الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخرشوف والسبانخ والباذنجان والطرخون والبصل والياسمين الخ وينسب إليهم اختراع طواحين الهواء ونواعير الماء. وقال ميشو: ما من دار في أوربا إلا وتعرف اليوم البصل الذي جاء اسمه وأصله من عسقلان. ومعلوم أن الأندلس ابنة الشام فتحها الشاميون ونقلوا إليها مدنيتهم. وهذه الصنوف من الزراعة التي انتشرت في الأندلس ثم في سائر أوربا تكاد تكون خاصة بأرض الشام في تلك القرون.
لا جرم أن الحضارة التي أوجدها العرب كان من أول دعائمها الزراعة فاحتاجت الدول والأمة إلى الاستكثار من الغروس واستجادة الزروع من وراء الغاية. قيل لإسحاق بن يحيى الختلي من ولاة دمشق 235 لٍمَ سكنت دمشق وفلحت أرضها، وأكثرت فيها من الغروس من أصناف الفاكهة، وأجريت المياه إلى الضياع وغيرها؟ فقال: لا يطيق نزولها إلا الملوك قيل له: وكيف ذلك؟ قال: ما ظنكم ببلدة يأكل فيها الأطفال ما يأكله في غيرها الكبار!. ولطالما دهش العرب بغوطة
دمشق لأنها كانت أول ما يقع عليه نظرهم من عمران الشام فيعجبون للأشجار والزروع المنوعة التي لا يُعرف أكثرها في شبه جزيرة العرب ويدهشون للخصب والمياه الدافقة من كل جهة.
أصناف الزروع والأشجار:
ذكر المهلبي أنه من كور حلب وضياعها ما يجمع جميع الغلات النفيسة فإن بلدة معرة مصرين وجبل السماق بلد التين والزيتون والزبيب والفستق والسماق والحبة الخضراء. وقال ابن شداد: وفي بعض ضياع حلب ما يجمع عشرين صنفاً من الغلات. وقال ياقوت: ويزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذياً لا يسقى إلا بماء المطر، ويجيء مع ذلك رَخصاً غضاً روياً، يفوق ما يسقى بالمياه والسيح وقال: إن أكثر مستغل ضياع الغور السكر ومنها يحمل إلى الآفاق، وفي عسقلان نخل كثير وصنوف من التمور والرمان يحمل إلى كل بلد بحبسه، وإنها معدن الجميز كثيرة المحارس والفواكه. واشتهرت نواز في جبل السماق بتفاحها الكبير المليح. وتل أعرن في حلب بعنبها الأحمر المدور. وقال ابن جبير: في بلاد المعرة وهي سواد كلها بشجر الزيتون والتين والفستق وأنواع الفواكه ويتصل
التفاف بساتينها وانتظام قراها مسيرة يومين. وقال ابن حوقل: وما حول معرة نسرين من القرى أعذاء ليس بجميع نواحيها ماء جار ولا عين، وكذلك أكثر ما بجميع جند قنسرين أعذاء ومياههم من السماء. وقالوا: اشتهرت الفرزل في البقاع بزبيبها الجوزاني، وكان يعنل به الملبن المسمى بجلد الفرس وهو من خصائصها، وأن بعلبك معدن الأعناب والحولة معدن الأقطان والأزهار، واشتهرت بَيسان بالنخيل الكثير كما اشتهرت بيروت وآبل بقصب السكر، يطبخ بها السكر الفائق، وعراق الأمير بسفرجلها، والناعمة بخرنوبها الفائق. وقال المقدسي: إن عسقلان معدن الجميز وأريحا معدن النيل والنخيل كثيرة الموز والأرطاب والريحان. ومعان معدن الحبوب والأنعام، ويُبنى معدن التين الفائق الدمشقي. وأن أشجار جبال فلسطين زيتون وتين وجميز وسائر الفواكه أقل من ذلك. وقال: خير العسل ما رعى السعتر بإيليا وجبل عاملة وأجود المري ما عمل بأريحا، وأن عنب القدس خطير
وليس لمعنقتها نظير.
وذكر ابن حوقل أن أهل زُغر يلقحون كرومهم وكروم فلسطين كما يلقح النخل بالطلع الذكر وكما يلقح أهل المغرب تينهم بأذكارهم. وقالوا: إن لبنان كثير الأشجار والثمار المباحة يتعبد فيه أقوام قد بنوا لأنفسهم بيوتاً من القش يأكلون من تلك المباحات، ويرتفقون بما يحملون منها إلى المدن من القصب الفارسي والمرسين وغير ذلك.
وقال شيخ الربوة: ولجبل لبنان ولا سيما بقضيبه وأذياله نحو من تسعين عقاراً ونباتاً نافعاً مباحاً بلا ثمن وله قيمة جيدة وثمن يكتفي به الجابي الجامع طول سنته له ولأهله، ومن ذلك الكثيراء والريباس والبرباريس والقاوينا وهو عود الصليب والقيسه والبقس والقبقب الذي يعملون منه المرامل والملاعق والآلات المموهة بالذهب والفضة ويحمل إلى سائر البلاد والأقاليم، وليس عملاً ألطف منه ولا أحسن، ومن النباتات أيضاً شجر المحمودة والاشتوان والزراوند والحماما التي لا توجد إلا في إقليم دمشق وهو معلق في شقيف عالٍ ما يقدرون على جنيه إلا أن يدلوا جانبه بحبال من رأس جبل عالٍ، كما يدلى الدلو في البئر، وهي لأجل الترياق الفاروق والراوندان واللوز المر والحلو والأبهل والقراصيا والزيزفون، وأما الفواكه فكثيرة جداً بلبنان اه.
وذكر الثعالبي أن التفاح اللبناني موصوف بحسن اللون وطيب الرائحة ولذاذة الطعم يحمل منه في القرابات إلى الآفاق، وكان يحمل إلى الخلفاء في بغداد منه من خراج أجناد الشام ثلاثون ألف تفاحة. وقال المقدسي في الرملة: إنه ليس أطيب من حواري الرملة ولا ألذ من فواكهها، أطعمة نظيفة وأدمات كثيرة وأنها جمعت التين والنخل وأنبتت الزروع على البعل وحوت الخيرات والفضل. وقال: إن ماء فلسطين من الأمطار والطل وأشجارها أعذاء وزروعها كذلك لا تسقى إلا
نابلس فإن فيها مياهاً جارية. وقال ياقوت: إن ياسوف من قرى نابلس توصف بكثرة الرمان.
وقال أبو الفدا: إن جبال فلسطين وسهلها زيتون وتين وخرنوب وسائر الفواكه أقل من ذلك. وذكر المقدسي أن على نحو نصف مرحلة من كل جانب من حبرون قرى وكروم وأعناب وتفاح يسمى جيل نضرة لا يرى مثله ولا أحسن من فواكهه عامتها تحمل إلى مصر وتنشر. وقال ابن حوقل في زغر: إن بها بسراً يقال له الانقلاء لم ير بالعراق ولا بمكان أغرب ولا أحسن منظراً منه لونه كالزعفران ولم يغادر منه شيئاً ويكون في أربع منه رطل، وبها النيل الكثير المقصر عن صباغ نيل كابل، وفيه لهم تجارة كبيرة واسعة ومقصد كبير. وقال الظاهري: إن غزة كثيرة الفواكه. وقال ابن بطلان في إنطاكية: إن أرضها تزرع الحنطة والشعير تحت شجر الزيتون. وقال ياقوت: وبدمشق فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حَرّان وما يقارب ذلك فتعم الكل. ولقد ذكروا في باب خصب أريحا أن الجفنة التي عمرها 42 سنة تكون استدارتها على سطح الأرض مترين وثلاثين سنتيمتراً وتحمل في السنة 1500 كيلو من العنب وأنه يضرب المثل بورودها وأزاهيرها ويخرج منها الزقوم والسدر وهو أشبه بالزيتون الكبير يستخرجون منه زيتاً للجروح. وكذلك النبق وهو بمقام الصبار والزيزفون في بلاد أُخرى يستعمل حيطاناً للحوائط أي للبساتين.
وذكر الثعالبي أن زيت الشام يضرب به المثل في الجودة والنظافة وإنما قيل له زيت الركابي لأنه كان يحمل على الإبل من الشام وهي أكثر بلاد الله زيتوناً
وفيه ما فيه من البركة والمنفعة. وقال شيخ الربوة في نابلس: وقد خصها الله تبارك وتعالى بالشجرة المباركة وهي الزيتون ويحمل زيتها إلى الديار المصرية والشامية وإلى الحجاز والبراري مع العربان ويحمل إلى جامع بني أمية منه في كل سنة
ألف قنطار بالدمشقي، ويعمل منه الصابون الرقي يحمل إلى سائر البلاد التي ذكرناها وإلى جزائر البحر الرومي، وبها البطيخ الأصفر الزائد الحلاوة على جميع بطيخ الأرض. والظاهر أن هذه الشجرة المباركة شجرة الزيتون آخذة بالاضمحلال قياساً مع حالهم في القديم، فقد قلّ عدده في فلسطين بعد الحرب العامة واستعيض عن بعضه بما بذلته الحكومة هنا من الجهد لغرس الزيتون والكرمة، أما في أرباض دمشق فهو آخذ بالقلة منذ اشتهرت الفواكه وهي هينة العمل سريعة الغلة، وكان في حمص على ما تبين من الحفريات التي أُجريت زيتون كثير بدليل ما وجد من معاصره التي لم يبقى لها زيتون تعصر منه ولا تجد الزيتون اليوم في أرجاء حمص إلا في بقعة أو بقعتين. واشتهر في القديم زيتون الطفيلة والشوبك اشتهارهما بمشمشهما وكمثراهما ورمانهما. سألنا أحد شيوخ الصلت عن السبب في إحجام القوم هناك عن غرس شجر الزيتون مع أنه يجود كل الجودة فقال: لا تذكرنا بغباوتنا فقد حملنا سعيد باشا شمدين أحد متصرفي البلقاء على أن نغرس في هذه الأدوية التي تراها مائة ألف زيتونة فوقع في أنفسنا أن في الأمر دسيسة من الحكومة تريد بها وضع الضرائب الفاحشة على أملاكنا وتسجيل أراضينا على صورة لا نعود معها ملاكها الحقيقيين فصدعنا بالأمر بالظاهر، وغرسنا أُلوفاً من شجر الزيتون، ولكن أتدري كيف تخلصنا منه بعد؟ كان أحدنا يجيء إلى الغرسة فيحركها حتى لا يطلع جذعها وهكذا لم يبق من كل ما غرسه الصلتيون إلا ما تشاهده اليوم في جوار القصبة وقليل ما هو. قلنا: وعجيب تبدل تصورات الناس فرجال الحكومة بالأمس كانوا يحملون الناس على زرع الأشجار. ويزينون لهم اقتناء الأراضي للزراعة، واليوم يطلب الأهلون في هذا العمل وفي غيره الأرض الموات ليحيوها ولا يعطون طلبتهم! هكذا رأينا أهل الشراة والطفيلة ومعان، على حين يقضي قانون الأراضي بان كل من يحيي
أرضاً مواتاً تبعد عن القرى والدساكر مقدار ما يسمع الصوت فيها من أقصى العامر فهي له. ولقد رأينا كثيراً من
أهل القرى استأصلت أشجار التين والكرمة وغيرها لأن العشارين كانوا يتقاضون منهم عشرها فاحشاً أثمرت أم لم تثمر، فعدمت بعض القرى شجرها المثمر بهذا الظلم!.
وما قيل في كثرة الزيتون يقال في كثرة الأعناب واشتهرت بلدان كثيرة بذلك، وقد أكثر شعراء العرب من ذكر خمر بيت رأس ولبنان وغزة وجدر وصرخد وأذرعات والأندرين وبنات مَشايع وبَيسان ولدّ ومآب والخمر المقَدَيّة وخمر الأحصّ وقاصرين في أرجاء حمص وحلب وكان يقال لجبل بيت المقدس جبل الخمر لكثرة كرومه. واشتهرت حلبون في جبل سنير بخمرها وكثرة كرومها. ويظهر أن الزعفران كان كثيراً ما يجود في الشام لأنه كان يدخل في الأطعمة والأشربة كثيراً، ومزارع الزعفران التي كان يطلّ عليها من يدر مرّان في السفح الغربي من قاسيون جبل دمشق مشهورة، والغالب أنها كانت في أرض النيرب، وكان الزعفران يجود في جادية في قرى البلقاء والجادي هو الزعفران. ولم تكن عنايتهم بالنخيل أقل من عنايتهم بالزيتون والكرم مثلاً ولا سيما في جنوب الشام وشرقه.
ولا أثر اليوم لبعض الثمار مثل القراصيا والكستانة والبندق والبيسيم المشمولة وكانت كثيرة مبذولة هي والكراز حتى القرن الحادي عشر وكان القطن يجود في ضواحي دمشق وحماة وحلب. ذكر القلقشندي زروع الشام وفواكهه وريحاينه فقال: إن غالب زروعه على المطر قال في مسالك الأبصار: ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل وفيه من الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البُرّ. الشعير. الأرز. الباقلاء. البِسِلّة. الجلبان. اللوبياء. الحلبة. السمسم. القرطم. ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم. وبه من أنواع البطيخ والقثاء ما يستطاب ويستحسن.
وكذلك غيرها من المزروعات كالقلقاس. الملوخيا. الباذنجان. اللفت. الجزر. الهليون. القُنّبيط. الرّجلة. البقلة اليمانية، وغير ذلك من أنواع الخضراوات المأكولة، وقصب السكر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حد مصر.
وأما فواكهه ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين. العنب. الرمان. القراصيا. البرقوق. المشمش. الخوخ - وهو المسمى بالدراقن - والتوت.