الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعجم؟ قال: "أ. ب. ت. ث. ج" قلت: يا رسول الله كم حرفا؟ قال تسعة وعشرون حرفا. الحديث.
وذكروا أنه عشر صحف فيها سور مقطعة الحروف وفيها الفرائض والوعد والوعيد وأخبار الدنيا والآخرة وقد بين أهل كل زمان وصورهم وسيرهم مع أنبيائهم وملوكهم وما يحدث في الأرض من الفتن والملاحم ولا يخفى أنه مستبعد عند أصحاب العقول القاصرة وأما من أمعن النظر في الجفر1 ولا حظ شموله على غرائب الأمور فعنده ليس ببعيد سيما في الكتب المنزلة. هكذا قيل ولكن في صحة كتاب الجفر كلام كما بيناه في لقطة العجلان2 وروي أن آدم عليه السلام وضع كتابا في أنواع الألسن والأقلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها في الطين ثم طبخه فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتابا فكتبوه من خطه فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي وكان ذلك من معجزات آدم عليه السلام. ذكره السيوطي في المزهر وهذا أبعد مما قبله وفي رواية أن آدم عليه السلام كان يرسم الخطوط بالبنان وكان أولاده تتلقاها بوصيته منه وبعضهم بالقوة القدسية القابلة وكان أقرب عهد إليه إدريس عليه السلام فكتب بالقلم واشتهر عنه من العلوم ما لم يشتهر عن غيره ولقب بهرمس الهرامسة والمثلث بالنعمة لأنه كان نبيا ملكا حكيما وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عنه في قول كثير من العلماء وهو هرمس الأول أعني إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن شيث ابن آدم عليه السلام المتمكن بصعيد مصر الأعلى وقالوا: إنه أول من تكلم في الأجرام العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل وعبد الله تعالى فيها وأول من نظر في الطب وألف لأهل زمانه قصائد في البسائط والمركبات وأنذر بالطوفان ورأى أنه آفة سماوية تلحق الأرض فخاف ذهاب العلم فبنى الأهرام التي في صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم صفات العلوم والكمالات حرصا على تخليدها ثم كان الطوفان وانقرض الناس فلم يبق علم ولا أثر سوى من في السفينة من البشر وذلك مذهب جميع الناس إلا المجوس فإنهم لا يقولون بعموم الطوفان.
ثم أخذ يتدرج الاستئناف والإعادة فعاد ما اندرس من العلم إلى ما كان عليه مع الفضل والزيادة فأصبح مؤسس البينان مشيد الأركان لا زال مؤيدا بالملة الإسلامية إلى يوم الحشر والميزان. والله تعالى أعلم.
1 انظره في الجزء الثاني من الكتاب في مبحث "علم الجفر والجامعة".
2 كتاب للمؤلف.
الفصل الثاني: في منشأ إنزال الكتب واختلاف الناس وانقسامهم
وفيه: إفصاحات:
الإفصاح الأول: في حكمة إنزال الكتب
اعلم أن الإنسان لما كان محتاجا إلى اجتماع مع آخر من نوعه في إقامة معاشه والاستعداد لمعاده وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو له ويحصل بالتعاون ما ليس له من الأمور الدنيوية والأخروية
وكان في كثير منها مالا طريق للعقل إليه وإن
كان فيه فبأنظار دقيقة لا تتيسر إلا لواحد بعد واحد اقتضت الحكمة الإلهية إرسال الرسل وإنزال الكتب للتبشير والإنذار وإرشاد الناس إلى ما يحتاجون إليه من أمور الدين والدنيا
فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي الملة والطريق الخاص الذي يصل به إلى هذه الهيئة هو المنهاج والشريعة فالشريعة ابتدأت من نوح عليه السلام والحدود الأحكام ابتدأت من آدم وشيث وإدريس عليهم السلام وختمت بأتمها وأكلمها فمن الناس من آمن بهم واهتدى ومنهم من اختار الضلالة على الهدى فظهر اختلاف الآراء والمذاهب من الكفار والفرق الإسلامية {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
الإفصاح الثاني: في أقسام الناس بحسب: المذاهب والديانات
اعلم أن التقسيم الضابط أن يقال: إن من الناس من لا يقول بمحسوس ولا بمعقول وهم السوفسطائية فإنهم أنكروا حقائق الأشياء ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم الطبيعية كل منهم معطل لا يرد عليه فكره براد ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد ولا يرشده ذهنه إلى معاد قد ألف المحسوس وركن إليه وظن أن لا عالم وراء العالم المحسوس ويقال لهم الدهريون أيضا فإنهم يثبتون معقولاً.
ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود ولا أحكام وهم الفلاسفة فكل منهم قد رقى عن المحسوس وأثبت المعقول لكنه لا يقول بحدود وأحكام وشريعة وإسلام ويظن أنه إذا حصل له المعقول وأثبت للعالم مبدأ ومعادا وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه فيكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه وشقاوته بقدر جهله وسفاهته وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة. وهؤلاء الذين كانوا في الزمن الأول دهرية وطبيعية وإلهية لا الذين أخذوا علومهم عن مشكاة النبوة.
ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود الأحكام ولا يقول بالشريعة والإسلام وهم الصابئة فهم قوم يقرب من الفلاسفة ويقولون بحدود وأحكام عقلية ربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي إلا أنهم اقتصروا على الأول منهم وما تعدوا إلى الآخر وهؤلاء هم الصابئة الأولى الذين قالوا بغازيمون وهرمس وهما شيث وإدريس عليهما السلام ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء. ومنهم من يقول هذه كلها شريعة ما وإسلام ولا يقول بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المجوس والنصارى واليهود.
ومنهم من يقول بهذه كلها وهم المسلمون وكانوا عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على عقيدة واحدة إلا من كان يبطن النفاق ثم نشأ الخلاف فيما بينهم أولا في أمور اجتهادية وكان غرضهم منها إقامة مراسم الدين كاختلافهم في التخلف عن جيش أسامة وفي موته صلى الله عليه وسلم وفي موضع دفنه وفي الإمامة وفي ثبوت الإرث عنه صلى الله عليه وسلم وفي قتال مانعي الزكاة وفي خلافة علي ومعاوية وكاختلافهم في بعض الأحكام الفرعية ثم يتدرج ويترقى إلى آخر أيام الصحابة رضي الله عنهم فظهر قوم خالفوا في القدر ولم يزل الخلاف يتشعب حتى تفرق أهل الإسلام إلى ثلاث وسبعين فرقة كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من معجزاته ولكن كبار الفرق الإسلامية ثمان وهم المعتزلة والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والناجية ويقال لهم أهل السنة والجماعة هذا ما ذكروه في كتب الفرق.
الإفصاح الثالث: في أقسام الناس بحسب: العلوم
اعلم أنهم باعتبار العلم والصناعة قسمان: قسم اعتنى بالعلم فظهرت منهم ضروب المعارف فهم صفوة الله من خلقه وفرقة لم تعتن بالعلم عناية يستحق بها اسمه فالأولى: أمم منهم أهل مصر والروم والهند والفرس والكلدانيون واليونانيون والعرب والعبرانيون.
والثانية: بقية الأمم لكن الأنبه منهم الصين والترك. وفي الملل والنحل: إن كبار الأمم أربعة: العرب والعجم والروم والهند ثم إن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد وأكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والحقائق واستعمال الأمور الروحانية. والعجم والروم يتقاربان على مذهب واحد وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء والحكم بأحكام الكيفيات والكميات واستعمال الأمور الجسمانية. انتهى.
وفي بيان هذه الأمم: تلويحات
التلويح الأول: في أهل الهند
اعلم أن لون الهندي وإن كان في أول مراتب السودان فصار بذلك من جبلتهم إلا أنه سبحانه وتعالى جنبهم سوء أخلاق السودان ودناءة شيمهم وسفاهة أحلامهم وفضلهم على كثير من السمر والبيض وعلل ذلك بعض أهل التنجيم بأن زحل وعطارد يتوليان بالقسمة لطبيعة الهند فلولاية زحل اسودت ألوانهم ولولاية عطارد خلصت عقولهم ولطفت أذهانهم فهم أهل الآراء الفاضلة والأحلام الراجحة لهم التحقق بعلم العدد والهندسة والطب والنجوم والعلم الطبيعي والإلهي. فمنهم براهمة: وهي فرقة قليلة العدد ومذهبهم إبطال النبوات وتحريم ذبح الحيوان. ومنهم صابئة وهم جمهور الهند ولهم في تعظيم الكواكب وأدوارها آراء ومذاهب والمشهور في كتبهم مذهب السندهند أي دهر الدهر ومذهب الأرجهيز ومذهب الأركند ولهم في الحساب والأخلاق والموسيقى تأليفات
التلويح الثاني: في الفرس.
وهم أعدل الأمم وأوسطهم دارا وكانوا في أول أمرهم موحدين على دين نوح عليه السلام إلى أن تمذهب طهمورث بمذهب الصابئين وقسر الفرس على المتشرع به فاعتقدوه نحو ألف سنة إلى أن تمسجوا جميعا بسبب زرادشت ولم يزالوا على دينه قريبا من ألف سنة إلى أن انقرضوا ولخواصهم عناية بالطب وأحكام النجوم ولهم أرصاد ومذاهب في حركاتها واتفقوا على أن أصح المذاهب في الأدوار مذهب الفرس ويسمى سني أهل فارس وذلك أن مدة العالم عندهم جزء من اثني عشر ألفا من مدة السند هند وهي أن السيارات وأوجاتها وجوز هراتها تجتمع كلها في رأس الحمل في كل ستة وثلاثين ألف سنة شمسية مرة واحدة ولهم في ذلك كتب جليلة وفي كتاب الفهرس1 يقال: إن أول من تكلم بالفارسية كيومرث وتسميه الفرس كل شاه أي ملك الطين وهو عندهم آدم أبو البشر عليه السلام وأول من كتب
1 انظر الفهرس ص12 ط أروبا.
بالفارسية بيوراسب المعروف بالضحاك وقيل أفريدون وقال ابن عبدوس1 في كتاب الوزراء: كانت الكتب والرسائل قبل ملك كشتاسب قليلة ولم يكن لهم اقتدار على بسط الكلام وإخراج المعاني من النفوس ولما ظهر ملك زرادشت صاحب شريعة المجوس وأظهر كتابه العجيب بجميع اللغات وأخذ الناس بتعلم الخط والكتاب فزادوا ومهروا وقال ابن المقفع: لغات الفارسية: الفهلوية والدرية والفارسية والخوزية والسريانية.
أما الفهلوية: فمنسوبة إلى فهلة اسم يقع على خمسة بلدان وهي: أصفهان والري وهمذان ونهاوند وأذربيجان.
وأما الدرية: فلغة المدائن وبها كان يتكلم من بباب الملك وهي منسوبة إلى الباب لأن الباب بالفارسية در والغالب عليها من لغة أهل خراسان والمشرق لغة أهل بلخ.
فأما الفارسية: فيتكلم بها الموابذة والعلماء وهي لغة أهل فارس وأما الخوزية: فبها كان يتكلم الملوك والأشراف في الخلوة مع حاشيتهم.
وأما السريانية: فكان يتكلم بها أهل السواد والمكاتبة في نوع من اللغة بالسرياني فارسي
وللفرس ستة أنواع من الخطوط وحروفهم مركبة من: أبجد هوزي كلمن سف رش ثخذغ فالتاء المثناة والحاء المهملة والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والقاف سواقط.
التلويح الثالث: في الكلدانيين
وهم أمة قديمة مسكنهم أرض العراق وجزيرة العرب منهم النماردة ملوك الأرض بعد الطوفان وبخت نصر منهم ولسانهم سرياني ولم يبرحوا إلى أن ظهر عليهم الفرس وغلبوا مملكتهم وكان منهم علماء وحكماء متوسعون في الفنون ولهم عناية بأرصاد الكواكب وإثبات الأحكام والخواص ولهم هياكل وطرائق لاستجلاب قوى الكواكب وإظهار طبائعها بأنواع القاربين فظهرت منهم الأفاعيل الغريبة من إنشاء الطلسمات وغيرها ولهم مذاهب نقل منها بطليموس في المجسطي2 ومن أشهر علمائهم: أبرخس واطصفن وفي الفهرس3 أن النبطي أفصح من السرياني وبه كان يتكلم أهل بابل وأما النبطي الذي يتكلم به أهل القرى فهو سرياني غير فصيح وقيل: اللسان الذي يستعمل في الكتب الفصيحة بلسان أهل سوريا وحران
وللسريانيين ثلاثة أقلام أقدم الأقلام ولا فرق بينه وبين العربي في الهجاء إلا أن الثاء المثلثة والخاء والذال والضاد والظاء والغين كلها معجمات سواقط وكذا اللام ألف وتركيب حروفها من اليمين إلى اليسار.
التلويح الرابع: في أهل يونان هم أمة عظيمة القدر بلادهم بلاد روم إيلي وأناطولي وقرامان.
1 هو الجهشياري، محمد بن عبدوس بن عبد الله الكوفي الجهشياري، مؤرخ من الكتاب المترسلين، وله تصانيف. توفي سنة 331هـ - 943م.
2 كلمة يونانية معناها الترتيب وهو كتاب ألفه بطليموس الفلوزي الحكيم، يذكر فيه القواعد التي يتوسل بها في إثبات الأوضاع الفلكية والأرضية بأدلتها التفصيليه، وقد عربه حنين بن إسحاق.
3 للنديم معروف.
وكانت عامتهم صابئة عبدة الأصنام وكان الإسكندر منهم الذي أجمع ملوك الأرض على الطاعة لسلطانة وبعده البطالسة إلى أن غلب عليهم الروم وكان علماؤهم يسمون فلاسفة إلهيين أعظمهم خمسة: بندقليس كان في عصر داود عليه السلام ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم أفلاطون ثم أرساطاطاليس.
ولهم تصانيف في أنواع الفنون وهم من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء الصحيح بفنون الحكمة من العلوم الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية والإلهية والسياسات المنزلية والمدنية وجميع العلوم العقلية مأخذوة عنهم ولغة قدمائهم تسمى الإغريقية وهي من أوسع اللغات ولغة المتأخرين تسمى اللطيني لأنهم فرقتان: الإغريقيون واللطينيون وكان ظهور أمة اليونان في حدود سنة ثمان وستين وخمسمائة من وفاة موسى عليه السلام وقبل ظهروا الإسكندر بخمس وأربعين وثمانمائة سنة.
التلويح الخامس: في الروم
وهم أيضا صابئة إلى أن قام قسطنيطين بدين المسيح وقسرهم على التشرع به فأطاعوه ولم يزل دين النصرانية يقوى إلى أن دخل فيه أكثر الأمم المجاورة للروم وجميع أهل مصر وكان لهم حكماء علماء بأنواع الفلسفة وكثير من الناس يقول: إن الفلاسفة المشهورين روميون والصحيح أنهم يونانيون ولتجاور الأمتين دخل بعضهم في بعض واختلط خبرهم وكلا الأمتين مشهور العناية بالفلسفة إلا أن لليونان من المزية والتفضيل مالا ينكر وقاعدة مملكتهم رومية الكبرى. ولغتهم مخالفة للغة اليونان وقيل لغة اليونان الإغريقية ولغة الروم اللطينية وقلم اليونان والروم من اليسار إلى اليمين مرتب على ترتيب أبجد وحروفهم: ايج وزطي كلمن شعفص قرشت ثخ ظغ فالدال والهاء والحاء والذال والضاد ولام ألف سواقط ولهم قلم يعرف بالساميا ولا نظير له عندنا فإن الحرف الواحد منه يحيط بالمعاني الكثيرة ويجمع عدة كلمات.
قال جالينوس في بعض كتبه: كنت في مجلس عام فتكلمت في التشريح كلاما عاما فلما كان بعد أيام لقيني صديق لي فقال: إن فلانا يحفظ عليك في مجلسك أنك تكلمت بكلمة كذا وأعاد علي ألفاظي فقلت من أين لك هذا؟ فقال: إني لقيت بكاتب ما هر بالساميا فكان يسبقك بالكتابة في كلامك وهذا العلم يتعلمه الملوك وجلة الكتاب ويمنع منه سائر الناس لجلالته. كذا قال النديم في الفهرس1.
وذكر أيضا: أن رجلا متطببا جاء إليه من بعلبك سنة ثمان وأربعين وزعم أنه يكتب بالساميا قال: فجربنا عليه فأصبناه إذا تكلمنا بعشر كلمات أصغى إليها ثم كتب كلمة فاستعدناها فأعادها بألفاظنا. انتهى.
قف: ذكر في السبب الذي من أجله يكتب الروم من اليسار إلى اليمين بلا تركيب أنهم يعتقدون أن سبيل الجالس أن يستقبل المشرق في كل حالاته فإنه إذا توجه إلى المشرق يكون الشمال عن يساره فإذا كان كذلك فاليسار يعطي اليمين فسبيل الكاتب أن يبتدئ من الشمال إلى الجنوب وعلل بعضهم بكون الاستمداد عن حركة الكبد على القلب.
1 انظره ص16.
التلويح السادس: في أهل مصر
وهم أخلاط من الأمم إلا أن جمهرتهم قبط وإنما اختلطوا لكثرة من تداول ملك مصر من الأمم كالعمالقة واليونانيين والروم فخفي أنسابهم فانتسبوا إلى موضعهم وكانوا في السلف صابئة ثم تنصروا إلى الفتح الإسلامي وكان لقدمائهم عناية بأنواع العلوم ومنهم هرمس الهرامسة قبل الطوفان وكان بعده علماء بضروب الفلسفة خاصة بعلم الطلسمات والنيرنجات والمرايا المحرقة والكيمياء وكانت دار العلم بها مدينة منف فلما بنى الإسكندر مدينة رغب الناس في عمارتها فكانت دار العلم والحكمة إلى الفتح الإسلامي. فمنهم الإسكندرانيون الذين اختصروا كتب جالينوس وقيل: إن القبط اكتسب العلم الرياضي من الكلدانيين.
التلويح السابع: في العبرانيين.
وهم بنو إسرائيل وكانت عنايتهم بعلوم الشرائع وسير الأنبياء فكان أحبارهم أعلم الناس بأخبار الأنبياء وبدء الخليقة وعنهم أخذ ذلك علماء الإسلام لكنهم لم يشتهروا بعلم الفلسفة ولغتهم تنسب إلى عابر بن شالخ والقلم العبراني اليمين إلى اليسار وهو من أبجد إلى آخر قرشت وما بعده سواقط1 وهو مشتق من السرياني.
التلويح الثامن: في العرب.
وهم فرقتان: بائدة وباقية والبائدة: كانت أمما كعاد وثمود انقرضوا وانقطع عنا أخبارهم
والباقية: متفرعة من قحطان وعدنان ولهم حال الجاهلية وحال الإسلام فالأولى: منهم التبابعة والجبابرة ولهم مذهب في أحكام النجوم لكن لم يكن لهم عناية بأرصاد الكواكب ولا بحث عن شيء من الفلسفة وأما سائر العرب بعد الملوك فكانوا أهل مدر ووبر فلم يكن فيهم عالم مذكور ولا حكيم معروف وكانت أديانهم مختلفة وكان منهم من يعبد الشمس والكواكب ومنهم من تهود ومنهم من يعبد الأصنام حتى جاء الإسلام ولسانهم أفصح الألسن وعلمهم الذي كانوا يفتخرون به علم لسانهم ونظم الأشعار وتأليف الخطب وعلم الأخبار ومعرفة السير والأعصار قال الهمداني: ليس يوصل إلى أحد خبر من أخبار العرب والعجم إلا بالعرب وذلك أن من سكن بمكة أحاطوا بعلم العرب العاربة وأخبار أهل الكتاب وكانوا يدخلون البلاد للتجارات فيعرفون أخبار الناس وكذلك من سكن الحيرة وجاور الأعاجم علم أخبارهم وأيام حمير ومسيرها في البلاد وكذلك من سكن الشام خبر بأخبار الروم وبني إسرائيل واليونان ومن وقع في البحرين وعمان فعنه أتت أخبار السند والهند وفارس ومن سكن اليمن علم أخبار الأمم جميعا لأنه كان في ظل الملوك السيارة والعرب أصحاب حفظ ورواية ولهم معرفة بأوقات المطالع والمغارب وأنواء الكواكب وأمطارها لاحتياجهم إليه في المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق والتدرب في العلوم. وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله سبحانه وتعالى شيئا منه ولا هيأ طباعهم للعناية به إلا نادرا.
1 أي حروف "ثخذ ضظغ".