الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كفر.
وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
فقل له: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم.
فقل له: حين خلق الشيء خلقه من نفسه أو خارجاً من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل: واحد منها: إن زعم أن الله خلق في نفسه فقد كفر، حين زعم أنه خلق الجن والشياطين في نفسه، وإن قال: خلقهم خارجاً من نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضاً كفراً حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء.
وإن قال: خلقهم خارجاً عن نفسه، ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة) .
تعليق ابن تيمية
فقد بين الإمام أحمد ما هو معلوم بصريح العقل وبديهته، من أنه لا بد إذا خلق الخلق من أن يخلقه مبايناً له أو محايثاً له، ومع المحايثة: إما
أن يكون هو العالم، وإما أن يكون العالم فيه، لأنه سبحانه قائم بنفسه، والقائم بنفسه إذا كان محايثاً لغيره، فلا بد أن يكون أحدهما حالاً في الآخر، بخلاف ما لا يقوم بنفسه كالصفات، فإنها قد تكون جميعاً قائمة بغيرها.
فهذا القسم لم يحتج أن يذكره لظهور فساده، وأن أحداً لا يقول به، إذ من المعلوم لكل أحد أن الله تعالى قائم بنفسه، لا يجوز أن كون من جنس الأعراض التي تفتقر إلى محل يقوم به.
وكذلك من هذا الجنس قول من يقول: لا هو مباين ولا محايث، لما كان معلوماً بصريح العقل بطلانه، لم يدخله في التقسيم، إذ من المستقر في صريح العقل أن الموجود: إما مباين لغيره، وإما مداخل له، فانتفاء هذين القسمين يبطل قول من يجعله لا مبايناً ولا مداخلاً كالمعدوم، وقول من يجعله حالاً في العالم مفتقراً إلى المحل كالأعراض، إذ المفتقر إلى المحل لا يقوم بنفسه، ولا يكون غنياً عما سواه، فيمتنع أن يكون واجب الوجود بنفسه.
ولهذا لم يقل مثل هذا أحد من العقلاء، وإن قال بعضهم ما يستلزم ذاك، فما كل من قال مذهباً التزم لوازمه.
وقد نفى أيضاً قول من يقول: هو في كل مكان بتقسيم آخر من هذا الجنس، إذ القائل بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، لا يمكنه أن
ينفي قول من يقول: إنه في كل مكان، لأنه إن جوز وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ولا يقبل الإشارة إليه، لم يمكنه مع هذا السلب أن ينفي قول من يقول: هو في كل مكان لا الجسم مع الجسم، ولا كالعرض مع العرض أو الجسم، فإنه إذا احتج على نفي ذلك بأنه لو كان في كل مكان للزم احتياجه إلى محل، أو نحو ذلك، قال له المنازع: هو في كل مكان، وهو مع ذلك لا يحتاج إلى محل، فإن المحتاج إلى المحل إنما هو العرض أو الجسم، وهو ليس بجسم ولا عرض، بل هو لا مماس للأشياء ولا مباين لها، إذ المماسة والمباينة من صفات الجسم، وهو ليس بجسم.
كما قد يقول: إنه في كل مكان، وليس بحال ولا مماس ولا مباين، فإذا قال النافي: هذا لا يعقل، قال له نظيره الذي يقول: لا داخل العالم ولا خارجه: وقولك أيضاً لا يعقل، فكلا القولين مخالف للمعروف في العقول، فليس إبطال أحدهما دون الآخر بأولى من العكس.
وإنما يمكن أن يرد على الطائفتين أهل الفطر السليمة الذين لم يقولوا ما يناقض صريح العقل.
ومن المعلوم أن من قال: إنه في العالم، مثل كون القائم بنفسه في