الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تارة، وتستعمل بمعنى الظن تارة، ولم ينقل أنها تستعمل بمعنى اليقين، وهم يستعملونها في تصور يقيني، وهو تصور المعاني التي ليست بمحسوسة ولا ريب في ثبوتها، كعداوة الذئب للنعجة، وصداقة الكبش لها، وهو في لغة العرب يقال في هذه المعاني: تصورتها وعملتها وتحققتها وتيقنتها وتبينتها، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على العلم، ولا يقال: توهمتها، وإلا إذا لم تكن معلمه، فاصطلاحهم مضاد معروف في لغة العرب، بل وفي سائر اللغات.
وإذا كان كذلك، فلإدراك الصحيح، الذي يسمونه هم توهماً وتخيلاً، هو نوع من التصور والشعور والمعرفة.
كلام ابن سينا في إثبات القوة الوهمية وتعليق ابن تيمية عليه
يوضح ذلك أنهم قالوا في إثبات القوة الوهمية: كما قال ابن سينا: (الحيوانات ناطقها وغير ناطقها - تدرك في المحسوسات الجزئية معاني جزئية غير محسوسة ولا متأدية من طريق الحواس، مثل إدراك الشاة معنى في الذئب غير محسوس، وإدراك الكبش معنى في النعجة غير محسوس: إدراكاً جزئياً: يحكم به كما يحكم الحس بما يشاهده، فعندك قوة هذا شأنها، وعند كثير من الحيوانات العجم قوة تحفظ هذه المعاني بعد حكم الحاكم بها غير الحافظ للصورة) .
فقد تبين أن هذه القوة تدرك معاني غير محسوسة وغير متأدية في الحس، ففرق بينها وبين الحسية والخيالية بأن الخيالية إدراك ما تأدى من الحس.
وقد فسر الشارحون ما دل عليه كلامه فقالوا هذا بيان إثبات الوهم والحافظة: أما الوهم فقوة يدرك الحيوان بها معاني جزئية لم تتأد من الحواس إليها، كإدراك العداوة والصداقة والموافقة والمخالفة في أشخاص جزئية، فإدراك تلك المعاني دليل على وجود قوة تدركها، وكونها مما لا يتأدى من الحواس، دليل على مغايرتها للحس المشترك، ووجودها في الحيوانات العجم دليل على مغايرتها للنفس الناطقة.
قالوا: وقد يستدل على ذلك أيضاً بأن الإنسان ربما يخاف شيئاً يقتضي عقله الأمن منه كالموتى، وما يخالف عقله فهو غير عقله.
وقال ابن سينا في إشاراته: (كل ملتذ به فهو سبب كمال يحصل للمدرك هو بالقياس إليه خير، ثم لا يشك أن الكمالات وإدراكاتها متفاوتة، فكمال الشهوة مثلاً أن يتكيف العضو
الذاتي بكيفية الحلاوة مأخوذة عن مادتها، ولو وقع مثل ذلك، لا عن سبب خارج، كانت اللذة قائمة.
وكذلك الملموس والمشموم ونحوهما.
وكمال القوة الغضبية: أن تتكيف النفس بكيفية غضب، أو بكيفية شعور بأذى يحصل من المغضوب عليه.
والوهم والتكيف بهيئة ما يرجوه أو يذكره، وعلى هذا حال سائر القوى) .
والمقصود أنه جعل كمال الوهم اتصافه بصفة ما يرجوه أو يذكره، والمرجو في المستقبل، والمذكور في الماضي: كلاهما لا بد أن يكون هنا مما يوافقه ويحبه، فإن الكمال- كما قد ذكروه- إنما يكون بإدراك الملائم لا المنافي.
والقوة الوهمية هي التي تدرك بها الصداقة والعداوة والموافقة والمخالفة.
والصداقة هي الولاية التي أصلها المحبة، والعداوة أصلها البغض.
فالقوة الوهمية عندهم هي التي يدرك بها الحيوان ما يحبه وما يبغضه