الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليمية وهي: التقسيم والتحليل والتحديد والبرهان. وللكتب شروح وحواش يسهل فهمها بأعمالها ومنها المعدات القريبة فيبين مرتبة العلم لتأخر عما يجب وتقدم على ما يجب وكذلك مرتبة الكتاب وبيان الكتب التي منها مأخذ الكتاب والعلوم التي يحصل منها استعداد العلم المطلوب. فهذا وجه لضبطها. وسائر المصنفين يكتفون ببعضها لما مر ولأن منها ما يكفي مؤنة غيرها ولكن توسعة للأمر قد يحث على استيفائها والعلم عند الله تعالى انتهى كلامه رحمه الله.
الترشيح الخامس: في التحصيل
قال الشيخ العلامة رفيع الدين الدهلوي1 في التكميل: غلب في تحصيل المجهولات التعلم على التفكر ولم يكن له قانون فدون والدي العارف الواصل والنحرير الكامل الشيخ ولي الله ابن الشيخ عبد الرحيم العمري لمزاولة الكتب تعليما ضوابط فأضفت إليه ما وفقني الله سبحانه وهي هذه: فتح فن التحصيل موضوعه العلوم المدونة من حيث تستفاد وتفاد. وغايته الخوض فيها على بصيرة والنجاة عن سوء الفهم لقاصدها وتمييز لبابها عن ذبابها وكسب الاقتدار والمهارة فيها وتفريق كامل الكتاب والمعلم من نقاصهما فليرسم بأحدهما وتكمل الناس في العلوم بدونه لا ينفي فائدته كمجتهدي الأمة وأساطين الحكمة ومدققي الهنود والإفرنج من المنطق ونظره في خمسة فإن التعلم بالتقرير ممن ينكر عليه مناظرة وممن يذعن له تدريس2 وتتلمذ3 وبالتحرير تصنيف4 ومطالعة5 بسط المناظرة: توجه الخصمين في مطلب لإظهار الحق والتعرض للبيان أو المبين الحجة أو المعرف فمن الأول:
1 -
حل المصطلح والمغلق
2 -
تعيين المحذوف والمرجع والمحتمل لاشتراك وتجوز وتخصيص وتقييد
3 -
دفع الإخلال لتعقيد وتبادر خلاف
4 -
دفع الاستدراك
5 -
سبب العدول عن ظاهر ومشهور
6 -
تنبيه عن الإضرار بزيادة وتركها
7 -
وعلى تعارض الكلامين صريحا أو التزاما
8 -
وعلى تداخل الشقوق والأقسام
9 -
طلب حكم مسكوت عنه منها
1 سبق التعريف به في ص113.
2 في هامش الأصل: "أي من المعلم".
3 في هامش الأصل: "أي من المتعلم".
4 في هامش الأصل: "من المعلم".
5 هامش الأصل: "من الناظر المتعلم".
10 -
خلو المدعى عن الفائدة
11 -
استثبات الدعاوي خفية
12 -
وظاهرا
ويجاب بالبيان
1 -
2 - إفهام القرينة
3 -
وفائدة اللفظ
4 -
والترجيح
5 -
ودفع المضر
6 -
والتوفيق
7 -
والتمييز ولو في الجملة أو بالحقائق دون المصداق
8 -
والدرج
9 -
ووجه النفع
10 -
والاطلاع
11 -
12 - أو يصلح في الكل ثم الاستدلال أو النقل
من الثاني:
1 -
تحقيق المذهب
2 -
تصحيح النقل
3 -
عدم الاعتداد به
4 -
تغيير معناه
5 -
منع المقدمات كلا أو بعضا كالصغرى والكبرى والملازمة والتنافي والوضع والرفع.
6 -
السند إن ادعى البديهة فالمساوي يفيدهما نفيا وإثباتا والأخص المعترض إثباتا والأعم المستدل نفيا.
7 -
فساد التأليف لفقد شرطه وعدم تكرر وسط ونفي حصر ويرددان على الشقين كثيراً.
8 -
مناسبة الأوسط لضد الأكبر والمقدم لضد التالي.
9 -
النقض بالتخلف عن المدعى
10 -
وباستلزامه محالا
11 -
المصادرة على المطلوب جزئية
12 -
وتوقفا ولو باختلاف اللفظ
13 -
القول بالموجب لعمومه أي الدليل عن الدعوى
14 -
لقصور عنها لخصوصه
15 -
المعارضة عليها
16 -
وعلى مقدماتها
17 -
إبطال المبني وهو غير القدح في دليله وذلك في المقدمات القريبة وأنفع منه لهدمه أساسا ولكن في طرفي المناظرة لئلا يشوش بالانتقال
18 -
تساوي الدليل والدعوى قبولا وردا للاشتراك في أصل
19 -
استثبات التفاريع عليها بعد الاعتراف تقديرا
20 -
مخالفة النص أو إمام الفن
ويجاب:
1 -
بالإعلام
2 -
والعرض
3 -
والتوثيق
4 -
والترجيح بقرب وشهادة حاذق
5 -
والاستدلال
6 -
و 7 - التطبيق على القواعد
8 -
ونفي المناسبة
9 -
والفرق بين الصورتين
10 -
و 11 - المتقدمتين
12 -
وإبداء وسط يرفع التوقف
13 -
وتوجيه التقريب
14 -
و 15 - تبديل المنصب
16 -
و 17 - أييد المبني بعد تحريره
18 -
وقطع التفريع
19 -
وتصحيح الفروع برفع الاستبعاد أو الإنكار
20 -
والتأويل راجحا والجرح مرجوحا أو مرجوعا عنه لإعمال غيره وعند العجز الانتقال أو الإذعان
والثالث أي المعرف لا يحتمل النقض والمعارضة
ومنوع الأحكام الضمنية دعاوي يجب إثباتها:
1 -
كالدور مصرحا ومضمرا
2 -
فمنها للحمل
3 -
والتصوري للبديهة والسور
4 -
والجلاء مطلقا
5 -
والمنع
6 -
والجمع وافيا
7 -
والتناول
8 -
والاندراج للإطباق
9 -
ووجه الشبه بالمبائن قاصرا
10 -
والذاتية حدا لفقد أحكامها
وكله في الخفاء وبعد الظهور مجادلة لا يسامح فيها وقلما يلتزم إثبات شيء
التدريس: تفهيم الكتاب باللسان وطريقه للقاصر1 الترجمة فقط فيتبلد الذهنان. وللفالي2 ذكر ما أمكن حفظا ومراجعة فيعسر اليسير بالتعجيل ويطول زمان التحصيل وللمستعجل الاكتفاء بصدور الكتب بالدقة فيحوج إلى شغل ثان للاستيفاء والاقتصار على العد في العلماء وللحاذق من كل علم مبسوط وفي البداية تعليم متن سهل لمعرفة الاصطلاحات وأصول القواعد وشرح مستوف لفوائد القيود والأدلة والأبحاث والاختلافات المشهورة وحاشية لملكة التدقيق جرحا وتعديلا وترجيحا والاعتياد بوصل الخارج وجمع المنتشر فإن احتيج زيد.
ومن المختصر ما يكفي 3 وضوابطه:
1 -
ضبط المشكل بنوع الحركة والسكون والإعجام والإهمال والتقديم والتأخير
2 -
شرح الغريب لغة واصطلاحا
3 -
كشف المغلق صيغة وتركيبا
4 -
تصوير المسألة بتمثيل4 وتشكيل5
5 -
تقريب الأدلة بتصريح المطويات والوصل بالأصل
6 -
تحقيق القواعد بفوائد القيود وسد الانكسار بلا فضول ولا إغلاق
7 -
تنقيح التعريفات بهما وبالاستنباط المشترك والمميز من التقسيمات
8 -
وجه الحصر والترتيب في الأقسام والأبواب
9 -
تفريق الملتبسين من التوجيهات والتعليلات والأقوال
10 -
تطبيق المختلفين من كلامي واحد ومتحدي مذهب
11 -
التنبيه على الاستثناءات والإيرادات الظاهرة الورود ودفعها
12 -
تفتيش الحوالة عن محلها
13 -
بيان المبهم من وجوه النظر والأولى والصواب والسؤال المقدر
14 -
الترجيح بين التوجيهات وإبداء الأسلم والأقرب منها وما علي كل
1 في الهامش: "أي المدرس القاصر".
2 الفالي: العاقل بعد جهل، يريد: من بلغ درجة التعقل والفهم.
3 بإزائها في الهامش: "أي المدراس القاصر".
4 في هامش الأصل: "في القواعد".
5 في هامش الأصل: "فيما يتعلق بالشكل كالهندسة والهيئة وغيرهما".
15 -
سبب تغيير الأسلوب المعروف
16 -
تعيين السؤال والجواب بنوعه ومنشئه ومورده
17 -
حسن التقرير بإيضاح موجز
18 -
الترجمة بلغة الطالبين
19 -
إعمال فكره في حل ما يمكن منه
20 -
حفظ اللسان عن سوء الخلق
21 -
حفظ وضع المعترض والمجيب
22 -
تلخيص المتشتت
23 -
توزيع الفروع والعلل على ملفوف1 أو ملحوظ2
24 -
التيقظ عند ترتيب الأسئلة والأجوبة لأصل الإثبات والنفي
25 -
الحذر عما يوجب سوء الفهم ويستوي فيه المنقول والمعقول البرهاني والخطابي إلا أن الاعتبار في الأول بتحقيق العبارات والربط أكثر وفي الثاني بالوصل إلى البديهيات أصولا والمسلمات فروعا وفي الثالث بالمناسبات الظنية.
فلا يزال ينبه عليها بما يتحمل حتى يتخذه ملكه بفكره ثم يعرض مطالعته على مطالعته وعلى الحواشي ويفهمه الغلط والحذر عنه ثم يمتحنه بتصنيف شرح أو حاشية يؤدي3 فيه حقه ويستحق الوثوق برأيه.
التتلمذ: فهم الكتاب بالاستماع وبعد4 الصحة والمعاش ولو بالقناعة والشوق والجد ولو بالتحريص والفهم والحفظ ولو بالجهد والمداومة وحسن الظن مع الأستاذ ولو في الفن والكتاب الواضح الصحيح والأستاذ الماهر الشفيق ولو بالطمع - حقه:
1 -
صحة القراءة
2 -
وتمييز الجمل
3 -
والاستماع بتفريغ القلب
4 -
والتثبت في الفهم
5 -
واستكشاف ما خفي
6 -
وعرض الشبهة بالأدب
7 -
وجمع سابق البحث ولاحقه في الذهن
8 -
وتقدم النظر ليكون أوقع وعلى بصيرة وفي البداية بحضور المعلم أنفع
1 في الهامش: "في اللف والنشر".
2 في الهامش: "أي مقدر في الذهن غير مذكور".
3 في الهامش: "أي المدرس".
4 في الهامش: "ظرف متعلق بالمبتدا الذي يأتي وهو قوله: حقه".
9 -
والمعاودة ليستقر وبالتقرير أجود
10 -
والتحفظ للإحضار حيث ينبغي ومع الكتابة أحسن
11 -
والامتثال لما يراه أصلح
12 -
والاجتناب عما ينقبض به الخاطر
13 -
وعن التعرض لبعيد المناسبة
14 -
وعن الضجر من الحوالة فيما تعسر جدا فإنه:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
…
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
15 -
ولطالب التحقيق سلخ الألفاظ المتخيلة عن صورة للشيء يطابقها جميع صفاته ويلائمها جميع فروعه المتفقة عليها.
التصنيف:
تأليف الكلام لتحريره نثرا ونظما والمراد ما في1 العلوم فما لم يتعلق بغيره صريحا فمتن أو تعلق متصلا فشرح مدمج أو مفصولا ب قال أقول ونحوها أو على الطفرة فتعليق وحاشية ومن كل وجيز ووسيط وبسيط وله أغراض سياقه بحسبها.
1 -
اختراع جديد2
2 -
ضبط قديم
3 -
ترويج خامل
4 -
جمع متفرق
5 -
تجريد عن زائد أو فاسد لفظا أو معنى
6 -
تتميم بلاحق كاستثناءات وقيود وأمثلة وأدلة ومسائل ومآخذ
7 -
إبانة حق بدءا أو نصرا أو ذبا
8 -
إزاحة باطل بكشف شبهة أو ضلالة
9 -
اشتراك في تفرد
10 -
إصلاح ترتيب
11 -
تسهيل مغلق بحل أو بسط
12 -
انتزاع أصل من منتشر
13 -
تفريع شعب لمجمل
14 -
تحقيق مقام أو كتاب أو فن بجمع ماله وعليه
15 -
تبديل نثر بنظم
1 في هامش الأصل: "أي الكلام الذي في العلوم".
2 في هامش الأصل: "أي الأول من الأغراض".
16 -
ولغة بلغة أخرى ودون له والدي - رحمه الله تعالى - قوانين الترجمة.
17 -
وتتركب كثيرا1.
فبعد إتقان اللغة والفن وسليقة الإيجاز والإطناب يستعان فيه بما مر ففي الشروح والحواشي الحل بضوابط التدريس وفي إعانة الحق بالمنطق وفي الرد بأسئلة المناظرة وفي التوجيه بأجوبتها مع النحو والبلاغة والأصول وفي بعض بسليقة البيان وفي طائفة بالتتبع والتبحر وأمثالها مع مزيد التحفظ في النقل والنقد وحسن التقرير إيجاز أو بسطا بحسب المحل وحفظ الوضع من المذهب والمنصب فإن من صنف استهدف. ويكون لخصوص الكتاب من المقدمات مثل ما في مقدمة العلم مع الزمان والمكان والرموز فليجمعها في واحدة أو ليقدم في الديباجة على مقدمة العلم.
المطالعة: النظر في الكتاب بفهم المراد والخلل وبعد اقتناء اللغة والاصطلاح وملكة الترجمة تتمم بأنظار ثلاثة تداخلت أو تعاقبت:
الأول: للإحاطة بالمعاني الثانوية وتمييز المذكور عن المتروك وبعض الجمل عن بعض والطرفين عن القيود.
والثاني: لمعرفة فوائدها والمعاني الأولية وجديد التصرف وربط الأدلة والأبحاث فيما بينها استقامة واعوجاجا بما في التدريس.
والثالث: للنقد بالهدم والتشييد والنقد والترصيف ويفهم المعنى:
1 -
بعبارة الكلام من لفظه بلا شبهة قصداً.
2 -
وإشارته كذلك ضمنا.
3 -
وعمومه لبيان الفردية.
4 -
والإدراج فيه لمبينها بعد خفاء لكمال أو نقص أو ثبوت الركن وفقد اللوازم العرفية ونحوها.
5 -
وتقديره لمحذوف يشهد له العرف بلا روية.
6 -
وإيمائه لترجيح أحد محتمليه بقاطع أو ظني كشهادة كلام ثان له أو عدم اجتماع الأوصاف في غيره وكونه أهم المقاصد. أو أدنى مصداق أو فائدة لولاه لبطل ولغي أو قربه معنى أو مزيد نفعه أو نحوه.
7 -
وإشعار من سياقه كالتقديم والتأخير والعدول وجواب الوهم والانطباق والحذف حيث يذكر والإدارة على الوصف والتعقيب بأن في التنزيل شبهها.
8 -
ومقامه كالتيسير والتشديد والفخامة والحقارة والتدقيق والمسامحة والاهتمام والتبعية.
9 -
وتجوزه لتعذر الحقيقة وقيام القرينة.
10 -
وكنايته لعدم وفاء الصريح بالغرض وإن صح.
11 -
وتعارفه من زيادة لفظ وبيانية إضافة والتكثير بالواحد والاعتبار لتكرار وعزمه وتعمم خاص وعكسه وإخراج المتكلم من الكلام.
1 في هامش الأصل: "أي الأغراض في كثير من الأوقات".
12 -
وبالتزامه بالالتفات إلى ما لا ينفك ذهنا لعلاقة ذاتية كالملكة لعدمها وأحد المتضايفين للآخر أو عادة طبعية كالنور للكواكب والحرارة للنار أو عرفية كالسخاوة لحاتم والشجاعة لرستم1.
13 -
ومنافاته لوجوب ارتفاع مقابلة.
14 -
واقتضائه لما يتوقف عليه صدقة عقلا أو شرعا أو عادة2 وهما بينان بالمعنى الأعم.
15 -
واستلزامه لما يترتب عليه ولا يعرف إلا بممارسة وفكر من غير البين.
16 -
وفحواه فيما عليته مناطة وحصوله في الفرع بالعرف واللغة.
17 -
والقياس عليه في مثله بالنظر.
18 -
واعتباره لاجتماع مباد في الذهن أورثت بسماعه3 ما لا ينقدح لغيره.
19 -
ومفهومه المخالف بشروطه حيث يتعين فائدة.
20 -
وتأليفه اقترانيا من مقدمتين في أثنائه مشتركتين في جزء واستئناثيا من شرطية أو فرع لأصل مع اعتراف أو إنكار لأحد طرفيها
21 -
والاقتصار عليه عن الأبين والأرفق في معرض البيان ويخل به - أي بفهم المعنى - الجهل:
1 -
بالموضوع له
2 -
والوضع
3 -
وخواص التراكيب
4 -
والمرجح
5 -
والصارف
6 -
والقرينة
7 -
ثم توجه المفاسد
8 -
والحذف
9 -
والخلط
10 -
والانتشار
فبعد سكب السليقة بالتتلمذ يستعان بالفحص عن معادنها والشروح والحواشي وكتب الفن وإمعان الفكر وأعظم نفعها في الكتاب والسنة.
هذا ما تيسر لي بفضل الله وله المنة ومن ارتقى إلى الكمال فليزد فيه ما شاء فإن العلوم تتزايد بتلاحق الأفكار والله سبحانه دائم الجود مفيض الأسرار والحمد لله انتهى. كلامه وهو الباب الثاني من كتابه على التمام والكمال.
وقال الشيخ العلامة: عليم الله بن عبد الرزاق4 في شرح رسالة المطالعة ما عبارته:
1 رستم: بطل أسطوري عند الفرس.
2 فوقها عبارة: "يعني الكلام".
3 في الهامش: "أي الكلام".
4 لم نهتد إلى التعريف به أو بكتابه.
واعلم أن المطالعة علم يعرف به مراد المحرر بتحريره وغايته الفوز بمراده حقا والسلامة عن الخطأ والتخطئة باطلا. وموضوعه المحرر من حيث هو. فإذا أردت الشروع في المطالعة وهو صرف الفكر في مبحث ليتجلى معناه فانظر وتأمل في المبحث مبتدئا من أوله منتهيا إلى آخره نظرا إجماليا لكن ينبغي أن يكون ذلك النظر على وجه ينتقش في ذهنك جملة المعنى المراد منه فإن انتقش في النظر الأول فذاك وإلا فذلك إما لخفاء في اللغة أو لغط أو لسهو أو لنسيان من النساخ بحذف أو زيادة أو قلب أو تصحيف أو لتعقيد أو لقصور فيك فراجع في الأول إلى كتب اللغة أو إلى من عنده علمها وفي الثاني والثالث والرابع إلى نسخة أصح منها وأما في الأخيرين فانظر نظرا ثانيا أو ثالثا فصاعدا حتى ينتقش المراد ثم بعد الانتقاش لاحظ الأمور التصورية من كل قضية منه أولا فأولا على الترتيب بدقة النظر في تلك الملاحظة واستبصر في كل من تلك الأمور هل يرد على واحد منها أمر من الأمور القادحة فيها أم لا والمراد بالورود ههنا التوجه الذي هو أعم منه وبعد ظهور ذلك الأمر من القوادح استبصر ثانيا هل يمكن دفع ذلك الأمر منها أم لا وبعد ظهر الدافع ثالثا هل يمكن دفع ما يدفع ذلك الدافع أم لا وهكذا إلى حيث يتوطن الذهن وآية التوطن اختبار بتثنية النظر وتثليثه فصاعدا على حسب المقام وبعد الفراغ من تلك الملاحظة لاحظ الأمور التصديقية أيضا بدقة النظر واستبصر في لك منها هل يتوجه على واحد منها شيء من الأشياء التي يقدح فيها أم لا. وبعد ظهور شيء من القوادح استبصر ثانيا هل يسوغ ويمكن التقصي عنها أم لا. وبعد ظهور التقصي عنها ثالثا هل يمكن التقصي عن ذلك التقصي أم لا. وهكذا إلى حيث يحصل التوطن وآيته ههنا آيته هناك. وبعد الفراغ عن تينك الملاحظتين لا حظ الأمور القادحة الموردة التي أوردها عليها1 مورد سواء كانت محررة في شرح أو حاشية أولا والغرض من هذه الملاحظة أن يظهر لك هل هي متوجهة كما هو في زعم المورد أم لا. فإن ظهرت غير متوجهة أصلا فلا تلتفت إليها إلا أن يكون المورد عظيم الشأن معتقد الكل أو الأكثر فهناك القصور فيك لا فيه فتوقف حينئذ واختبر نظرك بتكريره مرة بعد أخرى. ثم بالمطارحة مع الأقران ثم بالعرض على المشائخ والأستاذين فإن أزاحوا شبهتك فذاك وإلا فالتسليم والإحالة إلى وقت فتحه تعالى وإلا فاستبصر في دفعها هل هو ممكن أو لا. وبعد ظهور الدافع يمكن دفع ما يدفعه أم لا. وهكذا إلى حصول التوطن فإذا نظرت في المبحث من أوله إلى آخره على هذا الوجه المذكور فلا يخلو حالك عن أحد هذه الأمور الثلاثة:
إما أن لا تكون أنت واجدا ومصيبا لشيء من القوادح أصلا فعدم الوجدان والإصابة إما لقصور ذهنك عن إدراكه أو لعدمه لكمال من حرره في التحرير بحيث لا يتطرق إليه قدح ولا نقص أصلا أو لوقوع تحريره هذا كاملاً.
وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة القادحة المدفوعة التي دفعها الناس أو أمكن دفعها.
1 في هامش الأصل التعليق: "الضمير إما لمطلق الأمور تصورية كانت أو تصديقية أول للأخير فقط وهو الظاهر وترك التعرض لها هناك اكتفاء بها ههنا ولم يعكس مع أن الأغلب الاكتفاء بالسابق عن اللاحق لأن التصديقية مقاصد وأكثر بحثاً وايرداً بالنسبة إلى الأخرى""منه".
وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة الغير المدفوعة.
ولا قصور في شيء من هذه الأحوال التي هي في المورد الثلاثة المذكورة إلا في الحالة الأولى فإن القصور فيها محتمل كما تقدم. وإذا كانت ناشئة من القصور وظهر لك أن الحالة الأولى منشؤها قصور ذهنك عن دركه فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل استمر واثبت على ذلك فإن الممارسة لشيء والملازمة له تورث الكمال في ذلك الشيء. فإذا فرغت عن النظر في المبحث الأول بالطريقة المهدية إليها الهادية إلى الحق فانظر في المبحث الثاني من أوله إلى آخره على الوجه الذي أريناك فإن ظهر عليك أن القصور في نفسك باق بعد بأن لم تجد مدعاه أو شيئا من القوادح فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل أثبت فانظر في المبحث الثالث على ذلك الوجه وهكذا إلى أن يتم الكتاب فإن حصل لك الكمال فذلك وإلا فإعادته إلى كتاب آخر فآخر إلى أن يحصل لكل الكمال. وعد نفسك محلا قابلا لفيضان الكمالات عليها ولا تيأس من فضل الله فإنك أيها العاقل لست من الذين قد محاهم المخاطبون عن دفاترهم وفضل الله على الخلق أوسع من خواطرهم. وإذا وقع جدك وجهدك في المطالعة على هذا النهج والطريق المذكور سنة أو أكثر إلى سنتين لا أظنك أن لا تترقى بل أجزم أن تترقى في المطالعة إلى وجه تقدر على تمييز المقبول من الأحكام عن المردود منها فإذا صرت مقتدرا كامل القدرة على ذلك الطريق بحيث لا يحوم حولك قصور ولا خطأ ولا فتور فارتق إلى حيث خلقت نوعا أو شخصا له من المراتب العالية من الكمالات النفسية التي هي معرفة الله تعالى ذاتا وصفة حيث قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي ليعرفون كما فسر بعضهم.
قف: اعلم أن الشارح والمحشي إذا زاد على الأصل شيئا فالزائد لا يخلو إما أن يكون بحثا أو اعتراضا أو تفصيلا لما أجمله أو تكميلا لما نقصه وأهمله والتكميل إن كان مأخوذا من كلام سابق أو لاحق فإبراز وإلا فاعتراض فعلى الأولين إما تفسير لما أبهمه فإن كان بكلمة أي أو بالبيان أو بالعطف فتفسير باللفظ وإن كان بكلمة يعني أو ما يرادفه فتفسير بالمعنى الظاهر
وصيغ الاعتراض مشهورة ولبعضها محل يشارك فيه الآخر فيرد وما اشتق منه لما لا مدفع له بزعم المعترض ويتوجه والمشتق منه أعم منه ونحو إن قلت مما هو بصيغة المعلوم شرطا لما تحقق له الجواب مع قوة في البحث ونحو إن قيل له مع ضعف فيه وقد يقال ونحوه لما فيه ضعف شديد ونحوه لقائل لما فيه ضعف ضعيف وفيه بحث ونحوه لما فيه قوة سواء تحقق الجواب أولا وصيغة المجهول ماضيا كان أو مضارعا ولا يبعد ويمكن كلها صيغ التمريض يدل على ضعف مدخولها بحثا كان أو جوابا وأقول وقلت لما هو خاصة القائل وقد اشتهر من الأستاذين أن لا يبعد أن شرح الكافية للشيخ الأجل الكامل في الكل الشيخ عبد الرحمن الجامي1 قدس سره من خواصه. وكذا قد يقالات شرح المواقف للسيد2 سند
1 هو بدر الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد الجامي، مفسر، له مشاركة في العربية، ألف كتباً كثيرة منها شرح الكافية لابن الحاجب وسمي شرحه "الفوائد الضيائية" 817-898هـ = 1414-1492م.
2 هو السيد الشريف الجرجاني، سبقت ترجمته في ص23، وكتاب المواقف الذي شرحه السيد الجرجاني في علم الكلام هو لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى سنة 756هـ.
الكل في الكل له خاصة. واختيار صيغ التمريض تواضع منهما رفع الله تعالى قدرهما.
وإذا قيل حاصله أو محصله أو تحريره أو تنقيحه أو نحو ذلك فذاك إشارة إلى قصور في الأصل واشتماله على حشو وإيهام. وتراهم يقولون فيم قام إقامة شيء مقام آخر مرة نزل منزلته وأخرى أنيب منابه وأخرى أقيم مقامه فالأول في إقامة الأعلى مقام الأدنى والثاني بالعكس والثالث في المساواة وإذا رأيت واحدا منها مكان الآخر فهناك نكتة وإنما اختاروا في الأول التفعيل وفي الأخيرين الأفعال لأن تنزيل الأعلى مكان الأدنى يحوج إلى العلاج والتدريج.
وربما يختم البحث بنحو تأمل فهو إشارة إلى دقة المقام مرة وإلى خدشة فيه أخرى سواء كان ب فيه أو بدونها إلا في مصنفات العلامة مولانا جلال الدين الدواني1 نور الله مرقده فإنه ب فيه إشارة إلى الثاني وبدونها إلى الأول2. وهذا اصطلاح جديد له على ما نقله عنه بعض تلامذته مختص بها غير متجاوز عنها انتهى. ملخصا3.
أدب البحث: هو علم يوصل به إلى كيفية الاحتراز عن الخطأ في المناظرة. وموضوعه المناظرة إذ يبحث فيه عن أحوالها وكيفياتها وأوردنا ههنا ما هو المطلب الأعلى والاهتمام بشأنه هو المقصد الأقصى فنقول:
لا بد أن يعلم أولا أن المعلل ما دام في تقرير الأقوال والمذاهب وتحرير المباحث لا يتجه عليه ولا يطلب منه شيء سوى تصحيح النقل وتصريح أن فلانا قال كذا في كذا إن طولب به فإذا شرع في إقامة الدليل على ما ادعاه يتجه عليه طريق المناظرة.
قف: اعلم أن كلام المناظرين إما أن يقع في التعريفات أو في المسائل فإن وقع في التعريفات فللسائل طلب الشرائط وإيراد النقض4 بوجود أحدهما بدون الآخر ولا يرد عليه المنع لأنه طلب الدليل والدليل على التصديق إلا أن يدعي الخصم حكما صريحا بان يقول هذا مفهومه لغة أو عرفا أو اصطلاحا أو ضمنا. فللسائل أن يمنع وللمعلل - أي المجيب - أن يجيب والجواب عن التعريف الاسمي سهل حاصله يرجع إلى الاصطلاح وإلى أن يقول المعلل:
إن مرادي بهذا اللفظ هذا المعنى وعن التعريف الحقيقي أعني تعريف الماهيات الموجودة في الخارج صعب إذ لا مدخل فيه للاصطلاح بل يجب فيه العلم بالذاتيات بالذاتيان والعوارض والتفرقة بينهما بان يفرق بين الجنس والعرض العام والفصل والخاصة وهذا متعسر جدا في التعريف بل متعذر وكذا لا نرد عليه المناقضة فإنها هي طلب الدليل الدال على نقيض المدعي،
1 انظره فيما تقدم ص36.
2 يعني بالثاني: حاصل الكلام أو محصلة. وبالأول: الكلام الملخص.
3 في هامش الأصل تعليق: "هذه جملة كافية مغتية عما عداها من الرسائل المتداولة بين المحصلين والمتحصلين، وفيها يمكن أن يعلم جميع ما يعلم من غيرها فليتأمل فإنها نفسية ونفع محض قليلة الحجم كثيرة المعنى".
4 في الهامش: "فيه نظر لأن النقض إنما يرد على الدليل كالمنع إلا أن يكون المراد بالنقض غير معناه المتبادر" إسحاق العبدي رح".
والدليل منتف هنا وإن وقع في المسائل فإذا شرع المعلل في إقامة الدليل فالخصم إن منع مقدمة معينة من مقدماته أو كليهما على التعينين فذاك يسمى مناقضة ونقضا تفصيليا فلا يحتاج فيه إلى شاهد وإن ذكر شيئا مما يتقوى به المنع يسمى سندا فإن لم يذكره لم يجز الاعتراض عليه إلا إذا ادعى مساواته المنع لأن السند ملزوم لثبوت المنع وانتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم لكن على تقدير المساواة يمكن انتفاؤه وأكثر ما يستند إليه يذكر مساويا فلذا شاع الكلام عليه وإن منع مقدمة غير معينة بان يقول: ليس هذا الدليل بجميع مقدماته صحيحا بمعنى أن فيها خللا فذلك يسمى نقضا إجماليا ولا يسمع إلا أن يذكر الشاهد على الخلل وإن لم يمنع شيئا من المقدمات لا إجمالا ولا تفصيلا بل قابل بدليل دال على نقيض مدعاه يسمى معارضة ويصير السائل معللا وبالعكس.
واعلم أن السؤال المتعلق بالإفهام يسمى الاستفسار وهو طلب بيان معنى اللفظ في الأغلب وإنما يسمع إذا كان في اللفظ إجمال أو غرابة وكذلك كل ما يمكن فيه الاستبهام حسن فيه الاستفهام وإلا فهو لجاج وتعنت ولفائدة المناظرة مفوت إذ يأتي في كل لفظ تفسير فيتسلسل والجواب عن الاستفهام ببيان ظهوره في مقصوده إما بالنقل عن أهل اللغة أو بالعرف العام أو الخاص أو بالقرائن المضمومة وإن عجز عن ذلك كله فالتفسير بما يصح لغة وإلا يكون من جنس اللعب فيخرج عما وضعت له المناظرة وإظهار الحق وهذا الاستفهام يرد على تقرير المدعي وعلى جميع المقدمات وعلى جميع الأدلة فلا سؤال أعم منه.
تنبيه: من الواجب على المعلل أن لا يستعجل بالجواب بل يطلب منه توجيه المنع وتحقيقه إذ ربما لا يتمكن المانع توجيهه أو يظهر فساده أو يتذكر جوابه فإذا أجيب فعلى المانع أو لا يستعجل بل ويطلب توجيه الجواب وتفصيله إذ ربما لا يقدر عليه أن يكون غلطا
ومما يجب على المتناظرين أن يتكلما في كل علم بما هو حده ووظيفته فلا يتكلما في اليقيني بوظائف الظني وبالعكس.