المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة حينما عولت على كتابة تلك السيرة المشجية، - دولة الإسلام في الأندلس - جـ ٣

[محمد عبد الله عنان]

فهرس الكتاب

- ‌العصر الثالثعصرُ المرابطين والمُوَحّدينْ في المغرب والأندلس

- ‌القسْم الأولعصْر المُرابطين وبدَاية الدّولة الموحّدية

- ‌مقدمة

- ‌تمهيدالأوضاع العامة لشبه الجزيرة الأندلسية في عصر المرابطين والموحدين

- ‌الكِتاب الأولالدولة المُرابطية في أوج سُلطانها

- ‌الفصْل الأوّليوسف بن تاشفين

- ‌الفصْل الثانيأمير المسلمين علي بن يوسف وأحداث عصره

- ‌الفصل الثالِثسقوط سرقسطة

- ‌الفصل الرابعالصراع بين ألفونسو المحارب وبين المرابطين

- ‌الفصل الخامِسُالأمير تاشفين بن علي وغزواته وأعماله في شبه الجزيرة

- ‌الفصل السادِسشرق الأندلس

- ‌الكتابُ الثانيالمهْدي محمّد بن تومَرت والصِّراع بين المرابطين والموحّدين وقيام الدّولة الموحّدية بالمغرِب

- ‌الفصل الأوّلمحمد بن تومرت نشأته وظهوره

- ‌الفصل الثانيالصراع بين المرابطين والموحدين

- ‌الفصل الثالثعقيدة المهدي ابن تومرت وتعاليمه الدينية والسياسية

- ‌الفصل الرابعالصراع بين المرابطين والموحدين

- ‌الفصل الخامِسُنهاية الدولة المرابطية في المغرب

- ‌الفصل السادِسالدولة الموحدية في سبيل التوطد

- ‌الفصْل السّابعفتح المهدية وإجلاء الفرنج عن إفريقية

- ‌الكِتابُ الثالِثثورة القوى الوطنيّة بالأندلسْ وتغلّب الموحّدين على شبه الجزيرة

- ‌الفصل الأوّلالثورة في الأندلس وانهيار سلطان المرابطين

- ‌الفصل الثانيعبد المؤمن وشئون الأندلس وافتتاح إشبيلية وقرطبة وغرناطة وألمرية

- ‌الفصل الثالثالثورة في شرقي الأندلس وظهور محمد بن سعد بن مردنيش

- ‌الفصل الرابعأعوام عبد المؤمن الأخيرة وفاته وخلاله

- ‌الكتابُ الرابعنظم الدّولة المرابطيّة وخواصّ العهْد المرابطيّ

- ‌الفصل الأوّلطبيعة الحكم المرابطي وأوضاعه العسكرية والإدارية والمالية

- ‌الفصل الثانيْالحركة الفكرية الأندلسية خلال العهد المرابطي

- ‌الفصل الثالثالحركة الفكرية الأندلسية خلال العهد المرابطي

- ‌الكتابُ الخامِسالممَالك الإسْبانيّة النصْرانية خلال العصْر المُرابطي وأوائل العصْر الموحّدي

- ‌الفصْل الأوّلألفونسو المحارب وأورّاكا ملكة قشتالة وبداية عهد ألفونسو ريمونديس

- ‌الفصل الثانيالممالك الإسبانية النصرانية في عصر القيصر ألفونسو ريمونديس وقيام مملكة أراجون الكبرى

- ‌الفصل الثالثقيام مملكة البرتغال وبداية عصر ملكها ألفونسو هنريكيز

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة حينما عولت على كتابة تلك السيرة المشجية،

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

حينما عولت على كتابة تلك السيرة المشجية، الحافلة بالعبر - تاريخ الأندلس - لم يكن يجول بخاطري، أن المهمة تقتضي حياة بأسرها، وأن الأعوام سوف تمر تباعاً، دون أن تصل إلى غايتها. وقد مضى الآن مذ أصدرت القسم الأول من " دولة الإسلام في الأندلس " في سنة 1942، عشرون عاماً، كرست خلالها، معظم أوقاتي وجهودي، لإتمام هذه المهمة. ومنذ اثنتي عشر عاماً، وأنا دائب التردد على اسبانيا والمغرب، أنقب باستمرار في مكتباتهما، ودور محفوظاتهما، عن كل ما يتعلق بهذه السيرة من مصادر، ووثائق مخطوطة، وغير مخطوطة. عربية أو قشتالية، حتى أضحت هذه المهمة، مهمة حياتي، لا أدخر في تحقيقها وسيلة ولا جهداً.

وقد استطعت خلال هذه الحقبة الطويلة، أن أكتب تاريخ الأندلس منذ الفتح إلى نهاية دول الطوائف، في ثلاثة مجلدات، وأن أكتب في نفس الوقت تاريخ المرحلة الأخيرة من دولة الإسلام في الأندلس، أعني تاريخ مملكة غرناطة حتى سقوطها، ثم تاريخ الأمة الأندلسية المغلوبة واستشهادها المؤسي، ومحنتها الأخيرة، بإخراج بقاياها المتنصرة من أوطانها القديمة، وذلك في مجلد كبير، هو " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين ".

وكانت الثغرة التي بقيت بين نهاية عهد الطوائف، وقيام مملكة غرناطة، وهي عصر المرابطين والموحدين، وهي ثغرة تستغرق من الزمن نحو مائة وخمسين عاماً - كانت تروعني دائماً بطول مداها، وتشعب آفاقها، وخصوصاً بالمغرب.

ولكن، كان لابد لإتمام المهمة التي كرست لها بقية حياتي، وهي تسطير تاريخ الأندلس منذ الفتح إلى النهاية، أن أقتحم هذا الميدان الوعر، وأن أعكف على كتابة تاريخ هذا العصر، بالرغم من كل ما يكتنفه من صعاب وغموض، حتى تجبر

ص: 3

الثغرة، وتتصل المراحل، ويغدو تاريخ الأندلس، والأمة الأندلسية، كله، وقد استكملت حلقاته، منذ بدايته إلى نهايته.

وانه ليملأ نفسي اليوم غبطة، أنني قد استطعت بعون الله، أن أتمم هذه المهمة، وأن أكتب تاريخ عصر المرابطين والموحدين، في المغرب والأندلس، بعد أعوام من العمل الشاق، والجهد المتواصل، والتنقيب المستمر، في مكاتب مدريد، والإسكوريال، والرباط، وفاس، والقاهرة، ولندن، وأكسفورد، والفاتيكان. وقد حرصت فضلا عن تقصي المصادر والوثائق، على دراسة المواطن الجغرافية والاستراتيجية دراسة عملية، فزرت بالمغرب سائر عواصمه التاريخية، وزرت منطقة جبال الأطلس ومدينة تينملّل، مكة المهدي ابن تومرت، ودرست طريق مسير الجيوش المرابطية والموحدية، إلى شبه الجزيرة الإسبانية، وزرت مواقع العبور إليها من جانبي المضيق. وأما بالأندلس فإني لم أترك قاعدة أو مدينة أندلسية قديمة حتى زرتها، ودرست معالمها القديمة، وآثارها الأندلسية الباقية.

وقد حرصت بنوع خاص على أن أدرس مواقع المعارك العظيمة، التي نشبت يين الموحدين وبين اسبانيا النصرانية، في شنترين، وفي شلب، ثم الأرك، وفي العقاب. وقد قضيت عدة أيام في دراسة مواقع هاتين المعركتين العظيمتين الحاسمتين - الأرك والعقاب - وقمت لذلك برحلة خاصة، طفت فيها بسهل الأرك، ومواقع قلعة رباح القديمة. ثم قصدت إلى جبال سييرّا مورينا التي تفصل بين الأندلس وبين قشتالة، وصعدت إلى آكامها، وتجولت في هضابها، وطفت بسائر الأماكن التي وقعت فيها معركة العقاب، من وعر ومن سهل، وهي المعركة التي سحقت فيها الجيوش الموحِّدية، وانتهت بانحلال سلطان الموحدين، وانحلال الأندلس، ثم سقوط سائر قواعدها العظيمة، فيما لا يزيد عن ثلاثين عاماً. وكانت هذه الدراسات الجغرافية، والطبوغرافية، تمدني بكثير من أسباب الإيضاح والإدراك لظروف هذه االمواقع، والنتائج التي انتهت إليها، وتعاون على الدقة في وصف مراحلها وتطوراتها.

وثمة مسألة أخرى جديرة بالتنويه، وهي أن كتابة تاريخ عصر المرابطين والموحدين، تعتبر قبل كل شىء تسطيراً لتاريخ المغرب، ولا يشغل فيه تاريخ الأندلس سوى حيز يسير، فقد كانت الأندلس أو شبه الجزيرة الأندلسية، في هذا العصر الذي استطال زهاء قرن ونصف، ولاية مغربية، داخل الإمبراطورية

ص: 4

المغربية الكبرى، المرابطية، ثم الموحدية. بيد أن حكم المرابطين، ثم الموحدين لولاية الأندلس، والظروف العسكرية، والإدارية، والاجتماعية، التي أحاطت بحكم كل من هاتين الدولتين العظيمتين للأمة الأندلسية، لا يمكن أن تفهم إلا على ضوء التفاصيل الكاملة لحكم كل منهما للامبراطورية المغربية الكبرى. ومن ثم فقد كان لزاماً عليّ أن أكتب تاريخ عصر المرابطين والموحدين بالمغرب كاملا، بالرغم مما يحيق بهذه المهمة من صعاب لا نهاية لها، سواء من الناحية الجغرافية أو القبلية، أو ناحية الاستيعاب التاريخي. وإني لأرجو أن أكون قد وفقت إلى بعض ما طمحت إليه، من عرض تاريخ هذه الفترة الهامة من تاريخ الإمبراطورية المغربية الكبرى، في صورته الحقيقية الكاملة.

هذا مع العلم بأني قد استعرضت في كتابي " دول الطوائف "، وهو الذي يتناول العصر الثاني من كتاب " دولة الإسلام في الأندلس " نشأة المرابطين، وفتوحهم في المغرب، وقيام الدولة المرابطية الكبرى، على يد عاهلها العظيم يوسف بن تاشفين، ثم عبور المرابطين إلى الأندلس، لإنجاد أمراء الطوائف في موقعة الزلاّقة، وما تلا ذلك من فتح المرابطين لدول الطوائف، واستيلائهم على شبه الجزيرة الأندلسية، ومن ثم فإني لم أجد موضعاً لتكرار ما سبق أن كتبت في هذا الشأن. ولهذا فقد بدأت كتابي هذا، بالتحدث عن خاتمة عهد يوسف بن تاشفين.

وقد رأيت أن أستعرض في فصل خاص، أهم المصادر المخطوطة وغير المخطوطة، التي كانت قبل غيرها، عمادي في البحث والدرس. ومن المحقق أن هذه المصادر، بالرغم مما تقدمه إلينا أحياناً من مواد أصيلة ومعاصرة، لا شك في أهميتها ونفاستها، لا تقدم إلينا سوى القليل، ولا تعالج إلا بعض نواحي المسائل الكبرى، التي يعرضها لنا تاريخ الدولتين المرابطية والموحدية، بيد أنها من جهة أخرى تلقى أضواء كثيرة على النواحي السياسية والإدارية لحكم المرابطين والموحدين، ولاسيما لشبه جزيرة الأندلس، فقد كانت لكل من الدولتين في حكم الأندلس، أوضاع ومبادىء خاصة.

وأود أن أشير هنا إلى أني قد جريت في كتابة تاريخ عصر المرابطين،

والموحدين، وهو العصر الثالث من كتاب " دولة الإسلام في الأندلس " - على نفس الأسلوب الذي جريت عليه في كتابة العصرين الأول والثاني، ثم الرابع

ص: 5

(نهاية الأندلس)، وحرصت على أن أستعرض نظم الحكم والأوضاع السياسية والدينية، لكل من الدولتين، المرابطية والموحدية، وسير الحركة الفكرية الأندلسية، والأحوال الاجتماعية في ظل كل منهما، وذلك بقدر ما تمدنا به المصادر والوثائق التي بين أيدينا. كما خصصت لتاريخ اسبانيا النصرانية مكانها المعتاد، وفقاً لما جريت عليه في العصور الأخرى.

وكذلك عنيت عناية خاصة بتزويد الكتاب بالخرائط التاريخية، والرسوم الطبوغرافية، التي تبين مواقع المعارك الكبرى، وقد زرتها بنفسي كما تقدم، وأرجو أن يكون في ذلك ما يسهل مهمة القارىء والباحث، في فهم أوضاع هذه المعارك وظروفها وتطوراتها.

وقد ألحقت بنهاية الكتاب طائفة من الوثائق الهامة المرابطية والموحدية، والوثائق الأخرى التي رجعت إليها، ومنها ما لا يزال مخطوطاً لم ينشر بعد، وذلك تسهيلا لمهمة الباحثين في هذا الميدان، في التزود بمعلومات أوفى عن الموضوعات التي تتناولها.

وإنه لا يسعني في الختام، إلا أن أقدم جزيل الشكر والعرفان لسائر الهيئات العلمية والمكتبية، التي ساهمت في تسهيل مهمتي، في البحث والمراجعة، والتصوير والنقل، وفي مقدمتها معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، ومكتبة الإسكوريال، ومكتبة مدريد الوطنية، وخزانة الرباط، وخزانة جامع القرويين بفاس، وقسم المخطوطات بالمتحف البريطاني، والمكتبة البودلية بأكسفورد، ودار الكتب المصرية، فقد كان لي من ذخائر هذه الهيئات، والمكتبات الجليلة، خير منهل، وخير معين لي، في تأليف هذا الكتاب.

القاهرة في رجب سنة 1383

الموافق مارس سنة 1963

محمد عبد الله عنان

ص: 6

بيان عن المصادر

كان عصر المرابطين والموحدين، من حيث المصادر والوثائق، من أشق مراحل هذه السلسلة من تاريخ المغرب والأندلس، التي نضطلع بكتابتها منذ أعوام طويلة، وذلك نظراً لاستطالة مداه، وتشعب نواحيه، وكثرة ثغراته الغامضة. وقد بذلنا خلال الأعوام التي قضيناها في كتابة تاريخ هذا العصر، جهوداً مضنية، في استيعاب مصادره، وتقصي الوثائق التي تكشف عن أحداثه وخواصه، وقمنا في هذا السبيل بعدة رحلات إلى اسبانيا والمغرب وانجلترا.

وقد رأينا أن نستعرض في هذا البيان الموجز، أهم المصادر والوثائق المخطوطة والمنشورة، التي كانت عمادنا في كتابة هذا التاريخ، وسوف نعود في نهاية الكتاب، فنخص المصادر بثبت عام شامل، يضمها جميعاً من مخطوط ومنشور، ومن عربية، ولاتينية وقشتالية، وغيرها.

كتاب " المن بالإمامة "

نستطيع أن نقول إن هذا الكتاب، أو بالحري القسم الذي وصلنا منه، هو أهم مصادرنا المخطوطة عن المرحلة الأولى من تاريخ الدولة الموحدية. واسمه الكامل هو حسبما جاء في الصفحة الأولى، من المخطوط الوحيد الذي انتهى إلينا، " كتاب تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين، بأن جعلهم الله أئمة، وجعلهم الوارثين، وظهور الإمام أمير الموحدين على الملثمين، وفي مساق ذلك خلافة الإمام الخليفة أمير المؤمنين [وأحد] الخلفاء الراشدين ". وأما مؤلفه، فقد ورد اسمه في صفحة العنوان على النحو الآتي:" أنهى تأليفه، وأبدع تحبيره وتصنيفه، عبد الملك ابن محمد بن صاحب الصلاة الباجي رحمه الله ". ويحفظ هذا المخطوط بمكتبة جامعة أكسفورد المسماة " بالمكتبة البودلية " Bodleian Library ، وهو مسجل في فهرس المخطوطات الشرقية بها، المنشور باللاتينية في سنة 1787 في صفحة 167، برقم DCCLVIII (1758)، فهو بذلك من أقدم مخطوطاتها الشرقية.

وهذا المخطوط عبارة عن مجلد ضخم، يقع في 194 لوحة مزدوجة، أعني

ص: 7

في 388 صفحة كبيرة الحجم (نحو 30 في 20 سم) في كل منها 19 سطراً، وفي كل سطر نحو تسع كلمات، ومكتوب بخط أندلسي كبير واضح، وهو سليم جيد الحفظ، ما عدا ورقته الأولى فهي قديمة باهتة، ومجلد بجلد متين. وليس في بداية المخطوط أو نهايته ما يدل على تاريخ كتابته، ولكن يبدو من كتابته وحالته، أنه ربما يرجع إلى القرن الثامن أو التاسع الهجري (الرابع عشر أو الخامس عشر).

ولا يضم هذا المخطوط من كتاب " المن بالإمامة " سوى " السفر الثاني " وذلك حسبما سجل في صفحة العنوان، وحسبما ورد في ختام المخطوط على النحو الآتي:" كمل السفر الثاني من كتاب تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين بأن جعلهم الله أئمة وجعلهم الوارثين وصلى الله على محمد وآله، يتلوه الثالث بحول الله سنة تسع وستين وخمسماية، خبر وصول العلج الطاغية ".

ويبدو من عنوان الكتاب الذي تقدم ذكره، أن السفر الأول منه، يتضمن تاريخ قيام الموحدين، وظفرهم بالتغلب على المرابطين، وتاريخ أول خلفاء الموحدين عبد المؤمن بن علي، وهذا السفر الأول من الكتاب لم يصل إلينا، كما لم يصل إلينا سفره الثالث الذي أشير إليه في ختام المخطوط. وأما السفر الثاني وهو الوحيد الذي انتهى إلينا، فيبدأ بحوادث سنة 554 هـ، وينتهي بحوادث سنة 568 هـ، وهي فترة قصيرة من الناحية الزمنية، ولكنها حافلة بالحوادث الهامة، التي يعرضها لنا ابن صاحب الصلاة، وقد كان شاهد عيان لكثير منها، في تفصيل شاف؛ على أن الأحداث التاريخية ليست أهم ما يتضمنه كتاب " المن بالإمامة ". ذلك أن أهم وأنفس ما يتضمنه الكتاب، هو تلك المجموعة من الرسائل والوثائق الموحدية الصادرة عن الخلفاء والأمراء الموحدين، التي ينقلها إلينا ابن صاحب الصلاة، وتلك التفاصيل الدقيقة التي يقدمها إلينا عن نظم الحكم الموحدية، وعن الشئون الإدارية والمالية، وهذه الوثائق والتفاصيل تلقي أكبر ضوء على خواص الحكم الموحدي، والدولة الموحدية.

وبالرغم من أن السفر الثاني الذي انتهى إلينا من كتاب " المن بالإمامة " ينتهي كما تقدم بحوادث سنة 568 هـ، وبالرغم من أن البحث لم يظفر حتى يومنا، بالحصول على نص السفر الثالث من الكتاب، فإنا نستطيع مع ذلك أن نعثر بكثير من النبذ والشذور التي يتضمنها هذا السفر المفقود من الكتاب، وقد نقلها إلينا مؤرخ متأخر هو ابن عذارى المراكشي في كتابه الجامع " البيان المغرب "

ص: 8

الذي سوف نتحدث عنه فيما بعد، وهذه الشذور تمتد حتى معركة الأرك في سنة 591 هـ، وحتى وفاة الخليفة يعقوب المنصور في سنة 595 هـ.

ولابن صاحب الصلاة في عرض الحوادث والشئون أسلوب خاص، جزل نوعاً، وإن كان يلجأ أحياناً إلى السجع الركيك، والتنميق المتكلف، وهو يبدو سواء بأسلوبه، أو طريقة عرضه للحوادث، وتقديمه الأشخاص، مؤرخ بلاط أثير، يحرص كل الحرص على الإشادة بسادته وبأعمالهم، يغمرهم خلال حديثه بالألقاب الفخمة، والدعوات الرنانة، ولا يفوته كلما ذكر اسم الموحدين أن يقرنه بقوله " أعزهم الله "، ثم هو يلجأ أحياناً في وصف الخلفاء والأمراء إلى عبارات من المديح المسجع والملق المغرق. بيد أنه مع ذلك لا يحجم في بعض الأحيان، عن النقد، والتنديد بأعمال وتصرفات يراها جديرة بذلك (1).

وقد كان مؤلف كتاب " المن بالإمامة " من أدباء عصره وكتابه. وهو عبد الملك بن محمد بن أحمد بن محمد بن ابراهيم الباجي، ويكنى أبا مروان وأبا محمد، ويعرف بابن صاحب الصلاة وبصاحب التاريخ (2). وهو كما يبدو من اسمه أندلسي من أهل باجة. وفد على إشبيلية مذ نزل بها الموحدون، واتخذوها عاصمة لولاية الأندلس، واتصل بالبلاط الموحدي منذ البداية، وخدم فيه كاتباً وشاعراً، وكان ضمن الوفود التي لقيت الخليفة عبد المؤمن حين زيارته لجبل طارق في سنة 555 هـ (1160 م). وقد عنى، وهو من أهل باجة، وهي المنطقة التي قامت بها ثورة ابن قسيّ وأنصاره المريدين، بأن يؤلف كتاباً عن " ثورة المريدين "، وهوكتاب يشير إليه في غير موضع من " المن بالإمامة " ولكنه لم يصل إلينا. وقد وصفه ابن عبد الملك في " الذيل والتكملة " بقوله:" وكان أديباً محسناً، عنى بحفظ التواريخ وتقييدها، وصنف " تاريخ ثورة المريدين بالأندلس " و" دولة بني عبد المؤمن، ومن أدرك بحياته من بنيه " (3)، ومن الواضح أنه يعني بذلك كتاب " المن بالإمامة ". ولم يقدم لنا أحد ممن تعرض

(1) مثال ذلك ما ورد في حديثه عن غزوة وبذة التي قام بها الخليفة أبو يعقوب يوسف، ثم عن غزوة شنترين التي انتهت بمصرع الخليفة المذكور (ص 97 و 134 و 135 من القسم الثالث من البيان المغرب).

(2)

كتاب التكملة لابن الأبار (المكتبة الأندلسية) رقم 1726.

(3)

كتاب " الذيل والتكملة " لابن عبد الملك المراكشي، الجزء الرابع من مخطوط المكتبة الوطنية بباريس.

ص: 9

لترجمة ابن صاحب الصلاة، تاريخ مولده أو وفاته. وقد ذكر المستشرق الإسباني بونس بويجس في معجمه نقلا عن المستشرق أماري أنه توفي سنة 578 هـ (1182 م)(1)، وتابعه في ذلك الأستاذ بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (2)، وهو تاريخ خاطىء، لا يتفق مع سياق كتاب " المن بالإمامة " ذلك أن ابن صاحب الصلاة، يذكر لنا في مؤلفه حوادث شهدها ترجع إلى سنة 594 هـ، مثل الاحتفال بإتمام بناء صومعة جامع إشبيلية الأعظم، ورقع التفافيح الذهبية إلى قمتها، بحضرة الخليفة يعقوب المنصور، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 594 هـ، عقب عوده ظافراً من معركة الأرك الشهيرة ( Fol. 171. v.) ، بل يبدو مما ينقله ابن عذارى في " البيان المغرب " من شذور عن وفاة المنصور في سنة 595 هـ، ثم عن حوادث الأعوام الأولى من خلافة ابنه الناصر. وهي شذور يبدو فيها أسلوب ابن صاحب الصلاة واضحاً، أن مؤلف كتاب " المن بالإمامة " قد عاش في أواخر القرن السادس، بل وإلى أوائل القرن السابع، وأنه قد توفي على الأرجح حوالى سنة 605 هـ (1208 م)(3). وأما مولده فيمكن أن نضعه بين سنتي 520 و 530 هـ (1126 - 1135 م).

كتاب نظم الجمان

ومن أهم مصادرنا المخطوطة عن أواخر عهد المرابطين، وأوائل عهد الموحدين قطعة كبيرة مخطوطة من كتاب نظم الجمان لابن القطان، تتضمن السفر الثالث عشر من هذا الكتاب. وعنوانه على النحو الآتي:" السفر الثالث عشر من كتاب نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان ". وفي داخل المخطوط، توصف القطعة بأنها " الجزء السادس، من هذا الكتاب. في ذكر ما انتهى إلينا من أخبار القرن السادس، وهو المائة السادسة من الهجرة الكريمة ". ويحتوي هذا المخطوط على ثمانية وستين لوحة مزدوجة كبيرة الحجم (136 صفحة) في كل صفحة منها

(1) Pons Boigues: Ensayo Bio - Bibliografico sobre los Historiadores y Geograficos Arabigo - Espanoles، p. 246.

(2)

C. Brockelmann: Geschichte der Arabischen Litteratur، Supp. 1. p 554.

(3)

راجع بعض هذه الشذور التي ينقلها ابن عذارى في البيان المغرب: القسم الثالث الذي يجرى نشره الآن بعناية الأستاذة: هويثي ميرانده ومحمد بن تاويت ومحمد ابراهيم الكتاني عن معهد مولاي الحسن بتطوان: ص 207 - 211 و 213، و 219 و 220 و 223 و 225.

ص: 10

تسعة عشر سطراً بخط مغربي كبير، والنص كله مشكول بالمداد الأحمر، وأحياناً بخط مذهب، والمخطوط قديم مبتور الآخر، وليس هناك ما يدل على تاريخ كتابته. بيد أنه يمكن أن نرجعه إلى القرن الثامن الهجري. ويبدو من خطه المنمق وعناوينه المذهبة، أنه ربما كتب برسم أحد الأمراء أو الكبراء.

وأما عن مؤلف الكتاب، ابن القطان، فليس لدينا عنه تفاصيل شافية، وقد ذكر اسم المؤلف في صفحة العنوان بأنه " الإمام العالم أبو النجوم الباجي " وذكر في رأس الصفحة الأولى أنه " ابن القطان "(1). وقد ورد في لوحة 67 أمن المخطوط ما يدل على أن المؤلف كان حياً، في عهد الخليفة الموحدي المرتضي (646 - 665 هـ) وهو الذي حكم قبل آخر الخلفاء الموحدين.

ويتناول المخطوط أخبار المرحلة الأخيرة من حكم المرابطين منذ سنة 508 هـ (1114 م)، وأخبار بداية ظهور المهدي ابن تومَرت، وتقدم دعوته، وتصنيف أصحابه، ومرحلة الصراع الأولى بين الموحدين والمرابطين، وأخبار الأندلس خلال هذه الفترة، وذلك حتى أخبار سنة 533 هـ (1138 م). وأهم ما يتميز به هذا القسم من مؤلف ابن القطان أنه ينفرد بإيراد رسالتين هامتين لم تذكرا في غيره وهما، رسالة " الكافية في براهين الإمام المهدي "، وهي رسالة خاطب بها أبو عبد الرحمن بن طاهر عميد مرسية، الخليفة عبد المؤمن بن علي، ورسالة وجهها عبد المؤمن إلى الطلبة والمشيخة والأعيان بالأندلس (سنة 543 هـ)، يشرح فيها

(1) وردت في التكملة لابن الأبار (المكتبة الأندلسية) رقم 1920، ترجمة " لعلي بن محمد ابن عبد الملك بن يحيى بن ابراهيم الكتامي الحميري الفاسي، أبى الحسن بن القطان " جاء فيها أنه " كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، ورأس طلبة العلم بمراكش. ونال بخدمة السلطان دنيا عريضة. وله تواليف، ودرس وحدث. وتوفي على قضاء سجلماسة في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين (أي وستمائة) ".

وعثرنا أيضاً في " الذيل والتكملة " لابن عبد الملك المراكشي على ترجمة طويلة للمذكور، جاء فيها انه " فاسي سكن مراكش، وكان ذاكراً للحديث، مبحراً في علومه، وكان معظماً عند الخاصة والعامة من آل عبد المؤمن، حظى كثيراً عند المنصور منهم، فابنه الناصر، فالمستنصر بن الناصر، فأبى محمد عبد الواحد أخى المنصور، ثم أبى زكريا المعتصم بن الناصر، وكان المنصور يؤثره على غيره من أهل طبقته. وكان مرجوعاً إليه في الفتاوى "(الجزء الخامس من مخطوط المتحف البريطاني لوحة 13).

على أن ما ورد في المخطوط، مما يدل على أن ابن القطان كان حياً في عهد الخليفة المرتضي؛ يجعلنا نتردد في الاعتقاد بأنه هو صاحب الترجمة التي أوردها ابن الأبار، ثم ابن عبد الملك، لما هنالك من الفارق الزمني الملحوظ. وربما كان المترجم هو أبو المؤرخ.

ص: 11

قواعد السياسة الشرعية الموحدية، ولاسيما في مطاردة المنكر، وفي شئون المكوس والمغارم.

ويبدي ابن القطان فيما يورده من أخبار الموحدين، حماسة ظاهرة في تأييد المذهب الموحدي، والدولة الموحدية، ويذكر الإمام المهدي، وخلفاءه الموحدين بمنتهى الخشوع والإجلال (1).

القسم الثالث

من كتاب البيان المغرب

كان كتاب " البيان المغرب " لابن عذارى المراكشي، منذ البداية من أهم مصادرنا في كتابة تاريخ الأندلس. ولقد انتفعنا خلال كتابة العصرين الأول والثاني من هذا التاريخ، في كتابينا " دولة الإسلام في الأندلس " و " دول الطوائف " بجزئيه الأول والثاني، اللذين نشرا منذ أكثر من قرن بعناية العلامة دوزي، ثم بجزئه الثالث الذي نشر بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال. وقد كان من المفروض أن ننتفع بجزئه الرابع الذي صدر بعد ذلك بمدينة تطوان في سنة 1956، وهو الذي يتناول بقية عهد المرابطين، وعهد الموحدين. ولكن اكتشافاً جديداً في منتهى الأهمية غير هذا الاتجاه، وهو العثور في الخزانة الناصرية بثامجروت على مقربة من زاكوره بالمغرب، على مخطوط جديد موسوم " بالجزء الثالث " من " البيان المغرب "، وهو عبارة عن مجلد كبير يحتوي على 463 صفحة كبيرة. في كل منها واحد وعشرون سطراً. ويبدأ بحوادث سنة 533 هـ في أواخر عهد الدولة المرابطية، بحملة تاشفين بن علي بن يوسف لمقاتلة الموحدين بقيادة عبد المؤمن بن علي. وينتهي بحوادث سنة 665 هـ، بخلافة إدريس أبى دبوس الواثق بالله آخر الخلفاء الموحدين، وحملته إلى السوس، ويزيد في البداية ستين صفحة، وفي النهاية ست وستين صفحة عن الجزء الرابع المطبوع، هذا فضلا عما يمتاز به في مواطن كثيرة، من زيادات في النص، وفي الشعر، ومن تصحيحات كثيرة أخرى.

ولقد اغتبطنا أيما غبطة باكتشاف هذا المرجع النفيس من مراجع عصر الدولة

(1) إن هذا الجزء المخطوط من كتاب " نظم الجمان " يوجد اليوم في حوزة معهدنا المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، وهو الذي سهل لي مشكوراً سبيل مراجعته ودراسته. وقد علمت أن هذا المخطوط قد أعد للنشر محققاً بعناية صديقي الدكتور محمود علي مكي وكيل المعهد المذكور.

ص: 12

الموحدية. ويجري فيه ابن عذارى على طريقته أحياناً من تصنيف روايته إلى فصول، وأحياناً إلى حوليات سنوية. ثم هو يجري أيضاً في أسلوبه على طريقته من إلتزام الحيدة في إيراد الحوادث وتقديم الأشخاص، وعدم التورط في المديح أو الذم، ويترك هذه المهمة في الإشادة أو الانتقاص، لمن ينقل عنهم من مؤرخي الدولة الموحدية. ومن أهم مميزات هذا القسم من " البيان المغرب " ما ينقله إلينا ابن عذارى خلال روايته، من شذور عديدة من المعاصرين من مؤرخي الدولة الموحدية، ولاسيما ابن صاحب الصلاة، حيث ينقل إلينا الكثير من " السفر الثالث " من كتاب " المن بالإمامة ". وهو الجزء المفقود من هذا المؤلف حسبما أشرنا إلى ذلك من قبل (1).

هذا، وفضلا عن ذلك، فقد انتفعنا من تراث ابن عذارى بقطعة مخطوطة من أربع وخمسين لوحة، عن أصل دولة المرابطين، وولاية يوسف بن تاشفين وفتوحه في المغرب، ودخول المرابطين بلنسية، وأخبار علي بن يوسف، وقصة إحراق كتاب الإحياء، وولاية تاشفين بن علي، وغزوة ألفونسو المحارب، وغير ذلك. وكان المرحوم الأستاذ ليفي بروفنسال قد عثر بهذه القطعة بين أضابير مكتبة جامع القرويين بفاس، ونشر منها بعض شذور، عن بعض الوقائع الهامة التي وردت فيها، ثم نشرها أخيراً بنصها الكامل الأستاذ هويثي ميرانده في مجلة هسبيرس تمودا في عدد سنة 1961م.

وكان من حسن الحظ أننا عثرنا خلال بحثنا في " خروم "(دشت) مكتبة جامع القرويين بفاس، بأربع صفحات كبيرة من كتاب " البيان المغرب " تتناول حوادث سني 511 هـ إلى 514 هـ، وفيها تفاصيل هامة عن سقوط سرقسطة في يد ألفونسو الأرجوني (512 هـ)، وعن موقعة كتندة، وعن ثورة قرطبة ضد المرابطين (514 هـ)، وتفاصيل أخرى. وكان اختفاء هذه الصفحات يكون ثغرة في مجموعة الأوراق المخطوطة المتقدمة، التي عثر بها الأستاذ بروفنسال، فجاء عثورنا عليها متمماً لهذه المجموعة المتناثرة من كتاب البيان المغرب.

(1) سبق أن أشرنا إلى أنه يجري الآن نشر هذا القسم الثالث من البيان المغرب برعاية معهد مولاي الحسن بتطوان، وتحقيق الأساتذة أمبروسيو هويثي ميرانده، ومحمد بن تاويت، ومحمد ابراهيم الكتاني، وقد أنجز منه حتى اليوم معظمه.

ص: 13

وانتفعنا كذلك ببضعة أوراق مخطوطة من كتاب " صلة الصلة " لابن الزبير، وهي أيضاً من محتويات " خروم " مكتبة القرويين.

أما عن حياة ابن عذارى، وأصله ونشأته، فلسنا نعرف الكثير، وكل ما نعرفه أنه يسمى أبو عبد الله محمد المراكشي، وأنه قد عاش في أواخر القرن السابع الهجري، في بداية دولة بني مرين، وفي بداية القرن الثامن، وقد كان لهذا الظرف الزمني بلا ريب تأثير كبير، فيما يلتزمه في روايته عن تاريخ الموحدين، من الحيدة، وضبط النفس، وعدم التورط في عبارات الملق، التي يكثر منها مؤرخون مثل ابن صاحب الصلاة، وابن القطان.

الرسائل المرابطية

إن مصادر العصر المرابطي التي بين أيدينا، وفي مقدمتها البيان المغرب، وروض القرطاس، والحلل الموشية، ينقصها الكثير مما يلقي ضياء حقيقياً على أحوال الدولة المرابطية ونظمها وخواصها، وعلى اتجاهات السياسة المرابطية الدينية والسياسية، سواء بالمغرب، أو الأندلس. بيد أنه كان من حسن الطالع، أننا وقفنا خلال بحوثنا بمكتبة الإسكوريال على طائفة عديدة من الرسائل والوثائق المرابطية، التي تسد فراغاً كبيراً في هذا الميدان، وتلقي أضواء كثيرة على خواص الدولة المرابطية ونظمها وسياستها، هذا فضلا عما تلقيه من أضواء على طائفة كبيرة من الأحداث العسكرية الأندلسية الهامة التي وقعت خلال العصر المرابطي.

وتجتمع هذه الرسائل أولا في المخطوطين رقم 488 ورقم 538، من فهرس الغزيري، وثانياً في المخطوط رقم 519 الغزيري، وثالثاً في مجموعة أخرى يضمها مخطوط معهد الدراسات الإسلامية بمدريد.

وأهم هذه الرسائل فيما يختص بالعصر المرابطي، هو المجموعة التي يضمها المخطوط الأول، وهو رقم 488، وهو مخطوط قديم مبتور الآخر وليس له عنوان كل معين، ولكن جاء في الورقة الأولى منه ما يأتي:" جمع هذا الكتاب قصائد كثيرة لعلماء يطول تفسير أسمائهم، للفتح بن خاقان، ولابن عبد الصمد، وللبستي، ولابن عمار، وابن اللبانة، وابن زيدون، وابن حبيب .. ورسائل شتى ورحلة ابن جبير، ونسخة بيعة والسلام ". على أن أهم ما يحتويه المخطوط هو خمس رسائل، كتبت عن أهم الأحداث العسكرية التي وقعت بالأندلس أيام

ص: 14

المرابطين، الأولى رسالة يوسف بن تاشفين عن موقعة الزلاّقة، والثانية رسالة ابن شرف عن فتح أقليش، والثالثة رسالة أهل سرقسطة حينما حاصرها النصارى إلى الأمير أبى الطاهر تميم بن يوسف، والرابعة رسالة لعلي بن يوسف عن هزيمة القلعة. والخامسة رسالة أهل بلنسية إلى علي بن يوسف عند نزول ألفونسو المحارب عليها، وهذا عدا وثيقة موحدية هامة هي بيعة أهل قرطبة بولاية العهد، لمحمد الناصر ولد الخليفة الموحدي يعقوب المنصور.

ويضم المخطوط الثاني، وهو رقم 538، عدة رسائل مرابطية، أخرى، عن أواخر العهد المرابطي بالأندلس، أهمها رسالة وجهها تاشفين بن علي بن يوسف إلى الفقهاء والوزراء والكافة ببلنسية يحثهم على التزام الجهاد والسنن الرفيعة، وأداء الصلاة، ومجانبة الخمر، والرفق بالرعية، والتزام مذهب مالك في الأحكام، ومطاردة كتب الغزالي. وتعتبر هذه الرسالة من أهم الوثائق المرابطية الدستورية، هذا إلى عدة رسائل ثانوية أخرى تلقي أضواء مختلفة على جوانب من أواخر العصر المرابطي بالأندلس (1).

ويضم المخطوط الثالث، وهو رقم 519، وهو خاص " بترسيل الفقيه الكاتب أبى عبد الله بن أبي الخصال ومقاماته ومعارضته "، عدة رسائل مرابطية وجهت إلى علي ابن يوسف، ورسائل أخرى أدبية، متبادلة بين أكابر كتاب ذلك العصر، وبين ابن أبي الخصال. تلقي ضوءاً على بعض جوانب أدبية واجتماعية من ذلك العصر.

أما المجموعة الثالثة، فيضمها مخطوط حصل عليه معهد الدراسات الإسلامية من تركة المرحوم الأستاذ ليفي بروفنسال، وهو نفس المخطوط الذي يضم مجموعة الرسائل الموحدية التي نشرها (سنة 1941) تحت عنوان " مجموع رسائل موحدية من إنشاء كتاب الدولة المؤمنية ". وقد نشرت هذه الرسائل أخيراً، وعددها إحدى وعشرون رسالة بمجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد (2)، وهي تلقي أضواء كثيرة على نواح مختلفة من العصر المرابطي، سياسية وعسكرية وإدارية.

(1) نشرت معظم الرسائل المشار إليها في المخطوطين السابقين بعناية صديقي الدكتور حسين مؤنس مدير معهد الدراسات الإسلامية بمدريد خلال الأعوام الأخيرة في فترات مختلفة، وذلك بمجلة معهد الدراسات الإسلامية (سنة 1954 و 1955).

(2)

قام على نشر هذه الرسائل وتحقيقها والتمهيد لها صديقي الدكتور محمود علي مكي وكيل معهد الدراسات الإسلامية، ونشرت بالمجلدين السابع والثامن من مجلة المعهد (سنة 1959 - 1961).

ص: 15

ويمكننا أن نشير في هذا الموطن أيضاً، إلى وثيقة مرابطية هامة. أوردها لنا ابن الخطيب في الإحاطة، وهي كتاب تولية العهد الصادر من يوسف بن تاشفين لولده علي.

الرسائل الموحدية

حسبنا أن نشير في هذا الموطن، أولا إلى مجموعة الرسائل الموحدية التي نشرت بعناية الأستاذ بروفنسال والتي سبقت الإشارة إليها، وهي من أهم الوثائق التي تلقي كثيراً من الضوء، على معظم الأحداث الهامة، التي وقعت في عهد الخليفة عبد المؤمن بن علي، وولده الخليفة أبى يعقوب يوسف، فولده الخليفة يعقوب المنصور، فولده الخليفة محمد الناصر.

وقد وقفنا إلى جانب ذلك على مجموعة من الرسائل المخطوطة، وردت في مخطوط الإسكوريال رقم 518 الغزيري (ديرنبور 520) وهو كتاب " زواهر الفكر وجواهر الفكر " لمحمد بن علي بن عبد الرحمن المرادي المكني بابن المرابط، وهو حسبما ورد في آخره مكتوب في سنة 721 هـ. وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الرسائل الأندلسية، ومنها عدة رسائل بقلم القاضي الكاتب أبى المطرف بن عميرة عن حوادث بلنسية أيام الفتنة الأخيرة، التي انتهت بسقوطها في أيدي النصارى، ورسالة كتب بها عن أهل شاطبة إلى ابن هود، وظهير موحدي صادر عن الخليفة الرشيد إلى المتوطنين من أهل شرقي الأندلس برباط الفتح، ورسائل وقصائد لابن الأبار، وغيرها. وهذه الرسائل تكشف عن كثير من الظروف والأحداث التي وقعت في شرقي الأندلس، في أواخر عهد الموحدين. وأواخر عهد الإسلام به.

التراجم المخطوطة

كان من أهم مصادرنا المخطوطة طائفة كبيرة من التراجم وردت في موسوعتين هامتين، الأولى، " كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة " لقاضي الجماعة أبى عبد الله محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي المراكشي المتوفى فيما يرجح في أواخر القرن السابع الهجري، والثانية كتاب " الإحاطة في أخبار غرناطة " للوزير لسان الدين ابن الخطيب المتوفى سنة 776 هـ (1375 م).

وكتاب التكملة موسوعة جليلة من التراجم، وبها عدد كبير من تراجم أعلام إلعصرين المرابطي والموحدي، من فقهاء وكتاب وأدباء وشعراء. وقد رجعنا

ص: 16

إلى أجزائها المخطوطة الموجودة في دار الكتب المصرية (الجزء المخطوط الموسوم بالسفر الخامس، والأجزاء المصورة، وبها تراجم حرف الميم حتى الياء)، وفي المتحف البريطاني (الرابع والخامس رقم 7940) وخزانة الرباط (الأول مصور مخطوط باريس)، والإسكوريال (قطعة فقط رقم 1682 الغزيري وبها تراجم حرف السين حتى أوائل حرف ع)، ونقلنا منها عدداً كبيراً من التراجم. وقد كان من أهم ما انتفعنا به من هذه التراجم، هو الشذور والنبذ التاريخية العديدة، التي وردت خلالها عن أحداث العصرين المرابطي والموحدي، ومنها أحياناً روايات هامة وحيدة لم ترد في أية مصادر أخرى، هذا فضلا عن التعريف بكثير من الأعلام الذين تنفرد هذه الموسوعة النفيسة بإيراد تراجمهم.

وكذلك الشأن في كتاب الإحاطة لابن الخطيب، فقد وردت به تراجم عديدة لأمراء وزعماء من المرابطين والموحدين، وكذلك لكثير من أعلام هذا العصر من فقهاء وكتاب وشعراء، وكان انتفاعنا عظيماً بهذه التراجم، ولاسيما التي وردت منها بالقسم المخطوط من الإحاطة (الإسكوريال رقم 1673 و 1674 الغزيري)، وقد ورد خلالها كثير من الشذور التاريخية الهامة، منقولة عن مصادر ضاعت مثل كتاب " الأنوار الجلية في أخبار الدولة المرابطية " وغيره.

أما عن كتب التراجم المطبوعة، فحسبنا أن نشير إلى وفيات الأعيان لابن خلكان، والصلة لإبن بشكوال، وصلة الصلة لابن الزبير، وبغية الملتمس للضبي، والتكملة والحلة السيراء لابن الأبار، والأخيران يضمان كثيراً من التراجم والنبذ التاريخية الهامة المتعلقة بعصري المرابطين والموحدين.

وثائق ومصادر أخرى

وليس في نيتنا أن نتحدث في هذا البيان الموجز عن المصادر المخطوطة، عن المصادر المطبوعة، وهي كثيرة يتعذر حصرها. بيد أنه يجدر بنا أن نشير فقط إلى طائفة من هذه المصادر التي تعتبر إلى جانب المصادر المخطوطة، من أهم المراجع الرئيسية عن عصر المرابطين والموحدين.

فمنها كتاب "المعجب " لعبد الواحد المراكشي، و " الحلل الموشية " لمؤلف مجهول، و" روض القرطاس " لابن أبى زرع الفاسي، وهذه المراجع الثلاثة تتناول عصر المرابطين والموحدين معاً، وهي لمؤلفين عاشوا في عصر الموحدين أو قريباً منه.

ص: 17

ومنها ما يختص بالموحدين وعصرهم، وفي مقدمتها مؤلفا المهدي محمد بن تومَرت، وهما " أعز ما يطلب " و" الموطأ "، وأولهما يضم خلاصة مذهبه وتعاليمه، والثاني يضم شروحه لأحكام مذهب مالك. ويليهما كتاب " أخبار المهدي ابن تومَرت وابتداء دولة الموحدين " وهو من تصنيف أبى بكر الصنهاجي المكنى بالبيذق أحد أصحاب المهدي، وهو أهم وأقيم مصادرنا عن نشأة المهدي ونسبه وأصحابه، وحركاته الأولى، ثم غزوات خليفته عبد المؤمن.

وهناك مصدر هام آخر جدير بالذكر، وهو " رحلة التجّاني " وهي رحلة قصيرة قام بها أبو محمد عبد الله بن محمد التجّاني بين سنتي 706 و 708 هـ، في أنحاء تونس وطرابلس، وهي تتضمن طائفة كبيرة من النبذ والشذور التاريخية القيمة عن الأحداث والمعارك التي وقعت في أنحاء إفريقية وبلاد الجريد، بين بني غانية والموحدين، وهي من أدق وأوفى الروايات التي انتهت إلينا عن هذه الفترة.

وكذلك رحلة ابن جُبير الأندلسي، ففيها إشارات ونبذ هامة، تتعلق

بالموحدين؛ أما عن المصادر الجغرافية المتعلقة بالمغرب والأندلس، فلدينا ثلاثة من أهمها وأقيمها، هي كتاب " المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب "، المستخرج من كتاب " المسالك والممالك "(لأبي عبيد البكري)، و " وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس " المستخرج من كتاب " نزهة المشتاق " للإدريسي وكتاب " الإستبصار"(لمؤلف مجهول) وهو أحدثها من الناحية التاريخية.

وهذا كله إلى المصادر النصرانية من لاتينية وقشتالية وغيرها، معاصرة أو محدثة، وقد ذكرت تباعاً في مواطنها، ولا داعي للتحدث عنها هنا.

ص: 18

صفحة من الأوراق المخطوطة التي عثرنا عليها من كتاب " البيان المغرب " لابن عذراى بخزانة جامع القرويين بفاس، وهي من أوراق الجزء الخاص بعصر المرابطين.

ص: 19

صفحتان من المخطوط رقم 538 الغزيري المحفوظ بمكتبة الإسكوريال، وهما من رسالة الأمير تاشفين بن علي إلى الفقهاء والوزراء والصلحاء والكافة ببلنسية، المؤرخة في أوائل جمادى الأولى سنة 538 هـ.

ص: 21

صفحتان من مخطوط كتاب " نظم الجمان " لابن القطان المحفوظ بمعهد الدراسات الإسلامية بمدريد.

ص: 23