الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر صحة كلا الوجهين فِي نسب الحافظ، فقال:"وإنَّما جزمت بالأول [يعني تقديم محمود على أحمد] لكثرة ما وجدته كذلك، وإن تكرر بخطه - كما فِي آخر "شرح البخاري" وغيره - أَنَّهُ أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن حجر، لكن هذا أكْثَرُ، والعلم عند الله تعالى". انتهى كلامه رحمه الله.
* * *
المبحث الثاني - مولده ونشأته العلمية ووفاته
أ - مولده:
ولد الحافظ ابن حجر (رَحِمَهُ اللهُ تعالى) فِي الثاني والعشرين من شعبان، سنةَ ثلاث وسبعين وسبعمائة، على شاطئ النيل، بمصر القديمة، فِي أسرة عريقة، نابغة فِي العلم، متقدمة فِي المجد والسيادة والشرف مع النسب الرفيع والسخاء والمكارم
(1)
.
ب - نشأته العلمية:
نشأ رحمه الله يتيم الأبوين
(2)
، فِي كنف وصيّه زكي الدين أبي بكر بن
(1)
"الضوء اللامع"(2/ 36)، "الجواهر والدرر"(1/ 104 - 117).
(2)
وكان أبوه موصوفًا بالعقل والمعرفة، والديانة والأمانة، ومكارم الأخلاق، =
نور الدين علي الخرُّوبي
(1)
، الرئيس الشهير وكبير التجار بمصر؛ فِي غاية من العفة والصيانة، لم تعرف له صبوة، ودخل فِي الكُتّاب وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره، وكان رحمه الله ممن رزقه الله الذكاء والنجابة وسرعة الحفظ، حيث كَانَ يحفظ كل يوم نصف حزب، وبلغ من أمره فِي ذلك أَنَّهُ حفظ سورة مريم فِي يوم واحد، ومع ذلك لم يكن حفظه بالدرس والتكرار كطريقة الأطفال، بل كَانَ حفظه تأملًا على طريقة الأذكياء فِي ذلك غالبًا، وقد أتم حفظ القرآن وله من العمر تسع سنين عند الصدر السقطي شارح مختصر التبريزي، ثم حفظ جُمْلَةً وافرةً من المتون العلمية فِي شتى الفنون، مثل عمدة الأحكام للمقدسي والحاوي الصغير لأبيه، ومختصر ابن الحاجب فِي أصول الفقه، وملحة الإعراب فِي النحو وغيرها. وسمع من شيوخ كثيرة فِي مختلف الفنون، وجدّ فيها حَتَّى بلغ الغاية.
وحبب الله إليه علم الحديث النبوي، فأقبل عليه بكلِّيَّته، وأول ما طلبه كَانَ فِي سنة (793) إلَّا أَنَّهُ لم يكثر من الطلب إلَّا فِي سنة (796)
(2)
= ومحبة الصالحين. فنشأ (رَحِمَهُ اللهُ تعالى) فِي غاية العفة والصيانة.
(1)
وكان أبوه قد أوصى به إِلَى رجلين ممن كانت بينه وبينهم مودة هما: زكي الدين أَبُو بكر بن نور الدين علي الخروبي (ت 787 هـ)، وكان تاجرًا كبيرًا بمصر. وثانيهما العلامة شمس الدين ابن القطان (ت 813 هـ)، الذي كَانَ له بوالده اختصاص.
(2)
قَالَ السيوطي فِي "طبقات الحفاظ"(1/ 117): "عانى أولًا بالأدب والشعر =
فأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إِلَى سواء السبيل فِي هذا الفن سندًا ومتنًا، وعللًا واصطلاحًا، وفقهًا وفهمًا، فعكف على الزَّيْن العراقي وقرأ عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء القصار، وتخرج به وانتفع بملازمته حَتَّى استحق أن يطلق عليه أمير المؤمنين فِي الحديث، ولم يتأت هذا للحافظ من فراغ، وإنَّما هناك عوامل ساعدت فِي نبوغه وسرعة تحصيله، وكثرة إنتاجه، وإذا أراد الله أمرأَ هيّا له أسبابه، ومن تلك العوامل:
ما أعطاه الله إياه من سرعة القراءة الحسنة، فقد قرأ سنن ابن ماجه فِي أربعة مجالس، وقرأ السنن الكبرى للنسائي فِي عشرة مجالس، وغير ذلك كثير.
سرعة الكتابة: فقد كتب بخطه كتاب "التقييد" لابن نقطة فِي خمسة أيام فقط.
ذكاؤه وقابليته للانتقاء مِمَّا سهل له كثيرًا من الأمور.
الرفقة الصالحة الذين كانوا غاية فِي الديانة والتواضع، والاعتناء بهذا الشأن والاهتمام بفنونه، والبعد عن الغل والحسد والكتمان.
همته العالية فِي استثمار الوقت، وكثرة المطالعة والسماع، والعبادة
= فبلغ فِيهِ الغاية، ثم طلب الحديث من سنة أربع وتسعين وسبعمائة
…
".