المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المعروفة بلمعانها ومتانتها وحذاءو الشام مشهورون منذ القدم، وأهل الرفاهية - خطط الشام - جـ ٤

[محمد كرد علي]

فهرس الكتاب

- ‌التاريخ المدني

- ‌العلم والأدب

- ‌ما يُراد بالعلم والأدب:

- ‌العلم والأدب عند أقدم شعوب الشام:

- ‌مواطن العلم في القطر قديماً:

- ‌ما حمل العرب من العلم إلى الشام:

- ‌جمع القرآن ونشره في الشام:

- ‌العلم والأدب في القرن الأول:

- ‌عناية خالد بن يزيد بالنقل وأوائل التدوين:

- ‌العلم والأدب في القرن الثالث:

- ‌الأدب في القرن الرابع ونهضته على عهد سيف

- ‌الدولة وأبي العلاء المعري:

- ‌الآداب في القرن الخامس:

- ‌العلم والأدب في القرن السادس:

- ‌العلم والأدب في القرن السابع:

- ‌الإمام ابن تيمية والإصلاح الديني والأدب والعلم في

- ‌القرن الثامن:

- ‌العلوم في القرن التاسع:

- ‌انحطاط العلم والأدب في القرن العاشر:

- ‌الآداب في القرن الحادي عشر:

- ‌العلوم والآداب في القرن الثاني عشر:

- ‌العلم والأدب في القرن الثالث عشر:

- ‌العلوم المادية في منتصف القرن الثالث عشر:

- ‌العلوم والآداب في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل

- ‌الرابع عشر:

- ‌المعاصرون من العلماء والأدباء:

- ‌تأثيرات الأجانب في التربية:

- ‌الآداب في القرن الرابع عشر:

- ‌الجامعات والكليات:

- ‌الإخصاء:

- ‌الصحافة العربية:

- ‌الطباعة والكتب:

- ‌الفنون الجميلة

- ‌تعريف الفنون الجميلة:

- ‌الموسيقى والغناء:

- ‌التصوير:

- ‌النقش:

- ‌البناء:

- ‌الشعر والفصاحة:

- ‌الرقص:

- ‌التمثيل:

- ‌متى ترتقي الفنون الجميلة:

- ‌الزراعة الشامية

- ‌العامر والغامر:

- ‌قلة العناية بالأنهار:

- ‌خراب الزراعة والمزارع:

- ‌عوامل الخراب:

- ‌آفة الهجرة على الزراعة:

- ‌خصب الأراضي ومعالجتها وما يزرع فيها:

- ‌تقسيم السهول والجبال:

- ‌من الذين أدخلوا الطرق الجديدة:

- ‌درس الزراعة:

- ‌نقص كبير:

- ‌التحسين الأخير:

- ‌عناية القدمين بالزراعة:

- ‌أصناف الزروع والأشجار:

- ‌الأشجار غير المثمرة:

- ‌الصناعات الزراعية القديمة:

- ‌معادن الشام وحمّاتها:

- ‌الحمّات الشامية:

- ‌نظرة في الفلاحة الشامية الحديثة

- ‌أقاليم الشام:

- ‌أتربة الشام:

- ‌حراج الشام:

- ‌الري في الشام:

- ‌زروع الشام وأشجارها:

- ‌الأشجار المثمرة:

- ‌الحيوانات الدواجن في الشام:

- ‌الصناعات الزراعية في الشام:

- ‌زراعة الشام من الوجهتين المالية والاقتصادية:

- ‌الضرائب الزراعية:

- ‌طرائق استثمار الأرض:

- ‌إقراض الزراع:

- ‌الخلاصة:

- ‌الصناعات الشامية

- ‌مواد الصناعات:

- ‌الغزل والحياكة والنساجة:

- ‌الدباغة وصناعات الجلود:

- ‌تربية دود الحرير:

- ‌النجارة:

- ‌القيانة والحدادة والنحاسة:

- ‌الزجاجة:

- ‌الدهان:

- ‌الفخارة والقيشاني:

- ‌الوراقة:

- ‌المرايا:

- ‌الصياغة:

- ‌صناعة الصدف والرخام:

- ‌السجاد والحصير:

- ‌الصناعات المحدثة:

- ‌تأثير الصناعات في الماديات والأخلاق:

- ‌التجارة الشامية

- ‌موقع الشام من التجارة وتجارة القدماء:

- ‌تجارة العرب:

- ‌التجارة في القرون الوسطى:

- ‌التجارة في القرون الحديثة:

- ‌التجارة والاقتصاديات في العهد الحديث:

- ‌الورق النقدي والعوامل في تدني الاقتصاديات:

- ‌ الحواجز الجمركية

- ‌العامل الاقتصادي:

- ‌الواردات والصادرات:

- ‌صناعة البلاد في سنة 1925:

- ‌ما يجب للنجاح في الاقتصاديات:

- ‌تجارة فلسطين في الدور الجديد:

- ‌تجارات الأمم المختلفة في الشام:

- ‌رأي في ازدياد الثروة والتجارة:

الفصل: المعروفة بلمعانها ومتانتها وحذاءو الشام مشهورون منذ القدم، وأهل الرفاهية

المعروفة بلمعانها ومتانتها وحذاءو الشام مشهورون منذ القدم، وأهل الرفاهية والبذخ اليوم يأتون بأحذيتهم من الغرب جاهزة وخصوصاً النساء يرينها ألطف شكلاً وأدق صنعة ويقبلن عليها وإن كانت أغلى قيمة وأقل متانة مما يعمل هنا. ويلحق بصناعة الدباغة أو القرظية صناعة عمل الأوتار من المصير والمري وهي نافقة يبعثون بها بعد تحضير قليل إلى معامل الغرب فتعمل منها أوتار الأعواد والقيثارات وغيرها.

‌تربية دود الحرير:

ومن أهم الصناعات تربية دود الحرير الفيالج أو الشرانق وهو عمل خاص باللبنانيين وبسكان أرجاء إنطاكية. وكانت مساحة الأراضي التي تغرس التوت الصالح لتربية دود الحرير واسعة أكثر من الآن في أرجائنا. فقد ثبت أن عمالتي وادي التيم والبقاع كانتا كلتاهما مغروستين بشجر التوت. واقتبس أصحاب تربية الدود في العهد الأخير طريقة باستور في تربية دود القز فزادوه إتقاناً. وتصدر منه كميات وافرة إلى معامل ليون في فرنسا وهناك يصلح الإصلاح المطلوب حتى يكون منه الحرير المعهود في نسج الثياب والطرائف. ومن تربية دود الحرير يعيش عشرات الألوف من الناس في هذه الديار. والغالب أن مناخ لبنان وإنطاكية وما إليها وبعض الأرجاء المعتدلة القريبة من الساحل تصلح فقط لتربيته ومنذ القديم لم يحظّ الحظ سائر الأرجاء أن تشترك في صنعه. وقد أسس في الزبداني في العهد الأخير معمل لحل الحرير على الطرز الحديث وتصدر

مصنوعاته إلى إيطاليا وفرنسا.

‌النجارة:

لم يكتف الصناع في منجوزاتهم بأخشاب الشام على كثرتها، بل أخذوا يجلبونها من قلقية ورومانيا وغيرهما، ومنهم من يجلبونه من أميركا وهو الجوز الأميركاني. يعتمدون عليه وعلى خشب الحور والجوز والزيتون والشربين والتنوب والميس والعرعر والدردار، وكان اعتمادهم يكثر في القديم على الصندل والصنوبر والسرو. وخشب السرو والصنوبر كما قال قسطا بن لوقا

ص: 207

من أشرف الأشجار التي تستعمل أخشابها في البناء يتخذ منها مصاريع الأبواب والدعائم والسفن ويستعان بها في كثير من الأمور.

ينشرون الخشب اليوم بمناشير ميكانيكية بالبخار أو بالكهرباء أو بالطرق القديمة فيعمدون إلى أيدي العملة في إحضارها، يصنعون منها مناضد وأصونة للثياب وإطارات ومقاعد وكراسي ومغاسل وصناديق وتوابيت ورحالاً وألواحاً لدرس الغلة وأعواد الطرب. وهذه الصناعة صناعة الأعواد قديمة جداً في دمشق ودخلت حلب منذ نحو سبعين سنة. وقد اشتهرت دمشق بصناديقها التي كانت تعمل من خشب الجوز وتبقى القرون لا تتشقق ولا يسرع إليها البلى ولا تتآكل، وعليها من النقوش ما يدل على ذوق جميل، كما اشتهرت إلى اليوم بمصنوعاتها الخشبية. وفي حلب معملان للنجارة بأنواعها، وكذلك مدينة بيروت فغن معامل هاته المدن الثلاث كادت تستأثر بتجهيز الدور والقصور والفنادق ومنها ما لا تقل جودته عن أدق ما يعمل من نوعه في الغرب مع الرخص والجودة والمتانة.

وإن ما يسمى بالحلقات في القصور والقاعات القديمة دليل كافٍ على رقي فن النجارة. فإن القصر أو القاعة يبلغ طوله على الاعتدال ستة أمتار في مثلها عرضاً وارتفاعه أيضاً يتسامى إلى الستة أمتار، فجهاتها الأربع وسقفها مما يشهد

للمتقدمين من النجارين بسلامة الذوق وإتقان الصنع، ويباع منجور بعض هذه القصور إذا كانت سليمة من الأوربيين بأثمان باهظة، وهو عبارة عن أخشاب فقط. وصناعة الدهان المدهون به ذلك الخشب هو من أبرع الصناعات يشهد بذلك من له أقل إلمام أو ذوق من الناظرين في المحلات الخصوصية عدا ما كان من نوعه في المساجد وغيرها من المحال العامة وكله يشهد للمتقدمين من النجارين الشاميين بالبراعة والحذق. والنجارون في الشام اليوم من أشهر نجاري العالم باعتنائهم بصنعتهم، والنجار بطبيعته ينبغي له أن يكون ذكياً، لما يقتضي لصنعته من الإلمام بالهندسة والمساحة وضبط المقاييس والحساب وأن يكون على جانب من سلامة الذوق في الوضع والصنع. فالنجار الذي يخلو من هذه الصفات لا يحق له أن يصير نجاراً. إن هذا النجار الشامي الموصوف آنفاً يعمل بيده وتدل عليه آثاره في البناء الخشبي في دور دمشق وحلب وغيرهما

ص: 208

وما يسمونه الصلب وغيره من أبواب ونوافذ غاية في الإتقان. ومن صنع النجارين أيضاً قديماً الصناديق الخشبية ومنها ما هو مغشى بالصدف ومنه ما يسمونه بالحفر. ومنذ نحو أربعين سنة دخلت بيروت ودمشق آلات النجارة الحديثة التي تدار بالكهرباء فاستطاع مديرو المعامل أن يقاولوا على بنايات كبيرة لصنع أبوابها ونوافذها بغاية السرعة.

وظهرت صناعة جديدة على الطراز الغربي تسمى صناعة الموبيليا أي فرش الدور وتنضيدها ويتناول اسم الموبيليا جميع أسماء الخزائن والمغاسل والمقاعد الخشبية المغلفة بالنسيج الحريري ولوازم غرف النوم وغرف الطعام وغرف الاستقبال، وكل ذلك يصنع في دمشق وحلب وطرابلس وبيروت، وهي تضاهي المصنوعات الأوربية جمالاً وإتقاناً ومتانةً، وتعد هذه المعامل بالمئات، ومما يدل على الذكاء في الصناعة أن تلميذات المدارس الصغيرات يشتغلن اليوم من جملة

الأشغال اليدوية على اختلاف أنواعها وأوضاعها ما تقر به العيون ويبشر بمستقبل مجيد. وقلما تجد واحدة من النساء إلا وتجيد أكثر من صنعة يدوية.

ومن الصناعات التي تمتاز بها دمشق خاصة، صناعة خشبية تسمى اليوم بالمصري، وهي بواقي خشب الجوز اليابس تفصل حسب المطلوب، وتصقل صقلاً تاماً، ويرسم عليها بالقلم عروق غاية في الإبداع، ويحفر على حسب رسم القلم، وينزل به الغراء وفوقه الصدف. وتقسم قسمين فما كان دقيق الرسم يسمى بالمصري، وما كان رسم عرقه ظاهراً كل الظهور يسمى في عرف الصناع بالعِرق. ويصنعون منع أنواعاً، فمنها ما يسمى بالجاردينيه وهي أثاثة يوضع فيها قحف زهور صناعية، بعرض مترين أو ثلاثة أذرع، ويجعل فوقها إطار من تلك الصناعة النفيسة طوله متران وعرضه متر. وفي داخل ذلك الإطار مرآة وبجانبه من الطرفين جناحان لطيفان لهما رفوف توضع عليها التحف المنوعة، وفوقها تاج على علو متر أيضاً. وكل ذلك محلى بتلك الصناعة الصدفية يتخلله صباغ أسود قليل يزيد في لمعان الصدف.

ويصنع من تلك الصناعة أشكال وأنواع متعددة منها الأصونة خزائن

ص: 209

الثياب ومنها ما يسمى بالعرف بالبيرو مكتب وهو عبارة عن أربعة دروج كبيرة فوقها درجان صغيران ويصنع منه إطار للمرآة، وإطارات للصور ومناضد، وجميع ما يصنع من الخشب البسيط. ومنذ خمسين أو ستين سنة كثر طلب هذا الصنف إلى أوربا. ولكن الحكومة والبلدية لم تأخذا تلك الصناعة تحت رعايتهما فكثر الغش فيها، وصارت لى البوار وانقطع عنها الطلب إلى الخارج بتاتاً، وهي لا تروج الآن إلا في دمشق وضواحيها تقريباً، ولو عُنيت البلدية بمراقبة صناعها، وجعت لهم رئيساً مسؤولاً لدرت تلك الصناعة على دمشق أرباحاً هائلة ولأصبحت أجرة الصانع يومياً نصف دينار وراجت في أقطار العالم أجمع لجمالها ودقة صنعها.

ومن أهم معامل النجارة والفرش معامل الياس جرجي السيوفي في بيروت زرتها في سنة 1330هـ 1912م ومما قلته فيها: رأيت صورة مصغرة من صورة الغرب في الشرق، وتمثل لي فضل الذكاء العربي، وأنه وإن لم يفق الغربي فليس دونه، وأن يد أبنائنا صَناع في الأعمال لا يفوقها ابن فرنسا وإيطاليا وإنكلترا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا إلا بأن الإفرنج يرجعون إلى أساليب في العمل تنقصنا، أو تكاد فغي أكثر الأصقاع لا تجد لها أثراً بيننا، وهي ترجع إلى أسباب رئيسة مهمة، أولها الصبر على العمل، وثانيها تجويد العمل، وثالثها القدر اللازم للعمل من المال والمعرفة، ورابعها الاقتصاد في الوقت والأيدي العاملة، وخامسها تنشيط الأهلين والحكومات للمصنوعات الوطنية وحماية التجارة الداخلية بقوانين تنفذ على الصادر والوارد، وسادسها وجود المواد الأولية التي يمكن بها الاستغناء عن المواد الخارجية في الجملة.

دلت معامل السيوفي على أن الشرقي بمفرده أُمة، وأن الأمة بمجموعها ضعيفة، بمعنى أن الشرقي يعمل مفرداً أحسن من عمله مجتمعاً، وذلك لفقد التربية المشتركة بين المشارقة يرجعون إليها وتضم عراهم. فلو كان معمل الغزل في دمشق لفرد واحد منذ إنشائه له خيره وعليه شره، لما اضمحل هذا الاضمحلال الذي نراه عليه، ولو كانت معامل السيوفي في بيروت لشركة لما رأينا فيها هذا النظام والنجاح، وبذلك صح لنا إثبات ما قدمناه من أن الشرقي أثمة بمفرده والأمة ضعيفة بمجموعها، وأن لا سبيل إلى قيام الأعمال الكبرى وأن نقدر لها النجاح المطلوب إلا إذا اتحدت مناحينا

ص: 210

وتعلمنا تعليماً وطنياً اقتصادياً واحداً.

على هضبة من هضاب بيروت الجميلة في حي الأشرفية، في مكان بعيد عن مركز حركة هذا الثغر، يطل على سفوح لبنان وبيروت وعلى البحر الرومي من أُخرى، قامت هذه المعامل البديعة في بقعة فسيحة من الأرض تدخلها فتخال نفسك

في إحدى معامل الغرب الكبرى، وأول ما يبدؤك بعد الدخول من التاج ساعتان عن اليمين والشمال بجانبهما صندوقان معلقان مقسومان إلى بيوت صغيرة، وفي كل بيت مقواة كتب عليها اسم أحد العملة وطبعت عليها ساعات الغدو والغداء والرواح، فمتى وصل العامل بعد الفجر وقبل إشراق في الشتاء مثلاً يضع مقواته في بيتها، فلا تلبث أن تكتب عليها ساعة مجيئه والدقيقة التي جاء فيها بحروف عربية، وفي آخر اليوم أو الأسبوع يرجع إليها مدير المعمل، ويحسب المتأخر من المتقدم، ويعدون ذلك بموجب نظام خاص لهم جروا فيه على مثال نظام العمال في سويسرا والبلجيك والنمسا وألمانيا. ومن قوانين العملة في هذه الممالك اختار مؤسس المعمل أحسن ما يلائم هذه الديار وينفع في نجاح عملته ويعود عليه وعليهم بالربح واقتصاد الوقت.

وهذه الساعة من نفع ما يجب استخدامه في معاملنا ومطابعنا ودواوين أعمالنا وبيوتنا التجارية والمالية ودوائرنا العسكرية والملكية ليتعلم قومنا مراعاة الوقت والتدقيق في حسابه حتى يبارك لهم بساعات العمل وأيام الحياة، ويتعلموا أن التدقيق في المواعيد أحد دعائم التنظيم في فروع الأعمال، ومن أهم أساليب النجاح الذي غفل عنه معظم سكان هذه الديار وعدوا من ينظم أوقاته ويدقق في وعوده واستقبال خاصته ومن لهم علاقة به في ساعات محدودة متكبراً أو مهوساً.

يباكر العملة في معامل السيوفي في الصيف والشتاء والخريف والربيع على السواء وينقطعون ساعةً وقت الظهر ثم يعاودون العمل إلى قبيل الغروب أو إلى بعده بقليل بحيث لا يتجاوز معدل ساعات العمل في اليوم تسعاً بخلاف عملة أوربا فإنهم يعملون في بعض الممالك كبلجيكا مثلاً زهاء اثنتي عشرة ساعة، ولكثرة الأيدي العاملة وللعادة والإقليم دخل كبير في هذا الاصطلاح.

ص: 211

وفي معامل السيوفي اليوم 280 عاملاً مع أن الأدوات التي اقتناها صاحبها تشغل ضعفي هذا

العدد فيستفيدون ويفيدون.

أكثر ما يعمل في هذه المعامل منجورات الدور الخشبية وأنواع الفرش وأثاث البيوت تعمل كما تعمل في الغرب وتتأنق الأيدي والعيون في تجويدها وتساعدها الأدوات التي تدار بالفحم الحجري وتبلغ نحو الستين آلة ومنها لقطع الخشب وصقله وحفره وتقويره ونقشه وتنشيفه، فترى خشب الجوز والزان من واردات الروم الأناضول والاكاجو من كوبا وشوح النمسا وسنديان أميركا والخشب البياسي من قلقية تُعمل في تلك الأدوات وتحركها تلك المحركات والآلات كأنها العجين في يد خبازه أو الملاط بيد البناء الحاذق.

قال لنا صاحب المعمل: إن الآلة الكبرى المحركة في معمله هي بقوة مئة حصان تنفق في النهار 13 فرنكاً من الفحم وكانت الآلات التي هي أصغر منها تصرف من قبل أكثر من ذلك، وبهذا يستدل أيضاً أن نفقات المعامل الكبيرة أدنى إلى الاقتصاد وأعمالها أقرب إلى الجودة من مصنوعات المعامل الصغيرة لا سيما والمعامل الكبرى تتجلى فيها قاعدة تقسيم العمال فتجد العملة في معامل السيوفي مقسومين إلى عدة أقسام قسم الأدوات وقسم النجارة وقسم الحفر وقسم البرداخ، وللمحل رسام خاص وكلهم من أبناء العرب ليس بينهم إفرنجي. وتختلف أجرة العامل في اليوم من ستين بارة إلى ستين قرشاً ويحاسب عن أجرته كل يوم سبت من كل أسبوعين في الشتاء ويحاسب في الصيف كل سبت قبل الظهر ليتيسر له الخروج إن أحب إلى الجبل يصرف ليل الأحد وليل الاثنين فيه للنزهة، ويقضى على كل عامل أن يعمل ستة أشهر تحت التجربة أولاً ثم تحسم من مياومته أجرة أسبوعين تجعل في صندوق المحل حتى لا تحدثه نفسه بالخروج من العمل كل يوم أو كل أسبوع كما يفعل بعض العملة في المعامل ويتركون أصحابها معطلين. ومن جملة ما شهدته من النظام داخل المعمل قاعة كبرى وموائد يتناول عليها

العملة طعام الظهر، وآلة تضغط النشارة عندما توضع فيها، وهي من اختراع أحد العمال هنا، وتلقي بها إلى مكان بعيد خارج بناية المعمل ومن هناك يبتاعها أرباب القمامين. ومما رأيته خارج المعمل من النظام رصف الطريق الموصلة إليه على نفقة صاحب المعمل وغرس

ص: 212