الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالكمالات، خيراً منكم، فمن وصفه بالعمى والصمم والعور، مع إمكان زول هذه النقائص عنه - كان خيراً منكم.
وهم يشنعون بما يحكى عن بعض ضلال اليهود والنصارى من أن الله ندم على الطوفان حتى عض على إصبعه وجرى الدم، وبكى على الطوفان حتى رمد، وعادته الملائكة، وآلى على نفسه أنه لا يغرق بنيه، وأن بعض بني إسرائيل وجده ينوح على خراب بيت المقدس، وفي بعض كتب النصارى أنه ينام.
ومن قال إن بشراً - كمسيح الهدى ومسيح الضلالة - أنه الله، مع كونه يأكل ويشرب وأنه أعور.
وأمثال هؤلاء الذين يصفونه بهذه النقائص - مع إمكان اتصافه بالكمال - هم خير ممن يقول: لا يمكن اتصافه بصفات الكمال بحال.
بل من جعل يأكل ويشرب فهو خير ممن يقول: لا يمكن أن يكون حياً ولا عالماً ولا قادراً، فإن الحي الذي يأكل ويشرب، خير من الجماد الذي لا يعلم ولا يتكلم، ولا يسمع ولا يبصر.
علم أن من نفى عنه صفات الكمال كان شراً من جميع هذه الطوائف، فإنهم جعلوه كالمعدوم أو الجماد، وهؤلاء شبهوه بالحيوان الذي فيه صفة كمال مع نوع من النقص، فكان تعطيل الأول له من صفات الكمال، وتمثيله له بالمعدومات والجمادات، شراً من تعطيل هذا له عن بعض صفات الكمال مع إثباته لكثير من صفات الكمال، وكان تشبيهه له بالحيوان أمثل من تشبيه ذاك له بالجماد والمعدوم.
وهكذا من قيل له: هو واجب، فإنه إن لم يكن واجباً كان ممكناً، وهو قديم فإنه إن لم يكن قديماً كان محدثاً، وهو خالق فإن القائم بنفسه إن لم يكن خالقاً كان مخلوقاً، وهو مباين للعالم خارج عنه، فإنه إن لم يكن مبايناً له خارجاً عنه، كان داخلاً فيه محصوراً محوزاً.
كلام الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة في إثبات علو الله واستوائه
وممن ذكر ذلك الإمام أحمد فيما خرجه في (الرد على الزنادقة والجهمية) قال: (بيان ما أنكرت الجهمية الضلال أن يكون الله
على العرش.
قلنا لم أنكرتم أن الله على العرش؟ وقد قال الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] ، فقالوا هو تحت الأرضين السبعة كما هو على العرش، فهو على العرش، وفي السماوات وفي الأرض وفي كل مكان لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، وتلو آيات من القرآن:{وهو الله في السماوات وفي الأرض} [الأنعام: 3] ، فقلنا قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظم الرب شيء.
فقالوا: أي شيء؟ قلنا أحشاؤكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة، ليس فيها من عظم الرب شيء.
وقد أخبرنا أنه في السماء فقال: {أأمنتم من في السماء أن
يخسف بكم الأرض} [الملك: 16]، {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} [الملك: 17] ، وقال تعالى:{إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10]، وقال:{إني متوفيك ورافعك إلي} [آل عمران: 55]، وقال:{بل رفعه الله إليه} [النساء: 158]، وقال:{وله من في السماوات والأرض ومن عنده} [الأنبياء: 19]، وقال:{يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50]، وقال:{ذي المعارج} [المعارج: 3]، وقال:{وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18]، وقال:{وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] .
فهذا خبر الله أنه في السماء، ووجدنا كل شيء أسفل مذموماً بقول الله عز وجل:{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145]، وقال:{وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} [فصلت: 29] .
وقلنا لهم: أليس تعلمون أن إبليس مكانه مكان، فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد؟ .
ولكن معنى قول الله عز وجل: {وهو الله في السماوات وفي الأرض} [آل عمران: 129]، يقول: هو إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو الله على العرش، وقد أحاط الله بعلمه ما دون العرش، لا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان.
وذلك قوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] .
ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صاف، وفيه شيء صاف، لكان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح،
من غير أن يكون ابن آدم في القدح، والله وله المثل الأعلى - قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه.
وخصلة أخرى لو أن رجلاً بنى داراً بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج منها، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره، وكم سعة كل بيت، من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار.
فالله عز وجل وله المثل الأعلى - قد أحاط بجميع ما خلق، وعلم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق.
وما تأوله الجهمية من قول الله عز وجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7]، فقالوا: إن الله عز وجل معنا وفينا.
قال: فقلنا: فلم قطعتم الخبر من أوله بأن الله
يقول: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} يعني: إلا الله - بعلمه - رابعهم، {ولا خمسة إلا هو} بعلمه {سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} يعني بعلمه فيهم {أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [المجادلة: 7] ، يفتح الخبر بعلمه فيهم ويختمه بعلمه.
ويقال للجهمي: إذا قال: إن الله معنا بعظمة نفسه.
قيل له: هل يغفر الله لكم فيما بينه وبين خلقه؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن الله يباين خلقه، وأن خلقه دونه، وإن قال لا