المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة: في بيان ما يطلق عليه اسم العلم ونسبته ومحله وبقائه وعلم الله تعالى - أبجد العلوم

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم

- ‌المقدمة: في بيان ما يطلق عليه اسم العلم ونسبته ومحله وبقائه وعلم الله تعالى

- ‌الباب الأول: في تعريف العلم وتقسيمه وتعليمه

- ‌الفصل الأول: في ماهية العلم

- ‌الفصل الثاني: فيما يتصل بماهية العلم من: الاختلاف والأقوال

- ‌الفصل الثالث: في تقسيم العلم

- ‌الفصل الرابع: في العلم المدون وموضوعه ومباديه ومسائله وغايته

- ‌الفصل الخامس: في بيان تقسم العلوم المدونة وما يتعلق بها

- ‌الفصل السادس: في بيان أجزاء العلوم

- ‌الفصل السابع: في بيان الرؤوس الثمانية

- ‌الفصل الثامن: في مراتب العلم وشرفه وما يلحق به

- ‌الفصل التاسع: في حالة العلماء

- ‌الباب الثاني: في منشأ العلوم والكتب

- ‌الفصل الأول: في سببه

- ‌الفصل الثاني: في منشأ إنزال الكتب واختلاف الناس وانقسامهم

- ‌الفصل الثالث: في أهل الإسلام وعلومهم

- ‌الفصل الرابع: في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع

- ‌الباب الثالث: في المؤلفين والمؤلفات والتحصيل

- ‌الترشيح الأول: في أقسام التدوين وأصناف المدونات

- ‌الترشيح الثاني: في الشرح وبيان الحاجة إليه والأدب فيه

- ‌الترشيح الثالث: في أقسام المصنفين وأحوالهم

- ‌الترشيح الرابع: في بيان مقدمة العلم ومقدمة الكتاب

- ‌الترشيح الخامس: في التحصيل

- ‌الباب الرابع: في فوائد منثورة من أبواب العلموفيه مناظر وفتوحات

- ‌المنظر الأول: في العلوم الإسلامية

- ‌المنظر الثاني: في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم

- ‌المنظر الثالث: في علوم اللسان العربي

- ‌المنظر الرابع: في أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم

- ‌المنظر الخامس: في أن العلماء - من بين البشر - أبعد عن السياسة ومذاهبها

- ‌المنظر السادس: في موانع العلوم وعوائقها

- ‌المنظر السابع: في أن الحفظ غير الملكة العلمية

- ‌المنظر الثامن: في شرائط تحصيل العلم وأسبابه

- ‌المنظر التاسع: في شروط الإفادة ونشر العلم

- ‌المنظر العاشر: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم

- ‌المنظر الحادي عشر: في التعلم

- ‌الباب الخامس: في لواحق الفوائد

- ‌مطلب: لزوم العلوم العربية

- ‌مطلب: العلوم العقلية وأصنافها

- ‌مطلب: في أن اللغة ملكة صناعية

- ‌مطلب: في أن لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير

- ‌مطلب: في أن لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها مخالفة للغة مضر

- ‌مطلب: في تعليم اللسان المضري

- ‌مطلب: في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم

- ‌مطلب: في تفسير الذوق في مصطلح أهل البيان وتحقيق معناه وبيان أنه: لا يحصل غالبا للمستعربين من العجم

- ‌مطلب: في أن أهل الأمصار على الإطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم

- ‌الباب السادس: في انقسام الكلام إلى فني: النظم والنثر

- ‌مطلب: أن لسان العرب وكلامهم على فنين

- ‌مطلب: في أنه لا تتفق الإجادة في فني المنثور والمنظوم معا إلا للأقل

- ‌مطلب: في صناعة الشعر ووجه تعلمه

- ‌مطلب: في أن صناعة النظم والنثر إنما هي في الألفاظ لا في المعاني

- ‌مطلب: في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ

- ‌مطلب: في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر

- ‌مطلب: في بيان المردف والمستزاد والمزدوجة

- ‌مطلب: في طبقات الشعراء

- ‌مطلب: في مدح المنظوم من الكلام والحمائل المنوطة بعواتق الأقلام

- ‌مطلب: في تعيين العلم الذي هو فرض عين على كل مكلف

- ‌مطلب: في طبقات أهل العلم

- ‌مطلب: في مباحث من الأمور العامة التي يكثر استعمالها والاشتباه بإهمالها

- ‌خاتمة القسم الأول في بيان تطبيق الآراء

- ‌فصل: في ماهية التطبيق وهليته

- ‌فصل: في موازين التحقيق

- ‌فصل: في أسباب الاختلاف

- ‌فصل: في ضوابط التطبيق

- ‌فصل: في الجرح والترجيح

- ‌فصل: في أمثلة التطبيق توضيحا للواهم وتمرينا للفاهم

- ‌خاتمة القسم الأول

- ‌القسم الثاني: السحاب المركوم الممطر بأنواع الفنون وأصناف العلوم

- ‌المقدمة في بيان أسماء العلوم وموضوعاتها وعدم تعين الموضوع في بعضها

- ‌باب الألف

- ‌باب الباء الموحدة

- ‌باب التاء

- ‌باب الثاء المثلثة

- ‌باب الجيم

- ‌باب الحاء المهملة

- ‌باب الخاء المعجمة

- ‌باب الدال المهملة

- ‌باب الذال المعجمة

- ‌باب الراء المهملة

- ‌باب الزاء المعجمة

- ‌باب السين المهملة

- ‌باب الشين المعجمة

- ‌باب الصاد المهلمة

- ‌باب الضاد المعجمة

- ‌باب الطاء المهملة

- ‌باب الظاء المعجمة

- ‌باب العين المهملة

- ‌باب الغين المعجمة

- ‌باب الفاء

- ‌باب القاف

- ‌باب الكاف

- ‌باب اللام

- ‌باب الميم

- ‌باب النون

- ‌باب الواو

- ‌باب الهاء

- ‌باب الياء التحتانية

- ‌القسم الثالث: الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم

- ‌مدخل

- ‌علماء اللغة

- ‌علماء التصريف

- ‌علماء النحو

- ‌علماء المعاني والبيان

- ‌علماء العروض والقوافي

- ‌علماء الإنشاء والأدب

- ‌علماء المحاضرة

- ‌علماء الشعر

- ‌علماء التواريخ

- ‌علماء الحكمة

- ‌علماء المنطق

- ‌علماء الجدل

- ‌علماء الخلاف

- ‌علماء المقالات

- ‌علماء الطب

- ‌علماء أصول الفقه

- ‌علماء الفقه

- ‌ذكر حفاظ الإسلام

- ‌علماء الفرائض

- ‌علماء النجوم

- ‌علماء الحرمين

- ‌علماء اليمن

- ‌علماء الهند

- ‌علماء قنوج

- ‌علماء بلدة بهوبال المحمية

الفصل: ‌المقدمة: في بيان ما يطلق عليه اسم العلم ونسبته ومحله وبقائه وعلم الله تعالى

‌القسم الأول: الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم

‌المقدمة: في بيان ما يطلق عليه اسم العلم ونسبته ومحله وبقائه وعلم الله تعالى

القسم الأول: من كتاب أبجد العلوم في أحوالها المسمى بالوشي المرقوم

المقدمة: في بيان ما يطلق عليه اسم العلم ونسبته ومحله وبقائه وعلم الله تعالى

العلم بالكسر وسكون اللام: في عرف العلماء يطلق على معان منها الإدراك مطلقا تصورا كان أو تصديقا يقينيا أو غير يقيني وإليه ذهب الحكماء.

ومنها التصديق مطلقا يقينيا كان أو غيره. قال السيد السند1 في حواشي العضدي: لفظ العلم يطلق على المقسم وهو مطلق الإدراك وعلى قسم منه وهو التصديق. إما بالاشتراك بأن يوضع بإزائه أيضا وإما بغلبة استعماله فيه لكونه مقصودا في الأكثر وإنما يقصد التصور لأجله ومنها التصديق اليقيني في الخيالي. العلم عند المتكلمين لا معنى له سوى اليقين وفي الأطول في باب التشبيه: العلم بمعنى اليقين في اللغة لأنه من باب أفعال القلوب انتهى.

ومنها ما يتناول اليقين والتصور مطلقا في شرح التجريد2: العلم يطلق تارة يراد به الصورة الحاصلة في الذهن ويطلق تارة ويراد به اليقين فقط. ويطلق تارة ويراد به ما يتناول اليقين والتصور مطلقا انتهى.

قيل: هذا هو مذهب المتكلمين

ومنها التعقل.

ومنها التوهم والتخيل. في تهذيب الكلام: أنواع الإدراك إحساس وتخيل وتوهم وتعقل والعلم قد يقال لمطلق الإدراك وللثلاثة الأخيرة وللأخير وللتصديق الجازم المطابق الثابت.

1 هو علي بن محمد بن علي، المعروف بالسيد الشريف الجرجاني، من الفلاسفة وكبار علماء العربية، له مؤلفات كثيرة توفي سنة 816هـ = 1413م.

2 المراد بالتجريد كتاب تجريد الكلام أو تجريد العقائد للنصير الطوسي المتوفى سنة 672هـ، وعلى التجريد شروح كثيرة وحواش، أهمها حاشية السيد الشريف الجرجاني وهي المعتمدة لدى علماء الروم والهند.

ص: 23

ومنها: إدراك الكلي مفهوما أو حكما.

ومنها: إدراك المركب تصورا كان أو تصديقا.

ومنها: إدراك المسائل عن دليل.

ومنها: نفس المسائل المبرهنة.

ومنها: الملكة الحاصلة من إدراك تلك المسائل وبعضهم لم يشترط كون المسائل مبرهنة

وقال: العلم يطلق على إدراك المسائل وعلى نفسها وعلى الملكة الحاصلة منها. والعلوم المدونة تطلق أيضا على هذه المعاني الثلاثة الأخيرة.

ومنها: ملكة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض صادرا عن البصيرة بحسب ما يمكن فيها ويقال لها الصناعة أيضا كذا في المطول1. في بحث التشبيه.

ورده السيد السند بأن الملكة المذكورة المسماة بالصناعة إنما هي في العلوم العملية أي: المتعلقة بكيفية العمل كالطب والمنطق وتخصيص العلم بإزائها غير محقق كيف وقد يذكر العلم في مقابلة الصناعة. نعم إطلاقه على ملكة الإدراك بحيث يتناول العلوم النظرية والعملية غير بعيد مناسب للعرف انتهى.

قال المتكلمون: لا بد في العلم من إضافة ونسبة مخصوصة بين العالم والمعلوم بها. ويكون العالم عالما بذلك المعلوم والمعلوم معلوما لذلك العالم. وهذه الإضافة هي المسماة عندهم بالتعلق فجمهور المتكلمين على أن العلم هو هذا التعلق إذ لم يثبت غيره بدليل فيتعدد العلم بتعدد المعلومات كتعدد الإضافة بتعدد المضاف إليه.

وقال قوم من الأشاعرة: هو صفة حقيقية ذات تعلق. وعند هؤلاء فثمة أمران: العلم وهو تلك الصفة. والعالمية أي: ذلك التعلق. فعلى هذا لا يتعدد العلم بتعدد المعلومات إذ لا يلزم من تعلق الصفة بأمور كثيرة تكثر الصفة إذ يجوز أن يكون لشيء واحد تعلقات بأمور متعددة.

وأثبت القاضي الباقلاني العلم الذي هو صفة موجودة والعالمية التي هي من قبيل الأحوال عنده. وأثبت معها تعلقا فإما للعلم فقط أو للعالمية

فقط فهذه ثلاثة أمور: العلم والعالمية والتعلق الثابت لأحدهما وإما لهما معا فها هنا أربعة أمور: العلم والعالمية وتعلقاتهما.

وقال الحكماء: العلم هو الموجود الذهني إذ لا يعقل ما هو عدم صرف بحسب الخارج كالممتنعات. والتعلق إنما يتصور بين شيئين متمايزين ولا تمايز إلا بأن يكون لكل منهما ثبوت في الجملة ولا ثبوت للمعدوم في الخارج فلا حقيقة له إلا الأمر الموجود في الذهن وذلك الأمر هو العلم وأما التعلق فلازم له. والمعلوم أيضا فإنه باعتبار قيامه بالقوة العاقلة علم وباعتباره في نفسه من حيث هو هو معلوم. فالعلم والمعلوم متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار. وإذا كان العلم بالمعدومات كذلك وجب أن يكون سائر المعلومات أيضا كذلك إذ لا اختلاف بين أفراد حقيقة واحدة نوعية. كذا في شرح المواقف قال مرزا

1 هو الشرح المبسوط لكتاب تلخيص المفتاح للجلال القزويني المتوفي سنة 739هـ. ومؤلف المطول هذا هو سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة 792هـ.

ص: 24

زاهد: هذا في العلم الحصولي. وأما في الحضوري فالعلم والمعلوم متحدان ذاتا واعتبارا ومن ظن أن التغاير بينهما في الحضوري أيضا اعتباري كتغاير المعالج والمعالج فقد اشتبه عليه التغاير الذي هو مصداق تحققهما بالتغاير الذي هو بعد تحققهما. فإنه لو كان بينهما تغاير سابق لكان العلم الحضوري صورة منتزعة من المعلوم وكان علما حصوليا.

ثم اعلم أن محل العلم الحادث سواء كان متعلقا بالكليات أو بالجزئيات عند أهل الحق غير متعين عقلا بل يجوز عندهم عقلا أن يخلقه الله تعالى في أي جوهر أراد من جواهر البدن لكن السمع دل على أنه القلب قال الله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .

هذا وقال الحكماء: محل العلم الحادث النفس الناطقة أو المشاعر العشر الظاهرة والباطنة.

وقد اختلف المتكلمون في بقاء العلم والعقل بعد الموت في الجنة

فالأشاعرة قضوا باستحالة بقائهما كسائر الأعراض عندهم. وأما المعتزلة فقد أجمعوا على بقاء العلوم الضرورية والمكتسبة التي لا يتعلق بها التكليف.

واختلفوا في العلوم المكتسبة المكلف بها فقال الجبائي1: إنها ليست باقية وإلا لزم أن لا يكون المكلف بها حال بقائها مطيعا ولا عاصيا ولا مثابا ولا معاقبا مع تحقق التكليف وهو باطل بناء على أن لزوم الثواب أو العقاب على من كلف به. وخالفه أبو هاشم2 في ذلك وأوجب بقاء العلوم مطلقا قال شيخنا العلامة المجتهد المطلق قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني3 في فتاواه المسماة بالفتح الرباني: إنه وصل السؤال عن الكلام للحافظ الذهبي4 من أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشيء منها فاقشعر جلدي عند الاطلاع على هذا الكلام من مثل الحافظ الذي أفنى عمره في خدمة الكتاب والسنة والتراجم لعلماء هذا الشأن. وقد كنت قديما وقفت على شيء من هذا لكن لفرد شاذ من أفراد الحكماء قاله لا عن دراية ولا رواية فلم أعبأ به لجهله بالكتاب والسنة فياليت شعري كيف يجري قلم أحقر عالم من علماء الشريعة بمثل هذا. وعجبت ما أدخل هذا الحافظ في مثل هذه المداخل المقفرة المكفهرة التي يتلون الخريف في شعابها وهضابها ويتحمل هذا النقل الثقيل والعبئ الجليل. والحاصل أن الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبهم وتباين طرقهم متفقون على أن عقول أهل الجنة

1 هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي، من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره وإليه نسبة الطائفة الجبائية، نسبته إلى جبى من قرى البصرة، توفي سنة 303هـ = 916م.

2 هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، من كبار المعتزلة وعالم بالكلام، تبعته فرقة سميت البهشمية، توفي سنة 321هـ = 933م.

3 هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ففيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء كان يرى تحريم التقليد، له 114 مولفا 1173 - 1250هـ = 1760 - 1834م.

4 هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، شمس الدين، حافظ مؤرخ علامة محقق، تركماني الأصل من أهل ميافارقين مولده ووفاته بدمشق. له كثير من التصانيف قد تبلغ المائة: 673-748هـ = 1274- 1348م.

ص: 25

تزداد صفاء وإدراكا لذهاب ما كان يعتريهم من الكدورات الدنيوية. وكيف يسلبون ما هو عندهم من أوفر النعم وأوفر القسم وهم في دار فيها ما تشتهيه النفس وتلذ به الأعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكأن هذا القائل لم يقرأ القرآن الكريم وما اشتمل عليه من تحاور أهل الجنة وأهل النار وتخاصمهم بتلك الحجج التي لا تصدر إلا عن أكمل الناس عقلا وأوفر الخلائق فهما وما يذكرونه من حالهم الذي كانوا عليه في أهليهم بل ما يودونه من إبلاغ الأحياء عنهم ما صاروا فيه من النعيم قال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} 1وورد مثل هذا المعنى في القرآن الذي رفع لفظه من المصحف كما ثبت في الصحاح من كتب الحديث عن أولئك الشهداء بلفظ: بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وكذلك ما ذكر من اجتماع أهل الجنة ومذاكرتهم بما كانوا فيه في الدنيا وما صاروا إليه في الجنة كما في الآيات المشتملة على ما في الجنة مما أعده الله لهم حيث يقول: وفيها وفيها وفيها في آيات كثيرة. وذكر أن أهلها على سرر متقابلين وأنه يطوف عليهم ولدان مخلدون. وثبت أنهم يدخلون الجنة على تلك الصفات من الجمال والشباب وكمال الخلق وحسن الهيئة مردا جردا أبناء ثلاث وثلاثين سنة. وأنهم يتخيرون في الجنة ما يشتهون. وكم يعد العاد من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة. ولا يتم هذا النعيم ولا بعضه إلا وهم ذوو عقول صحيحة بالضرورة العقلية كما ثبت بالضرورة الدينية. ومعلوم أنهم إذا كانوا ذوي عقول فمهما وجدت معهم فهي بالإمكان العام والخاص قادرة على كسب ما تجدد لها من العلوم ذاكرة لما حصل لها منها من قبل هذا مالا يحتاج إلى بيان ولا يفتقر إلى برهان ولو فقدوها لفقدوا الإنسانية الكاملة وصاروا مشابهين للدواب وأي نعمة لمن لا عقل له كما هو مشاهد من المصابين بالجنون في الدنيا وأي فائدة للمبالغة في نعيم من كان ذاهب العقل بما ثبت في الكتاب والسنة من أنهم على صفات فوق صفاتهم في الدنيا بمسافات لا يقدر قدرها ولا يحاط بكنهها وكذلك لا يتم نعيمهم إلا بوجود الحواس الظاهرة والباطنة ولو فقدوها لما تنعموا كما ينبغي. وكذا لو فقدوا بعضها لم يكن لهم شعور بالتنعيم الذي وصفه الله سبحانه وبالغ فيه. وأي فائدة لفاقد العقل وأي شعور له بكونه على صفة كمالية في جماله ولباسه الحرير والديباج وتحليته بالذهب والجواهر وأكله من أطيب المأكل وشربه من أنفس المشروب. وكذا لا نعمة تامة فضلا عن أن تكون فاضلة لمن كان أعمى أو أصم أو لا يفهم شيئا أو لا يذكر ما مضى له ولا يفكر فيما هو فيه

وإذا تقرر لك هذا علمت أن أهل الجنة لهم العقول الفائقة بنسبة الدنيا شبابا وجمالا وقوة وفهما وذكرا وحفظا وسلامة من كل نقص ولو لم يكن الأمر هكذا لم تكن لهم فائدة بما بولغ به في شأنهم من الصفات بل يعود ذلك بالنقص لما أثبت لهم منها في الجنة هذا معلوم بالعقل والشرع لا يتمارى فيه قط. وأقل الحال أن يكون النعيم المحكوم لهم به في الجنة كتابا وسنة ناقصا.

والمفروض أنه بالغ في الكمال إلى غاية فوق كل غاية وهذا خلف يدافع نصوص الكتاب والسنة مدافعة يفهمها كل من له عقل وإدراك. فيا عجبا كل العجب من التجري على أهل هذه الدار التي هي دار النعيم المقيم على الحقيقة بما ينغص نعيمهم ويشوش حالهم ويكدر صفوهم ويمحق ما أعد الله لهم ومن التجري على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بما يستلزم عدم ثبوت ما أثبته الكتاب والسنة لهم

1 سورة يس، الآية:27.

ص: 26

وتكديره وذهاب أثره ومحق بركته وأنت تعلم أن مثل هذا الكتاب يستلزم الكفر الصراح. فأين هذا القادح الفادح من نعيم دار يعدل موضع سوط أحدهم فيها الدنيا بأسرها وجميع ما فيها ومن دار نصيف إحدى زوجاتهم يعدل الدنيا وما فيها ومن دار لو أشرفت إحدى الجواري المعدة لهم على أهل الدنيا لفتنتهم أجمعين كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. ومع هذا فقد ثبت قرآنا أنهم على سرر متقابلين وأنه يطوف عليهم ولدان مخلدون. وثبت سنة أنهم يجتمعون ويتزاورون. فليت شعري ما فائدة هذا الاجتماع والتزاور لمن لا عقل له ولا فهم ولا فكر ولا ذكر.

والحاصل أن التقول بمثل هذا القول هو من التقول على الله سبحانه بما لم يقل وعلى رسوله وعلى شريعته. بما لم يكن منها وقد ثبت في القرآن الكريم الحكم على المتقولين بما هو معلوم لكل من يعرف القرآن وإذا ثبت أن مثل هذا باطل في الدار الآخرة فانظر إلى هذه الدار دار الدنيا التي ليست بشيء بالنسبة إلى الدار الآخرة لو قيل لأحدهم: إنه سيكون لك ما تريد من جمال الهيئة وكمالها ومن النعيم البالغ ومن الرياسة التامة ولكن ستصاب بالجنون أو تفقد جميع المشاعر لقال: لا ولا كرامة دعوني أعش صعلوكا فقيرا فهو أطيب لي مما عرضتموه علي وأحب إلي مما جئتموني به:

خذوا رفدكم لا قدس الله رفدكم

سأذهب عنه لا علي ولا ليا

وإنما أوردنا لك هذه الأمور لتعلم أن الروح للإنسان إذا كان ساذجا كان كله ساذجا إذ الروح هو الإنسانية التي يتميز بها صاحبها عن الدواب وجميع ما ذكرنا من العقل والحواس الباطنة والظاهرة هو له لا للحم ولا لدم ولا لعظم. فإذا كان الروح ساذجا فلم يبق إلا صورة اللحم والدم وهو المقصود بقولهم في بيان ماهية الإنسان إنه حيوان ناطق أي: مدرك للمعقولات وليس ذلك للقالب الذي هو فيه وكما أن ما ذكرناه وقررناه هو إجماع الطوائف الإسلامية على اختلاف أنواعهم فهو أيضا إجماع أهل الشرائع كلها كما يحكى ذلك عن كتب الله المنزلة على رسله وتحكيه أيضا كتبهم المؤلفة من أحبارهم ورهبانهم فإنه لا خلاف بينهم في المعاد وفي النعيم المعد لأهل الجنة كما حكاه الكتاب العزيز وقد أوردنا من ذلك في المقالة الفاخرة في إثبات الدار الآخرة وفي إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على إثبات التوحيد والمعاد والنبوات كثيرا من نصوص التوارة والإنجيل والزبور وسائر كتب نبوات بني إسرائيل. ولم يشذ منهم إلا اليهودي الزنديق موسى بن ميمون الأندلسي1 وقد تبرأ منه قدماء اليهود وأخرجوه من دينهم. بل وكذلك النصارى وإن لم يكن من أهل ملتهم فقد صرحوا بخذلانه وزندقته قال النصراني في تاريخه: ورأيت كثيرا من يهود بلاد الإفرنج بإنطاكية وطرابلس يلعنونه ويسمونه كافرا انتهى. قلت: وقد وقع لهذا الملعون من تحريف كثير من التوراة ما يدل على إلحاده وزندقته وقد رددت ما حرفه وأوضحته بأتم إيضاح وأما يهود عصرنا فصاروا يعظمونه وذلك لجهلهم بحقيقة الحال. وقد ذكرت لجماعة من أحبارهم بعض تحريفاته فلعنوه وتبرؤوا منه وكما أن هذا الذي ذكرناه مجمع عليه بين أهل الملل التابعين لأنبيائهم،

1 هو موسى بن ميمون بن يوسف بن إسحاق القرطبي، طبيب فيلسوف يهودي، ولد وتعلم في قرطبة وتظاهر بالإسلام، ودخل مصر، فعاد الى يهوديته وأقام في القاهرة 37 عاماً كان فيها من سنة 567هـ رئيساً روحياً لليهود، ومات بها ودفن بطبرية في فلسطين 529-601هـ = 1135 - 1204م.

ص: 27

فهو أيضا مجمع عليه بين المشتغلين بالعقل والنظر كالكلدانيين والصابئين أتباع صاب بن إدريس كما رأيناه في حكاية مذاهبهم التي ذهبوا إليها في شأن المعاد ومنهم اليونانيون فإنهم جميعهم من عند أسقلينوس إلى عهد جالينوس مصرحة كتبهم بمعاد الأرواح عليه في دار المعاد وهكذا المشتغلون بالحكمة الإلهية من أهل الإسلام كالكندي ومن جاء بعده كالفارابي ومن جاء بعده منهم كابن سينا فإن كتبهم مصرحة بذلك تصريحا لا شك فيه ولا ريب. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية انتهى كلام الشوكاني رحمه الله.

وإنما أوردناه ههنا بطوله لاشتماله على الفوائد الجليلة والشيء بالشيء يذكر.

ثم اعلم أن علم الله سبحانه بذاته نفس ذاته فالعالم والمعلوم واحد وهو الوجود الخاص. كذا في شرح الطوالع أي: واحد بالذات أما بالاعتبار فلا بد من التغاير. ثم قال: وعلم غير الله تعالى بذاته وبما ليس بخارج عن ذاته هو حصول نفس المعلوم ففي العلم بذاته العالم والمعلوم واحد والعلم وجود العالم والمعلوم والوجود زائد. فالعلم غير العالم والمعلوم والعلم بما ليس بخارج عن العالم من أحواله غير العالم والمعلوم والمعلوم أيضا غير العالم فيتحقق في الأول أمر واحد. وفي الثاني اثنان. وفي الثالث ثلاثة. والعلم بالشيء الذي هو خارج عن العالم عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم. فيتحقق أمور أربعة: عالم ومعلوم وعلم وصورة. فالعلم حصول صورة المعلوم في العالم ففي العلم بالأشياء الخارجة عن العالم صورة وحصول تلك الصورة وإضافة الصورة إلى الشيء المعلوم وإضافة الحصول إلى الصورة وفي العلم بالأشياء الغير الخارجة عن العالم حصول نفس ذلك الشيء الحاصل وإضافة الحصول إلى نفس ذلك الشيء ولا شك أن الإضافة في جميع الصور عرض وأما نفس حقيقة الشيء في العلم بالأشياء الغير الخارجة عن العالم فإنه يكون جوهرا إن كان المعلوم ذات العالم لأنه تكون تلك الحقيقة موجودة لا في موضوع ضرورة كون ذات الموضوع العالم كذلك وإن كان المعلوم حال العالم يكون عرضا. وأما الصورة في العلم بالأشياء الخارجة عن العالم فإن كانت صورة لعرض بأن يكون المعلوم عرضا فهو عرض بلا شك وإن كانت صورة لجوهر بأن يكون المعلوم جوهرا فعرض أيضا انتهى.

وهذا مبني على القول بالشبح. وأما على القول بحصول ماهيات الأشياء في الذهن فجوهر.

وقال الصوفية: علم الله سبحانه صفة نفسية أزلية. فعلمه سبحانه بنفسه وعلمه بخلقه علم واحد غير منقسم ولا متعدد لكنه يعلم نفسه بما هو له ويعلم خلقه بما هم عليه. ولا يجوز أن يقال: إن معلوماته أعطته العلم من أنفسها - كما قال الشيخ محيي الدين ابن عربي - لئلا يلزم كونه استفاد شيئا من غيره ولكنا وجدناه سبحانه بعد هذا يعلمها بعلم أصلي منه غير مستفاد مما هي عليه فيما اقتضته بحسب ذواتها غير أنها اقتضت في نفسها ما علمه سبحانه عليها فحكم له ثانيا بما اقتضته وهو ما علمها عليه. ولما رأى الإمام المذكور أن الحق حكم للمعلومات بما اقتضته من نفسها ظن أن علم الحق مستفاد من اقتضاء المعلومات فقال: إن المعلومات أعطت الحق العلم من نفسها. وفاته أنها إنما اقتضت ما علمها عليه بالعلم الكلي الأصلي النفسي قبل خلقها وإيجادها فإنها ما تعينت في العلم الإلهي إلا بما علمها لا بما اقتضته ذواتها ثم اقتضت ذواتها. بعد ذلك من نفسها أمورا هي عين ما علمها عليه أولا فحكم لها ثانيا بما اقتضته وما

ص: 28

حكم إلا بما علمها عليه فتأمل فيسمى الحق عليما بنسبة العلم إليه مطلقا وعالما بنسبة معلومية الأشياء إليه وعلاما بنسبة العلم ومعلومية الأشياء إليه معا. فالعليم اسم صفة نفسية لعدم النظر فيه إلى شيء مما سواه إذ العلم ما تستحقه النفس في كمالها لذاتها. وأما العالم: فاسم صفة فعلية وذلك علمه للأشياء سواء كان علمه لنفسه أو لغيره فإنها فعلية يقال: عالم بنفسه أي: علم نفسه وعالم بغيره أي علم غيره فلا بد أن تكون صفة فعلية وأما العلام فبالنظر إلى النسبة العلمية اسم صفة نفسية كالعليم. وبالنظر إلى نسبة معلومية الأشياء إليه اسم صفة فعلية ولذا غلب وصف الخلق باسم العالم دون العليم والعلام فيقال: فلان عالم ولا يقال عليم ولا علام مطلقا إلا أن يقال: عليم بأمر كذا ولا يقال علام بأمر كذا بل إن وصف به شخص فلا بد من التقييد فيقال: فلان علام في فن كذا وهذا على سبيل التوسع والتجوز وليس قولهم: فلان علامة من هذا القبيل لأنه ليس من أسماء الله تعالى فلا يجوز أن يقال: إن الله علامة فافهم. كذا في الإنسان الكامل ذكره في كشاف اصطلاحات الفنون أقول عفا الله عني: إن علم الله تعالى ذاتي كسائر صفاته. وإنما قلنا ذلك للرد على الحكماء القائلين بنفي الصفات وإثبات غاياتها وللرد على المعتزلة القائلين بأنه يعلم بالذات لا بصفة زائدة عليها وقال ابن سينا في الإشارات تبعا للفلاسفة: إن الله عالم بالكليات أي دون الجزئيات. وهو كفر بواح لا يقبل التأويل. وهذا أحد ما كفر أهل الإسلام الفلاسفة بها ولهم من أمثال ذلك الطامات الكثيرة المعضلات فلا يهولنك ما ينسب إليهم من المعارف ودقائق الأفكار فما منهم إلا المخالف أو على شفا جرف هار.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية1 وغيره من علماء الإسلام أدلة عقلية أيضا. على إثبات صفة العلم لله تعالى لا نطول الكلام بذكرها هنا وأدلة ثبوت صفة العلم لله تعالى سمعا من الكتاب والسنة كثيرة جدا كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] وقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] قوله: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت: 47] وقوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] وقوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] إلى غير ذلك من آيات لا تحصى إلا بكلفة وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سبق علم الله في خلقه فهم صائرون إليه" وفي حديث ابن عمر: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله".

وصفة العلم له سبحانه إمام أئمة الصفات وقد أحاط بكل شيء علما وعلمه قد تعلق بكل شيء من الأشياء من الجائزات والواجبات والمستحيلات فيجب شرعا أن يعلم أن علم الله غير متناه من حيث تعلقه. أما بمعنى أنه لا ينقطع فهو واضح وأما بمعنى أنه لا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم فإنه يحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال. ونعيم الجنة فهو شامل لجميع المتصورات سواء كان واجبة كذاته صفاته العليا أو مستحيلة كشريك الباري تعالى أو ممكنة كالعالم بأسره الجزئيات من ذلك والكليات على ما هي عليه من جميع ذلك وأنه واحد لا تعدد فيه ولا تكثر وإن تعددت معلوماته وتكثرت.

1 هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، الإمام، شيخ الإسلام 661-728هـ = 1263 - 1328م.

ص: 29

وأما وجوب عموم تعلقه سمعا فمثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} وقوله: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات القرآنية وأما وجوب ذلك عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات إما بواسطة المعنى الذي هو العلم على ما هو مذهب الصفاتية والسلف وهو الحق أو بدونها على ما هو رأي النفاة. والمقتضي للمعلومية إمكانها ونسبة الذات إلى الكل على السواء فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان ذلك بمخصص وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وسائر كمالاته إلى التخصيص لمنافاته لوجوب الوجود والفناء المطلق ولم يذهب إلى تعدد علوم قديمة أحد يعتمد عليه إلا أبو سهل الصعلوكي من الأشاعرة وهو محجوج بالإجماع. والحق أن علمه سابق محيط بالأشياء على ما هي عليه ولا محو فيه ولا تغير ولا زيادة ولا نقصان. وهو سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون وما لو كان كيف كان وأما ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ فهل يكون فيه محور وإثبات؟ فيه قولان للعلماء. وأما الصحف التي بيد الملائكة فيحصل فيها المحو والإثبات. وما أطال به الحكماء وإفراغهم الكلام في بيان علم الله سبحانه وتعالى وما جاؤوا به. من الأدلة العقلية على إثبات عقائدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة وما تفوهوا به من أن الصفات زائدة على ذاته أو هي عين ذاته المقدسة وما نفوه من الصفات فكل ذلك مما لم يخض فيه السلف ولم يأت فيه حرف واحد من الشارع عليه الصلاة والسلام. فالخوض فيه وأمثاله من المسائل بعد عن الدين وقرب من الشياطين وكم قد هلكوا وأهلكوا وضلوا وأضلوا الناس عن الصراط السوي ولا معصوم إلا من عصمه الله ورحمه. والكلام على مسألة العلم يطول وليس هذا موضع بسطه وفيما ذكر ما يكفي ويشفي.

ص: 30