الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: «إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفه عرش الرحمن» .
وهذه الأمور بعضها متفق عليه عند جميع العقلاء، وما لم يعرفه جميع العقلاء فهو معلوم عند من يقول به، ومن يقل أحد من العقلاء: أن هذه الأمور تحت الأرض وسكانها، وعلم العقلاء بذلك أظهر من علمكم بكرية الأفلاك، لو قدر أن ذلك معارض لهذا، فكيف إذا لم يعارضه.
وإذا كانت المخلوقات التي في الأفلاك والهواء والأرض لا يلزم من علوها على ما تحتها أن تكون تحت ما في الجانب الآخر من العالم، فالعلي الأعلى - سبحانه - أولى أن لا يلزم من علوه على العالم أن يكون تحت شيء منه.
الوجه الثالث
أن يقال: هذه الحجة: إما أن تكون سمعية، وإما أن تكون عقلية.
ومن المعلوم أنها ليست سمعية، ولو كانت سمعية لكانت السمعيات التي تدل على علو الله تعالى أنص وأكثر وأظهر على ما لا يخفى على مسلم.
وإن كانت عقلية فلا بد من بيان مقدماتها بالعقل.
وهو لم يذكر إلا قوله: (فإن كان الله في جهة فوق لكان أسفل بالنسبة إلى
سكان الوجه الآخر من الأرض، وأنه باطل) .
فذكر مقدمتين لم يدل عليهما: لزوم كونه أسفل بالنسبة إلى بعض المخلوقات، وبطلان هذا اللازم.
والمنازع ينازع في كل من المقدمتين، فلا يسلم لزوم السفول، وإن سلم لزومه فلا بد من دليل عقلي ينفي به ذلك، وهو لم يذكر على ذلك دليلاً.
ولا يجوز أن يقال: هذا يوجب النقص، وهو منزه عنه لوجهين:
أحدهما: أن المثبت لا يسلم أن هذا نقص، ألا ترى أن الأفلاك موصوفة بالعلو على الأرض مع لزوم ما ذكر من السفول تحت سكان الوجه الآخر وليس ذلك نقصاً فيها؟ وكذلك كل ما يوصف بالعلو على ما تحته، مثل الهواء والسحاب والطير والحيوان والنبات والجبال والمعدن، ومثل الملائكة والجنة والعرش، وغير ذلك، فإذا كانت المخلوقات العالية أشرف في النفوس من المخلوقات السافلة، ولم يكن ما ذكره من هذا السفول الإضافي مانعاً من هذا الشرف والرتبة، ولا يوجب ذلك نقصاً - علم أن هذا ليس بنقص.
فإن قيل: الناحية الأخرى ليس فيها حيوان ونبات ومعادن وجبال، وإنما فيها ماء، وكذلك السحاب والمطر قد يمنع كونه فيها.
قيل: هذا لا يضرنا، فإنا نعلم أن الكواكب والشمس والقمر فوق الأرض مطلقاً، وعلوها على الأرض ليس بنقص فيها، وإن قدر ما تخيلوه في السفول، وكذلك إذا قدر هناك مثل ما في هذا الوجه، ولو
كان ما هناك سافلاً، للزم أن تكون الشمس والقمر والسماوات إذا ظهرت علينا تحت ذلك الجانب من الأرض، وتحت ما هناك، ولزم أنه لا تزال الأفلاك تحت الكواكب، والشمس والقمر تحت الأرض وهذا في غاية الفساد.
ومن العجائب أن هؤلاء النفاة يعتمدون في إبطال كتاب الله، وسنة أنبيائه ورسله، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله عليه عباده، وجعلهم مضطرين إليه عند قصده ودعائه، ونصب عليه البراهين العقلية الضرورية، على مثل هذه الحجة التي لا يعتمدون فيها إلا على مجرد خيال ووهم باطل، مع دعواهم أنهم هم الذين يقولون بموجب العقل، ويدفعون موجب الوهم والخيال.
وكل من له معرفة يعلم أن قول القائل: أن الشمس والقمر والكواكب الدائرة في الفلك هي بالليل تحت الأرض، هو من حكم الوهم الفاسد، والخيال الباطل، ليس له حقيقة في الخارج، فيريدون بهذا الوهم والخيال الفاسد أن يبطلوا صريح العقل وصحيح المنقول في أعظم الأصول، ويحولوا بين القلوب وقصد خالقها وعبادته بمثل هذا الوهم والخيال الفاسد، الملتبس على من لا يفهم حقيقة قولهم.
الوجه الثاني: أن يقال: أنتم تقولون: لم يقم دليل عقلي على نفي النقص عن الله تعالى، كما ذكر ذلك الرازي متلقياً له عن أبي المعالي وأمثاله، وإنما ينفون النقص بالأدلة السمعية، وعمدتهم فيه على