الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرتبة أو كونه أثر الفاعل أو صورة في مادة أو مبدأ لغاية على اختلاف في الفاعل والمادة والغاية فيظن الاختلاف فيه وليس كذلك وقد ينظر إلى الشيء بالإجمال أو سطحيا لعدم الاعتناء به أو على التفصيل والغور بطنا بعد بطن على مراتب الاعتناء به وقد يقع في الكلام تخصيص عام للتصوير أو الاهتمام أو تعميم خاص للإبهام أو التخمين أو المبالغة أو يقع ادعاء حصر للتأكيد فقط أو إيراد مجاز متعارف عند القائل أو كناية والمقصود غيرها أو تلميح وتقع تمثيلات مختلفة وفيها تقريب من وجه وتبعيد من وجه وإبهام في القدر الجامع وذلك لكونها أبلغ في سليقة القائل أو لتفنن في العبارة ويقع صرف عن الظاهر لضيق العبارة كوضع الترتيب الزماني موضع الرتبي والمصاحبة الزمانية موضع المصاحبة الواقعية ويكون الواقع عند الكل شيئا واحدا وبعد ذلك مقام لتفتيش المستعملات والاصطلاحات وبيان اشتراك معنيين في لفظ أو ترادف لفظين على تمام المعنى أو مع تفارق بملاحظة قيد جزءا أو شرطا وهذا وإن كان يسيرا بعدا الإحاطة بالمواطن والنظامات ولكن الحق انه لا يستقيم أيضا إلا من ألمعي محقق منصف يجمع الوصفين كثرة التبحر والعبور على كلمات الأئمة المحققين وقوة التدقيق والبحث في فني الجدل والتوجيه مع تأييد وهداية من الله ولي التوفيق.
نكتة: من أعظم أسباب الاختلاف تنوع فهم اللاحقين لكلام السابقين وهذا هو الذي أثار فتنة الشغب بين الشراح والمحشين وأورث افتراء المذاهب على أهلها ويكون منشأ سوء الفهم تارة لكمال الحماية والعداوة لأحد وتارة للغفلة عن مرمى قصده ومطرح نظره.
طربنا لتعريض العذول بذكركم
…
فنحن بواد والعذول بوادي
وتارة للقصور عن استيفاء المقدرات في الموجز وحفظ القيود الضمنية في المطنب وتارة الخطأ في المحمل للاشتراك والتجوز أو إرجاع الضمير وتارة المبادرة ثم الإصرار على ما استقر في النفس قبل من غير إيفاء النظر حقه وتارة الجحود على المسموع لحسن ظن كاذب في قائله وتارة للبلادة عن نيل المعنى الدقيق والاغترار برأيه فالمرء لا يزال عدوا لما جهل وأمثال ذلك مما يفهمه المحقق من الكلام وسياقه فهم الطبيب داء السقيم من عوارضه ومن التدبير المقدم.
فصل: في ضوابط التطبيق
نكتة: محاول التوفيق ينبغي أن يأخذ الواقع إقليما وسيعا ويقطع لصاحب كل مذهب منها قطرا من أقطار العلويات والسفليات من آفاق الغيوب والشهادة وناحية من نواحي العلم والعين بل يأخذ كل شخص بلدا عامرا فيه من الأوصاف اللازمة والمفارقة والنعوت الظاهرة والباطنة والذاتية والغريبة والانضمامية والاعتبارية والحقيقية والإضافية والثبوتية والسلبية مالا يحصى إنما مجال الباحثين منها ميدان دون ميدان ويقيد عموم إثبات كل ونفيه في مقامه ومشهده فإن لكل مقام علوما ومعارف لا تكون في غيره كما ورد لكل حد مطلع وصاحبه كثيرا ما يغفل عما عداه فلا يروي عنه إلا ما أحاط به وأن لا يذعن لنفي واحد قول الآخر ولا لتأويله إياه إلا ما كان من صاحب الوحي الإلهي نصا محكما وأن
لا يسرع في إنكار مستغرب وأن يبالغ في تصحيح عقد الوضع بتشخيص ذاته من إقليم الوجود أين هو؟ وكيف هو؟ باستقراء أوصافه التي وقعت عنوان بحثه وموقع نظره فربما يعنون عن ذوات متغايرة بعنوان واحد يصدق على جميعها معا أو تعاقبا أو بدلا وبالعكس
وينقح عقد الحمل بتميز إطلاق مفهومه عن خصوص نحو ثبوته للموضوع وتحققه فيه ولا يعتمد في فن إلا على كلام دستوره ومخرجيه ولا يغفل عن فهم أصحابه كلامه ونقدهم رأيه ويزن أصولهم بموازين الدلائل والقرائن وتصفح المواد حتى يتبين سقوط أدلتهم ونهوضها وقوتها وضعفها وخصوصها عن الدعاوى وعمومها ثم يعود فينظر في الفروع من طرق الأمارات الخصيصة بها نظرة ابتدائية فقد وقع في التفريعات ذهولات وغفلات وأن يفحص عن بدء أمر المخرجين والناصرين للمذاهب وتقلبات أحوالهم إلى ما انتهى إليه شأنهم إذ به يعرف أغراضهم ورجوعهم في الأقوال وأسبابه وانتقالهم من درجة إلى درجة أعلى وأدنى ومطمح نظرهم في مساعيهم من نيل الحق أو طلب السعادة أو المال والجاه وإفساد دين أو طريقة وأن يتنبه لتواردهم واختلافهم في ذكر وترك وإجمال وتفصيل ويعلم أن من الآراء ما يكون منتهى السعي إبانة عذر صاحبه في جهله بعمدة الباب.
وبالجملة: فإذا حافظ على هذا وأمثاله بسليقة موهوبة أو فطانة مكتسبة هان عليه التوفيق - بإذن الله - والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
نكتة: الواقع: هو ما عليه الشيء بنفسه في ظرفه مع قطع النظر عن إدراك المدركين وتعبير المعبرين والوصول إليه يكون بالعيان أو البرهان ففسره قوم بما هو مقتضى الضرورة والبرهان ولما اختلفت الظنون في اعتقاد المقدمات برهانا أو شبهة وفي أخذ الظروف متسعة أو متضيقة اختلف معنون الواقع فاختلفت الحكايات عنه ومن لم يتنبه لهذا الاختلاف لم يتنبه للتطابق.
فمنهم: من يزعم الواقع ظرف الثبوت فوق الوجود.
ومنهم: من يحصره في الوجود ولوازمه ويجعل الوجود أصيلا فقط أو أصيلا وظليا أو إياهما ولحاظيا.
ومنهم: من يحصر الدائرة الإمكانية فيما له حيز وجهة.
ومنهم: من يحصرها في المبصرات والمعاني التي فيها.
ومنهم: من يحصرها على الأشخاص دون كلياتها.
ومنهم: من يحصرها على مجتمعة الأجزاء.
ومنهم: من يحصرها على ماله مادة سابقة دون مستأنف الوجود فيجب التقاط مرامهم عن فحاوي فروعهم وأصولهم.
نكتة: إثبات عالم المثال أصل عظيم من أصول التطبيق من جهة أن فيها صور الحقائق المجردة والمادية فيقع على ما فيه سير الناظرين فيخبرون عما وجدوا وإن لم يعرفوا أنه من عالم المثال وذلك في النقليات والكشفيات أكثر منه في العقليات.
ومن جهة: أن فيه روحانيات تسمى: داعية اليهودية والنصرانية وغير ذلك من الأديان والمذاهب وأنها
تلقي صور المعتقدات لهم في المدارك وتروج تلك العقائد بالمنامات والهواتف فتطمئن النفوس إليها وتنفر عن أضدادها.
ومن جهة: أن فيه خزانة الكواذب كما فصلته في تفصيل1 رسالة المحبة وينقدح بالاتصال بها آراء شتى وتستمر الآراء برسوخ ملكته.
ومن جهة: أن تلك الصور المثالية تقع عنوانات ومرايا للأمور الغائبة والموهومة فيظن التخالف فيها وهذا كثير في العقليات وفي هذا العالم ألوان وأبعاد وأشكال ولا يزاحم الأجسام المادية ويختلف المثاليات لطافة وكثافة2 ورسوخا واختفاء والعوام لا تظنها غير الأجسام وتسميتها: أجساما غيبية وشهادية فيجري على ذلك من يخاطبهم ويفهمهم وإنما: إنكارها وحصر الأجسام في الشهادية وضبط أحكامها من تدقيقات الفلاسفة والمتكلمين.
نكتة: من أصول التطبيق التجلي وهو ثابت عقلا ونقلا وكشفا وهو من أحكام جهة الكثرة لا ينكره منكر وحدة الوجود ولا يستغني عنه قائلها تمييزا بين الأحكام الحقية والخلقية وبينت مادته وصورته في رسالة المحبة وغيرها وله جنسان بإثبات الواسطة وبرفعها:
فالذي بإثبات الواسطة مادته ماله اختصاص بالاضمحلال والحكاية معا وصورته إرادة التعرف وينقسم إلى: وجودي ينتظم به أمر العالم وكمالي: هو في نفسه أمر خارجي وشهودي حاصل في المرايا الإدراكية ومن هذا القسم: صوري ومعنوي وذوقي.
والذي برفع الواسطة إما أن يكون الحجاب من جهة المتجلى له من وصف أو ملابس أو بين المتجلي والمتجلى له أو من جهة المتجلي وهذا إنما يتصور بالانتقال من شأن إلى شأن ومن موطن إلى موطن ورفع ما في البيت إما بإفنائه أو برفع حيلولته بترق للمتجلي له أو تدل للمتجلي والمحقق القونوي3 عممه في كل مالا تحويه الجهات وهو حق والفرق بين: تعلق النفس بالبدن والتمثل بالتمثل والمتجلي بالتجلي حصول الانحصار والانفعال معا في الأول والثاني فقط في الثاني وانتفاؤهما معا في الثالث ولا بد في التجلي من ممازجة عالم المثال لتضمن جهة الحكاية فإن الشهاديات لا تحتمل الحكاية طبعا وإن احتملتها وضعا وكثير من اختلافات العقليات والسمعيات والكشفيات ينحل به4نكتة: قد يستغرق المتفكر والمكاشف في السانح5 فيختفي عليه ما عداه فينطق بالكلية وما مصداقها إلا الجزئية وقد يعتني بمعنى دقيق فيتبعه النظر فيحكم به على ما فيه شائبة6 منه وأدنى مناسبة معه ولا
1 في هامش الأصل: "في رسالة المحبة ثلاثة أجزاء: تحصيل وتذييل وتفضيل. وهذا مذكور في الجزء الثالث. منه".
2 فوقها بين السطرين: "إلى عالم المثال".
3 في هامش الأصل: "الشيخ صدر الدين القونوي تلميذ محيي الدين بن عربي". واسمه محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القنونوي الرومي، صوفي له مؤلفات كثيرة، توفي سنة 673هـ = 1275م.
4 فوقها بين السطرين: "أي بالتجلي".
5 في الهامش: "مايرد على القلب".
6 فوقها بين السطرين: "حالية".