الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق ابن تيمية
قلت: وقد تكلمنا على ما في هذا الكلام من حق وباطل في غير هذا الموضوع، والمقصود هنا انه جعل من الأمور التي يحتاج إليها العارف ما يجذب فوى التخيل والوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي من العبادة وسماع الألحان وسماع الوعظ، فإن كان الأمر القدسي أمراً معقولاً مجرداً، لا داخل العالم ولا خارجه، وقوى الوهم والتخيل لا تناسب إلا الأمور الحسية دون العقلية المجردة، كان هذا من الكلام الذي يناقض بعضه بعضاً.
بل كان الواجب على العارف أن يعرض عما يحكم به الوهم والخيال، لينال معرفة الأمر القدسي المعقول المجرد، الذي يناقض حكم الوهم، والخيال لا يناسبه.
ولكن ما ذكره في مقدمات العارفين هو الأمر الفطري، فإن القلوب الطالبة لله إذا تحركت بما يصرف إرادتها إلى العلو، ويصرف إرادتها عن السفل، كان هذا مناسباً لمطلوبها ومرادها ومحبوبها ومعبودها، فإن الله الذي هو العلي الأعلى، هو المعبود المحبوب المراد المطلوب، فإذا حركت النفس بما يصرف قواها إلى أرادته، انصرفت قواها إلى العلو، وأعرضت عن السفل.
والذي يبين هذا أن هذه القوة الوهمية، وفعلها الذي هو الوهم، لا يريدون به أن يتوهم في الشيء ما ليس فيه، وهو الوهم الكاذب.
وكذلك لفظ (التخيل) لا يريدون تخيل ما لا وجود له في الخارج، بل هذا وهذا يتناول عندهم توهم ما لا وجود في الخارج، وتخيل ما له وجود في الخارج، وهو إدراك صحيح صادق مطابق.
وذلك لأن لفظ (الوهم) و (الخيال) كثيراً ما يطلق على تصور ما لا حقيقة لا له في الخارج، بل هذا المعنى هو المعروف من لغة العرب.
قال الجوهري: (وهمت في الحساب أوهم وهماً، إذا غلطت فيه وسهوت، ووهمت في الشيء بالفتح أوهم وهماً، إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، وتوهمت: أي ظننت، وأوهمت غيري إيهاماً، والتوهم مثله، واتهمت فلاناً بكذا، والاسم التهمة بالتحريك.
ويقال: أوهم في الحساب مائة أي أسقط، وأوهم في صلاته ركعة، ويقال: قد أيهم إذا صار به الريبة) .
قلت: فهذا أبو نصر الجوهري قد نقل في صحاحه المشهور في لغة العرب، أن مادة هذه اللفظ تستعمل في جهة الغلط بمعنى الخطأ