الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمؤالسة، وإرادة النصح في الجملة، كان التاجر كل التاجر، الذاهب في
الأرض بجماع المفاخر، باستقامة تاجرنا في معاملته، يدفع عن وطنه كثيراً من الغوائل الاجتماعية، ولا يهنأُ العيش ويطيب، إلا إذا قلّ توافد الغريب من الجنس الذي قال فيه حافظ:
يُقتّلنا بلا وقَوَدٍ
…
ولا دِيةٍ ولا رَهَب
ويمشي نحو رايته
…
فتحميه من العطب
التجارة والاقتصاديات في العهد الحديث:
نشبت الحرب العامة سنة 1914 ولم تكن الشام على استعداد للدخول في غمارها، ولم تأخذ الأهبة الكافية لمقاومة طوارئها، وما لبثت الدولة العثمانية والبلاد الشامية التابعة لها أن دخلت في صفوف المحاربين إلى جانب الدولة الألمانية وحلفائها، فحصرت مواني الشام، وبدأت أسعار البضائع ترتفع تدريجياً، وذلك في أصناف الملبوسات كأنواع منسوجات القطن والصوف على اختلاف أنواعها، أو في المأكولات كأنواع السكر والقهوة والأرز، أو في سائر الحاجيات والكماليات كالبترول الكاز والكحول السبيرتو وأنواع المواد القرطاسية والزجاجية والأصباغ والمواد الكيمياوية على اختلاف أنواعها، وشعر الناس بالحاجة إلى الاقتصاد والتفكر في استجلاب هذه الأصناف من البلاد المجاورة بقدر الإمكان.
وقد اشتدت الأزمة الاقتصادية بفقدان الأيدي العاملة أيضاً من المدن والقرى، بسبب النفير العام والتجنيد في جميع أصقاع الشام، وكان من تخلصوا من التجنيد الإجباري هم الذين لم يتدربوا على التعليم العسكري فدفعوا بدلات نقدية مرات خلال أعوام الحرب. وكانت هذه البدلات تكلف مبالغ طائلة في السنين الأخيرة، وأعلنت الدولة العثمانية بعد دخولها الحرب قانون تأجيل الديون بقواعد مخصوصة أقرتها.
ولم يلبث الضيق أن عمّ والنقد أن قلّ وخصوصاً بعد أن وضعت السلطة العسكرية يدها على جميع وسائط النقل في البلاد مثل السكك الحديدية ودواب
النقل والمركبات والسيارات، فكانت أسعار الحاجيات تختلف اختلافاً بيناً في بلاد الشام القريب بعضها من الآخر، وذلك بالنسبة للتشدد أو التساهل الذي كانت تبديه الإدارة العسكرية في استخدام أسباب نقل البضائع. انقضت السنة الأولى للحرب فأصبحت دمشق مركزاً للجيش الرابع الزاحف على ترعة السويس. وأنشأ يعقد البيوع العظيمة والالتزامات الكبيرة سد لحاجات الجيش المذكور، فبدأت هذه
الأزمة الشديدة بالانفراج، وأخذت إدارة الجيش تتساهل باستخدام المجندين في إدارات المتعهدين والملتزمين، ونشطت الحركة التجارية والصناعية في الشام. ولا ينكر أن الجيش الرابع صرف مبالغ طائلة في أسواق التجارة لضمان حاجاته الكثيرة التي لم يتمكن من تأمينها بطرق الإكراه أو بواسطة الضرائب الحربية التي رأى أنها عقيمة لا تفي بالحاجة، وبعدئذ فكر بعض التجار باستجلاب بعض الحاجات الضرورية التي غلت أسعارها وعزّ وجودها من بلاد نجد التي كانت تستورد بضائعها من الهند وفارس على أيسر وجه وطمأنينة، لأن أمير نجد عبد العزيز ابن سعود كان موالياً لإنكلترا لا يجد ضيقاً ولا رهقاً في استجلاب البضائع ومواد الغذاء على اختلاف أنواعها.
ولقد كانت هذه الطريقة من أهم الوسائط لسد حاجات البلاد والجيش، ولإيجاد حركة تجارية جيدة كانت تدرّ ذهباً وهاجاً على المتاجرين والمستوردين، كما أن كثيراً من التجار اتخذوا وسائط عديدة لاستجلاب بعض البضائع الألمانية والنمساوية بواسطة رجال الجيش واستخدام وسائطهم لنقل هذه البضائع بالاتفاق معهم، وبتبادل المنفعة بينهم، وبذلك انفرجت الأزمة الاقتصادية التي بدأت في السنتين الأوليين من الحرب، واغتنى كثير من التجار والعاملين والوسطاء من رجال الإدارة والجندية باستخدام هذه الوسائط في النقل ونقل أصناف التجارة، والبلاد محصورة لم يرد إليها شيء قط من طرقها البحرية العديدة. وكثرت النقود الذهبية في التعامل بما أنفق من إدارات الجيش، وما ورد البلاد من طرق البر من البضائع، وما كانت بريطانيا العظمى تنفقه في أنحاء البلاد المجاورة عن سعة من الذهب الوهاج لتأييد الثورة العربية، حتى أصبحت البلاد في أواخر الحرب على أحسن حالات اليسر والرخاء.