الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث الآخر الصحيح: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
قالوا اليهود والنصارى؟ قال: فمن» .
ومشابهة اليهود والنصارى أيسر من مشابهة فارس والروم، فإن الفرس كانوا مجوساً، والروم إن لم يكونوا نصارى كانوا مشركين صابئة وغير صابئة، فلاسفة وغير فلاسفة، والباطنية ركبوا مذهبهم من قول المجوس ومن دخل فيهم ومن قول المشركين من الروم ومن دخل فيها، كاليونان ونحوهم.
وأما الأشعري وأئمة أصحابه فهم مصرحون بأن الله نفسه فوق العرش، كما ذكر ذلك في كتبه كلها الموجز والإنابة والمقالات وغير ذلك.
كلام الأشعري في الإنابة عن الاستواء وتعليق ابن تيمية
قال: (إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل: نقول: إن الله عز وجل مستو على عرشه كما قال: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5]، وقد قال: {إليه يصعد الكلم
الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]، وقال:{بل رفعه الله إليه} [النساء: 158]، وقال:{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} [السجدة: 5] .
وقال تعالى حكاية عن فرعون: {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 36-37] كذب موسى في قوله: إن الله عز وجل فوق السماوات.
وقال عز وجل: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16] ، فالسماوات فوقها العرش.
فلما كان العرش فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، فالعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال:{أأمنتم من في السماء} يعني: جميع السماء، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى
السماوات.
ألا ترى أن الله عز وجل ذكر السماوات فقال: {وجعل القمر فيهن نورا} [نوح: 16] ، ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعاً، وأنه فيهن جميعاً.
ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطونها إذا دعوا نحو الأرض) .
قال: (وقال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية أن معنى قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] ، أنه استولى وملك وقهر، وأن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة، لأن الله قادر على كل شيء والأرض، فالله قادر عليها
وعلى كل ما في العالم، فلو كان الله مستو على العرش بمعنى الاستيلاء، وهو سبحانه مستول على الأشياء كلها، لكان مستوياً على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأقذار، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها، وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عنه أحد من المسلمين أن يقول: إن الله مستو على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش، الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص العرش دون الأشياء كلها) .
قال: (وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله في كل مكان، فلزمهم أنه في بطن مريم والحشوش والأخلية، وهذا خلاف الدين، تعالى الله عن قولهم) .
وقال: (دليل آخر.
وقال الله عز وجل: {ما كان لبشر
أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ، فقد خصت الآية البشر دون غيرهم ممن ليس من جنس البشر، ولو كانت الآية عامة للبشر وغيرهم، كان أبعد من الشبهة وإدخال الشك على من يسمع الآية أن يقول: ما كان لأحد أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً، فيرتفع الشك والحيرة، من أن يقول: ما كان لجنس من الأجناس أن أكلمه إلا وحياً أو من وراء حجاب أو أرسل رسولاً، ويترك أجناساً لم يعمهم بالآية، فدل ما ذكرنا على أنه خص البشر دون غيرهم) .
قلت: ومقصود الأشعري من هذا أنه على قول النفاة لا فرق بين البشر وغيرهم، فإنه عندهم لا يحجب الله تعالى أحداً بحجاب منفصل عنه، بل هو محتجب عن جميع الخلق، بمعنى أنه لا يمكن أحد أن يراه، فاحتجابه عن بعضهم دون البعض دل على نقيض قولهم: وذلك أن نفاة المباينة يفسرون بالاحتجاب بمعنى عدم الرؤية لمانع من الرؤية في العين، ونحو ذلك من الأمور التي لا تنفصل عن المحجوب، بل نسبتها إلى جميع الأشياء واحدة.
قال الأشعري: (دليل آخر.
قال تعالى: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام: 62]، وقال تعالى: {ولو ترى
إذ وقفوا على ربهم} [الأنعام: 30]، وقال:{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم} [السجدة: 12]، وقال تعالى:{وعرضوا على ربك صفا} [الكهف: 48] ، وكل ذلك يدل على أنه ليس في خلقه، ولا خلقه فيه، وأنه مستو على عرشه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، الذين لم يثبتوا له في وصفهم حقيقة ولا أوجبوا له بذكرهم إياه وحدانية، إذ كل كلامهم يؤول إلى التعطيل، وجميع أوصافهم تدل على النفي، يريدون بذلك - زعموا - التنزيه ونفي التشبيه، فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل) .
قلت: فقد احتج على عدم مداخلته بقوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} [الأنعام: 30]، وقوله:{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} الأنعام: [62]، وقوله تعالى:{ناكسوا رؤوسهم عند ربهم} [السجدة: 12]، وقوله:{وعرضوا على ربك صفا} [الكهف: 48] ، فإنه لو كانت نسبته إلى جميع الأمكنة واحدة لا يختص بالعلو، لكان في المردود كما هو في المردود إليه، وفي
الواقف كما هو الموقوف عليه، وفي الناكس كما هو فيمن نكس رأسه عنده، وفي المعروض كما هو في المعروض عليه.
فهذه النصوص تنفي مداخلته للخلق، وتوجب مباينته لهم، فلو أمكن وجود موجود لا مباين ولا محايث، لكان نسبة ذاته إلى جميع المخلوقات نسبة واحدة، وهو مناقض لما ذكر.
وقوله: (مع نفي المداخلة أنه على العرش) ، يبين أنه يثبت المباينة لا ينفيها كما ينفي المداخلة.
قال الأشعري أيضاً: (وروت العلماء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله، فإنه بين كرسيه إلى السماء ألف عام، والله عز وجل فوق ذلك.
قلت: وهذا الحديث رواه الحاكم أبو محمد العسال في كتاب المعرفة له من حديث عبد الوهاب الوراق الرجل الصالح: ثنا علي بن عاصم، عن عطاء بن السايب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله، فإن ما بين كرسيه إلى السماء السابعة سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك.
قال عبد
الوهاب الوراق: من زعم أن الله ههنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة.
قال الأشعري: (ومما يؤكد أن الله مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث النزول، كقوله: «ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأستجيب له؟ حتى يطلع الفجر) » .
قال الأشعري: دليل آخر قال الله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50]، وقال تعالى:{تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4]، وقال:{استوى إلى السماء وهي دخان} [فصلت: 11]، وقال:{ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} [الفرقان: 59]، وقال:{ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع} [السجدة: 4] ، فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء، مستو على عرشه.
والسماء
بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أن الله منفرد بوحدانيته مستو على عرشه.
وقال الأشعري: (دليل آخر.
قال عز وجل: {وجاء ربك والملك صفا صفا} [الفجر: 22]، وقال تعالى:{هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} [البقرة: 210]، وقال تعالى:{ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى} إلى قوله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 7-18] .
وقال عز وجل لعيسى ابن مريم: {إني متوفيك ورافعك إلي} [آل عمران: 55] .
وقال: {وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه} [النساء: 157-158] وأجمعت الأمة على أن الله رفع عيسى إلى السماء) .
قال الأشعري: (ومن دعاء أهل الإسلام جميعاً، إذا هم