الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في أسباب الاختلاف
نكتة: كما أن الموت أمر طبيعي لحياة البشر باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة معا فالخاصة: تقتضيه لقيامها بالحرارة والرطوبة والعامة: لإيفاء العناية الأزلية مقتضى الطبائع الكلية من: العناصر والأفلاك والبسائط تقتضي انحلال المركبات والأوضاع السماوية تنتهي إلى القواطع فكذلك الاختلاف طبيعي لعقول البشر باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة معا وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} .
أما الخاصة: فلوجود القوة الحاكمة منهم ومخالفة ما أحاط مدركة أحدهم لمدركة الآخر لأسباب سنبينها وأما العامة: فلأن صانع العالم - جل مجده - لما أراد انتظام النشأتين وتعمير الدارين بإبداء آثار الجمال والجلال فيهما وناط بحسب تلك العناية المساعي والدرجات بالاعتقادات وجب اختلافها فما التطبيق إلا بحسب العلم والفهم لا بإزالة الخصومات من بين الناس.
نكتة: لاختلاف الاعتقادات أسباب عامة شاملة لها ولغيرها.
منها: اختلاف الأوضاع السماوية بحسب الأدوار والقرانات الكلية والجزئية وطوالع المواليد والميائل وجرب في الهنود: أن من كانت الشمس والمشتري في سابعه انكشف له حقيقة الإسلام وخرج من دينه إليه ويذكر أن وقوع الدراري على الطالع في العاشر ينور العقل واتصال سهم الغيب بالسعود يصوب الآراء في أبوابها.
ومنها: اختلاف الطبائع الأرضية من الأقاليم والبلاد وسهلها وحزنها وبدوها وحضرها ومن الكيفيات المزاجية وعادات القوم والهنود يقع في مداركه طول الأزمان والعرب بالعكس.
ومنها: اختلاف الاستعدادات بحسب الصور الشخصية والصنفية الفائضة على المواد القابلة لها بمتقضى العناية الأزلية.
ومنها: اختلاف ألوان حظيرة القدس بحسب عنايات الملأ الأعلى وصعود الهيئات المثالية من بني آدم المعدة لظهور فيض متجدد من هناك.
ومنها: تبدل دولة الأسماء الإلهية المدبرة للقرون المقتضية لظهور أنواع الكمالات والصناعات شيئا فشيئا وتفصيل هذه المبادئ مذكورة في فنونها والغرض: تنبيه عليها وتذكيرها.
نكتة: لانعقاد الأديان والمذاهب تقريبات هي من جملة أسباب الاختلاف:
منها: توجه العناية الإلهية بإرسال رسل مبشرين ومنذرين ولما1 انحصر فيه صلاحهم شارحين في أقطار أو قرون متباعدة بشرائع متنوعة قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} الآية.
ومنها: تجارب الأذكياء ورصد الحكماء والمأثور من الأولياء والمتبرك من سنة الصلحاء ومروج الملوك والأمراء في كل طائفة طائفة على حسب ما بلغته عقولهم في انتظام مصالحهم حسب طبائعهم وعاداتهم.
1 في الهامش: "متعلق بما بعده وهو قوله: شارحين. منه".
ومنها: انتشار الكذابين المتنبئين والدجاجلة1 المضلين والمحرفين من المختلسين والمخترعين من أصحاب: البخت والقوة ويتصل بذلك دواعي القبول من الناس لمناسبات جبلية أو تصديق هواتف ومنامات أو مصاحبة كرامات أو استدراجات أو انتظام مصلحة دولة وجاه وتوقع دواعي حرص وشبهها أو غضب وحمية أو مخافة سيف وذل أو تجربة ناقصة لمجازاة دنيوية أو وضوح حجة أو تسويل شبهة أو موافقة جمهور أو تسخير سحر أو قلة تدبر من الطبقة الأولى
…
إلى غير ذلك ولا يزال ذلك مستديما بتأييد الله - سبحانه - ببعث المجددين والناصرين لها ونصب الآيات الباهرة على حقيتها من الخوارق والشواهد السابقة واللاحقة ومن لحوق المصائب والشؤم في تركها أو خشية طعن الأسنة والألسنة في عصيان الرسم أو الإلفة بسنة الآباء وتقليد ذوي العقول الناقصة أو حب الرئاسة والجاه في دين أو مذهب أو محاسدة العلماء أو تعنتهم أو تقاعد العقلاء عن درك الحق ورفع الخلاف لقصور الفهم ومثل هذا من التقريبات وحدوث الخلف على طبائع السلف يحرك رغبتهم إلى عقائدهم والنصر لها ثم يشعب ذلك: اختلاف أمزجة المتدينين والمتمذهبين فينجر الخلاف إلى ما شاء الله تعالى.
نكتة: يخلق الناس على غرائز وهمم وعادات شتى ثم يتيسر لهم مصاحبات وأغراض واتفاقات فوضى ولاختلافها مدخل جليل في إحداث الآراء وترجيح المختلفات فمنهم الحديد يستطيع تخليص الأطراف عن شوب المألوفات والعبارات والبليد يعجز عنه والمنحصر في المحسوس لا يرى المعقول إلا من مكان بعيد والمتجرد عنه والمفرط في قياس الغائب على الشاهد والمبالغ في الفرار عنه والعجول في القبول والإنكار من غير أن يحيط خبرة والمتأني فيه والمسامح يكتفي بالظن وبصورة من الصور المحتملة التي تفي بظاهر المقصود والفحاص عنه والمتيقظ بالمشاركات والمبائنات واللوازم والمغفل عنه والمغلوب في أيدي الوهم يبني الأمر على الاعتبارات المحضة والغالب عليه والناظر في الشيء ببذل الجهد وصرف القصد والمتكاسل عنه يمر سردا وتطفلا ونير العقل يتنبه لأشياء بلا تعليم وبأدنى إشارة ومظلمه يعجز عنه والمتقيد بالشرائع والواهن فيها والمألوف بالرسم وغير المبالي به وواسع الفهم يحيط بالشقوق والقيود والسابق واللاحق والمبسوطات وضيقه والمشتهي للتفرد والمتنفر عنه يحب التقليد والمتفطن لفروع الشيء وعواقبه والراكد عليه والمحب لشخص ومذهب والمبغض له فيرتكبون في الإخراج والإدراج فيه كل صعب وذلول والمحقق والمقلد والمنصف والمتعصب والإمعة والقادر على أداء ما في الضمير والقاصر عنه ومستقيم الفهم ومعوجه ونقي الباطن يورثه الباطل قلقا كأكل الذباب وكدرة المطمئن بالأكاذيب والمنقح للمقصود عن الوسائل واللواحق والخابط فيه والجازم يقع في قلبه الحكم بعد النظر فيه والحائر لا يحكم إلى غير ذلك مما لا يعسر على الفطن عند الاستقراء معرفة أصنافه وتعيين أشخاصه.
1 في هامش الأصل: "منهم الذي خرج لهذا العهد يسمى السيد أحمد، على طريق عكس القضية. وقد ذكره السيد العلامة الجامع لهذا الكتاب في "حجج الكرامة" و "الإذاعة" فليرجع إليهما من شاء يتضح عليه حقيقة الحال""المولوي السهسواني سلمه".
فهذه وأشباهها أمثال الزجاجات على البصائر تحجبها عن نيل الواقع على ما هو عليه من غير خلط أو تعينها عليه ولا ينبغي لطالب الحق أن يغفل عنها أو يحتبس في الردي منها بشرط أن يتجنب الإفراط والتفريط ويوفي كل ذي حق حقه.
نكتة: من أسباب الاختلاف: اختلاف أحوال الشيء في نفسه وقد مر حديث اختلاف الجهات والنظامات والمواطن إجمالا فيوضح هاهنا بأمثلة قد يكون الشيء علة تامة لشيء ناقصة لشيء مستقلة أو لا وقريبة أو لا وكافية أو لا أو يكون له علل كذلك وقد يكون الشيء واجب الاجتماع مع شيء على تقدير وممتنع الاجتماع معه على تقدير آخر وممكن الاجتماع راجحا أو غيره على تقدير آخر وربما يكون بين شيئين علاقة الغيرية من وجه والعينية من وجه أو وجوه أخر ويكون الشيء بسيطا تركيبا مركبا تحليلا أو بالعكس أو يكون له جزء في الحقيقة لا في الحس أو يكون فيهما داخلا عرفا خارجا حقيقة بسيطا عينيا لا ذهنيا أو بالعكس وقد يكون الشيء واحدا باعتبار كثيرا باعتبار متناهيا بالفعل غير متناه بالقوة ضروريا مطلقا أو بالنظر إلى شرط اختياريا معينا أو بلا شرط موجودا في الزمان أو بالعموم أو بالعرض معدوما في الآن أو بالتشخص أو بالذات مستمرا نوعا متجددا شخصا بديهيا بعنوان نظريا بعنوان آخر معرض المتنافيات في ضمن الأفراد أو في حدود الامتدادات متحد الحكم بالقياس إلى الطبيعة أو في حد واحد من الحدود ثابتا على صفة في وقت منتفيا أو على غير تلك الصفة في وقت آخر.
فتلك أمثلة الجهات: وكذلك اختلافات النظامات حقا وباطلا ضارا ونافعا كمالا وفسادا بحسب نظامين كنظام الحس والشرع كنسب ولد الزنا والربا في الآخرة والدنيا والسم للاسع والملسوع.
ومن النظامات نظام الطبيعة الكلية والطبائع الجزئية المترتبة من البسائط والمركبات المختلفة ونظام الحكمة الواجب التعليل ونظام القدرة المانع منه ونظام الاختيارات ونظام المجازات ونظام الأوضاع السماوية ونظام العادات البشرية
…
إلى غير ذلك وعلى سنن ذلك اختلاف المواطن يكون الشيء جوهرا في موطن عرضا في موطن آخر حيوانا في المثال جمادا في الشهادة سعيدا في وجود شقيا في وجود قديما في ظرف حادثا في ظرف في حين واحد أو أحيان شتى واحدا بحسب ظرف وله أعيان وصور كثيرة في ظرف آخر ولا شك أن أحكام أحد الوجهين تباين أحكام الوجه الآخر فمتى اعتنى أحد الناظرين بوجه والآخر بآخر لأجل مسلك سلكه أو لالتباس وقع له اختلفت الأخبار باختلاف الإحاطة والاقتصار وقام تنازع الحكومات على ساقه فعلى المستبصر أن ينتبه لها ويفتش عنها.
نكتة: من أسباب نسبة الاختلاف إلى المحققين اختلاف التعبيرات فقد يحصل في الذهن هيئة واحدة إجمالية فيختلفون في تسميتها بحسب اللغات والاصطلاحات المتعارفة عندهم وفي شرحها بحسب المعاني المهمة لهم والخوض والاقتصار منهم وفي تصورها بعبارات مختلفة قربا وبعدا على قدر بلاغتهم وقد يعبرون عن الشيء الواحد مرة بصورة انطباعه في المدركة أو نيل المدركة لأمثاله فيقال مثلا: صارت الشمس تحت السحاب وهي فوقه ومرة بما ناله من غير انحراف وتفتيش عن الحقيقة كما يعبر عن الرؤيا قبل تأويلها ومرة بعد التجريد للحقيقة عن ملابسها وغواشيها ومرة من حيث تعيينه في