المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام ابن رشد في مسألة رؤية الله تعالى - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٦

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الوجه الثالث والأربعون

- ‌كلام الرازي عن الجهة والمكان

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌المقام الأول

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات عن الخيال والوهميات

- ‌الرد المفصل على كلام ابن سينا

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية عود لمناقشة ابن سينا

- ‌كلام آخر لابن سينا في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في إثبات القوة الوهمية وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن سينا في الشفاء عن قوة الوهم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌عود إلى كلام ابن سينا في مقامات العارفين في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل تابع كلام ابن سينا في الإشارات عن مقامات العارفين

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل: تابع كلام ابن سينا في مقامات العارفين وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌عود إلى مناقشة كلام ابن سينا عن الوهم

- ‌الرد على قول الرازي: الوجه الأول

- ‌كلام عبد العزيز الكناني في مسألة الاستواء والعلو

- ‌كلام ابن كلاب في مسألة العلو

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول القائل: أنا لا أصفه بالوصفين المتقابلين لأن القابل لذلك لا يكون إلا جسماً

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌كلام الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة في إثبات علو الله واستوائه

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للإمام أحمد عن المعية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في الرد على الحلولية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن عربي في فصوص الحكم عن علاقة الواجب بالممكن

- ‌كلام الأبهري وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌كلام ابن كلاب في كتاب الصفات عن العلو وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام الأشعري في الإنابة عن الاستواء وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام الباقلاني في التمهيد إثبات العلو والاستواء

- ‌كلام القاضي أبو يعلى في إبطال التأويل في إثبات العلو والاستواء

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن رشد في مناهج الأدلة عن العلو والجهة

- ‌كلام ابن رشد في مسألة رؤية الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام ابن رشد في مناهج الأدلة

- ‌فصل مذهب السلف والأئمة في العلو والمباينة

- ‌كلام أبي نصر السجزي في كتاب الإبانة

- ‌كلام أبي عمر الطلمنكي في الوصول إلى معرفة الأصول

- ‌كلام نصر المقدسي في الحجة على تارك المحجة

- ‌كلام أبي نعيم الأصبهاني ي عقيدته

- ‌كلام أبي أحمد الكرخي في عقيدته

- ‌كلام ابن عبد البر في كتاب التمهيد

- ‌كلام معمر بن أحمد الأصبهاني في وصيته

- ‌كلام ابن أبي حاتم

- ‌كلام أبي محمد المقدسي

- ‌كلام أبي عبد الله القرطبي في شرح معنى الاستواء

- ‌كلام أبي بكر النقاش

- ‌كلام أبي بكر الخلال في كتاب السنة

- ‌كلام عبد الله بن أحمد في كتاب السنة

- ‌كلام أبي بكر البيهقي في الأسماء والصفات

- ‌كلام أبي حنيفة في كتاب الفقه الأكبر

- ‌كلام عبد الله بن المبارك الذي رواه عته البخاري

- ‌كلام ابن خزيمة

- ‌كلام ربيعة بن أبي عبد الرحمن

- ‌كلام مالك بن أنس

- ‌كلام آخر لبعض الأئمة

- ‌الوجه الثاني من وجوه الرد على الوجه الأول من كلام الرازي الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل الوجه الثاني من كلام الرازي في الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل الوجه الثالث من كلام الرازي في الأربعين

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الرد على الوجه الرابع من كلام الرازي من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الرد على الوجه الخامس من كلام الرازي من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على الوجه السادس من كلام الرازي من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل تابع كلام الرازي في الأربعين

- ‌الرد عليه

- ‌وجوه للرازي في الأربعين الوجه الأول

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌جواب الرازي في نهاية المعقول على حجة التركيب في مسألة الصفات

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الثاني من وجوه الرازي في الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه الثالث من وجوه الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الرابع من وجوه الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه الخامس من وجوه الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه السادس من وجوه الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌بقية كلام الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد على كلام الرازي

- ‌كلام الرازي عن الجهة في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه

- ‌بقية كلام الرازي في لباب الأربعين عن الجهة

الفصل: ‌كلام ابن رشد في مسألة رؤية الله تعالى

مخالفة لها من الذين ينتسبون للحكمة أنها غير مخالفة لها.

وذلك بأن يعرف كل أحد من الفريقين أنه لم يقف على كنهها بالحقيقة، أعني على كنه الشريعة، ولا على كنه الحكمة، وأن الرأي في الشريعة الذي اعتقد أنه مخالف للحكمة هو رأي: إما مبتدع في الشريعة لا من أصلها، وإما رأي خطأ في الحكمة، أعني تأويل خطأ عليها، كما عرض في مسألة علم الجزئيات وفي غيرها من المسائل) .

قال: (ولهذا المعنى اضطررنا نحن في هذا الكتاب أن نعرف أصول الشريعة، فإن أصولها إذا تؤملت وجدت أشد مطابقة للحكمة مما أول عليها.

وكذلك الرأي في الذي ظن في الحكمة أنه مخالف للشريعة يعرف أن السبب في ذلك أنه لم يحط علماً بالحكمة ولا بالشريعة.

ولذلك اضطررنا نحن إلى وضع قول في موافقة الحكمة للشريعة) .

‌كلام ابن رشد في مسألة رؤية الله تعالى

قال: (فإذا تبين هذا فلنرجع إلى حيث كنا فنقول: إن

ص: 226

الذي بقي علينا من هذا الجزء من المسائل المشهورة هي مسألة الرؤية، فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي، بوجه ما، داخلة في هذا الجزء، أعني في الجزء المعدوم) يعني جزء التنزيه، فإنه تكلم في التنزيه بعد تكلمه في الصفات الثبوتية، فقال: (فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي، بوجه ما داخلة في هذا الجزء، أعني في الجزء المعدوم، لقوله تعالى:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، ولذلك أنكرتها المعتزلة، وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك، مع كثرتها وشهرتها، فشنع المر عليهم، والسبب في وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه، واعتقدوا وجوب التصريح بهذا لجميع المكلفين، وجب عندهم إذا انتفت الجسمية أن تنتفي الجهة، وإذا انتفت الجهة انتفت الرؤية، إذ كل مرئي في جهة من الرائي، فاضطروا لهذا المعنى إلى رد الشرع المنقول، وأعلوا الأحاديث بأنها أخبار آحاد.

وأخبار الآحاد لا توجب العلم، مع أن ظاهر القرآن معارض لها، أعني قوله:{لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] ) .

ص: 227

قال: (وأما الأشعرية فراموا الجمع بين الاعتقادين، أعني بين انتفاء الجسمية وبين جواز الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فعسر ذلك عليهم، ولجأوا في ذلك إلى حجج سوفسطائية مموهة، أعني الحجج التي توهم أنها حجج وهي كاذبة، وذلك أنه يشبه أن يكون يوجد في الحجج ما يوجد في الناس، أعني كما يوجد في الناس الفاضل التام الفضيلة، يوجد فيهم من هو دون ذلك في الفضل، ويوجد فيهم من يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، وهو المرائي، وكذلك الأمر في الحجج أعني أن منها ما هو في غاية اليقين ومنها ما هو دون اليقين، ومنها حجج مرائية، وهي التي توهم أنها يقين وهي كاذبة.

والأقاويل التي سلكها الأشعرية في هذه المسألة منها أقاويل في دفع دليل المعتزلة، ومنها أقاويل لهم في جواز إثبات الرؤية لما ليس بجسم، وأنه ليس يعرض من فرضها محال.

فأما ما عاندوا به قول المعتزلة: إن كل مرئي فهو في جهة من الرائي، فمنهم من قال: إن هذا إنما هو حكم الشاهد لا حكم الغائب، وإن هذا الموضع ليس هو من المواضع التي يجب فيها نقل حكم الشاهد إلى الغائب، وإنه جائز أن يرى الإنسان ما ليس في جهة، إذ كان جائزاً أن يرى الإنسان بالقوة المبصرة نفسها

ص: 228

دون عين، وهؤلاء اختلط عليهم إدراك العقل مع إدراك البصر فإن العقل هو الذي يدرك ما ليس في جهة، أعني في مكان.

وأما إدراك البصر، فظاهر من أمره أن من شرطه أن يكون المرئي منه في جهة، أعني في مكان، ولا في كل جهة بل في جهة ما مخصوصة.

ولذلك ليس تتأتى الرؤية بأي وضع اتفق أن يكون البصر من المرئي، بل بأوضاع محدودة وشروط محدودة أيضاً.

وهي ثلاثة أشياء: حضور الضوء، والجسم الشفاف المتوسط بين البصر والمبصر، وكون المبصر ذا لون.

والرد لهذه الأمور المعروفة بنفسها في الإبصار هو رد للأوائل المعلومة بالطبع للجميع، وإبطال لجميع علوم النظر والهندسة.

وقد قال القوم - أعني الأشعرية - إن أحد المواضع التي يجب فيها أن ينقل حكم الشاهد إلى الغائب هو الشرط، مثل حكمنا بأن كل عالم حي، لكون الحياة تظهر في الشاهد شرطاً في وجود العلم قلنا لهم: وكذلك يظهر في الشاهد أن هذه الأشياء هي شرط في الرؤية، فألحقوا الغائب فيها بالشاهد، على أصلكم) .

ص: 229

قال: (وقد رام أبو حامد في كتابه المعروف بالمقاصد أن يعاند هذه المقدمة، أعني أن كل مرئي في جهة من الرائي، بأن الإنسان ينظر ذاته في المرآة، وليس ذاته منه في جهة ولا في غير جهة تقابله، وذلك أنه لما كان يبصر ذاته، وكانت ذاته لا تحال في المرآة التي في الجهة المقابلة، فهو يبصر ذاته في غير جهة) .

قال: (وهذه مغالطة، فإن الذي يبصر هو خيال ذاته فقط، والخيال هو في جهة، إذ كان الخيال في المرآة، والمرآة في جهة.

وأما حجتهم التي أتوا بها في إمكان رؤية ما ليس بجسم، فإن المشهور عندهم من ذلك حجتان: إحداهما - وهي الأشهر عندهم - ما يقولونه من أن الشيء لا يخلو من أن يرى من جهة أنه متلون، أو من جهة أنه جسم، أو من جهة أنه لون، أو من جهة أنه موجود.

وربما عددوا جهات أخر غير هذه الوجوه، ثم يقولون: وباطل أن يرى من قبل أنه جسم، إذ لو كان كذلك لما رئي ما

ص: 230

هو غير جسم، وباطل أن يرى من قبل أنه ملون، إذ لو كان كذلك لما رئي، وباطل أن يرى لمكان أنه لون، إذ لو كان كذلك لما رئي الجسم.

قالوا: وإذا بطلت جميع هذه الأقسام التي تتوهم في هذا الباب، لم يبق أن يرى الشيء إلا من قبل أنه موجود) .

قال: (والمغالطة في هذا القول بينة، فإن المرئي منه ما هو مرئي بذاته، ومنه ما هو مرئي من قبل المرئي بذاته.

وهذه هي حال اللون والجسم، فإن اللون مرئي بذاته، والجسم مرئي من قبل اللون، وكذلك ما لم يكن له لون لم يبصر، ولو كان الشيء إنما يرى من حيث هو موجود فقط، لوجب أن يبصر الأصوات وسائر المحسوسات الخمس، فكان يكون السمع والبصر وسائر الحواس الخمس حاسة واحدة، وهذا كله خلاف ما يعقل، وقد اضطر المتكلمون لمكان

ص: 231

هذه المسألة - وما أشبهها - إلى أن يسلموا أن الألوان ممكنة أن تسمع، والأصوات ممكنة أن لا تسمع، وهذا كله خروج عن الطبع وعما يمكن أن يعقله الإنسان، فإن من الظاهر أن حاسة البصر غير حاسة السمع، وأن محسوس هذه غير محسوس تلك، وأن آلة هذه غير آلة تلك، وأنه ليس يمكن أن ينقلب البصر سمعاً، كما لا يمكن أن يعود اللون صوتاً، والذين يقولون: إن الصوت يمكن أن يبصر في وقت، فقد وجب أن يسألوا فيقال لهم: ما هو البصر؟ فلا بد أن يقولوا: هو قوة تدرك بها المرئيات: الألوان وغيرها، ثم يقال لهم: ما هو السمع؟ فلا بد أن يقولوا: هو قوة تدرك بها الأصوات، فإذا وضعوا هذا قيل لهم: فهل البصر عند إدراكه الأصوات هو بصر فقط، أو سمع فقط؟ فإذا قالوا: سمع فقط، فقد سلموا أنه لا يدرك الألوان.

وإن قالوا: بصر فقط، فليس يدرك الأصوات، وإذا لم يكن بصراً فقط لأنه يدرك الأصوات، ولا سيما فقط لأنه يدرك الألوان، فهو بصر وسمع معاً، وعلى هذا فتكون الأشياء كلها شيئاً واحداً، حتى المتضادات، وهذا شيء - فيما أحسبه - يسلمه المتكلمون من أهل ملتنا، أو يلزمهم تسليمه - يعني هؤلاء الأشعرية) .

ص: 232

قال: (وهو رأي سوفسطائي لأقوام مشهورين بالسفسطة.

وأما الطريقة الثانية التي سلكها المتكلمون في جواز الرؤية فهي الطريقة التي اختارها أبو المعالي في كتابه المعروف بالإرشاد وتلخيصها.

أن الحواس إنما تدرك ذوات الأشياء، وما تنفصل به الموجودات بعضها من بعض، فهي أحوال ليست بذوات، فالحواس لا تدركها، وإنما تدرك الذات، والذات هي نفس الوجود المشتركة لجميع الموجودات، فإذاً الحواس إنما تدرك الشيء من حيث هو هو موجود) .

قلت: هذه الحجة من جنس الأولى، لكن هذه على قول مثبتة الأحوال، وتلك على رأي نفاة الأحوال، لكن ذكرها على هذا الوجه فيه تناقض، حيث جعل الأحوال لا ترى، بل إنما يرى الوجود، والوجود حال عند مثبتة الأحوال، لكن مضمون ذلك أنها تدرك الحال المشتركة وهي الوجود، لا لما اختصت به.

ثم قال ابن رشد: (وهذا كله في غاية الفساد.

ومن أبين ما يظهر به فساد هذا القول أنه لو كان البصر إنما يدرك الأشياء لوجودها لما أمكنه أن يفرق بين الأبيض والأسود، لأن الأشياء لا تفترق بالشيء

ص: 233

الذي تشترك فيه، ولكان في الجملة لا يمكن في الحواس: لا في البصر أن يدرك فصول الألوان، ولا في السمع أن يدرك فصول الأصوات، ولا في الطعم أن يدرك فصول المطعومات، وللزم أن يكون مدارك المحسوسات بالحس واحداً، فلا يكون فرق بين مدرك السمع ومدرك البصر، وهذا كله في غاية الخروج عما يعقله الإنسان، وإنما تدرك الحواس وذوات الأشياء المشار إليها بتوسط إدراكها لمحسوساتها الخاصة بها، فوجه المغالطة في هذا هو أنه ما يدرك ثانياً أخذ أنه يدرك بذاته) .

قال: (ولولا النشأ على هذه الأقاويل، وعلى التعظيم للقائلين بها، لما أمكن أن يكون فيها شيء من الإقناع، ولا وقع بها التصديق لأحد سليم الفطرة) .

قال: (والسبب في مثل هذه الحيرة الواقعة في الشريعة - حتى ألجأت القائلين بنصرتها، في زعمهم، إلى مثل هذه الأقاويل الهجينة، التي هي ضحكة عند من عنى بتمييز أصناف الأقاويل أدنى عناية - هو التصريح في الشرع بما لم يأذن به الله ورسوله، وهو التصريح بنفي

ص: 234

الجسمية للجمهور.

وذلك أنه من العسير أن يجتمع في اعتقاد واحد أن ههنا موجوداً ليس بجسم، وأنه مرئى بالأبصار، لأن مدرك الأبصار هي في الأجسام أو أجسام، وكذلك رأى قوم أن هذه الرؤية هي مزيد علم في ذلك الوقت، وهذا لا يليق أيضاً الإفصاح به للجمهور، فإنه لما كان العقل من الجمهور لا ينفك عن التخيل، بل ما لا يتخيلون هو عندهم عدم، وكان تخيل ما ليس بجسم لا يمكن، والتصديق بوجود ما ليس بمتخيل غير ممكن عندهم، عدل الشرع عن التصريح لهم بهذا المعنى، ووصف لهم نفسه سبحانه بأوصاف تقرب من قوة التخيل مثل ما وصفه به من السمع والبصر والوجه وغير ذلك، مع تعريفهم أنه لا يجانسه شيء من الموجودات المتخيلة ولا يشبهه.

ولو كان القصد تعريف الجمهور أنه ليس بجسم لما صرح لهم بشيء من ذلك، بل لما كان أرفع الموجودات المتخيلة هو النور ضرب المثال به، إذ كان النور هو أشهر الموجودات عند الحس والتخيل.

وبهذا النحو من التصور أمكن أن يفهموا المعاني

ص: 235

الموجودات في المعاد، أعني تلك المعاني مثلت لهم بأمور متخيلة محسوسة، فإذاً متى أخذ الشرع في أوصاف الله على ظاهره لم تعرض فيه هذه الشبهة ولا غيرها، لأنه إذا قيل: إنه نور، وإن له حجاباً من نور، كما جاء في القرآن والسنن الثابتة، ثم قيل: إن المؤمنين يرونه في الدار الآخرة، كما ترى الشمس لم يعرض في هذا كله شك، ولا شبهة في حق الجمهور، ولا حق العلماء، وذلك أنه قد تبرهن عند العلماء أن تلك الحال مزيد علم، لكن متى صرح به للجمهور بطلت عندهم الشريعة كلها أو كفروا المصرح لهم بها، فمن خرج عن منهاج الشريعة في هذه الأشياء فقد ضل عن سواء السبيل.

وأنت إذا تأملت الشرع وجدته، مع أنه قد ضرب للجمهور في هذا المعنى المثالات التي لم يمكن تصورها إياها دونها، فقد نبه العلماء على تلك المعاني أنفسها التي ضرب مثالاتها للجمهور، فيجب أن يوقف عند حد الشرع في نحو التعليم الذي خص به صنفاً صنفاً من الناس، لئلا يختلط التعليمان كلاهما، فتفسد الحكمة الشرعية النبوية.

ولذلك قال عليه الصلاة

ص: 236