملالة وسآمة من الباقي.

هذا قول جماعة المفسرين

(4)

.

قال الفراء: "قدروا الكأس على رِيِّ أحدهم، لا فضل فيه، ولا عجز عن رِيِّه، وهو الذُّ الشراب"

(5)

.

(1)

انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري ص (80 - 81).

(2)

في "ج، هـ": "زِيِّهم" وهو خطأ.

(3)

يسئر: أي يفْضل، قال الليث: يُقال أسأر فلان من طعامه وشرابه سُؤْرًا: وذلك إذا أبقى منه بقيَّة، قال: وبقية كل شيء سُؤْره، انظر: تهذيب اللغة للأزهري (2/ 1592).

(4)

في "هـ"، ونسخة على حاشية "أ":"من المفسرين".

(5)

انظر: معاني القرآن له (3/ 217).

ص: 414

وقال الزجاج: "جعلوا الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه"

(1)

.

وقال أبو عبيد: "يكون التقدير للذين يسقون يقدرونها، ثم يسقون". يعني أن الضمير في "قدروا" للملائكة والخدم، قدروا الكأس على قدر الرِّيِّ، فلا يزيد عليه فَيُثقِل الكف، ولا ينقص منه

(2)

فتطلب النفس الزيادة كما تقدم.

وقالت طائفة: الضمير يعود على الشاربين، أي قدروا في أنفسهم شيئًا، فجاءهم الأمر

(3)

بحسب ما قدروه وأرادوه.

وقول الجمهور أحسن وأبلغ، فهو مستلزم لهذا القول. واللَّه أعلم.

وأما الكأس، فقال أبو عبيدة:"هو الإناء بما فيه"

(4)

. وقال أبو إسحاق: "الكأس: الإناء إذا كان فيه خمر، ويقع الكأس لكلِّ إناءٍ مع شرابه"

(5)

.

والمفسرون فسَّروا الكأس بالخمر، وهو قول عطاء والكلبي

(1)

انظر معاني القرآن وإعرابه له (5/ 260).

(2)

من "ب، ج، د، هـ".

(3)

ليس في "د".

(4)

انظر مجاز القرآن (2/ 169).

(5)

انظر المخصص لابن سيده (3/ 196 - 197)، والمحرر الوجيز لابن عطية (15/ 363).

ص: 415

ومقاتل

(1)

، حتى قال الضحاك:"كل كأس في القرآن، فإنما عنى به: الخمر"

(2)

.

وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود: فإن المقصود ما في الكأس لا الإناء معه. وأيضًا، فإن من الأسماء ما يكون اسمًا للحال والمحل مجتمعين ومنفردين: كالنهر، والكأس. فإن النهر اسم للماء ولمحله معًا، ولكل منهما على انفراده، وكذلك الكأس، والقرية. ولهذا يجيء لفظ القرية مرادًا

(3)

به الساكن فقط، والمسكن فقط، والأمران معًا.

وقد أخرجا في "الصحيحين"

(4)

من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما: "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".

وفيهما أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دُرِّيٍّ في السماء إضاءةً، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق

(1)

انظر: تفسير مقاتل (3/ 313).

(2)

أخرجه هنَّاد في الزهد رقم (72)، والطبري في تفسيره (23/ 34).

وسنده صحيح.

(3)

في "د": "يُراد".

(4)

تقدم في ص (206 - 207).

ص: 416

رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، عليه السلام ستون ذراعًا في السماء"

(1)

.

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث حذيفة بن اليمان أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها

(3)

، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".

وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا شيبان، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت قال: قال أنس رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا

(4)

، فربما رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه، فإذا أثنى

(5)

عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه. فأتته امرأة فقالت: يا رسول اللَّه رأيت كأنِّي أُتيت فأخرجت من المدينة فأُدخلت الجنة، فسمعت وجبة انتحت

(6)

لها الجنة، فنظرت فإذا فلان ابن فلان، وفلان ابن فلان، فَسَمَّتْ اثني عشر رجلًا، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية قبل

(7)

ذلك، فجيء بهم، عليهم ثياب طُلْس تَشْخَب

(1)

تقدم ص (231 - 232).

(2)

البخاري رقم (5110)، ومسلم رقم (2067).

(3)

في "ب": "صحافهما".

(4)

عند أحمد من رواية عفان وبهز عن سليمان به "الرؤيا الحسنة".

(5)

في "أ، ج": "أتى"، والمثبت من مصدر التخريج، وباقي النسخ.

(6)

في "هـ" والمسند "ارْتَجَّتْ" وفي نسخةٍ على حاشية "أ": "أيتجت"، والمثبت من باقي النسخ، وأبي يعلى.

الوجْبَة: السَّقْطة. وانتحت يعني: مالت وتحركت. انظر: لسان العرب (15/ 310 - 311).

(7)

في مسند أبي يعلى "بمثل".

ص: 417

أوداجهم، فقيل: اذهبوا بهم إلى نهرِ البيذخ أو البنذخ

(1)

فغمسوا فيه فخرجوا، ووجوهم كالقمر ليلة البدرِ، فأتوا بصحفة من ذهبٍ فيها بُسْر، فأكلوا من بسره ما شاؤوا، فما يقلبونها من وجه إلَّا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا، وأكلتُ معهم، فجاء البشير من تلك السرية فقال

(2)

: أصيبَ فلانٌ وفلانٌ، حتَّى عدَّ

(3)

اثني عشرَ رجلًا، فدعا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المرأة، فقال:"قُصِّي رؤياكِ فقصتها، وجعلت تقول: جيء بفلان، وفلان، كما قال"

(4)

.

رواهُ الإمام أحمد في "مسنده" بنحوه، وإسناده على شرط مسلم.

(1)

اضطربت النسخ في ضبط هاتين الكلمتين، والمثبت من "أ".

(2)

في مسند أبي يعلى "كان من أمرنا كذا وكذا فأصيب. . . ".

(3)

قوله "حتَّى عدَّ"، وقع في "أ""فعدَّ"، والمثبت من مسند أبي يعلى، وباقي النسخ.

(4)

أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/ 44 - 45) رقم (3289)، وابن حبان في صحيحه (13/ رقم 6054)، والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 26) وغيرهم.

- ورواهُ عفَّان الصفار وبهز بن أسد وهاشم بن القاسم وموسى بن إسماعيل التبوذكي وأبو هاشم كلهم عن سليمان بن المغيرة به نحوه.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 135 و 257) والنسائي في الكبرى (4/ رقم 7622)، والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 26)، وأبو عوانة في صحيحه كما في إتحاف المهرة (1/ 531).

والحديث صححه أبو عوانة وابن حبان والمؤلف.

ص: 418

الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليتهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابِيِّهم

قال اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)} [الدخان: 51 - 53].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الكهف: 30 - 31].

قال جماعةٌ من المفسرين: السندس: ما رقَّ من الديباج، والاستبرق: ما غلظَ منه

(1)

.

وقال طائفة: ليس المراد به الغليظ، ولكن المراد به: الصَّفيق.

وقال الزجاج: "هما نوعان من الحرير"

(2)

.

وأحسن الألوان الأخضر، وألين الملابس الحرير، فجمع لهم بين

(1)

انظر: تفسير الطبري (15/ 243)، وتفسير الماوردي (3/ 304)، والوسيط للواحدي (3/ 147)، ومعالم التنزيل للبغوي (5/ 169)، والمحرر الوجيز لابن عطية (10/ 398)، وزاد المسير لابن الجوزي (5/ 137)، ومعاني القرآن للنحاس (4/ 233) وغيره.

(2)

انظر معاني القرآن وإعرابه له (3/ 284).

ص: 419

حسن منظر اللباس، والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم به.

وقال تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) } [الحج: 23].

وها هنا مسألة هذا موضع ذكرها، وهي أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أخبر أنَّ لباس أهل الجنَّة حرير، وصحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"

(1)

.

متفق على صحته، من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك رضي الله عنهما.

وقد اخْتُلِفَ في المراد بهذا الحديث:

- فقالت طائفة من السلف والخلف: إنَّه لا يلبس الحرير في الجنَّة، ويلبس غيره من الملابس، قالوا: وأمَّا قوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) } فمن العام المخصَّص

(2)

.

وقال الجمهور: هذا من الوعيد الَّذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أنَّ هذا الفعل مقتضٍ لهذا الحكم، وقد يتخلَّف

(3)

عنه لمانع.

(1)

أخرجه البخاري رقم (5496)، ومسلم رقم (2069) من حديث عمر رضي الله عنه، والبخاري رقم (5494)، ومسلم رقم (2073) من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

في "ب، ج، د، هـ" ونسخة على حاشية "أ": "المخصوص".

(3)

في "ج": "يختلف" وهو خطأ.

ص: 420

وقد دلَّ النص والإجماع على أنَّ التوبة مانعةٌ من لحوق الوعيد، ويمنع من لحوقه أيضًا الحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ودعاء المسلمين، وشفاعة من أذن اللَّهُ له في الشفاعة فيه، وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه، فهذا الحديث نظير الحديث الآخر "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"

(1)

.

وقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) } [الإنسان: 12]، وقال:{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان: 21]. وتأمَّل ما دلَّت عليه لفظة {عَالِيَهُمْ} من كون اللباس ظاهرًا بارزًا يُجَمِّل ظواهرهم، ليس بمنزلة الشعار الباطن، بل الَّذي يلبس فوق الثياب للزينة والجمال.

وقد اختلف القُرَّاء السبعة في نصب {عَالِيَهُمْ} ورفعه على قراءتين.

واختلف النحاة في وجه نَصْبِهِ، هل هو على الظرف، أو على الحال = على قولين.

واختلف المفسرون

(2)

: هل ذلك للولدان الَّذين يطوفون عليهم، فيطوفون وعليهم ثياب السندس والإستبرق، أو السادات الذين يطوف عليهم الولدان، فيطوفون على ساداتهم، وعلى السادات هذه الثياب؟.

وليس الحال ها هُنا بالبيِّن، ولا تحته ذلك المعنى البديع الرَّائع،

(1)

تقدم ص (378).

(2)

انظر لذلك معاني القرآن للفراء (3/ 218 - 219)، وتفسير الطبري (29/ 220).

ص: 421

فالصواب فيه: أنَّه منصوب على الظرف، فإنَّ "عاليًا" لمَّا كان بمعنى فوق أُجْريَ مجراهُ، قال أبو علي: وهذا الوجه أبين

(1)

، وهو أنَّ "عاليًا" صفة، فجُعِلَ ظرفًا كما كان قوله:{وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 42] كذلك، وكما قالوا: هو ناحية من الدار.

وأمَّا من رفع {عَالِيَهُمْ} فعلى الابتداء، و {ثِيَابُ سُنْدُسٍ}: خبره، ولا يمنع من هذا إفراد عالٍ، وجمع الثياب؛ فإنَّ فاعلًا قد يُراد به الكثرة، كما قال:

ألا إنَّ جيراني العَشيَّة رَائحٌ

دعتهم دواع مِن هوًى ومُنَادحُ

(2)

وقال تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) } [المؤمنون: 67].

ومن رفع {خُضْرًا} : أجراه صفة للثياب، وهو الأقيس من وجوه: أحدها: المطابقة بينهما في الجمع.

الثاني: موافقته لقوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} [الكهف: 31].

الثالث: تخلصه من وصف

(3)

المفرد بالجمع.

ومَنْ جرَّ أجراه

(4)

صفةً للسندس على إرادة الجنس، كما يقال: أهلك النَّاس الدينار الصُّفْر، والدرهم

(5)

البيض.

(1)

في "أ": "بيِّن".

(2)

نقله الفراء عن المفضَّل الضَّبِّي كما في رسالة "الصاهل والشاحج" لأبي العلاء المعري ص (440).

(3)

في "أ": "صفة".

(4)

قوله "ومن جر: أجراه" في "أ""ومن جرَّاه"، وفي "ج، هـ": "ومن جَرَى مجراه".

(5)

في "ج، هـ": "الدراهم"، وتلك المقولة لم أقف عليها.

ص: 422

وتترجَّح القراءة الأولى بوجهٍ رابعٍ أيضًا: وهو: أنَّ العرب تجيء بالجمع الَّذي هو

(1)

في لفظ الواحد، فيجرونه مجرى الواحد، كقوله تعالى:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} [يس: 80]، وكقوله:{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) } [القمر: 20]، فإذا كانوا قد أفردوا صفات هذا النوع من الجمع، فإفراد صفة الواحد، وإنْ كان في معنى الجمع أولى.

وفي {وَإِسْتَبْرَقٌ} قراءتان: الرفع: عطفًا على ثياب. والجرُّ: عطفًا على سندس.

وتأمَّل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي، كما جمع لهم بين الظاهرة والباطنة، كما تقدم قريبًا، فجمَّل البواطن بالشراب الطهور، والسواعد بالأساور، والأبدان بثياب الحرير.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) } [الحج: 23].

واختلفوا في جرِّ "لؤلؤ" ونصبه

(2)

، فمن نصبه ففيه وجهان:

(1)

سقط من "ج".

(2)

انظر: معاني القرآن للفرَّاء (2/ 230)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (3/ 419 - 420)، وتفسير الطبري (17/ 136)، والكشاف للزمخشري (3/ 150 - 151) وغيرها.

ص: 423

أحدهما: أنَّه عطف على موضع قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ} .

والثاني: أنَّه منصوب بفعلٍ محذوفٍ دلَّ عليه الأوَّل، أي: ويُحَلَّون لؤلؤًا.

ومن جرَّه فهو عطفٌ على الذهب، ثمَّ يحتمل أمرين:

أحدهما

(1)

: أنْ يكون لهم أساور من ذهبٍ وأساور من لؤلؤ.

ويحتمل أنْ تكون الأساور مركبة من الأمرين معًا: الذهبُ المرصَّعُ باللؤلؤ، واللَّهُ أعلم بما أراد.

قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن رزق اللَّه، حدثنا زيد بن الحباب، قال حدثني عتبة بن سعد قاضي الرَّي عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال: "إنَّ للَّه عز وجل ملكًا منذُ يوم خُلِقَ

(2)

= يصوغُ حُليَّ أهلِ الجنَّة إلى أنْ تقوم الساعة، لو أنَّ قُلْبًا

(3)

من حلي أهل الجنَّة أُخْرِجَ لذهب بضوء شُعَاع الشمس، فلا تسألوا بعد هذا

(4)

عن حُلي أهل الجنَّة"

(5)

.

(1)

ليس في "أ".

(2)

في نسخة على "أ""إن اللَّه عز وجل خلق ملكًا منذ يوم خلق الجنة يصوغ. . . "

(3)

في "ب""كل" وهو خطأ، ووقعَ "حُليًّا" في المصنف والعظمة كما سيأتي.

والقُلْب: السُّوار، ويقال: الخلخال. انظر غريب الحديث للخطَّابي (2/ 89).

(4)

قوله "بعد هذا" سقط من "ب"، ووقع في "هـ":"بعدها".

(5)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (223)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 60) رقم (3398)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة رقم (335) وغيرهم.

وفي سنده انقطاع، شمر بن عطية لم يدرك كعب الأحبار. =

ص: 424

حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال: "الحُلي في الجنَّة على الرِّجالِ أحسنُ منه على النساء"

(1)

.

حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنَّ رجلًا من أهلِ الجنَّة اطَّلعَ فبدا

(2)

سِوَارُه لطَمَسَ ضوءَ الشمس، كما تطمسُ الشمس ضوءَ النجوم"

(3)

.

= انظر: تهذيب الكمال (12/ 560 - 561).

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (224) وزاد "وكان يقرأُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23].

وأشعث لم أستطع تحديده أهو الكندي "الضعيف" أو الحدَّاني "الصدوق" أو الحمراني "الثقة".

(2)

في "د": "قيد".

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (225)، وأحمد (1/ 169)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (266).

من طريق الحسن بن موسى الأشيب عن ابن لهيعة به مثله.

- ورواهُ ابن المبارك عن ابن لهيعة به مثله وأوَّلهُ: "لو أنَّ ما يقل ظفر ممَّا في الجنَّة بَدَاْ لتزخرف له ما بين خوافق السماوات والأرضِ".

أخرجه أحمد (1/ 171)، وابن المبارك في الزهدِ -رواية نعيم- رقم (416)، والترمذي رقم (2538) وغيرهم.

- ورواهُ الليث بن سعد عن يزيد به، ذكره الدارقطني في علله (4/ 335)، ولم أعثر عليه.

- ورواهُ يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر عن سعد بن أبي وقَّاص، فذكره بمثل لفظ ابن المبارك.

أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (6/ 208) تعليقًا، والبزار في مسنده =

ص: 425

وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة عن عُقَيْل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة أنَّ أبا أُمامة حدث أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثهم -وذكر حُلِيَّ الجنَّة- فقال: "مسوَّرون بالذَّهب والفضة، مُكلَّلون بالدُّرِّ، عليهم أكاليلُ من دُرٍّ وياقوتٍ متواصلة، وعليهم تاجٌ كتاج الملوك، شبابٌ جردٌ مُرْد

(1)

مكحلون"

(2)

.

= (3/ 1109) و (4/ 1226).

- ورواهُ عمرو بن الحارث عن سليمان بن حميد أنَّ عامرًا حدَّثه، قال سليمان:"ولا أعلمه إلَّا أنَّه حدثني عن أبيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنَّ أقلَّ ظفر من الجنَّة برز في الدنيا لتزخرف له ما بين السماء والأرضِ".

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (57).

والحديث ضعفه الترمذي بقوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسنادِ إلَّا من حديث ابن لهيعة، وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال: عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن النَّبي صلى الله عليه وسلم".

بينما رجَّح الدَّارقطني طريق الليث بن سعد -الَّذي رواهُ ابن لهيعة- على طريق يحيى بن أيوب فقال: "والأوَّل أصحُّ".

قلتُ: إنْ كان طريق الليث محفوظًا، فالأمرُ كما قال الدارقطني، ويصبح الإسناد صحيحًا؛ إنْ سَلِمَ من تدليس ابن لهيعة؛ وإلَّا فالأمرُ كما قال الترمذي، وهو أشبه بالصواب، واللَّه أعلم.

(1)

من "أ" فقط.

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (267)، وابن أبي حاتم في تفسيره (كما عند ابن كثير (4/ 145) وليس فيه هذا اللفظ.

وفي سنده ابن لهيعة فيه ضعف، ولم يُصرِّح بالسماع، وفي سماع الحسن من أبي هريرة اختلاف.

انظر جامع التحصيل للعلائي ص (164).

ص: 426

وقد أخرجا في "الصحيحين"

(1)

والسياق لمسلم: عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يدهُ حتى تبلغ إبطه، فقلتُ له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال يا بني فَرُّوخ أنتم ها هنا؟ لو علمتُ أنَّكم ها هنا ما توضأتُ هذا الوضوء، سمعتُ خليلي صلى الله عليه وسلم يقول:"تبلغُ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

وقد احتجَّ بهذا من يرى استحباب غسل العَضُد وإطالته.

والصحيح أنَّه لا يستحب، وهو قول أهل المدينة، وعن أحمد روايتان

(2)

.

والحديث لا يدلُّ على الإطالة

(3)

، فإنَّ الحلية إنَّما تكون زِينًا في الساعد والمِعصم لا في العضد والكتف.

وأمَّا قوله: "فمن استطاع منكم أنْ يطيل غرَّتهُ فليفعل"

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (136)، من طريق: نعيم المجمر، ومسلم (250).

(2)

انظر: الكافي فقه أهل المدينة لابن عبد البر ص (21 - 22)، والمعونة للقاضي عبد الوهاب (1/ 123).

وشرح العمدة لابن تيمية (الطهارة)(214).

(3)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "إطالته".

(4)

أخرجه البخاري رقم (136)، ومسلم في صحيحه (246)، وأحمد (2/ 523) كما سيأتي.

من طريق نُعَيم بن عبد اللَّه المُجْمِر عن أبي هريرة بلفظ "إنَّ أمتي يأتون يوم القيامة غُرًّا محجَّلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم. . . ".

ص: 427

فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم بيَّن ذلك غير واحدٍ من الحفَّاظ

(1)

.

وفي "مسند الإمام أحمد" في هذا الحديث قال نُعَيْمٌ: فلا أدري قوله: "من استطاع منكم أنْ يطيل غرته فليفعل" من تمام كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده.

وكان شيخنا يقول: "هذه اللفظة لا يمكن أنْ تكون من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلَّا في الوجه، وإطالتها غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس ولا يسمَّى ذلك غُرَّة".

وفي "صحيح مسلم"

(2)

عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يدخل الجنَّة ينعمُ لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، في الجنَّة ما لا عينٌ رأت، وأُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر".

وقوله: "لا تبلى ثيابه": الظاهر أنَّ المراد به الثِّياب المُعَيَّنة لا يلحقها البِلَى، ويحتمل: أنْ يراد به الجنس، بل لا تزال عليه الثياب الجُدد، كما أنَّها لا ينقطع أكلها في جنسه، بل كلُّ مأكولٍ يخلفه مأكولٌ آخر، واللَّهُ أعلم.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا

(1)

راجع: الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 149)، وزاد المعاد (1/ 196)، وفتح الباري (1/ 236)، وإرواء الغليل (1/ 133).

(2)

رقم (2836)، وأخرجه أحمد (2/ 369 و 416) والَّلفظ له، ولفظ مسلم إلى قوله "شبابه".

ص: 428

محمد بن أبي الوضاح، حدثنا العلاء بن عبد اللَّه بن رافع، حدثنا حنان

(1)

بن خارجة عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي جرمي

(2)

فقال: يا رسول اللَّهِ أخبرنا عن الهجرة: أإليك

(3)

أينما كنت، أم لقومٍ خاصة، أم إلى أرضٍ معلومة، أم إذا مِتَّ انقطعت؟ فسأل ثلاث مرَّات، ثمَّ جلس، فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسيرًا

(4)

ثمَّ قال: أين السائل؟ فقال: ها هو ذا يا رسول اللَّه، قال: الهجرة: أنْ تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيمَ الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثمَّ أنتَ مهاجرٌ وإنْ متَّ بالحَضَر. فقام آخر: فقال: يا رسول اللَّه أخبرني عن ثياب أهل الجنَّة أتُخلق خلقًا أم تنسج نسجًا؟ قال: فضحك بعض القوم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تضحكون من جاهلٍ يسأل عالمًا! فسكتَ النَّبي صلى الله عليه وسلم ساعة

(5)

، ثمَّ قال: أينَ السَّائلُ

(6)

؟ فقال: ها هو ذا يا رسول اللَّه، قال: لا

(7)

، بل تُشقَّقُ عنها ثمر الجنَّة"

(8)

ثلاث

(1)

في "أ، ب، ج، د""حبَّان"، وفي "هـ""حيَّان" وكلاهما خطأ، انظر المؤتلف والمختلف للدَّارقطني (1/ 428)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 298 - 299)، والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 112) وغيرها.

(2)

كذا في جميع النسخ "جرمي"، ووقع في المسند "جريء".

(3)

من "أ"، وفي باقي النسخ والمسند بدون همزة الاستفهام.

(4)

في المسند "عنه يسيرًا".

(5)

في المسند "ثمَّ أكبَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" بدل "فسكت النَّبي صلى الله عليه وسلم ساعةً".

(6)

في "هـ" زيادة "عن ثياب أهل الجنَّة".

(7)

ليس في "ب".

(8)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 244 - 225)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (171). =

ص: 429

مِرار

(1)

.

وقال الطبراني في "معجمه" حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الفَسَوي قالا: حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضيل ابن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه عن النَّبي

= - ورواهُ الطيالسي ومحمد بن سنان العوقي عن محمد بن أبي الوضَّاح به نحوه.

أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (2391) مطوَّلًا، والبخاري في تاريخه (3/ 112)، والبزار في مسنده رقم (2434)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 428) مختصرًا وغيرهم.

- ورواهُ محمد بن عبد اللَّه بن علاثه عن العلاء بن عبد اللَّه به نحوه.

أخرجه أحمد (2/ 203)، والبخاري فى تاريخه (3/ 112) تعليقًا، وأبو داود (2519) ولم يسقه، وذكر لفظًا آخر.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا الَّلفظ إلَّا عن عبد اللَّه بن عمرو، ولا نعلمُ له طريقًا إلَّا هذا الطريق".

وفيه العلاءُ بن عبد اللَّه بن رافع: قال أبو حاتم: "يكتب حديثه"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان:"مجهول الحال"، وقال ابن حجر:"مقبول"، وفيه أيضًا حنان: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:"مقبول".

انظر: تهذيب الكمال (22/ 516)، و (7/ 425 - 427).

والحديث قال عنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 35): "وهو ضعيف. . . حنان بن خارجة مجهول، لا يُعرف له حال، ولا يعرف روى عنه غير العلاء بن عبد اللَّه. . . وهو أيضًا لا تعرف حاله. . . وعلَّة الخبر على كلَّ مذهب الجهل بحال حنان بن خارجة المذكور".

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ"، والمسند "مرَّات"، وسقط من "هـ""ثلاث مرَّات".

ص: 430

-صلى الله عليه وسلم قال: "أوَّل زُمْرةٍ يدخلون الجنَّة، كأنَّ وجوههم ضوءُ القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دُرِّيٍّ في السماء، لكلَّ واحدٍ منهم زوجتان من الحورِ العينِ، على كلِّ زوجةٍ سبعون حُلَّة يُرى مُخُّ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يُرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء"

(1)

. وهذا الإسناد على شرط الصحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرج بن

(2)

عثمان السعدي، حدثنا أبو أيوب مولًى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قِيْدُ سوط أحدِكم من الجنَّة خيرٌ من الدنيا ومثلها معها، ولقابُ قوسِ أحدكم من الجنَّة خيرٌ من الدنيا ومثلها معها، ولنصيف امرأةٍ من الجنَّة خيرٌ من الدنيا ومثلها معها" قال: قلتُ يا أبا هريرة ما النَّصيف؟ قال: الخِمارُ

(3)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 198 - 199) رقم (10321)، والبزار في مسنده (5/ 243) رقم (1855)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 100).

- ورواه الثوري ويونس عن أبي إسحاق عن عمرو قوله مختصرًا.

بلفظ إنَّ المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلَّة. . . بيضاء".

أخرجه هناد في الزهد رقم (12)، والطبري في تفسيره (27/ 152).

- ورواه معمر عن أبي إسحاق به موقوفًا.

- ورواه عطاء بن السائب عن عمرو به موقوفًا.

قلت: المقطوع أصح من الموقوف والمرفوع، راجع ص (257)؛ لأن الثوري ويونس أحفظ وأثبت من معمر. ولأن أبا إسحاق أحفظ وأثبت من عطاء بن السائب. واللَّه أعلم.

(2)

في "ج": "عن" وهو خطأ.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 483)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة (183)، وأبو نعيم =

ص: 431

وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو أنَّ درَّاجًا أبا السَّمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجل في الجنَّة ليتَّكئ سبعين سنة قبل أنْ يتحول، ثمَّ تأتيه امرأةٌ فتضرب على منكبه، فينظر وجْهَهُ في خدِّها أصفى من المرآة، وإنَّ أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه فيرد السلامَ، ويسألها من أنتِ؟ فتقول: أنا المزيد، وإنَّه ليكون عليها سبعون ثوبًا أدناها مثل النعمان من طوى

(1)

، فينفذها بصره، حتى يرى مُخَّ ساقها من وراء ذلك، وإنَّ عليهم التِّيجان، وإنَّ أدنى لؤلؤة عليها

= في صفة الجنَّة رقم (59): من طريق الخزرج به نحوه.

وقد خولف الخزرج في لفظه.

- فرواهُ سكن بن المغيرة أنبأنا سليمان أبو أيوب قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "موضع سوط في الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها".

أخرجه الدولابي فى "الكنى والأسماء"(1/ 103).

قلت: وهذا أصح.

- فقد رواهُ أبو سلمة وهمام بن منبه والأعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة كلهم عن أبي هريرة بنحوه أو معناهُ، وليس فيه زيادة "ومثلها معها، ولنصيفُ امرأة من الجنَّة. . . الخمار".

أخرجه أحمد (2/ 482 و 315 و 438)، والترمذي (3013)، والدولابي (1/ 167) وغيرهم. والخزرج متكلَّم فيه.

وجاءَ من حديث أنس وفيه ". . . ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها". عند البخاري في صحيحه رقم (2643 و 6199).

والحديث صححه الترمذي وابن حبان.

(1)

في "هـ" وبعض نسخ المسند "طوبى".

ص: 432

لتضيءُ ما بين المشرق والمغرب"

(1)

.

وروى الترمذي منه ذكر التيجان: "وإنَّ أدنى لؤلؤة" عن سويد بن نصر، عن رِشْدين بن سعد عن عمرو به.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا أبو عتبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام الأسود قال: سمعت أبا أُمامة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحدٍ يدخل الجنَّة إلَّا انطلقَ به إلى طُوبى، فتُفتح له أكمامها فيأخذُ من أيِّ ذلك شاء:[إنْ شاء]

(2)

أبيض، وإنْ شاء أحمر، وإنْ شاء أخضر، وإنْ شاء أصفر، وإنْ شاء أسود، مثل شقائق

(1)

أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (81)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7397) وغيرهما.

- ورواهُ رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به نحوه.

أخرجه الترمذي رقم (2562)، وابن المبارك في مسنده رقم (119) وغيرهما.

- ورواهُ ابن لهيعة عن درَّاج به نحوه.

أخرجه أحمد (3/ 75)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (284).

والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الهيثمي.

وضعفه الترمذي فقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلَّا من حديث رشدين ابن سعد".

وقال الذهبي معقِّبًا على الحاكم: "درَّاج صاحب عجائب". قلتُ: تقدَّم الكلامُ على هذه الرواية "درَّاج عن أبي الهيثم" في الباب "10" ص (117 - 119).

(2)

ما بين المعكوفتين من مصدر التخريج.

ص: 433

النعمان، وأرق وأحسن"

(1)

.

وقال ابن أبي الدنيا: وحدثنا سويد عن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي

(2)

عن خاله

(3)

الزُّميل أنَّه سمع أباهُ قال: قلتُ لابن عباس: ما حُللُ الجنَّة؟ قال: "فيها شجر فيها ثمرٌ كأنَّه الرُّمان، فإذا أراد وليُّ اللَّه كسوةً انحدرت إليه من غُصنها، فانفلقت عن سبعين حلةً ألوانًا بعد ألوانٍ، ثمَّ تنطبق فترجعُ

(4)

كما كانتْ"

(5)

.

قال: وحدثنا عبد اللَّه حدثنا أبو خيثمة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثني درَّاج أبو السَّمح أنَّ أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلًا قال له: يا رسول اللَّه طُوبَى لمن رآك وآمن بكَ، قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى، ثمَّ طوبى، ثمَّ طوبى، لمن آمن بي ولم يرني، فقال له رجل: وما طوبى؟ قال: شجرةٌ في الجنَّة مسيرة مئة سنة، ثيابُ أهل الجنَّة تخرج من

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (149)، وابن أبي حاتم في تفسيره كما في البدور السافرة رقم (1957).

وفيه سعيد بن يوسف الرحبي فيه ضعف، وحديثه منكر بهذا الإسناد، لتفرده عن يحيى بن أبي كثير بهذا.

انظر: تهذيب الكمال (11/ 124 - 126).

(2)

في "أ، ج، هـ": "الخثعمي" هو خطأ.

(3)

في "أ، ج، د، هـ": "خالد" وهو خطأ، انظر: تهذيب الكمال (16/ 473).

(4)

في "ب، د": "ثمَّ تسطبق ترجع" بدل "ثمَّ تنطبق فترجع".

(5)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (147) مطوَّلًا.

وقد تقدَّم ص (290).

ص: 434

أكمامها"

(1)

.

قال: وحدثني يعقوب بن عبيد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي المُهَزِّم قال: قال أبو هريرة: "دارُ المؤمن في الجنَّة لؤلؤة فيها شجرة تنبتُ الحلل، فيأخذ الرجلُ بأصبعيه -وأشارَ بالسَّبابة والإبهام- سبعين حلَّة مُتَمَنْطِقةً باللؤلؤ والمرجان"

(2)

.

قال: وحدثنا حمزة بن العباس حدثنا عبد اللَّه بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد قال: قال كعبٌ: "لو أنَّ ثوبًا من ثياب أهل الجنَّة لُبِسَ اليومَ في الدنيا لصعق من ينظر إليه، وما حملته أبصارهم"

(3)

.

وقال عبد اللَّه بن المبارك: أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن بُشَير بن كعب أو غيره قال: "ذكر لنا أنَّ الزوجة من أزواج

(1)

تقدم ص (353).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (151).

ورواهُ ابن المبارك وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة به نحوه.

أخرجه ابن المبارك في الزهدِ -رواية نُعيم- رقم (262)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 64) رقم (34029).

ومداره على أبي المهزِّم التميمي البصري، وهو متروك الحديث.

انظر التقريب رقم (8397).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (152)، وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (417).

وفيه انقطاع بين شريح بن عبيد وكعب الأحبار، قال الحافظ المزي:"ولم يدركه". انظر: تهذيب الكمال (12/ 446).

ص: 435

الجنَّة لها سبعون حلَّة هي أرقُّ من شُقَيْقكم

(1)

هذا، يُرى مخُّ ساقِها من وراء اللحم"

(2)

.

وفي "الصحيحين"

(3)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهدَى أُكَيْدَرُ دومَة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم جُبَّةً من سُندس، فتعجَّب النَّاسُ من حُسْنِها، فقال:"لمناديلُ سعدٍ في الجنَّة أحسنُ من هذا".

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث البراء قال: أُهديَ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثوب حرير، فجعلوا يعجبون من لينه، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"تعجبون من هذا؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنَّة أحسنُ من هذا".

ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ها هنا، فإنَّه كان في الأنصار بمنزلة الصِّدِّيق في المهاجرين، واهتزَّ لموته العرش

(5)

، وكان لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، وختم اللَّهُ له بالشهادة، وآثر رضا اللَّهِ ورسوله، على رضا قومه وعشيرته وحلفائه، ووافق حكمه الَّذي حكم به حُكم اللَّه فوق سبع سماواته

(6)

، ونعاهُ جبريل عليه السلام إلى النَّبي

(1)

في "ب، د": "شفقكم"، وفي "هـ""شققكم" وعند ابن أبي الدنيا "شفكم"، والمثبت هو الصواب، وشُقيقكم تصغير شُقَّة وهو ضَرْبٌ من الثياب، وقيل نصف ثوب. انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (2/ 1906)، والمعجم العربي لأسماء الملابس ص (270).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (154) وسنده صحيح.

(3)

البخاري رقم (2473 و 3076)، ومسلم رقم (2469).

(4)

البخاري رقم (3077)، ومسلم رقم (2468).

(5)

أخرجه البخاري رقم (3592)، ومسلم رقم (2466).

(6)

أخرجه البخاري رقم (2878)(2593)، ومسلم رقم (1768)، =

ص: 436

-صلى الله عليه وسلم يوم موته

(1)

، فحُقَّ له أنْ تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنَّة أحسن من حُلَل الملوك.

= ولفظه ". . . لقد حكمت فيهم بحكم الملك" وفي لفظ "حكمت بحكم اللَّه".

(1)

أخرجه أحمد في فضائل الصحابة رقم (1489) وهو مرسل.

ص: 437