الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منظراً وذوقاً، ولو نظم جوهره لكان طوقاً، كأنما خرط من الصندل، وخلط بالمندل، وجمد من الثلج والعسل، وتصاحب هو والسلطان في الركوب والجلوس، والتناجي بما في النفوس.
وقال البدري: ومن خصوصيات دمشق الطرخون من بقول المائدة وكان يخرج
فيخا السذاب والرشاد وبقلة الحمقاء والماش والهندباء والكراويا والتوت الأسود والشامي. وكان يكثر فيها الكراز والوشنة وهو فيها سبعة أنواع. وذكر أن الورد جنس تحته ستة أنواع بدمشق ومنه الجوري والنسريني، والنرجس جنس تحته أنواع منها اليعفوري والبري، والمضعف وذكر منثورها وزنبقها وآذريونها وآسها وحبه وريحانها ونيلوفرها وبانها وحيلانها وزنزلختها وتمر حنائها وقراصياها وكمثراها ثلاثة وعشرون صنفاً وتفاحها ودراقها ستة عشر صنفاً وخوخها ثلاثة عشر صنفاً إلى غير ذلك مما كان غي القرن التاسع.
الصناعات الزراعية القديمة:
وكانت الزهور والورود من أهم فروع الزراعة، وللطيوب والعطور ومستقطرات الزهور، شأن وأي شأن منذ الأزمان المتطاولة. وكان للأقدمين على ما يظهر غرام شديد بالملاب العطر المائع والكباد اليابس، ويستعملون المسك والعنبر والزعفران كثيراً، ويولعون بالعَرف والأريجة، وكان لهم طيب يقال له الغالية وهي مسك وعنبر يعجنان بالبان قال ابن سيده: ويقال إن الذي سماها غالية معاوية بن أبى سفيان وذلك أنه شمها من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فاستطابها فسأله عنها فوصفها له فقال: هذه غالية. وقد حفظ لنا شيخ الربوة من أهل القرن الثامن شيئاً من الإشارة إلى كثرة الورد والزهر في دمشق فقال: إن العطر وغيره كان يستخرج في المزة من ضواحي دمشق من زهورها وورودها حتى إن حراقته تلقى على الطرقات وفي دروبها وأزقتها كالمزابل فلا يكون لرائحته نظير ويكون الذّ من المسك إلى مدة انقضاء الورد. وذكر صفة إخراجه في الكركات والأنابيق ورسم صورها والقرع والنبيق آلتان لصنع ماء الورد السفلى هي القرع والعليا على هيئة المحجمة هي الأنبيق قال: وغير هذه الكركة كركة أُخرى يستخرج منها الماورد وغيره من المياه بلا ماء بوقود الحطب وذلك
بعد حشو القرع بالورد وبلسان الثور وبزهر النوفر أو البان أو زهر النارنج والشقيق والهندباء أو بورق القرنفل المزروع بدمشق.
قال: ويحمل الورد المستخرج بالمزة إلى سائر البلاد الجنوبية كالحجاز وما وراء ذلك وكذلك يحمل زهر الورد المزي إلى الهند وإلى السند وإلى الصين وإلى ما وراء ذلك ويسمى هناك الزهر. ومما أرخوه أنه كان لقاضي القضاة الحنفية ولأخيه الحريري قطعة بأرض تسمى شُور الزهر طولها مائة وعشر خطوات وعرضها خمس وسبعون خطوة باع منها عشرين قنطاراً باثنين وعشرين ألف درهم وذلك سنة خمس وستين وستمائة وهذا لم يسمع بمثله اه.
وكانت حلب في القديم مختصة بماء الورد النصيبي الذي يستخرج بالباب من أعمالها قال ابن الشحنة: إنه لا يقاربه شيء مما يجلب إلى الديار المصرية من الشام ولا يدانيه مع أن المجلوب من دمشق عند المصريين في غاية العظمة بحيث يصفه أطباؤهم للمرضى فيقولون ماء ورد شامي. وينبت في أرض حلب زهر القرنفل وكان يستقطر ماؤه. واشتهرت في القديم زهور لبنان وما إليه من الجبال كجبل الشيخ فإنها كثيرة مبذولة في الربيع شأنها في مراعي الجولان والعمق والبقاع والبقيعة كما اشتهرت طيوب البلقاء وصموغه وكانت تحمل إلى مصر. وقلّ اليوم من يلتفت إلى هذه الصناعات الزراعية.
ومن صناعاتهم الزراعية في القديم السكّر وكان يعمل في القديم على ضفاف الأردن ولا تزال معامله في جنوبي الغور تدعى إلى اليوم مطاحن السكر، وكان السكر أكثر مستغل تلك الناحية يحمل إلى الشرق والغرب. وكان يصنع السكر في إنطاكية وطرابلس وعكا ويافا ويحمل منها إلى الآفاق. قال القلقشندي من أهل القرن التاسع: في الشام يعمل السكر الوسط والمكرر. وكانت زيوت الشام كخمورها تصدر إلى القاصية. ويعصر السليط أي دهن السمسم في دياف من
حوران وبه اشتهرت. وكان الصابون الحلبي والنابلسي وغيره مما يفيض عن حاجة القطر يباع منه في الأقطار الأخرى. وكان الجبن الكركي مشهوراً يصدر إلى مصر. وقد قامت الحكومة العثمانية إبان الحرب العامة بعمل بعض المحفوظات والمربيات في دمشق فتعمل الحساء ذروراً ثم يذاب في ماء حار وقت الاستعمال فيأتي كأنه طبخ الساعة واستخرجوا من العظام مرقاً معقماً. وأخذوا يعملون
من الثمار والبقول مجففات ومحضرات على طريقة لا تنقص من تغذيتها وتكون عند الاستعمال كأنها طرية حديثة عهد بالقطف من الشجرة أو المسكبة. وبلغ عدد البقول المرببة عشرة أنواع كان يتناولها الجندي في كل وقت كأنه على مقربة من الحدائق والمقاتي. واستخرجوا في معامل الفيلق بدمشق أشربة كثيرة من ماء الزهر وماء الورد وشراب قشر الليمون وقشر البرتقال تجعل أرواحها في زجاجات وتكفي القطرة منها كأس ماء لتكون حلوة ذات نكهة تستعمل في أشربة الجيش ولا سيما في مستشفيات البادية. وبالجملة فقد كان لتعقيم السوائل واستخراج الأشربة وتجفيف الثمار والبقول وخبز الأخباز بالآلات الكهربائية الصحية شأن لم يعهد في الشام ثم تنوسي بعدهم.
ومن صناعاتهم العسل وكانوا يغالون بأكله كثيراً واشتهر عسل سنير وجبل الثلج كما اشتهر دبس بعلبك وجبنها وزيتها ولبنها، قال ياقوت: ليس في الدنيا مثلها يضرب بها المثل. وكانت بيسان توصف بكثرة النخل، والنخيل مما يجود غي الأغوار وكان كثيراً في القديم والشاميون يعنون بتعهده من وراء الغاية. ويظهر أن العسل والزعفران والدبس والقنود والتمور كانت مما يعول عليه في الأطعمة والحلواء أكثر من اليوم. ولدينا وثيقة في بعض المأكولات ذكرها أبو القاسم الواساني من شعراء اليتيمة الدمشقيين نظمها منذ نحو ألف سنة في وصف جماعة زاروه في قرية جمرايا على مقربة من الهامة في غربي دمشق، ومما جاء فيها ما
أكلوه من الأطعمة وفيه إشارة إلى كثرة أنواع التمر:
أكلوا لي من الجرادق ألفي
…
ن ببنّ تشتاقه العارضان
أكلوا لي أضعافها غير مشطو
…
ومالوا إلى سميذ الفران
أكلوا لي من الجداء ثلاثي
…
ن قُرَيْصاً بالخل والزعفران
أكلوا ضعفها شواءً وضعفي
…
ها طبيخاً من سائر الألوان
أكلوا لي تبالة تبلت عق
…
لي بعشرٍ من الدجاج السمان
أكلوا لي مضيرة ضاعفت ض
…
ري بروس الجداء والعقبان
أكلوا لي كشكية قرحت قل
…
بي وهاجت لفقدها أشجاني
أكلوا لي سبعين حوتاً من النه
…
ر طرياً من أعظم الحيتان
أكلوا لي عدلاً من المالح المش
…
ويّ ملقى في الخل والأنجدان
أكلوا لي من القريشاء والبر
…
نيّ والمعقلي والصرفان
ألف عدل سوى المصقر والبر
…
دي واللؤلؤي والصيحاني
أكلوا لي من الكوامخ والجو
…
ز معاً والخلاط والأجبان
ومن البيض والمخلل ما تع
…
جز عن جمعه قرى حوران
ومن صناعتهم الزراعية صناعة الصابون وكانت من أنجح الصناعات القديمة ومصابنه في حلب وكلز وإدلب وإنطاكية ودمشق ونابلس وطرابلس واللاذقية وحيفا ورام الله وبعض قرى لبنان. وخير الصابون وأشهره اليوم الصابون النابلسي فيه على ما يظهر خاصية ليست بغيره أو أن السر في جودته إتقانه بدون غش. ومنذ أفلتت الصناعات من رؤساء لها تشرف على أعمال أهلها انحطت في دمشق صناعة الصابون فقد كانت له أماكن خاصة لتجفيفه وكانوا لا يبيعونه إلا بعد ثلاث سنين من صنعه ويصدر إلى أقطار العالم وثمنه يزيد خمسين في المائة على سائر أنواع الصابون وكنت إذا غسلت به الثياب تجد من رائحتها ما ينعش
قلبك