المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌91 - قصة سلمان الفارسي * - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌أسماء الأساتذة الذين قاموا بتحقيق كتاب سير أَعْلَام النُّبَلَاء

- ‌1 - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ *

- ‌2 - طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ *

- ‌3 - الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى *

- ‌4 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ *

- ‌5 - سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ *

- ‌6 - سَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ *

- ‌ السَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ

- ‌7 - مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرِ * بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ البَدْرِيُّ

- ‌ وَمِنْ شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُدٍ:

- ‌8 - أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ بنِ هِلَالِ *

- ‌9 - عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنِ بنِ حَبِيْبِ بنِ وَهْبٍ الجُمَحِيُّ *

- ‌10 - قُدَامَةُ بنُ مَظْعُوْنٍ أَبُو عَمْرٍو الجُمَحِيُّ *

- ‌11 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ *

- ‌12 - السَّائِبُ بنُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيُّ **

- ‌13 - أَبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ القُرَشِيُّ العَبْشَمِيُّ *

- ‌14 - سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ *

- ‌15 - حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ *

- ‌16 - عَاقِلُ بنُ البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ *

- ‌17 - خَالِدُ بنُ البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ *

- ‌18 - إِيَاسُ بنُ أَبِي البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ اللَّيْثِيُّ **

- ‌19 - عَامِرُ بنُ أَبِي البُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ *

- ‌20 - مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المُطَّلِبِ المُطَّلِبِيُّ **

- ‌21 - أَبُو عَبْسٍ بنُ جَبْرِ بنِ عَمْرٍو الأَوْسِيُّ *

- ‌22 - ابْنُ التَّيِّهَانِ أَبُو الهَيْثَمِ مَالِكُ بنُ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌23 - أَبُو جَنْدَلٍ العَاصُ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيُّ *

- ‌24 - عَبْدُ اللهِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيُّ *

- ‌25 - سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو:

- ‌26 - البَرَاءُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌27 - نَوْفَلُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ *

- ‌28 - الحَارِثُ بنُ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ **

- ‌29 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ *

- ‌30 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ *

- ‌31 - سَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ *

- ‌32 - أَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ، المُغِيْرَةُ بنُ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ **

- ‌34 - جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ الهَاشِمِيُّ *

- ‌35 - عَقِيْلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ *

- ‌36 - زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ الكَلْبِيُّ *

- ‌37 - عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌ فَصْلٌ: شُهَدَاءُ يَوْمِ الرَّجِيْعِ

- ‌ شُهَدَاءُ بِئْرِ مَعُوْنَةَ

- ‌38 - كُلْثُوْمُ بنُ الهِدْمِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌39 - أَبُو دُجَانَةَ الأَنْصَارِيُّ سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ بنِ لَوْذَانَ *

- ‌40 - خُبَيْبُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَامِرِ بنِ مَجْدَعَةَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌41 - مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ بنِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌42 - مُعَوَّذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ الأَنْصَارِيُّ السَّلَمِيُّ *

- ‌43 - خَلَاّدُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ الأَنْصَارِيُّ **

- ‌44 - عَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ ***

- ‌45 - عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ المُطَّلِبِيُّ *

- ‌ أَعْيَانُ البَدْرِيِّيْنَ

- ‌46 - رَبِيْعَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ *

- ‌47 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ *

- ‌48 - خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ **

- ‌49 - أَبَانُ بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ *

- ‌50 - عَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأُمَوِيُّ **

- ‌51 - العَلَاءُ بنُ الحَضْرَمِيِّ *

- ‌52 - سَعْدُ بنُ خَيْثَمَةَ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ *

- ‌53 - البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرِ بنِ صَخْرِ بنِ خَنْسَاءَ بنِ سِنَانَ الخَزْرَجِيُّ *

- ‌54 - بِشْرُ بنُ البَرَاءِ بنُ مَعْرُوْرٍ الخَزْرَجِيُّ *

- ‌55 - سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمِ بنِ حَارِثَةَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌56 - سَعْدُ بنُ مُعَاذِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌57 - زَيْدُ بنُ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحٍ العَدَوِيُّ *

- ‌ مِنْ شُهَدَاءِ اليَمَامَةِ

- ‌58 - أَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ بنِ عُدَسَ بنِ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌59 - عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ * بنِ جَابِرِ بنِ وُهَيْبٍ أَبُو غَزْوَانَ المَازنِيُّ

- ‌60 - عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ أَبُو مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ *

- ‌61 - ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسِ بنِ زُهَيْرِ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌62 - طُلَيْحَةُ بنُ خُوَيْلِدِ بنِ نَوْفَلٍ الأَسَدِيُّ *

- ‌63 - سَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي زُهَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌64 - مَعْنُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجدِّ بنِ العَجْلَانِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌65 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌66 - عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ عَمْرِو بنِ هِشَامٍ المَخْزُوْمِيُّ *

- ‌67 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌68 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ *

- ‌69 - أَبُو العَاصِ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ *

- ‌71 - أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي العَاصِ*

- ‌72 - أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ زَيْدٍ **

- ‌73 - عَبَّادُ بنُ بِشْرِ بنِ وَقْشِ بنِ زُغْبَةَ بنِ زَعُوْرَاءَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌74 - أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ بنِ سِمَاكِ بنِ عَتِيْكٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌75 - الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ طَرِيْفٍ الدَّوْسِيُّ *

- ‌76 - بِلَالُ بنُ رَبَاحٍ *

- ‌77 - ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ *

- ‌78 - خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيُّ *

- ‌79 - صَفْوَانُ ابْنُ بَيْضَاءَ أَبُو عَمْرٍو القُرَشِيُّ الفِهْرِيُّ *

- ‌80 - سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ الفِهْرِيُّ أَبُو مُوْسَى**

- ‌81 - المِقْدَادُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ مَالِكٍ الكِنْدِيُّ *

- ‌82 - أُبَيُّ بنُ كَعْبِ بنِ قَيْسِ بنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌83 - النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ أَبُو عَمْرٍو المُزَنِيُّ *

- ‌84 - عَمَّارُ بنُ يَاسِرِ بنِ عَامِرِ بنِ مَالِكٍ العَنْسِيُّ *

- ‌86 - مُعَاذُ بنُ جَبَلِ بنِ عَمْرِو بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌87 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ غَافِلِ بنِ حَبِيْبٍ الهُذَلِيُّ *

- ‌88 - عُتْبَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ *

- ‌90 - عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ بنِ عَائِشِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌91 - قِصَّةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ *

الفصل: ‌91 - قصة سلمان الفارسي *

‌91 - قِصَّةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ *

(ع)

قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلَامِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَارِسِيُّ، سَابِقُ الفُرْسِ إِلَى الإِسْلَامِ.

صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَدَمَهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ.

وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ السِّمْطِ، وَأَبُو قُرَّةَ سَلَمَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَأَبُو ظِبْيَانَ حُصَيْنُ بنُ جُنْدَبٍ الجَنْبِيُّ، وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ الكُوْفِيُّوْنَ.

لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : سِتُّوْنَ حَدِيْثاً.

وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ ثَلَاثَةَ أَحَادِيْثَ.

وَكَانَ لَبِيْباً، حَازِماً، مِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ، وَعُبَّادِهِم، وَنُبَلَائِهِم.

قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي: عَنْ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، قَالَ:

زَارَنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، فَصَلَّى الإِمَامُ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ، يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يُتَلَقَّى الخَلِيْفَةُ، فَلَقِيْنَاهُ وَقَدْ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ العَصْرَ، وَهُوَ يَمْشِي، فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيْنَا شَرِيْفٌ إِلَاّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ.

فَقَالَ: جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي مَرَّتِي هَذِهِ أَنْ أَنْزِلَ عَلَى بَشِيْرِ بنِ سَعْدٍ.

فَلَمَّا قَدِمَ، سَأَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالُوا: هُوَ مُرَابِطٌ.

فَقَالَ: أَيْنَ مُرَابَطُكُم؟

قَالُوا: بَيْرُوْتُ.

فَتَوَجَّهَ قِبَلَهُ.

قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا أَهْلَ بَيْرُوْتَ! أَلَا أُحَدِّثُكُم حَدِيْثاً يُذْهِبُ اللهُ بِهِ عَنْكُمْ عَرَضَ الرِّبَاطِ؟

سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ

(*) مسند أحمد: 5 / 437 - 444، طبقات ابن سعد: 4 / 54، طبقات خليفة: 7 / 189، تاريخ خليفة: 90، التاريخ الكبير: 4 / 135 - 136، المعارف: 270 - 271، الجرح والتعديل: 4 / 296 - 297، مشاهير علماء الأمصار: ت: 274، حلية الأولياء: 1 / 185 - 208، تاريخ أصبهان: 1 / 48 - 57، الاستيعاب: 4 / 221، تاريخ بغداد: 1 / 163 - 171، ابن عساكر: 7 / 194 / 1 أسد الغابة: 2 / 417، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 226 - 228، تهذيب الكمال: 523، دول الإسلام: 1 / 31، مجمع الزوائد: 9 / 332 - 334، تهذيب التهذيب: 4 / 137، الإصابة: 4 / 223، و5 / 33، خلاصة تذهيب الكمال: 147، كنز العمال: 13 / 421، شذرات الذهب: 1 / 44، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 190 - 211.

ص: 505

وَلَيْلَةٍ، كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطاً أُجِيْرَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَجَرَى لَهُ صَالِحُ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (1)) .

أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَوِيِّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَغْلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الوَرْدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (ح) .

وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلَاّنَ إِجَازَةً، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ المَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي (ح) .

ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ (ح) .

وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح) .

وَعَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ (ح) .

وَحَجَّاجُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زُفَرُ بنُ قُرَّةَ، جَمِيْعُهُمْ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً فَارِسِيّاً مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ (2) ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَهَا، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الجَارِيَةُ.

فَاجْتَهَدْتُ فِي المَجُوْسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوْقِدُهَا، لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً. وَكَانَتْ

(1) إسناده حسن، ولكنه مرسل، وأخرجه مسلم (1913) في الامارة: باب فضل الرباط في سبيل الله، والنسائي 6 / 39 في الجهاد: باب فضل الرباط كلاهما من طريق أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان.

وأخرجاه من طريق آخر عن سلمان، وأخرجه الترمذي (1665) في الجهاد: باب ما جاء في فضل الرباط، من طريق سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن سلمان.

(2)

بالفتح وبالتشديد، مدينة ناحية أصبهان القديمة " معجم البلدان " 2 / 202.

ص: 506

لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيْمَةٌ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْماً، فَقَالَ لِي:

يَا بُنَيَّ! إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا اليَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ، فَاطَّلِعْهَا.

وَأَمَرَنِي بِبَعْضِ مَا يُرِيْدُ، فَخَرَجْتُ، ثُمَّ قَالَ:

لَا تَحْتَبِسْ عَلَيَّ، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي.

فَخَرَجْتُ أُرِيْدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيْسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُم فِيْهَا وَهُمْ يُصَلُّوْنَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ بِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ.

فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِم، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ إِلَيْهِم أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُوْنَ.

فَلَمَّا رَأَيْتُهُم، أَعْجَبَتْنِي صَلَوَاتُهُم، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِم، وَقُلْتُ:

هَذَا -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنَ الدِّيْنِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ.

فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي، وَلَمْ آتِهَا.

فَقُلْتُ لَهُم: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّيْنِ؟

قَالُوا: بِالشَّامِ.

قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ.

فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟

قُلْتُ: يَا أَبَةِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّوْنَ فِي كَنِيْسَةٍ لَهُم، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِيْنِهِم، فَوَاللهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.

قَالَ: أَيْ (1) بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّيْنِ خَيْرٌ، دِيْنُكَ وَدِيْنُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ.

قُلْتُ: كَلَاّ -وَاللهِ-! إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِيْنِنَا.

قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْداً، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.

قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ:

إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ، تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، فَأَخْبِرُوْنِي بِهِم.

فَقَدِمَ عَلَيْهِم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ.

قَالَ: فَأَخْبَرُوْنِي بِهِم.

فَقُلْتُ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُم، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ، فَأَخْبِرُوْنِي.

قَالَ: فَفَعَلُوا، فَأَلْقَيْتُ الحَدِيْدَ مِنْ رِجْلِي، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُم حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ.

فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّيْنِ؟

قَالُوا: الأُسْقُفُ فِي الكَنِيْسَةِ.

فجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّيْنِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَكَ، أَخْدِمُكَ

(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ".

ص: 507

فِي كَنِيْسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ، وَأُصَلِّي مَعَكَ.

قَالَ: فَادْخُلْ.

فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سُوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُهُم فِيْهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئاً، اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ المَسَاكِيْنَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرَقٍ، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضاً شَدِيْداً لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ.

ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوُهْ.

فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سُوْءٍ، يَأْمُرُكُم بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُكُم فِيْهَا، فَإِذَا جِئْتُم بِهَا كَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ المَسَاكِيْنَ.

وَأَرَيْتُهُم مَوْضِعَ كَنْزِهِ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوْءةٍ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَداً.

فَصَلَبُوْهُ، ثُمَّ رَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاؤُوا بِرَجُلٍ جَعَلُوْهُ مَكَانَهُ، فَمَا رَأَيْت رَجُلاً - يَعْنِي لَا يُصَلِّي الخَمْسَ - أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلاً وَنَهَاراً، مَا أَعْلَمُنِي أَحَبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ.

فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ! قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي -وَاللهِ- مَا أَحْبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوْصِيْنِي؟

قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَاّ رَجُلاً بِالمَوْصِلِ، فَائْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي.

فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ.

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَاناً أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ، وَأكُوْنَ مَعَكَ.

قَالَ: فَأَقِمْ، أَيْ بُنَيَّ!

فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ.

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَاناً أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟

قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ - أَيْ بُنَيَّ - إِلَاّ رَجُلاً بِنَصِيْبِيْنَ.

فَلَمَّا دَفَنَّاهُ، لَحِقْتُ بِالآخَرِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، حَتَّى حَضَرَهُ

ص: 508

المَوْتُ، فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ عَمُّوْرِيَةَ بِالرُّوْمِ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ.

ثُمَّ احْتُضِرَ، فَكَلَّمْتُهُ إِلَى مَنْ يُوْصِي بِي؟

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأتِيَهُ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ إِلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيْهِ عَلَامَاتٍ لَا تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطْعَتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ البِلَادِ، فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ.

فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ.

فَقُلْتُ لَهُم: تَحْمِلُوْنِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ، وَأُعْطِيَكُم غُنَيْمَتِي وَبَقَرَاتِي هَذِهِ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

فَأَعْطَيْتُهُم إِيَّاهَا، وَحَمَلُوْنِي، حَتَّى إِذَا جَاؤُوا بِي وَادِيَ القُرَى ظَلَمُوْنِي، فَبَاعُوْنِي عَبْداً مِنْ رَجُلٍ يَهُوْدِيٍّ بِوَادِي القُرَى، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُوْنَ البَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي.

ومَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَادِي القُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ رَأَيْتُهَا، فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا.

فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي، وَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، لَا يُذْكَرُ لِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي نَخْلَةٍ لَهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِيْهَا إِذْ جَاءهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ:

يَا فُلَانُ! قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَفِي قُبَاءَ مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ سَمِعْتُهَا، فَأَخَذَتْنِي العُرَوَاءُ - يَقُوْلُ: الرِّعْدَةُ - حَتَّى ظَنَنْتُ لأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي، وَنَزَلْتُ أَقُوْلُ: مَا هَذَا الخَبَرُ؟

ص: 509

فَرَفَعَ مَوْلَايَ يَدَهُ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيْدَةً، وَقَالَ:

مَا لَكَ وَلِهَذَا، أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ.

فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَراً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ.

فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ، فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقُبَاءَ.

فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَاباً لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُم أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ البِلَادِ، فَهَاكَ هَذَا، فَكُلْ مِنْهُ.

قَالَ: فَأَمْسَكَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ:(كُلُوا) .

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي صَاحِبِي.

ثُمَّ رَجَعْتُ، وَتَحَوَّلَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئاً كَانَ عِنْدِي، ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ:

إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ.

فَأَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ.

فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ.

ثُمَّ جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً، وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ؟

فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ، عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الخَاتَمِ، فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي.

فَقَالَ لِي: تَحَوَّلْ.

فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيْثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ.

ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ.

ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ) .

فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ مَائَةِ نَخْلَةٍ،

ص: 510

أُحْيِيْهَا لَهُ بِالفَقِيْرِ، وَبأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً.

فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: (أَعِيْنُوا أَخَاكُم) .

فَأَعَانُوْنِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلَاثِيْنَ وَدِيَّةً (1) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِيْنَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ ثَلَاثَ مَائَةِ وَدِيَّةٍ.

فَقَالَ: (اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ، فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَائْتِنِي أَكُوْنُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي) .

فَفَقَّرْتُ لَهَا، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا، جِئْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ مَعِي إِلَيْهَا نُقَرِّبُ لَهُ الوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.

فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ، وَبَقِيَ عَلَيَّ المَالُ، فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ المَغَازِي.

فَقَالَ: (مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ المُكَاتَبُ؟) .

فَدُعِيْتُ لَهُ، فَقَالَ:(خُذْهَا، فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ) .

قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟

قَالَ: (خُذْهَا، فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ) .

فَأَخَذْتُهَا، فَوَزَنْتُ لَهُم مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً، وَأَوْفَيْتُهُم حَقَّهُم، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الخَنْدَقَ حُرّاً، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ (2) .

زَادَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ:

عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

لَمَّا قُلْتُ لَهُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ؟

أَخَذَهَا، فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ:(خُذْهَا (3)) .

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيْسَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ

(1) الودية: جمع ودي: صغار الفسيل.

(2)

رجاله ثقات.

وإسناده قوي فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وابن هشام وابن سعد، وأخرجه أحمد 5 / 441 - 444، وابن سعد 4 / 1 / 53 - 57، والجزري في " أسد الغابة " 2 / 417 - 419، وابن هشام 1 / 214 - 221 والطبراني في " الكبير " برقم (6065) والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " 1 / 164 - 169، وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336.

(3)

أخرجه أحمد 5 / 444، وابن هشام 1 / 221، وانظر " المجمع " 9 / 336 وفي سنده جهالة.

ص: 511

مِنْ عَبْدِ القَيْسِ:

أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ:

حَدَّثَنِي مَنْ حَدَّثَهُ سَلْمَانُ: أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِهِ حِيْنَ سَاقَهُ لِرَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

أَنَّ صَاحِبَ عَمُّوْرِيَةَ قَالَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ، يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الغَيْضَةِ إِلَى هَذِهِ الغَيْضَةِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، يَتَعَرَّضُهُ النَّاسُ، وَيُدَاوِي الأَسْقَامَ، يَدْعُو لَهُم فَيُشْفَوْنَ، فَائْتِهِ، فَسَلْهُ عَنِ الدِّيْنِ الَّذِي يُلْتَمَسُ.

فَجِئْتُ، حَتَّى أَقَمْتُ مَعَ النَّاسِ بَيْنَ تَيْنَكِ الغَيْضَتَيْنِ.

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيْهَا مِنَ الغَيْضَةِ، خَرَجَ، وَغَلَبَنِي النَّاسُ عَلَيْهِ، حَتَّى دَخَلَ الغَيْضَةَ الأُخْرَى، وَتَوَارَى مِنِّي، إِلَاّ مَنْكِبَيْهِ، فَتنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا لَكَ؟

قُلْتُ: أَسْأَلُ عَنْ دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنِيْفِيَّةِ.

قَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ (1) عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ النَّاسُ عَنْهُ اليَوْمَ، وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ هَذَا البَيْتِ الَّذِي بِمَكَّةَ، يَأْتِي بِهَذَا الدِّيْنِ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ، فَالْحَقْ بِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.

فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي، لَقَدْ لَقِيْتَ وَصِيَّ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ (2)) .

تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ.

وَقَاطِنُ النَّارِ: مُلَازِمُهَا.

وَبَنُوْ قَيْلَةَ: الأَنْصَارُ.

وَالفَقِيْرُ: الحُفْرَةُ.

وَالوَدِيُّ: النّصْبَةُ.

وَقَالَ يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بِنَحْوٍ مِمَّا مَرَّ.

وَفِيْهِ: وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ،

(1) تحرفت في المطبوع إلى " الضال ".

(2)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 57، وابن هشام 1 / 221، وهذه الرواية كسابقتها فيها جهالة.

ص: 512

وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ الدَّمِ.

فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ، لَقَدْ رَأَيْتَ حَوَارِيَّ عِيْسَى (1)) .

عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَمْرٌو العَنْقَزِيُّ، قَالَا:

حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي (2) قُرَّةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كَانَ أَبِي مِنَ الأَسَاوِرَةِ، فَأَسْلَمَنِي فِي الكُتَّابِ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، وَكَانَ مَعِي غُلَامَانِ، فَكَانَا إِذَا رَجَعَا دَخَلَا عَلَى قِسٍّ أَوْ رَاهِبٍ، فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا.

فَقَالَ لَهُمَا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تُدْخِلَا عَلَيَّ أَحَداً، أَوْ تُعْلِمَا بِي أَحَداً؟

فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا.

فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ.

قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ.

فَأَتَى قَرْيَةً، فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا حُضِرَ، قَالَ: احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي.

فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي.

قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، وَيَقُوْلُ: وَيْلٌ لِلْقَنَّائِيْنَ.

قَالَ: وَمَاتَ، فَاجْتَمَعَ القِسِّيْسُوْنَ وَالرُّهْبَانُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَحْتَمِلَ المَالَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَصَمَنِي.

فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالاً.

فَوَثَبَ شُبَّانٌ مِنْ أَهْلِ القَرْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِيْنَا، كَانَت سَرِيَّتُهُ تَخْتَلِف إِلَيْهِ.

فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! دُلُّوْنِي عَلَى عَالِمٍ أَكُوْنُ مَعَهُ.

قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصَ.

فَأَتَيْتُهُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَاّ طَلَبُ العِلْمِ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ المَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِن انْطَلَقْتَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ وَاقِفاً.

فَانْطَلَقْتُ، فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ وَاقِفاً عَلَى بَابِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَجَلَسْتُ حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:

اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْك.

(1) انظر ما قبله.

(2)

سقطت من المطبوع لفظة " أبي ".

ص: 513

فَذَهَبَ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى العَامِ المُقْبِلِ.

فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟

قَالَ: وَإِنَّكَ لَهَا هُنَا بَعْدُ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ (1) أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ، وَهُوَ نَبِيٌّ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ، وَفِيْهِ ثَلَاثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ، كَأَنَّهَا بَيْضَةُ حَمَامَةٍ، لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ.

فَانْطَلَقْتُ، فَأَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الأَعْرَابِ، فَاسْتَعْبَدُوْنِي، فَبَاعُوْنِي، حَتَّى وَقَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَسَمِعْتُهُم يَذْكُرُوْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُ أَهْلِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْماً، فَفَعَلُوا.

فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، ثُمَّ جِئْتُ بِطَعَامٍ اشْتَرَيْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(مَا هَذَا؟) .

فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ.

فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَكَانَ العَيْشُ يَوْمَئِذٍ عَزِيْزاً.

فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.

ثُمَّ أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ قُلْتُ لأَهْلِي: هَبُوا لِي يَوْماً.

فَوَهَبُوا لِي يَوْماً، فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِأَفَضْلَ مِمَّا كُنْتُ بِعْتُ بِهِ - يَعْنِي الأَوَّلَ - فَاشْتَرَيْتُ بِهِ طَعَاماً، ثُمَّ جِئْتُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(مَا هَذَا؟) .

قُلْتُ: هَدِيَّةٌ.

قَالَ: (كُلُوا) ، وَأَكَلَ.

قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى.

ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَهُ، فَوَضَعَ رِدَاءهُ، فَرَأَيْتُ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ.

فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.

فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) .

فَحَدَّثْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا الرَّاهِبُ، أَفِي الجَنَّةِ هُوَ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللهِ؟

قَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلَاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) .

فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ.

فَقَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلَاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)(2) .

(1) سقط من المطبوع عبارة " في الأرض ".

(2)

أخرجه بطوله ابن سعد 4 / 1 / 58، وأخرج أحمد 5 / 438 والطبراني في " الكبير "(6155) =

ص: 514

رَوَاهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ.

وَرَوَاهُ: أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ إِسْرَائِيْلَ.

سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي السَّلْمُ بنُ الصَّلْتِ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ البَكْرِيِّ:

أَنَّ سَلْمَانَ الخَيْرَ حَدَّثَهُ، قَالَ:

كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، مَدِيْنَةِ أَصْبَهَانَ، فَأَتَيْتُ رَجُلاً يَتَحَرَّجُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّيْنِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً غَيْرَ رَاهِبٍ بِالمَوْصِلِ.

فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ:

فَأَتَيْتُ حِجَازِيّاً، فَقُلْتُ:

تَحْمِلُنِي إِلَى المَدِيْنَةِ، وَأَنَا لَكَ عَبْدٌ؟

فَلَمَّا قَدِمْتُ، جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ، فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا يَسْتَقِي البَعِيْرُ، حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي، وَلَا أَجِدُ مَنْ يَفْقَهُ كَلَامِي، حَتَّى جَاءتْ عَجُوْزٌ فَارِسِيَّةٌ تَسْتَقِي، فَكَلَّمْتُهَا، فَقُلْتُ:

أَيْنَ هَذَا الَّذِي خَرَجَ؟

قَالَتْ: سَيَمُرُّ عَلَيْكَ بُكْرَةً.

فَجَمَعْتُ تَمْراً، ثُمَّ جِئْتُهُ، وَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ التَّمْرَ.

فَقَالَ: (أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ (1) ؟) .

أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَمِيْلٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا:

أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ:

كُنْتُ مِمَّنْ وُلِدَ بِرَامَهُرْمُزَ، وَبِهَا نَشَأْتُ، وَأَمَّا أَبِي فَمِنْ أَصْبَهَانَ،

= الجزء الأخير منه.

وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336، والحلية 1 / 195، وأبو قرة لا يعرف.

وباقي رجاله ثقات.

وقوله: الغرضوف: هو لغة في الغضروف.

وغضروف الكتف رأس لوحه.

(1)

ابن لهيعة ضعيف، وسلم وأبو الطفيل لا يعرفان.

وأخرجه الطبراني في " الكبير " 6076، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 193.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 339 - 340، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.

وانظر ابن عساكر 7 / 199 / آ.

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " العطواني ".

ص: 515

وَكَانَت أُمِّي لَهَا غِنَىً، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَى الكُتَّابِ، وَكُنْتُ أَنْطَلِقُ مَعَ غِلْمَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِنَا، إِلَى أَنْ دَنَا مِنِّي فَرَاغٌ مِنَ الكِتَابَةِ.

وَلَمْ يَكُنْ فِي الغِلْمَانِ أَكْبَرُ مِنِّي وَلَا أَطْوَلُ، وَكَانَ ثَمَّ جَبَلٌ فِيْهِ كَهْفٌ فِي طَرِيْقِنَا، فَمَرَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَحْدِي، فَإِذَا أَنَا فِيْهِ بِرَجُلٍ، عَلَيْهِ ثِيَابُ شَعْرٍ، وَنَعْلَاهُ شَعْرٌ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ:

يَا غُلَامُ! أَتَعْرِفُ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ: هُوَ رَسُوْلُ اللهِ، آمِنْ بِعِيْسَى، وَبِرَسُوْلٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ اسْمُهُ أَحْمَدُ.

أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا إِلَى رُوْحِ الآخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا.

قُلْتُ: مَا نَعِيْمُ الآخِرَةِ؟

قَالَ: نَعِيْمٌ لَا يَفْنَى.

فَرَأَيْتُ الحَلَاوَةَ وَالنُّوْرَ يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْهِ، فَعَلِقَهُ فُؤَادِي، وَفَارَقْتُ أَصْحَابِي، وَجَعَلْتُ لَا أَذْهَبُ وَلَا أَجِيْءُ إِلَاّ وَحْدِي، وَكَانَتْ أُمِّي تُرْسِلُنِي إِلَى الكُتَّابِ، فَأَنْقَطِعَ دُوْنَهُ.

فَعَلَّمَنِي شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ عِيْسَى رَسُوْلُ اللهِ، وَمُحَمَّداً بَعْدَهُ رَسُوْلُ اللهِ، وَالإِيْمَانَ بِالبَعْثِ، وَعَلَّمَنِي القِيَامَ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لِي:

إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَقْبَلْتَ القِبْلَةَ، فَاحْتَوَشَتْكَ النَّارُ، فَلَا تَلْتَفِتْ، وَإِنْ دَعَتْكَ أُمُّكَ وَأَبُوْكَ فَلَا تَلْتَفِتْ، إِلَاّ أَنْ يَدْعُوْكَ رَسُوْلٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ، وَإِنْ دَعَاكَ وَأَنْتَ فِي فَرِيْضَةٍ فَاقْطَعْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْعُوْكَ إِلَاّ بِوَحْيٍ.

وَأَمَرَنِي بِطُوْلِ القُنُوْتِ، وَزَعَمَ أَنَّ عِيْسَى عليه السلام قَالَ:

طُوْلُ القُنُوْتِ أَمَانٌ عَلَى الصِّرَاطِ، وَطُوْلُ السُّجُوْدِ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.

وَقَالَ: لَا تَكْذِبَنَّ مَازِحاً وَلَا جَادّاً، حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْكَ مَلَائِكَةُ اللهِ، وَلَا تَعْصِيَنَّ (1) اللهَ فِي طَمَعٍ وَلَا غَضَبٍ، لَا تُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

ثُمَّ قَالَ لِي: إِنْ أَدْرَكْتَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، فَآمِنْ بِهِ، وَاقْرَأْ عليه السلام مِنِّي، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام

(1) تصحفت في المطبوع إلى " ولا تغضبن ".

ص: 516

قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ - كَانَ لَهُ مُحَمَّدٌ شَافِعاً، وَمُصَافِحاً.

فَدَخَلَ حَلَاوَةُ الإِنْجِيْلِ فِي صَدْرِي.

قَالَ: فَأَقَامَ فِي مُقَامِهِ حَوْلاً.

ثُمَّ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إِنَّكَ قَدْ أَحْبَبْتَنِي وَأَحْبَبْتُكَ، وَإِنَّمَا قَدِمْتُ بِلَادَكُم هَذِهِ، إِنَّهُ كَانَ لِي قَرِيْبٌ، فَمَاتَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ قَرِيْباً مِنْ قَبْرِهِ، أُصَلِّي عَلَيْهِ، وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، لِمَا عَظَّمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي الإِنْجِيْلِ مِنْ حَقِّ القَرَابَةِ، يَقُوْلُ اللهُ:

مَنْ وَصَلَ قَرَابَتَهُ وَصَلَنِي، وَمَنْ قَطَعَ قَرَابَتَهُ فَقَدْ قَطَعَنِي.

وَإِنَّهُ قَدْ بِدَا لِي الشُّخُوْصُ مِنْ هَذَا المَكَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ صُحْبَتِي، فَأَنَا طَوْعُ يَدَيْكَ.

قُلْتُ: عَظَّمْتَ حَقَّ القَرَابَةِ، وَهُنَا أُمِّي وَقَرَابَتِي.

قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تُهَاجِرَ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيْمَ عليه السلام فَدَعِ الوَالِدَةَ وَالقَرَابَةَ.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُصْلِحُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم، حَتَّى لَا تَدْعُو عَلَيْكَ الوَالِدَةُ.

فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا نَصِيْبِيْنَ، فَاسْتَقْبَلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الرُّهْبَانِ، يَبْتَدِرُوْنَهُ، وَيَبْسُطُوْنَ لَهُ أَرْدِيَتَهُم، وَقَالُوا:

مَرْحَباً بِسَيِّدِنَا، وَوَاعِي كِتَابِ رَبِّنَا.

فَحَمِدَ اللهَ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ:

إِنْ كُنْتُمْ تُعَظِّمُوْنِي لِتَعْظِيْمِ جَلَالِ اللهِ، فَأَبْشِرُوا بِالنَّظَرِ إِلَى اللهِ.

ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَتَعَبَّدَ فِي مِحْرَابِكُمْ هَذَا شَهْراً، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلَامِ، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ رَقِيْقاً، سَرِيْعَ الإِجَابَةِ.

فَمَكَثَ شَهْراً لَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ، وَيَجْتَمِعُ الرُّهْبَانُ خَلْفَهُ، يَرْجُوْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَلَا يَنْصَرِفُ.

فَقَالُوا: لَوْ تَعَرَضَّتَ لَهُ؟

فَقُلْتُ: أَنْتُم أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقّاً مِنِّي.

قَالُوا: أَنْتَ ضَعِيْفٌ، غَرِيْبٌ، ابْنُ سَبِيْلٍ، وَهُوَ نَازِلٌ عَلَيْنَا، فَلَا نَقْطَعُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى أَنَّا نَسْتَثْقِلُهُ.

فَعَرَضْتُ لَهُ، فَارْتَعَدَ، ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

مَا لَكَ يَا بُنَيَّ! جَائِعٌ أَنْتَ؟ عَطْشَانُ أَنْتَ؟ مَقْرُوْرٌ أَنْتَ؟ اشْتَقْتَ إِلَى أَهْلِكَ؟

قُلْتُ: بَلْ أَطَعْتُ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءَ.

قَالَ: أَتَدْرِي مَا يَقُوْلُ الإِنْجِيْلُ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ: يَقُوْلُ: مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ فَاسِداً كَانَ أَوْ مُصْلِحاً، فَمَاتَ، فَهُوَ صِدِّيْقٌ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَتَوَجَّهَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ.

فَجَاءَ العُلَمَاءُ،

ص: 517

فَقَالُوا: يَا سَيِّدنَا! امْكُثْ يَوْمَكَ تُحِدِّثْنَا وَتُكَلِّمْنَا.

قَالَ: إِنَّ الإِنْجِيْلَ حَدَّثَنِي أَنَّهُ مَنْ هَمَّ بِخَيْرٍ فَلَا يُؤَخِّرْهُ.

فَقَامَ، فَجَعَلَ العُلَمَاءُ يُقَبِّلُوْنَ كَفَّيْهِ وَثِيَابَهُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُ:

أُوْصِيْكُمْ أَلَا تَحْتَقِرُوا مَعْصِيَةَ اللهِ، وَلَا تَعْجَبُوا بِحَسَنَةٍ تَعْمَلُوْنَهَا.

فَمَشَى مَا بَيْنَ نَصِيْبِيْنَ وَالأَرْضِ المُقَدَّسَةِ شَهْراً، يَمْشِي نَهَارَهُ، وَيَقُوْم لَيْلَهُ، حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَامَ شَهْراً يُصَلِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَطَلَبُوا إِلَيَّ أَنْ أَتَعَرَّضَ لَهُ، فَفَعَلْتُ، فَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي كَمَا قَالَ فِي المَرَّةِ الأُوْلَى.

فَلَمَّا تَكَلَّمَ، اجْتَمَعَ حَوْلَهُ عُلَمَاءُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَحَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَوْمَهُم وَلَيْلَتَهُم حَتَّى أَصْبَحُوا، فَمَلُّوا، وَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ لِي:

أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي قَلِيْلاً، فَإِذَا بَلَغَتِ الشَّمْسُ قَدَمَيَّ فَأَيْقِظْنِي.

قَالَ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ ذِرَاعَانِ، فَبَلَغَتْهُ الشَّمْسُ، فَرَحِمْتُهُ لِطُوْلِ عَنَائِهِ وَتَعَبِهِ فِي العِبَادَةِ، فَلَمَّا بَلَغَتِ الشَّمْسُ سُرَّتَهُ اسْتَيْقَظَ بِحَرِّهَا.

فَقَالَ: مَا لَكَ لَمْ تُوْقِظْنِي؟

قُلْتُ: رَحِمْتُكَ لِطُوْلِ عَنَائِكَ.

قَالَ: إِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ سَاعَةٌ لَا أَذْكُرُ اللهَ فِيْهَا، وَلَا أَعْبُدُهُ، أَفَلَا رَحِمْتَنِي مِنْ طُوْلِ المَوْقِفِ، أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي أُرِيْدُ الشُّخُوْصَ إِلَى جَبَلٍ فِيْهِ خَمْسُوْنَ وَمَائَةُ رَجُلٍ، أَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنِّي، أَتَصْحَبُنِي؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَامَ، فَتَعَلَّقَ بِهِ أَعْمَى عَلَى البَابِ، فَقَالَ:

يَا أَبَا الفَضْلِ! تَخْرُجُ وَلَمْ أُصِبْ مِنْكَ خَيْراً؟

فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَصَارَ بَصِيْراً.

فَوَثَبَ مُقْعَدٌ إِلَى جَنْبِ الأَعْمَى، فَتَعَلَّقَ بِهِ، فَقَالَ:

مُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ بِالجَنَّةِ.

فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَامَ، فَمَضَى - يَعْنِي الرَّاهِبَ -.

فَقُمْتُ أَنْظُرُ يَمِيْناً وَشِمَالاً لَا أَرَى أَحَداً، فَدَخَلْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي زَاوِيَةٍ، عَلَيْهِ المُسُوْحُ، فَجَلَسْتُ حَتَّى انْصَرَفَ.

فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا

ص: 518

اسْمُكَ؟

قَالَ: فَذَكَرَ اسْمَهُ.

فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُ أَبَا الفَضْلِ؟

قَالَ: نَعَمْ، وَوَدِدْتُ أَنِّي لَا أَمُوْتُ حَتَّى أَرَاهُ، أَمَا (1) إِنَّهُ هُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ بِهَذَا الدِّيْنِ، فَأَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ الَّذِي وَصَفَهُ لِي، يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، يَرْكَبُ الجَمَلَ وَالحِمَارَ وَالفَرَسَ وَالبَغْلَةَ، وَيَكُوْنُ الحُرُّ وَالمَمْلُوْكُ عِنْدَهُ سَوَاءً، وَتكُوْنُ الرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَكَانٌ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَبَيْضَةِ الحَمَامَةِ عَلَيْهَا مَكْتُوْبٌ، بَاطِنُهَا: اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيْكَ لَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ، وَظَاهِرُهَا: تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّكَ المَنْصُوْرُ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، لَيْسَ بِحَقُوْدٍ وَلَا حَسُوْدٍ، وَلَا يَظْلِمُ مُعَاهِداً، وَلَا مُسْلِماً.

فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَقْدِرُ عَلَى صَاحِبِي.

فَمَشَيْتُ غَيْر بَعِيْدٍ، فَالْتَفَتُّ يَمِيْناً وَشِمَالاً لَا أَرَى شَيْئاً.

فَمَرَّ بِي أَعْرَابٌ مِنْ كَلْبٍ، فَاحْتَمَلُوْنِي حَتَّى أَتَوْا بِي يَثْرِبَ، وَسَمَّوْنِي مَيْسَرَةَ، فَجَعَلْتُ أُنَاشِدُهُم، فَلَا يَفْقَهُوْنَ كَلَامِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا خُلَيْسَةُ بِثَلَاثِ مَائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: مَا تُحْسِنُ؟

قُلْتُ: أُصَلِّي لِرَبِّي، وَأَعْبُدُهُ، وَأَسُفُّ الخُوْصَ.

قَالَتْ: وَمَنْ رَبُّكَ؟

قُلْتُ: رَبُّ مُحَمَّدٍ.

قَالَتْ: وَيْحَكَ، ذَاكَ بِمَكَّةَ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النَّخْلَةِ، وَصَلِّ لِرَبِّكَ لَا أَمْنَعُكَ، وَسُفَّ الخُوْصَ، وَاسْعَ عَلَى بَنَاتِي، فَإِنَّ رَبَّكَ يَعْنِي إِنْ تُنَاصِحْهُ فِي العِبَادَةِ يُعْطِكَ سُؤْلَكَ.

فَمَكَثْتُ عِنْدَهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِيْنَةَ، فَبَلَغَنِي ذَلِكَ وَأَنَا فِي أَقْصَى المَدِيْنَةِ، فِي زَمَنِ الخِلَالِ (2) ، فَانْتَقَيْتُ شَيْئاً مِنَ الخِلَالِ، فَجَعَلْتُهُ فِي ثَوْبِي، وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَبِي

(1) سقطت " أما " من المطبوع.

(2)

الخلال: عود يخلل به الثوب والاسنان، والحب: الخابية.

فارسي معرب

ص: 519

أَيُّوْبَ، وَقَدْ وَقَعَ حُبٌّ لَهُم فَانْكَسَرَ، وَانْصَبَّ المَاءُ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوْبَ وَامْرَأَتُهُ يَلْتَقِطَانِ المَاءَ بِقَطِيْفَةٍ لَهُمَا لَا يَكِفُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا تَصْنَعُ يَا أَبَا أَيُّوْبَ؟) .

فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:(لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ الجَنَّةُ) .

فَقُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ الرَّحْمَةِ.

فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذْتُ الخِلَالَ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا بُنَيَّ؟) .

قُلْتُ: صَدَقَةٌ.

قَالَ: (إِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) .

فَأَخَذْتُهُ، وَتَنَاوَلْتُ إِزَارِي، وَفِيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، فَقُلْتُ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ.

فَأَكَلَ، وَأَطَعْمَ مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَقَالَ:(أَحُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوْكٌ؟) .

قُلْتُ: مَمْلُوْكٌ.

قَالَ: (وَلِمَ وَصَلْتَنِي بِهَذِهِ الهَدِيَّةِ؟) .

قُلْتُ: كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا، وَصَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِهِمَا.

قَالَ: (أَمَا إِنَّ صَاحِبَيْكَ مِنَ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ: {الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُوْنَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِم

} الآيَة، مَا رَأَيْتَ فِيَّ مَا خَبَّرَكَ؟

قُلْتُ: نَعَمْ، إِلَاّ شَيْئاً (1) بَيْنَ كَتِفَيْكَ.

فَأَلْقَى ثَوْبَهُ، فَإِذَا الخَاتَمُ، فَقَبَّلْتُهُ، وَقُلْتُ:

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهَ، وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.

فَقَالَ: (يَا بُنَيَّ! أَنْتَ سَلْمَانُ) .

وَدَعَا عَلِيّاً، فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى خُلَيْسَةَ، فَقُلْ لَهَا:

يَقُوْلُ لَكِ مُحَمَّدٌ: إِمَّا أَنْ تُعْتِقِي هَذَا، وَإِمَّا أَنْ أُعْتِقَهُ، فَإِنَّ الحِكْمَةَ تُحَرِّمُ عَلَيْكِ خِدْمَتَهُ) .

قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَشْهَدُ أَنَّهَا لَمْ تُسْلِمْ.

قَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَوَلَا تَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَكَ؟ دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَمِّهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَتْ) .

فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ، وَإِذَا هِيَ تَذْكُرُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهَا عَلِيٌّ.

(1) تحرفت " إلا شيئا " في المطبوع إلى " الانباء ".

ص: 520

فَقَالَتْ: انْطَلِقْ إِلَى أَخِي - تَعنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْ لَهُ:

إِنَّ شِئْتَ فَأُعْتِقَهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَهُوَ لَكَ.

قَالَ: فَكُنْتُ أَغْدُو وَأَرُوْحُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتُعْوِلُنِي خُلَيْسَةُ.

فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: (انْطَلِقْ بِنَا نُكَافِئْ خُلَيْسَةً) .

فَكُنْتُ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْماً فِي حَائِطِهَا يُعَلُّمُنِي وَأُعِيْنُهُ، حَتَّى غَرَسْنَا لَهَا ثَلَاثَ مَائَةِ فَسِيْلَةٍ.

فَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ حَرُّ الشَّمْسِ، وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ مِظَلَّةً لِي مِنْ صُوْفٍ، فَعَرِقَ فِيْهَا مِرَاراً، فَمَا وَضَعْتُهَا بَعْدُ عَلَى رَأْسِي إِعْظَاماً لَهُ، وَإِبْقَاءً عَلَى رِيْحِهِ، وَمَا زِلْتُ أَخْبَؤُهَا وَيَنْجَابُ مِنْهَا، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، فَغَزْوْتُ مَرَّةً، فَسَقَطَتْ مِنِّي.

هَذَا الحَدِيْثُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ.

وَأَبُو مُعَاذٍ: مَجْهُوْلٌ، وَمُوْسَى.

إِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، قَالَ:

قِيْلَ لِسَلْمَانَ: أَخْبِرْنَا عَنْ إِسْلَامِكَ.

قَالَ: كُنْتُ مَجُوْسِيّاً، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَحُشِرَ النَّاسُ عَلَى صُوَرِهِم، وَحُشِرَ المَجُوْسُ عَلَى صُوَرِ الكِلَابِ، فَفَزِعْتُ.

فَرَأَيْتُ مِنَ القَابِلَةِ أَيْضاً أَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا عَلَى صُوَرِهِم، وَأَنَّ المَجُوْسَ حُشِرُوا عَلَى صُوَرِ الخَنَازِيْرِ، فَتَرَكْتُ دِيْنِي، وَهَرَبْتُ، وَأَتَيْتُ الشَّامَ.

فَوَجَدْتُ يَهُوْداً، فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم، وَقَرَأْتُ كُتُبَهُم، وَرَضِيْتُ بِدِيْنِهِم، وَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً.

فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا، وَأَنَّ اليَهُوْدَ أُتِيَ بِهِم، فَسُلِخُوا، ثُمَّ أُلْقُوا فِي النَّارِ، فَشُوُوْا، ثُمَّ أُخْرِجُوا، فَبُدِّلَتْ جُلُوْدُهُم، ثُمَّ أُعِيْدُوا فِي النَّارِ.

فَانْتَبَهْتُ، وَهَرَبْتُ مِنَ اليَهودِيَّةِ، فَأَتَيْتُ قَوْماً نَصَارَى، فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم، وَكُنْتُ مَعَهُم فِي شِرْكِهِم، فَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكاً أَخَذَنِي، فَجَاءَ بِي عَلَى الصِّرَاطِ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ: اعْبُرْ هَذَا.

فَقَالَ صَاحِبُ الصِّرَاطِ: انْظُرُوا، فَإِنْ كَانَ دِيْنُهُ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَلْقُوْهُ فِي النَّارِ.

فَانْتَبَهْتُ، وَفَزِعْتُ.

ثُمَّ اسْتَعْبَرْتُ رَاهِباً كَانَ

ص: 521

صَدِيْقاً لِي، فَقَالَ:

إِنَّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ دِيْنُ المَلِكِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِاليَعْقُوْبِيَّةِ، فَرَفَضْتُ ذَلِكَ، وَلَحِقْتُ بِالجَزِيْرَةِ، فَلَزِمْتُ رَاهِباً بِنَصِيْبِيْنَ يَرَى رَأْيَ اليَعْقُوْبِيَّةِ، فَكُنْتُ عِنْدَهُمْ حِجَجاً.

فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَ الرَّحْمَنِ قَائِمٌ عِنْدَ العَرْشِ، يَمِيْزُ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ، فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهِ، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ، فَهَرَبْتُ مِنْ ذَلِكَ الرَّاهِبِ، وَأَتَيْتُ رَاهِباً لَهُ خَمْسُوْنَ وَمَائَةُ سَنَةٍ، وَأَخْبَرْتُهُ بِقِصَّتِي، فَقَالَ:

إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُهُ لَيْسَ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ، ذَاكَ دِيْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ دِيْنُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَقَدِ اقْتَرَبَ، وَأَظَلَّكَ زَمَانُهُ، نَبِيُّ يَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى هَذَا الدِّيْنِ.

قُلْتُ: مَا اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ؟

قَالَ: لَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءَ، مَكْتُوْبٌ فِي العَرْشِ: مُحَمَّدٌ، وَفِي الإِنْجِيْلِ: أَحْمَدُ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ: مَحْمُوْدٌ، وَعَلَى الصِّرَاطِ: حَمَّادٌ، وَعَلَى بَابِ الجَنَّةِ: حَامِدٌ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ.

فَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: فَسِرْتُ فِي البَرِّيَّةِ، فَسَبَتْنِي العَرَبُ، وَاسْتَخْدَمَتْنِي سِنِيْنَ، فَهَرَبْتُ مِنْهُم، إِلَى أَنْ قَالَ:

فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَبَّلَ عَلِيٌّ رَأْسِي، وَكَسَانِي أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ

، إِلَى أَنْ قَالَ:(يَا سَلْمَانُ! أَنْتَ مَوْلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ) .

وَهُوَ مُنْكَرٌ.

فِي إِسْنَادِهِ كَذَّابٌ، وَهُوَ إِسْحَاقُ، مَعَ إِرْسَالِهِ، وَوَهْنِ (1) ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالتَّيْمِيِّ.

سَمَّوَيْه (2) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَمَّادٍ القَنَّادُ (3) ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَالَّذِيْنَ هَادُوا

} الآيَة، فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ نَزَلَتْ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ جُنْدِ

(1) تحرفت في المطبوع إلى " ووهنه ".

(2)

في المطبوع " وبه ".

(3)

تحرفت " قناد " في المطبوع إلى " هناد ".

ص: 522

سَابُوْرَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِم، وَكَانَ ابْنُ المَلِكِ صَدِيْقاً لَهُ وَمُوَاخِياً، وَكَانَا يَرْكَبَانِ إِلَى الصَّيْدِ.

فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْدِ، إِذْ رُفِعَ لَهُمَا بَيْتٌ مِنْ عَبَاءٍ، فَأَتَيَاهُ، فَإِذَا هُمَا بِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ، يَقْرَأُ فِيْهِ، وَيَبْكِي.

فَسَأَلَاهُ: مَا هَذَا؟

قَالَ: الَّذِي يُرِيْدُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا لَا يَقِفُ مَوْقِفَكُمَا، فَانْزِلَا.

فَنَزَلَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَمَرَ فِيْهِ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ، فِيْهِ أَنْ لَا تَزْنِيَ، وَلَا تَسْرِقَ، وَلَا تَأَخُذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيْهِ، وَهُوَ الإِنْجِيْلُ، فَتَابَعَاهُ، فَأَسْلَمَا.

وَقَالَ: إِنَّ ذَبِيْحَةَ قَوْمِكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَامٌ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ حَتَّى كَانَ عِيْدٌ لِلْمَلِكِ، فَجَعَلَ طَعَاماً، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَالأَشْرَافَ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ المَلِكِ، فَدَعَاهُ لِيَأْكُلَ، فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولٌ.

فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِم.

فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟

فَذَكَرَ لَهُ الرَّاهِبَ، فَطَلَبَ الرَّاهِبَ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ:

صَدَقَ ابْنُكَ.

فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ الدَّمَ عَظِيْمٌ لَقَتَلْتُكَ، اخْرُجْ مِنْ أَرْضِنَا.

فَأَجَّلَهُ أَجَلاً، فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ، فَقَالَ:

إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَأَنَا فِي بَيْعَةٍ فِي المَوْصِلِ مَعَ سِتِّيْنَ رَجُلاً نَعْبُدُ اللهِ، فَائْتُوْنَا.

فَخَرَجَ، وَبَقِيَ سَلْمَانُ وَابْنُ المَلِكِ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُوْلُ لابْنِ المَلِكِ: انْطَلِقْ بِنَا.

وَابْنُ المَلِكِ يَقُوْلُ: نَعَمْ.

فَجَعَل يَبِيْعُ مَتَاعَهُ يُرِيْدُ الجَهَازَ، وَأَبْطَأَ، فَخَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ رَبُّ البَيْعَةِ.

فَكَانَ سَلْمَان مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ:

إِنَّكَ غُلَامٌ حَدَثٌ (1) ، وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ، فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ.

قَالَ: خَلِّ عَنِّي.

ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ البَيْعَةِ دَعَاهُ، فَقَالَ:

تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ لِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ

(1) تصحفت في المطبوع إلى " حديث ".

ص: 523

أُخْرِجَ هَؤُلَاءِ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَضْعُفُ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ إِلَى بَيْعَةٍ أَهْلُهَا أَهْوَنُ عِبَادَةً، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيْمَ هَا هُنَا، فَأَقِمْ.

فَأَقَامَ بِهَا يَتَعَبَّدُ مَعَهُم.

ثُمَّ إِنَّ شَيْخَهُ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَدَعَا سَلْمَانَ، وَأَعْلَمَهُ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ، فَمَرُّوا بِمُقْعَدٍ عَلَى الطَّرِيْقِ، فَنَادَى:

يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ! ارْحَمْنِي.

فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى أَتَى بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَالَ لِسَلْمَانَ:

اخْرُجْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، فَإِنَّهُ يَحْضُرُ المَسْجِدَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الأَرْضِ.

فَخَرَجَ سَلْمَانُ يَسْمَعُ مِنْهُم.

فَخَرَجَ يَوْماً حَزِيْناً، فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ: مَا لَكَ؟

قَالَ: أَرَى الخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِم.

قَالَ: أَجَلْ، لَا تَحْزَنْ، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِي نَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ بِأَفَضْلَ تَبَعاً (1) مِنْهُ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَلَا أَرَانِي أُدْرِكُهُ، وَلَعَلَّكَ تُدْرِكُهُ، وَهُوَ يَخْرُجُ فِي أَرْضِ العَرَبِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَآمِنْ بِهِ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَلَامَتِهِ.

قَالَ: مَخْتُوْمٌ فِي ظَهْرِهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.

ثُمَّ رَجَعَا، حَتَّى بَلَغَا مَكَانَ المُقْعَدِ، فَنَادَاهُمَا:

يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ! ارْحَمْنِي يَرْحَمْكَ اللهُ.

فَعَطَفَ إِلَيْهِ حِمَارَهُ (2) ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَفَعَهُ، فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ، وَدَعَا لَهُ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللهِ.

فَقَامَ صَحِيْحاً يَشْتَدُّ (3) ، وَسَارَ الرَّاهِبُ، فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَانَ، وَتَطَلَّبَهُ سَلْمَانُ.

فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ كَلْبٍ (4)، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِبَ؟

فَأَنَاخَ أَحَدُهُمَا رَاحِلَتَهُ، وَقَالَ: نَعَمْ، رَاعِي الصِّرْمَةِ (5) هَذَا.

فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.

(1) تحرفت في المطبوع إلى " نبيا ".

(2)

تحرفت " حماره " في المطبوع إلى " جاره ".

(3)

تحرفت في المطبوع إلى " يسير ".

(4)

تحرفت في المطبوع إلى " كليب ".

(5)

والصرمة: القطعة من الابل ما بين العشرة إلى الأربعين.

والجمع صرم، وقد ترك محقق المطبوع مكانها فارغا.

ص: 524

قَالَ سَلْمَانُ: فَأَصَابَنِي مِنَ الحُزْنِ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي قَطُّ.

فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلَامٌ لَهَا، يَتَرَاوَحَانِ الغَنَمَ، وَكَانَ سَلْمَانُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ، يَنْتَظِرُ خُرُوْجَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

فبَيْنَمَا هُوَ يَرْعَى، إِذْ أَتَاهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدِمَ المَدِيْنَةَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

فَقَالَ: أَقِمْ فِي الغَنَمِ حَتَّى آتِيَ.

فَهَبَطَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ بِنِصْفِهِ شَاةً، فَشَوَاهَا، وَبِنِصْفِهِ خُبْزاً، وَأَتَى بِهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَا هَذَا؟) .

قَالَ: صَدَقَةٌ.

قَالَ: (لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، أَخْرِجْهَا يَأْكُلْهَا المُسْلِمُوْنَ) .

ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ آخَرَ خُبْزاً وَلَحْماً، فَأَتَى بِهِ (1)، فَقَالَ: هَذَا هَدِيَّةٌ.

فَأَكَلَا جَمِيْعاً، وَأَخْبَرَهُ سَلْمَانُ خَبَرَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُوْمُوْنَ وَيُصَلُّوْنَ، وَيَشْهَدُوْنَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ.

فَقَالَ: (يَا سَلْمَانُ! هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) .

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ: لَوْ أَدْرَكُوْكَ صَدَّقُوْكَ، وَاتَّبَعُوْكَ.

فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَالَّذِيْنَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِيْنَ (2)

} الآيَة، [البَقَرَةُ: 62] .

الحَسَنُ بنُ يَعْقُوْبَ البُخَارِيُّ، وَالأَصَمُّ، قَالَا:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ صُوْحَانَ:

أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، كَانَا لَهُ صَدِيْقَيْنِ، فَأَتَيَاهُ لِيُكَلِّمَ لَهُمَا

(1)" فأتى به " سقطت من المطبوع.

(2)

انظر ابن عساكر 7 / 194 / آ.

وما بعدها.

وأخرجه الطبراني 1 / 321 من طريق موسى بن هارون، عن عمرو، عن أسباط بن نصر، عن السدي: نزلت هذه

ص: 525

سَلْمَانَ، لِيُحَدِّثَهُمَا حَدِيْثَهُ.

فَأَقْبَلَا مَعَهُ، فَلَقَوْا سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ أَمِيْراً، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَإِذَا خُوْصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَرْتِقُهُ.

قَالَا: فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَقَعَدْنَا.

فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِكَ؟

قَالَ: كُنْتُ يَتِيْماً مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِهَا يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ، فَلَزِمْتُهُ لأَكُوْنَ فِي كَنَفِهِ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِياً بِنَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلَاماً، وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُم، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ، فَقَنَّعَ رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ صَعِدَ الجَبَلَ، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّراً.

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، فَلِمْ لَا تَذْهَبُ بِي مَعَكَ؟

قَالَ: أَنْتَ غُلَامٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ.

قُلْتُ: لَا تَخَفْ.

قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الجَبَلِ قَوْماً فِي بِرْطِيلٍ (1) ، لَهُم عِبَادَةٌ وَصَلَاحٌ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيْرَانِ، وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِيْنِهِم.

قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِم.

قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُم، أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيُعْلَمَ، أَوْ فَيُقْتَلَ القَوْمُ، فِيْكُوْنَ هَلَاكُهُمْ عَلَى يَدِيَّ.

قُلْتُ: لَنْ يَظْهَرَ مِنِّي ذَلِكَ، فَاسْتَأْمِرْهُم.

فَقَالَ: غُلَامٌ عِنْدِي يَتِيْمٌ، أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُم، وَيَسْمَعَ كَلَامَكُم.

قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ.

قَالَ: أَرْجُو.

قَالَ: فَقَالَ لِي: ائْتِنِي فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيْهَا، وَلَا يَعْلَمَ بِكَ أَحَدٌ.

فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ تَبِعْتُهُ، فَصَعَدَ الجَبَلَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِم.

قَالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: أَرَاهُ قَالَ: وَهُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ.

قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوْحَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنَ العِبَادَةِ، يَصُوْمُوْنَ النَّهَارَ، وَيَقُوْمُوْنَ اللَّيْلَ، وَيَأْكُلُوْنَ عِنْدَ السَّحَرِ مَا وَجَدُوا.

فَقَعَدْنَا إِلَيْهِم، فَتَكَلَّمُوا، فَحَمَدُوا اللهَ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى ذِكْرِ عِيْسَى، فَقَالُوا:

بَعَثَ اللهُ عِيْسَى رَسُوْلاً، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحِيَاءِ المَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ، وَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ، ابْتَلَى بِهِ

(1) البرطيل: القلة والصومعة، وهي سريانية معربة.

ص: 526

خَلْقَهُ.

وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ! إِنَّ لَكَ لَرَبّاً، وَإِنَّ لَكَ لَمَعَاداً، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةٌ وَنَارٌ، إِلَيْهَا تَصِيْرُ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ يَعْبُدُوْنَ النِّيْرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ، لَيْسُوا عَلَى دِيْنٍ.

فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيْهَا الغُلَامُ، انْصَرَفْتُ مَعَهُ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِم، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ، وَلَزِمْتُهُم.

فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا نَصْنَعُ، فَصَلِّ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.

فَاطَّلَعَ المَلِكُ عَلَى صَنِيْعِ ابْنِهِ، فَرَكِبَ فِي الخَيْلِ حَتَّى أَتَاهُمْ فِي بَرْطِيلِهِمْ.

فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ! قَدْ جَاوَرْتُمُوْنِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوْءاً، فَعَمَدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتمُوْهُ عَلِيَّ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثاً، فَإِنْ قَدِرْتُ بَعْدَهَا عَلَيْكُمْ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بَرْطِيلَكُمْ.

قَالُوا: نَعَمْ، وَكَفَّ ابْنَهُ عَنْ إِتْيَانِهِم.

فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّيْنَ دِيْنُ اللهِ، وَأَنَّ أَبَاكَ عَلَى غَيْرِ دِيْنٍ، فَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ.

قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ القَوْمِ بَقْياً (1) عَلَيْهِم.

قَالَ: فَأَتَيْتُهُم فِي اليَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا، فَقَالُوا:

يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ مَا رَأَيْتَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّيْنَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ دِيْنِكَ.

قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم.

قَالُوا: فَخُذْ شَيْئاً تَأْكُلْهُ، فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيْعُ مَا نَسْتَطِيْعُ نَحْنُ.

فَفَعَلْتُ، وَلَقِيْتُ أَخِي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ بِأَنِّي أَمْشِي مَعَهُم، فَرَزَقَ اللهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا المَوْصِلَ، فَأَتَيْنَا بَيْعَةً، فَلَمَّا دَخَلُوا أَحَفُّوا بِهِم، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم؟

قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُوْنَ اللهَ - تَعَالَى - بِهَا عَبَدَةُ النِّيْرَانِ، فَطُرِدْنَا، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُم.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، قَالُوا: يَا سَلْمَانُ! إِنَّ هَا هُنَا قَوْماً فِي هَذِهِ الجِبَالِ، هُم أَهْلُ

(1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش: كلمة غير ظاهرة.

ص: 527

دِيْنٍ، وَإِنَّا نُرِيْدُ لِقَاءهُم، فَكُنْ أَنْتَ هَا هُنَا.

قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم.

فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُم، فَأَصْبَحُوا بَيْنَ جِبَالٍ، وَإِذَا مَاءٌ كَثِيْرٌ، وَخُبْزٌ كَثِيْرٌ، وَإِذَا صَخْرَةٌ، فَقَعَدْنَا عِنْدَهَا.

فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الجِبَالِ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ، كَأَنَّ الأَرْوَاحَ قَدِ انْتُزِعَتْ مِنْهُم، حَتَّى كَثُرُوا، فَرَحَّبُوا بِهِم، وَحَفُّوا، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم؟

قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ فِيْهَا عَبَدَةُ نِيْرَانٍ.

فَقَالُوا: مَا هَذَا الغُلَامُ؟

وَطَفِقُوا يُثْنُوْنَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ البِلَادِ.

فَوَاللهِ إِنَّهُم لَكَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِم رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ، فَجَاءَ، فَسَلَّمَ، فَحَفُّوا بِهِ، وَعَظَّمَهُ أَصْحَابِي، وَقَالَ: أَيْنَ كُنْتُم؟

فَأَخْبَرُوْهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الغُلَامُ؟

فَأَثْنَوْا عَلَيَّ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ رُسُلَهُ، وَذَكَرَ مَوْلِدَ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ، فَبَعَثَهُ اللهُ رَسُوْلاً، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ المَوْتَى، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّيْنِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَيَنْفُخُ فِيْهِ، فِيَكُوْنُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيْلَ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعَثَهُ رَسُوْلاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ

، إِلَى أَنْ قَالَ:

فَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيْسَى، وَلَا تُخَالِفُوا، فَيُخَالَفَ بِكُم.

ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا شَيْئاً، فَلْيَأْخُذْ.

فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُوْمُ فَيَأْخُذُ الجَرَّةَ مِنَ المَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَيْءِ.

فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِيْنَ جِئْتُ مَعَهُم، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَظَّمُوْهُ، وَقَالَ لَهُم:

الْزَمُوا هَذَا الدِّيْنَ، وَإِيَّاكُم أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلَامِ خَيْراً.

وَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ! هَذَا دِيْنُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُوْلُهُ، وَمَا سِوَاهُ الكُفْرُ.

قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ.

قَالَ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَكُوْنَ مَعِي، إِنِّي مَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلَاّ كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ.

قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ.

قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا فُلَانٍ! إِنَّ هَذَا لَغُلَامٌ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ.

قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ.

فَبَكَى أَصْحَابِي لِفِرَاقِي، فَقَالَ: يَا غُلَامُ! خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا يَكْفِيْكَ لِلأَحَدِ الآخَرِ، وَخُذْ مِنَ المَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ.

فَفَعَلْتُهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِماً وَلَا طَاعِماً، إِلَاّ رَاكِعاً

ص: 528

وَسَاجِداً، إِلَى الأَحَدِ الآخَرِ.

فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ، وَانْطَلِقْ.

فَخَرَجْتُ أَتْبَعُهُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُم قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الجِبَالِ يَنْتَظِرُوْنَ خُرُوْجَهُ، فَعَدَوْا، وَعَادَ فِي حَدِيْثِهِ، وَقَالَ:

الْزَمُوا هَذَا الدِّيْنَ، وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عِيْسَى كَانَ عَبْداً لِلِّهِ، أَنْعَمَ عَلَيْهِ.

فَقَالُوا: كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الغُلَامَ؟

فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيْرٌ، وَمَاءٌ كَثِيْرٌ، فَأَخَذُوا مَا يَكْفِيْهِمْ، وَفَعَلْتُ، فَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الجِبَالِ، وَرَجَعْنَا إِلَى الكَهْفِ، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، يَخْرُجُ كُلَّ أَحَدٍ، وَيَحُفُّوْنَ بِهِ.

فَخَرَجَ يَوْماً، فَحَمِدَ اللهَ -تَعَالَى- وَوَعَظَهُم، ثُمَّ قَالَ:

يَا هَؤُلَاءِ! إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَإِنَّهُ لَا عَهْدَ لِي بِهَذَا البَيْتِ مُذْ كَذَا وَكَذَا، وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلَامِ خَيْراً، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

فَجَزِعَ القَوْمُ، وَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيْرٌ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ، فَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُصِيْبَكَ الشَيْءُ وَلَسْنَا عِنْدَكَ، مَا أَحْوَجَ مَا كُنَّا إِلَيْكَ.

قَالَ: لَا تُرَاجِعُوْنِي.

فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ.

قَالَ: يَا سَلْمَانُ! قَدْ رَأَيْتَ حَالِي، وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، أَنَا أَمْشِي، أَصُوْمُ النَّهَارَ، وَأَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَلَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَاداً وَلَا غَيْرَهُ، وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا.

قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ.

قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ.

وَبَكَوْا، وَوَدَّعُوْهُ، وَاتَّبَعْتُهُ يَذْكُرُ اللهَ، وَلَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى إِذَا أَمْسَيْنَا.

قَالَ: صَلِّ أَنْتَ، وَنَمْ وَقُمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.

ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، حَتَّى إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا عَلَى بَابِ المَسْجِدِ مُقْعَدٌ، فَقَالَ:

يَا عَبْدَ اللهِ! قَدْ تَرَى حَالِي، فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ.

فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَجَعَلَ يَتْبَعُ أَمْكِنَةً يُصَلِّي فِيْهَا.

ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ! لَمْ أَنَمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ أَنْ تُوْقِظَنِي إِذَا بَلَغ الظَّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، وَإِلَاّ لَمْ أَنَمْ.

قُلْتُ: فَإِنِّي أَفْعَلُ.

فَنَامَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، لأَدَعَنَّهُ يَنَامُ.

ص: 529

وَكَانَ لَمَّا يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ، فَيَعِظُنِي، وَيُخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبّاً، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ جَنَّةً وَنَاراً وَحِسَاباً، وَيُذَكِّرُنِي نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ القَوْمَ يَوْمَ الأَحَدِ.

حَتَّى قَالَ: يَا سَلْمَانُ! إِنَّ اللهَ سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُوْلاً اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْجَمِيّاً لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقُوْلَ مُحَمَّدٌ، عَلَامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيْهِ قَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ فَصَدِّقْهُ، وَاتَّبِعْهُ.

قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟

قَالَ: نَعَمْ، فَإِن رِضَى الرَّحْمَنِ فِيْمَا قَالَ.

فَلَمْ يَمْضِ إِلَاّ يَسِيْرٌ حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعاً يَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- فَقَالَ:

يَا سَلْمَانُ! مَضَى الفَيْءُ مِنْ هَذَا المَكَانِ، وَلَمْ أَذْكُرِ اللهَ، أَيْنَ مَا كُنْتَ جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ؟

قُلْتُ: لأَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مِنَ النَّوْمِ.

فَحَمِدَ اللهَ، وَقَامَ، وَخَرَجَ، فَتَبِعْتُهُ، فَمَرَّ بِالمُقْعَدِ، فَقَالَ:

يَا عَبْدَ اللهِ! دَخَلْتَ وَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ (1) فَلَمْ تُعْطِنِي.

فَقَامَ يَنْظُرُ، هَلْ يَرَى أَحَداً، فَلَمْ يَرَ، فَدَنَا مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ.

فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ: بَاسْمِ اللهِ.

فَقَامَ كَأَنَّهُ نَشَطَ مِنْ عُقَالٍ صَحِيْحاً، لَا عَيْبَ فِيْهِ، فَانْطَلَقَ ذَاهِباً، فَكَانَ لَا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَقُوْمُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لِي المُقْعَدُ: يَا غُلَامُ! احْمِلْ عَلَيَّ ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي.

فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَانْطَلقَ لَا يَلْوِي عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ أَطْلُبُهُ، فَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ.

حَتَّى لَقِيَنِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَأَلْتُهُم،

(1) سقطت " فسألتك " من المطبوع.

ص: 530

فَلَمَّا سَمِعُوا لُغَتِي (1) ، أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيْرَهُ، فَجَعَلَنِي خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَوْا بِي بِلَادَهُم فَبَاعُوْنِي، وَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا.

وَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرْتُ بِهِ، فَأَخَذْتُ شَيْئاً مِنْ تَمْرِ حَائِطِي، وَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) .

قُلْتُ: صَدَقَةٌ.

فَقَالَ: (كُلُوا) ، وَلَمْ يَأْكُلْ.

ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) .

قُلْتُ: هَدِيَّةٌ.

فَقَالَ: (بَاسْمِ اللهِ) وَأَكَلَ، وَأَكَلَ القَوْمُ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ.

كَانَ صَاحِبِي رَجُلاً أَعْجَمِيّاً، لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقُوْلَ تِهَامَةَ، فَقَالَ: تُهْمَةُ.

قَالَ: فَدُرْتُ مِنْ خَلْفِهِ، فَفَطِنَ لِي، فَأَرْخَى ثَوْبَهُ، فَإِذَا الخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ، فَتَبَيَّنْتُهُ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَستُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ:

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهَ، وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.

قَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .

قُلْتُ: مَمْلُوْكٌ، وَحَدَّثْتُهُ حَدِيْثِي، وَحَدِيْثَ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ.

قَالَ: (لِمَنْ أَنْتَ؟) .

قُلْتُ: لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا.

قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ!) .

قَالَ: لَبَّيْكَ.

قَالَ: (اشْتَرِهِ) .

فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَنِي، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي دِيْنِ النَّصَارَى؟

قَالَ: (لَا خَيْرَ فِيْهِم، وَلَا فِي دِيْنِهِم) .

فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيْمٌ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: الَّذِي أَقَامَ المُقْعَدَ لَا خَيْرَ فِي هَؤُلَاءِ، وَلَا فِي دِيْنِهِم.

فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ:{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُم قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُم لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ} [المَائِدَةُ: 82] .

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (عَلَيَّ بِسَلْمَانَ) .

فَأَتَانِي الرَّسُوْلُ وَأَنَا خَائِفٌ،

(1) تحرفت في المطبوع إلى " نعتي ".

ص: 531

فَجِئْتُهُ، فَقَرَأَ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُم قِسِّيْسِيْنَ} .

ثُمَّ قَالَ: (يَا سَلْمَانُ! إِنَّ الَّذِيْنَ كُنْتَ مَعَهُم وَصَاحِبَكَ لَمْ يَكُوْنُوا نَصَارَى، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِيْنَ) .

فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَهُوَ الَّذِي أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّهُ الحَقُّ (1) .

هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، حَكَمَ الحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ.

سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، قَالَ:

كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِي يَعْبُدُوْنَ الخَيْلَ البُلْقَ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُم لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقِيْلَ لِي: إِنَّ الَّذِي تَرُوْمُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالمَغْرِبِ.

فَأَتَيْتُ المَوْصِلَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ فِيْهَا، فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ:

إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَإِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَضُمَّنِي إِلَيْكَ أَخْدِمْكَ وَأَصْحَبْكَ، وَتُعَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.

قَالَ: نَعَمْ.

فَأَجْرَى عَلَيَّ مِثْلَ مَا كَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ، وَكَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ الخَلُّ وَالزَّيْتُ وَالحُبُوْبُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ أَبْكِيْهِ.

فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟

قُلْتُ: يُبْكِيْنِي أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي أَطْلُبُ الخَيْرَ، فَرَزَقَنِي اللهُ، فَصَحِبْتُكَ، فَعَلَّمْتَنِي، وَأَحْسَنْتَ صُحْبَتِي، فَنَزَلَ بِكَ المَوْتُ، فَلَا أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ؟

قَالَ: لِي أَخٌ بِالجَزِيْرَةِ مَكَانَ كَذَا

(1) أخرجه الحاكم 3 / 599 - 602، وقال: حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان.

ولم يخرجاه، وأخرجه الفسوي 2 / 272 في " المعرفة والتاريخ " من طريق: زكريا من الارسوفي، عن السري بن يحيى عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال:

، وكذلك هو عند الذهبي في " تاريخ الإسلام " 2 / 158 وقال: إسناده جيد.

وزكريا الارسوفي صدوق إن شاء الله.

ص: 532

وَكَذَا، فَهُوَ عَلَى الحَقِّ، فَائْتِهِ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ، وَأَوْصَيْتُكُ بِصُحْبَتِهِ.

فَلَمَّا قُبِضَ، أَتَيْتُ الرَّجُلَ الَّذِي وَصَفَ لِي، فَأَخْبَرْتُهُ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ، فَصَحِبْتُهُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ بِقُرْبِ الرُّوْمِ.

فَلَمَّا قُبِضَ أَتَيْتُهُ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَيْتُ، فَقَالَ:

مَا بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ عِيْسَى أَعْلَمُهُ، وَلَكِنْ هَذَا أَوَانٌ يَخْرُجُ نَبِيٌّ أَوْ قَدْ خَرَجَ بِتِهَامَةَ، وَأَنْتَ عَلَى الطَّرِيْقِ لَا يَمُرُّ بِكَ أَحَدٌ إِلَاّ سَأَلْتَهُ عَنْهُ، وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ، فَائْتِهِ، فَإِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى، وَآيَةُ (1) ذَلِكَ:

، فَذَكَرَ الخَاتَمَ، وَالهَدِيَّةَ، وَالصَّدَقَةَ.

قَالَ: فَمَاتَ، وَمَرَّ بِي نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَسَأَلْتُهُم.

فَقَالُوا: نَعَمْ، قَدْ ظَهَرَ فِيْنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

فَقُلْتُ لِبَعْضِهِم: هَلْ لَكُم أَنْ أَكُوْنَ لَكُم عَبْداً، عَلَى أَنْ تَحْمِلُوْنِي عُقْبَةً، وَتُطْعِمُوْنِي مِنَ الكِسَرِ؟

فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.

فَصِرْتُ لَهُ عَبْداً، حَتَّى قَدِمَ بِي مَكَّةَ، فَجَعَلَنِي فِي بُسْتَانٍ لَهُ مَعَ حُبْشَانٍ كَانُوا فِيْهِ، فَخَرَجْتُ وَسَأَلْتُ، فَلَقِيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ بِلَادِي، فَسَأَلْتُهَا، فَإِذَا أَهْلُ بَيْتِهَا قَدْ أَسْلَمُوا.

فَقَالَتْ لِي: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ فِي الحِجْرِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، إِذَا صَاحَ عُصْفُوْرُ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا أَضَاءَ لَهُمُ الفَجْرُ تَفَرَّقُوا.

فَانْطَلَقْتُ إِلَى البُسْتَانِ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ لَيْلَتِي.

فَقَالَ لِي الحُبْشَانُ: مَا لَكَ؟

قُلْتُ: أَشْتَكِي بَطْنِي، وَإِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِئَلَاّ يَفْقِدُوْنِي، فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْنِي خَرَجْتُ أَمْشِي، حَتَّى رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُحْتَبٍ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَرْسَلَ حَبْوَتَهُ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.

فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، هَذِهِ وَاحِدَةٌ.

ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ المُقْبِلَةُ لَقَطْتُ تَمْراً جَيِّداً، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:(مَا هَذَا؟) .

فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ.

إِلَى أَنْ قَالَ: (فَاذْهَبْ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ) .

فَانْطَلَقْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقُلْتُ: بِعْنِي نَفْسِي.

قَالَ: نَعَمْ، عَلَى أَنْ تُنْبِتَ

(1) في الأصل " وإنه " وهو خطأ.

ص: 533

لِي مَائَةَ نَخْلَةٍ، فَإِذَا أَنْبَتَتْ جِئْنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ.

فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:(اشْتَرِ نَفْسَكَ بِذَلِكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ البِئْرِ الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ) .

فَدَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيْهَا، ثُمَّ سَقَيْتُهَا، فَوَاللهِ لَقَدْ غَرَسْتُ مَائَةَ نَخْلَةٍ، فَمَا غَادَرْتُ مِنْهَا نَخْلَةً إِلَاّ نَبَتَتْ.

فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَوَضَعْتُهَا فِي كَفَّةِ المِيْزَانِ، وَوَضَعَ فِي الجَانَبِ الآخَرِ نَوَاةً، فَوَاللهِ مَا اسْتَقَلَّتِ القِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ الأَرْضِ، وَجِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَخْبَرْتُهُ، فَأَعْتَقَنِي (1) .

هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكرٌ، غَيْرُ صَحِيْحٍ.

وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ: مَتْرُوْكٌ.

وَقَدْ تَابَعَهُ فِي بَعْضِ الحَدِيْثِ: الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَأَمَّا هُوَ فَسَمَّنَ الحَدِيْثَ، فَأَفْسَدَهُ، وَذَكَرَ مَكَّةَ وَالحِجْرَ وَأَنَّ هُنَاكَ بَسَاتِيْنَ، وَخَبَطَ فِي مَوَاضِعَ.

وَرَوَى مِنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ العَلَاءِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ.

وَرَوَاهُ: المُبَارَكُ أَخُو الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، فَقَالَ:

عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ.

وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ.

وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كُنْتُ رَجُلاً مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَالفَارِسِيَّةُ سَمَّاهَا ابْنُ مَنْدَةَ: أَمَةَ اللهِ.

الطَّبَرَانِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ الكَبِيْرِ) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ (2) بنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، والحاكم 3 / 603، وقال: حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن عبد القدوس ساقط، وأخرجه الطبراني (6073) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 337، وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي.

ضعفه أحمد والمجمهور، ووثقه ابن حيان، وقال: ربما أغرب.

وبقية رجاله ثقات. وانظر ابن عساكر 7 / 195 / ب.

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " سلمة ".

ص: 534

سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ العِجْلِيِّ، قَالَ:

جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ البَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: قُدَامَةُ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ.

فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَجَدْنَاهُ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيْرِ لِيْفٍ، يَسُفُّ خُوْصاً.

فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدِمَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ.

قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ.

قَالَ: أَحَبَّهُ اللهُ.

فَتَحَدَّثْنَا، وَقُلْنَا: أَلَا تُحِدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ (1) .

قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْماً مَجُوْساً، فَأَتَانِي نَصْرَانِيٌّ مِنَ الجَزِيْرَةِ، كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِيْنَا، وَاتَّخَذَ دَيْراً، وَكُنْتُ فِي مَكْتَبِ الفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ غُلَامٌ مَعِي فِي الكُتَّابِ، يَجِيْءُ مَضْرُوْباً يَبْكِي.

فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: مَا يُبْكِيْكَ؟

قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ.

قُلْتُ: وَلِمَ؟

قَالَ: آتِي هَذَا الدَّيْرَ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيْثاً عَجَباً.

قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ.

فَأَتَيْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ، وَعَنِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، فَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الكُتَّابِ، فَجَعَلُوا يَجِيْئُوْنَ مَعَنَا.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ القَرْيَةِ، قَالُوا لَهُ: يَا هَنَاة (2) ! إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنَّا إِلَاّ الحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُم، اخْرُجْ عَنَّا.

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ لِذَلِكَ الغُلَامِ: اخْرُجْ مَعِي.

قَالَ: لَا أَسْتَطِيْعُ، قَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ.

قُلْتُ: أَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيْماً لَا أَبَ لِي.

فَخَرَجْتُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، حَتَّى قَدِمْنَا الجَزِيْرَةَ، فَقَدِمْنَا نَصِيْبِيْنَ.

فَقَالَ: هُنَا قَوْمٌ عُبَّادُ أَهْلِ الأَرْضِ.

فَجِئْنَا إِلَيْهِم يَوْمَ الأَحَدِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِم، فَحَيَّوْهُ، وَبَشُّوا بِهِ، وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ؟

قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ قِبَلِ فَارِسٍ.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبِي: قُمْ يَا

(1) تحرفت في المطبوع إلى " أهلك ".

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " يا هذا ".

ص: 535

سَلْمَانُ.

قَالَ: قُلْتُ: لَا، دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ.

قَالَ: إِنَّكَ لَا تُطِيْقُ مَا يُطِيْقُ هَؤُلَاءِ، يَصُوْمُوْنَ الأَحَدَ إِلَى الأَحَدِ، وَلَا يَنَامُوْنَ هَذَا اللَّيْلَ، وَإِذَا فِيْهِم رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ تَرَكَ المُلْكَ، وَدَخَلَ فِي العِبَادَةِ، فَكُنْتُ فِيْهِم حَتَّى أَمْسَيْنَا، فَجَعَلُوا يَذْهَبُوْنَ وَاحِداً وَاحِداً إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُوْنُ فِيْهِ.

فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! هَذَا خُبْزٌ، وَهَذَا أُدْمٌ، كُلْ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ.

ثُمَّ قَامَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يُكَلِّمْنِي، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ، فَأَخَذَنِي الغَمُّ تِلْكَ الأَيَّامَ السَّبْعَةَ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ الأَحَدِ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَجْمَعِهِم.

إِلَى أَنْ قَالَ صَاحِبِي: إِنِّي أُرِيْدُ الخُرُوْجَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَفَرِحْتُ، وَقُلْتُ نُسَافِرُ وَنَلْقَى النَّاسَ.

فَخَرَجْنَا، فَكَانَ يَصُوْمُ مِنَ الأَحَدِ إِلَى الأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي بِالنَّهَارِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَاكَ دَأْبَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَعَلَى بَابِهِ مُقْعَدٌ يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَعْطِنِي.

قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ.

فَدَخَلْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَشُّوا بِهِ، وَاسْتَبْشَرُوا، فَقَالَ لَهُم:

غُلَامِي هَذَا، اسْتَوْصُوا بِهِ.

فَأَطْعَمُوْنِي خُبْزاً وَلَحْماً، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الأَحَدِ، فَقَالَ لِي:

يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَنَامَ، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي.

فَنَامَ، فَلَمْ أُوْقِظْهُ مَاوِيَةً لَهُ مِمَّا دَأَبَ.

فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُوْراً، فَقَالَ: أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ؟

ثُمَّ قَالَ لِي: اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الدِّيْنِ اليَوْمَ النَّصْرَانِيَّةُ.

قُلْتُ: وَيَكُوْنُ بَعْدَ اليَوْمِ دِيْنٌ أَفْضَلُ مِنْهُ - كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي -؟

قَالَ: نَعَمْ، يُوْشَكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ

، إِلَى أَنْ قَالَ:

فَتَلَقَّانِي رِفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَبَوْنِي، فَاشْتَرَانِي بِالمَدِيْنَةِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي نَخْلٍ، وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَّمْتُ عَمَلَ الخُوْصِ، أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ، فَأَعْمِلُهُ، فَأَبِيْعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَرُدُّ دِرْهَماً فِي الخُوْصِ، وَأَسْتَنْفِقُ دِرْهَماً أُحِبُّ أَنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ يَدِي.

قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ.

قَالَ: فَهَاجَرَ إِلَيْنَا،

ص: 536

إِلَى أَنْ قَالَ:

فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟

قَالَ: (لَا خَيْرَ فِيْهِم، وَلَا فِيْمَنْ يُحِبُّهُم) .

قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا -وَاللهِ- أُحِبُّهُم.

قَالَ: وَذَاكَ حِيْنَ بَعَثَ السَّرَايَا، وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ، وَسرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ.

قُلْتُ: يُحَدَّثُ بِي أَنِّي أُحِبُّهُم، فَيَبْعَثَ إِلَيَّ، فَيَضْرِبَ عُنُقِي.

فَقَعَدْتُ فِي البَيْتِ، فَجَاءنِي الرَّسُوْلُ: أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ.

فَخِفْتُ، وَقُلْتُ: اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ.

قَالَ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تَجِيْءَ.

فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ، وَقَالَ:(يَا سَلْمَانُ! أَبْشِرْ، فَقَدْ فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ) .

ثُمَّ تَلَا عَلَيَّ: {الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُوْنَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِم قَالُوا: آمَنَّا بِهِ

} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِيْنَ} [القَصَصُ: 52] .

قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُوْل - يَعْنِي صَاحِبَهُ -: لَوْ أَدْرَكْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُ فِيْهَا، إِنَّهُ نَبِيٌّ، لَا يَقُوْلُ إِلَاّ حَقّاً، وَلَا يَأْمُرُ إِلَاّ بِحَقٍّ (1) .

غَرِيْبٌ جِدّاً.

وَسَلَامَةُ: لَا يُعْرَفُ.

قَالَ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

خَرَجْتُ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى الشَّامِ، فَقَالُوا لِي:

إِنَّ نَبِيّاً قَدْ ظَهَرَ بِتِهَامَةَ.

فَخَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ:(أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟) .

قُلْتُ: صَدَقَةٌ.

فَقَبَضَ يَدَهُ، وَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَأْكُلُوا.

ثُمَّ أَتْبَعْتُهُ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقُلْتُ: هَذَا هَدِيَّةٌ.

فَأَكَلَ، وَأَكَلُوا.

فَقُمْتُ عَلَى رَأْسِهِ، فَفَطِنَ، فَقَالَ بِرِدَائِهِ عَنْ ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِي ظَهْرِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ، وَتَشَهَّدْتُ (2) .

(1) أخرجه الطبراني (6110) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 340، وقال رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سلامة العجلي، وقد وثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل.

(2)

رجاله ثقات غير شريك، وهو ابن عبد الله فإنه سيئ الحفظ.

وأخرجه الطبراني (6071) =

ص: 537

إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.

أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ سُلَيْمَانَ (1) التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ:

تَدَاوَلَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ (2) .

يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كَاتَبْتُ، فَأَعَانَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَوْ وُزِنَتْ بِأُحُدٍ كَانَتْ أَثْقَلَ مِنْهُ (3) .

حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُم خَمْسَ مَائَةِ فَسِيْلَةٍ، فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي) .

فَآذَنْتُهُ، فَغَرَسَ بِيَدِهِ إِلَاّ وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا، فَيَعْلِقُ الجَمِيْعُ إِلَاّ الوَاحِدَةَ الَّتِي غَرَسْتُ (4) .

قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي الوُضُوْءِ قَبْلَ الطَّعَامِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(تَنْزِلُ قَبْلَ الطَّعَامِ فِي الوُضُوْءِ، وَفِي الوُضُوْءِ بَعْدَهُ)(5) .

= من طريق علي بن عبد العزيز، عن ابن الأصبهاني، عن شريك، به مختصرا.

والقباع بضم القاف: مكيال واسع أحدثه رجل اسمه قباع، فسمي به.

(1)

تحرف " سليمان " في المطبوع إلى " سلمان ".

(2)

أخرجه البخاري (3946) في مناقب الانصار: باب إسلام سلمان، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 195، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 221.

(3)

إسناده ضعيف لضعف شريك.

وأخرجه الطبراني في " الكبير "(6072) .

(4)

إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وأخرجه أحمد 5 / 440 وابن سعد 4 / 1 / 57.

(5)

إسناده ضعيف لضعف قيس بن الربيع، وأخرجه أحمد 5 / 441، وأبو داود (3761) في الاطعمة: باب في غسل اليد قبل الطعام، والترمذي (1847) في الاطعمة: باب ما جاء في الوضوء

قبل الطعام وبعده، والحاكم في " المستدرك " 3 / 604 كلهم من طريق قيس بن الربيع، عن أبي هاشم الزماني، عن زاذان، عن سلمان..، والطيالسي (1674) ، وضعفه أبو داود، والترمذي، والذهبي، والعراقي، وانظر الحاكم 4 / 106 - 107.

وقد تصحف أبو هاشم في المطبوع إلى " هشام ".

ص: 538

أَبُو بَدْرٍ (1) السَّكُوْنِيُّ: عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَانَ:

قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا سَلْمَانُ! لَا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِيْنَكَ) .

قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي! كَيْفَ أُبْغِضُكَ (2) وَبِكَ هَدَانِي اللهُ.

قَالَ: (تُبْغِضُ العَرَبَ، فَتُبْغِضُنِي (3)) .

قَابُوْسُ بنُ حَسَنَةَ:

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: يَحْيَى بنُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي العَيْزَارِ مِنَ الضُّعَفَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَابِقُ وَلَدِ آدَمَ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ (4)) .

ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (سَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ (5)) .

هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيْحٌ.

ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: عَنْ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ (6) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَّ الخَنْدَقَ عَامَ الأَحْزَابِ، فَاحْتَجَّ المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ فِي

(1) هو أبو بدر شجاع بن الوليد السكوني.

وقد تحرفت في المطبوع إلى " بدار ".

(2)

سقطت من المطبوع.

(3)

أخرجه أحمد 5 / 440، والطبراني (6093)، والترمذي (3923) في المناقب: باب في فضل العرب.

وقال: حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث أبي بدر شجاع بن الوليد، كذا قال، مع أن قابوس بن أبي ظبيان فيه لبن، وأبوه واسمه حصين بن جندب لم يسمع من سلمان.

(4)

سبق تخريجه في الصفحة (349) تعليق (2) .

(5)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59.

(6)

تحرفت الجلمة في المطبوع إلى كثير بن عبد الله عن عوف.

ص: 539

سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَانَ رَجُلاً قَوِيّاً.

فَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ: مِنَّا سَلْمَانُ.

وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ (1)) .

كَثِيْرٌ: مَتْرُوْكٌ.

حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بنِ عَمْرٍو:

أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ عَلَى سَلْمَانَ وَبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا:

مَا أَخَذَتْ سُيُوْفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَقُوْلُوْنَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا؟!

ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:(يَا أَبَا بَكْرٍ! لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُم، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ) .

فَأَتَاهُم أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ، أَغْضَبْتُكُم؟

قَالُوا: لَا يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ (2) .

قَالَ الوَاقِدِيُّ: أَوَّلُ مَغَازِي سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ: الخَنْدَقُ.

أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ:

عَنْ أَبِيْهِ مَرْفُوْعاً: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُم: عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ (3)) .

تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو رَبِيْعَةَ.

(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59، والحاكم 3 / 598 كلاهما من طريق: ابن أبي فديك، عن كثير ابن عبد الله، عن أبيه، عن جده، وقال الذهبي: سنده ضعيف.

(2)

أخرجه أحمد 5 / 64، ومسلم (2504) في الفضائل: باب من فضائل سلمان، وهو في " الاستيعاب " 4 / 224.

(3)

شريك بن عبد الله سيئ الحفظ، وأبو ربيعة: هو عمرو بن ربيعة.

قال أبو حاتم: منكر الحديث.

ووثقه ابن معين ومال المؤلف في " الميزان " إلى تضعيفه، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي.

وأخرجه أحمد 5 / 351، والترمذي (3720) في المناقب: باب مناقب علي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه (149) في المقدمة: باب فضل سلمان وأبي ذر، وأبو نعيم 1 / 190، والحاكم 3 / 130، وقال: صجيع على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي، فقال: ما خرج مسلم لأبي ربيعة، وهو في " الاستيعاب " 4 / 223، و" الإصابة " 4 / 224.

ص: 540

الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ البَصْرِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ (1)) .

يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ:

قِيْلَ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُوْنَ؟

قِيْلَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ.

قَالَ: عَلِمَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى، وَكَفَى بِهِ عِلْماً.

قَالُوا: عَمَّارٌ؟

قَالَ: مُؤْمِنٌ نَسِيٌّ، فَإِنْ ذَكَّرْتَهُ ذَكَرَ.

قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ؟

قَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ.

قَالُوا: أَبُو مُوْسَى؟

قَالَ: صُبِغَ فِي العِلْمِ صِبْغَةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ.

قَالُوا: حُذَيْفَةُ؟

قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالمُنَافِقِيْنَ.

قَالُوا: سَلْمَانُ؟

قَالَ: أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ.

قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟

قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ أُعْطِيْتُ، وَإِذَا سَكَتُّ ابْتُدِيْتُ (2) .

مُسلمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنِ العَلَاءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً

(1) إسناده ضعيف لضعف أبي ربيعة كما مر في التعليق السابق، ولعنعنة الحسن، وأخرجه الترمذي (3798) في المناقب، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.

وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، وأضاف إليهم رابعا هو المقداد، وذكره الهيثمي في

" المجمع " 9 / 307، 344، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الايادي، وقد حسن الترمذي حديثه.

وأخرجه الطبراني (6045) من طريق: حسين بن إسحاق التستري، عن علي بن بحر، عن سلمة بن فضل الابرش، عن عمران الطائي، عن أنس: أن الجنة تشتاق إلى أربعة: وزاد إليهم المقداد.

وقد تقدم هذا الحديث في الصفحة (355) والصفحة (413)

(2)

رجاله ثقات.

وقد سبق تخريجه في الصفحة (414) رقم (2) .

(3)

تحرفت في المطبوع إلى " عبد العزيز ".

ص: 541

غَيْرَكُم} .

قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟

قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، ثُمَّ قَالَ:(هَذَا وَقَوْمُهُ، لَوْ كَانَ الدِّيْنُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الفُرْسِ (1)) .

إِسْنَادُهُ وَسَطٌ.

وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:

بَلَغ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُ سَلْمَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً.

فَقَالَ: (ثَكِلَتْ سَلْمَانَ أُمُّهُ، لَقَدِ اتَّسَعَ مِنَ العِلْمِ (2)) .

شَيْبَانُ: عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} قَالَ: سَلْمَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ (3) .

(1) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 2، 3 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، ومن طريق عبد الله بن جعفر المديني: كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي به، وأخرجه البخاري (4897) و (4898) في التفسير: باب قوله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم، من طريق سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا، عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، قال: قلت من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى

سأل ثلاثا - وفينا سلمان الفارسي.

وضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يده على سلمان - ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء "، وأخرجه مسلم (2546) في الفضائل: باب فضائل الفرس، مجردا عن السبب من رواية يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رفعه " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس حتى يتناوله "، والترمذي (3307) في التفسير: باب ومن سورة الجمعة.

(2)

ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 343 - 344 مطولا، ونسبه إلى الطبراني في " الأوسط "، وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 60 - 61 من طريق عبد الله بن نمير، عن الأعمش، به.

(3)

أخرجه الطبري في " تفسيره " 13 / 177، وانظر " الدر المنثور " تفسير [الرعد: 42] .

ص: 542

إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: عَنِ ابْنِ (1) عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: (يَا عُوَيْمِرُ! سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ، لَا تَخُصَّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ، وَلَا يَوْمَهَا بِصِيَامٍ (2)) .

مِسْعَرٌ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:

سَلْمَانُ تَابَعَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، وَلَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَهُ (3) .

حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَاذَانَ، قَالَا:

كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ سَلْمَانَ.

قَالَ: مَنْ لَكُم بِمِثْلِ لُقْمَانَ الحَكِيْمِ، ذَاكَ امْرُؤٌ مِنَّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ البَيْتِ، أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ (4) .

(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ".

(2)

أخرجه أحمد 6 / 444 وليس فيه " سلمان أعلم منك ".

وابن سعد 4 / 1 / 61 مطولا.

وأخرج البخاري نحوه (1968) في الصوم: باب من أقسم على أخيه ليفطر، و (6139) في الأدب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف، والترمذي (2415) في الزهد: باب أعط كل ذي حق حقه، كلاهما من طريق: أبي العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: " آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بين

سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة.

فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال له: كل، قال: فإني صائم.

قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل.

فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.

قال: نم.

فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم.

فلما كان من آخر الليل.

قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه.

فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له النبي، صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان ".

(3)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 223.

(4)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 224، و" أسد الغابة " 2 / 420.

ص: 543

مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ (1) ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عُمَيْرَةَ (2)، قَالَ:

لَمَّا حَضَرَ مُعَاذاً المَوْتُ، قُلْنَا: أَوْصِنَا.

قَالَ: أَجْلِسُوْنِي.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الإِيْمَانَ وَالعِلْمَ مَكَانُهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا - قَالَهَا ثَلَاثاً - فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُوْدِيّاً فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ:(إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ (3)) .

رَوَاهُ: اللَّيْثُ، وَكَاتِبُهُ عَنْهُ.

وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ، قَالَ:

لَوْ حَدَّثْتُهُم بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ، لَقَالُوا: رَحِمَ اللهُ قَاتِلَ سَلْمَانَ (4) .

مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ: كَانَ بَيْنَ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَيْنَ سَلْمَانَ شَيْءٌ، فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ.

قَالَ: مَا أَعْرِفُ لِي أَباً فِي الإِسْلَامِ، وَلَكِنِّي سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلَامِ.

فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَلَقِيَ سَعْداً، فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَعْدُ.

فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.

قَالَ: وَكَأَنَّهُ عَرَفَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ حَتَّى انْتَسَبَ.

ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الخَطَّابَ كَانَ أَعَزَّهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا عُمَرُ ابْنُ الإِسْلَامِ، أَخُو سَلْمَانَ ابْنِ الإِسْلَامِ، أَمَا وَاللهِ لَوْلَا شَيْءٌ لَعَاقَبْتُكَ، أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً انْتَمَى إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ (5) .

(1) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ".

(2)

في الأصل " خمير " وهو تحريف، ولم يفطن لذلك في المطبوع

(3)

أخرجه الترمذي (3806) في المناقب: باب مناقب عبد الله بن سلام، وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم 3 / 416، وصححه ووافقه الذهبي، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 73، والفسوي 1 / 468 في " المعرفة والتاريخ ".

(4)

لم نقف عليه.

والمدائني أخباري، وبينه وبين سلمان مفاوز.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (20942) من طريق معمر، عن قتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، قالا:

، وهو منقطع.

ص: 544

عَفَّانُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ:

كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَلْمَانَ: أَنْ زُرْنِي.

فَخَرَجَ سَلْمَانُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ قُدُوْمُهُ، قَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا نَتَلَقَّاهُ.

فَلَقِيَهُ عُمَرُ، فَالْتَزَمَهُ، وَسَاءلَهُ (1) ، وَرَجَعَا.

ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَخِي! أَبَلَغَكَ عَنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُهُ؟

قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ عَلَى مَائِدَتِكَ السَّمْنَ وَاللَّحْمَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ لَكَ حُلَّتَيْنِ، حُلَّةُ (2) تَلْبَسُهَا فِي أَهْلِكَ، وَأُخْرَى تَخْرُجُ فِيْهَا.

قَالَ: هَلْ غَيْرُ هَذَا؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: كُفِيْتَ هَذَا (3) .

الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ (4) ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ فَرُّوْخٍ (5) ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

قَدِمَ سَلْمَانُ مِنْ غَيْبَةٍ لَهُ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: أَرْضَاكَ لِلِّهِ عَبْداً.

قَالَ: فَزَوِّجْنِي.

فَسَكَتَ عَنْهُ.

قَالَ: تَرْضَانِي لِلِّهِ عَبْداً، وَلَا تَرْضَانِي لِنَفْسِكَ؟

فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَاهُ قَوْمُ عُمَرَ، لِيَضْرِبَ عَنْ خِطْبَةِ عُمَرَ، فَقَالَ:

وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى هَذَا أَمْرُهُ وَلَا سُلْطَانُهُ، وَلَكِنْ قُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ عَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ بَيْنِنَا نَسَمَةً صَالِحَةً (6) .

حَجَّاجٌ: وَاهٍ (7) .

سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنَا عَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ:

أَنَّ سَلْمَانَ مَرَّ بِحجرِ المَدَائِنِ غَازِياً، وَهُوَ أَمِيْرُ الجَيْشِ، وَهُوَ رِدْفُ رَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ عَلَى بَغْلٍ مَوْكُوْفٍ.

فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَعْطِنَا

(1) تحرفت في المطبوع إلى " سابله ".

(2)

سقطت من المطبوع.

(3)

رجاله ثقات لكنه منقطع.

(4)

تحرفت في المطبوع إلى الكوفي.

(5)

تحرفت في المطبوع إلى " فروج ".

(6)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 186، والطبراني (6067) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 291، وقال: رواه البزار، وفي إسناده الحجاج بن فروخ، وهو ضعيف.

(7)

سقطت هذه العبارة من المطبوع.

ص: 545

اللِّوَاءَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ نَحْمِلْهُ.

فَيَأْبَى، حَتَّى قَضَى غَزَاتَهُ، وَرَجَعَ، وَهُوَ رِدْفُ الرَّجُلِ (1) .

أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ هُزَيْمٍ - أَوْ هُذَيْمٍ - قَالَ:

رَأَيْتُ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ عَلَى حِمَارٍ عُرِيٍّ، وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ سُنْبُلَانِيٌّ، ضَيِّقُ الأَسْفَلِ، وَكَانَ طَوِيْلَ السَّاقَيْنِ، يَتْبَعُهُ الصِّبْيَانُ.

فَقُلْتُ لَهُم: تَنَحَّوْا عَنِ الأَمِيْرِ.

فَقَالَ: دَعْهُمْ، فَإِنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ فِيْمَا بَعْدَ اليَوْمِ (2) .

حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ:

أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ إِذَا سَجَدَتْ لَهُ العَجَمُ، طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: خَشَعْتُ لِلِّهِ، خَشَعْتُ لِلِّهِ (3) .

أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مرْدَانُبَةَ، عَنْ خَلِيْفَةَ بنِ سَعِيْدٍ المُرَادِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ:

رَأَيْتُ سَلْمَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدَائِنِ، زَحَمَتْهُ خِمْلَةُ قَصَبٍ فَأَوْجَعَتْهُ، فَأَخَذَ بَعَضُدِ صَاحِبِهَا، فَحَرَّكَهُ، ثُمَّ قَالَ:

لَا مُتَّ حَتَّى تُدْرِكَ إِمَارَةَ الشَّبَابِ (4) .

جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ بَنِي عَبْسٍ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:

أَتَيْتُ السُّوْقَ، فَاشْتَرَيْتُ عَلَفاً بِدِرْهَمٍ، فَرَأَيْتُ سَلْمَانَ وَلَا أَعْرِفُهُ، فَسَخَّرْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ العَلَفَ.

فَمَرَّ بِقَوْمٍ، فَقَالُوا: نَحْمِلُ عَنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.

فَقُلْتُ: مَنْ ذَا؟

قَالُوا: هَذَا سَلْمَانُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ.

فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ أَعْرِفْكَ، ضَعْهُ.

فَأَبَى حَتَّى أَتَى المَنْزِلَ (5) .

(1) رجاله ثقات.

(2)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63 والسنبلاني: السابغ الطويل.

(3)

عطاء بن السائب اختلط.

وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعده.

وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62.

(4)

أخرجه ابن سعد 4 / 87.

(5)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63.

ص: 546

وَرَوَى: ثَابِتٌ البُنَانِيُّ نَحْوَهَا، وَفِيْهَا:

فَحَسِبْتُهُ عِلْجاً، وَفِيْهَا:

قَالَ لَهُ: فَلَا تُسَخِّرْ بَعْدِيَ أَحَداً.

جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ هِشَامِ (1) بنِ حَسَّانٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:

كَانَ عَطَاءُ سَلْمَانَ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَكَانَ عَلَى ثَلَاثِيْنَ أَلْفاً مِنَ النَّاسِ، يَخْطُبُ فِي عَبَاءةٍ، يَفْرِشُ نِصْفَهَا، وَيَلْبَسُ نِصْفَهَا، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَمْضَاهُ، وَيَأْكُلُ مِنْ سَفِيْفِ يَدِهِ رضي الله عنه (2) -.

شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، سَمِعَ النُّعْمَانَ بنَ حُمَيْدٍ يَقُوْلُ:

دَخَلْتُ مَعَ خَالِي عَلَى سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ يَعْمَلُ الخُوْصَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:

أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ، فَأَعْمَلُهُ، فَأَبِيْعُهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَأُعِيْدُ دِرْهَماً فِيْهِ، وَأُنْفِقُ دِرْهَماً عَلَى عِيَالِي، وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ نَهَانِي عَنْهُ مَا انْتَهَيْتُ (3) .

وَرَوَى نَحْوَهَا: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَمِّهِ، وَفِيْهَا:

فَقُلْتُ لَهُ: فَلِمَ تَعْمَلُ؟

قَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَكْرَهَنِي، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَأَبَى عَلَيَّ مَرَّتَيْنِ، وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَأَوْعَدَنِي.

مَعْنٌ: عَنْ مَالِكٍ:

أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالفَيْءِ حَيْثُ مَا دَارَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ.

فَقِيْلَ: أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتاً تَسْتَكِنُّ بِهِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَلَمَّا أَدْبَرَ القَائِلُ، سَأَلَهُ سَلْمَانُ: كَيْفَ تَبْنِيْهِ؟

قَالَ: إِنْ قُمْتَ فِيْهِ أَصَابَ رَأْسَكَ، وَإِنْ نِمْتَ أَصَابَ رِجْلَكَ (4) .

(1) تحرفت في المطبوع إلى " هاشم ".

(2)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62، وأبو نعيم في " الحلية " 198، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و" الإصابة " 4 / 225، و" أسد الغابة " 2 / 420.

(3)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 197، من طريق مسلمة بن علقمة المازني، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية

، وكذلك الطبراني (6110) ، وانظر " المجمع " 9 / 343.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (20631) ، وابن سعد 4 / 1 / 63، وأبو نعيم 1 / 202، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و" أسد الغابة " 2 / 420.

ص: 547

زَائِدَةُ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:

نَزَلْتُ بِالصِّفَاحِ فِي يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِّ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ فِي حَرِّ الشَّمْسِ، يَسْتَظِلُّ بِشَجَرَةٍ، مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ، وَمِزْوَدُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، مُلْتَفٌّ بِعَبَاءةٍ، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَيْهِ، وَنَزَلْنَا، فَانْتَبَهَ، فَإِذَا هُوَ سَلْمَانُ، فَقُلْتُ لَهُ:

ظَلَّلْنَا عَلَيْكَ وَمَا عَرَفْنَاكَ.

قَالَ: يَا جَرِيْرُ! تَوَاضَعْ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ يَرْفَعْهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَتَعَظَّمْ فِي الدُّنْيَا يَضَعْهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَوْ حَرَصْتَ عَلَى أَنْ تَجِدَ عُوْداً يَابِساً فِي الجَنَّةِ لَمْ تَجِدْهُ.

قُلْتُ: وَكَيْفَ؟

قَالَ: أُصُوْلُ الشَّجَرِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَأَعْلَاهَا الثِّمَارُ، يَا جَرِيْرُ! تَدْرِي مَا ظُلْمَةُ النَّارِ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ: ظُلْمُ النَّاسِ (1) .

شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ:

أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئاً اشْتَرَى بِهِ لَحْماً أَوْ سَمَكاً، ثُمَّ يَدْعُو المُجَذَّمِيْنَ، فَيَأْكُلُوْنَ مَعَهُ (2) .

سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، قَالَ:

أُوْخِيَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَسَكَنَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الشَّامَ، وَسَكَنَ سَلْمَانُ الكُوْفَةَ، وَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَيْهِ:

سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ رَزَقَنِي بَعْدَكَ مَالاً وَوَلَداً، وَنَزَلْتُ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: اعْلَمْ أَنَّ الخَيْرَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَلَكِنَّ الخَيْرَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ يَنْفَعَكَ عِلْمُكَ، وَإِنَّ الأَرْضَ لَا تَعْمَلُ لأَحَدٍ، اعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى، وَاعْدُدْ نَفْسَكَ مِنَ المَوْتَى (3) .

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 202، والصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم، على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش.

(2)

أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 200.

(3)

رجاله ثقات، لكنه منقطع.

ص: 548

مَالِكٌ فِي (المُوَطَّأِ) : عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ:

أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ: هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَداً، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ المَرْءَ عَمَلُهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيْباً، فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّباً فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَاناً، فَتَدْخُلَ النَّارَ.

فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ، نَظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ:

مُتَطَبِّبٌ وَاللهِ، ارْجِعَا أَعِيْدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا (1) .

أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ مَعْنٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ:

جَاءَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَدَخَلَا عَلَى سَلْمَانَ فِي خُصٍّ، فَسَلَّمَا وَحَيَّيَاهُ، ثُمَّ قَالَا:

أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟

قَالَ: لَا أَدْرِي.

فَارْتَابَا.

قَالَ: إِنَّمَا صَاحِبُهُ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ الجَنَّةَ.

قَالَا: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

قَالَ: فَأَيْنَ هَدِيَّتُهُ؟

قَالَا: مَا مَعَنَا هَدِيَّةٌ.

قَالَ: اتَّقِيَا اللهَ، وَأَدِّيَا الأَمَانَةَ، مَا أَتَانِي أَحَدٌ مِنْ عِنْدِهِ إِلَاّ بِهَدِيَّةٍ.

قَالَا: لَا تَرْفَعْ عَلَيْنَا هَذَا، إِنَّ لَنَا أَمْوَالاً، فَاحْتَكِمْ.

قَالَ: مَا أُرِيْدُ إِلَاّ الهَدِيَّةَ.

قَالَا: وَاللهِ مَا بَعَثَ مَعَنَا بِشَيْءٍ، إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ:

إِنَّ فِيْكُم رَجُلاً كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَلَا بِهِ لَمْ يَبْغِ غَيْرَهُ، فَإِذَا أَتَيْتُمَاهُ فَأَقْرِئَاهُ مِنِّي السَّلَامَ.

قَالَ: فَأَيُّ هَدِيَّةٍ كُنْتُ أُرِيْدُ مِنْكُمَا غَيْرَ هَذِهِ؟ وَأَيُّ هَدِيَّةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا (2) ؟

وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شِبْلٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، كَانَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثِ

(1) أخرجه مالك في " الموطأ " ص (480) في الوصية: باب جامع القضاء برقم (7) .

وأبو نعيم في الحلية " 1 / 205.

(2)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 201، والطبراني (6058) .

وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 41، وقال: رجاله رجال الصحيح.

غير يحيى بن إبراهيم المسعودي، وهو ثقة.

ص: 549

مَنَازِلَ: فَمِنْهُم مَنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، وَمِنْهُم مَنْ لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ.

فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟

قَالَ: أَمَّا مَنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ: فَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، فَذَاكَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.

وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَمَشَى فِي مَعَاصِي اللهِ، فَذَاكَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ.

وَرَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَذَاكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.

قَالَ طَارِقٌ: فَقُلْتُ: لأَصْحَبَنَّ هَذَا.

فَضُرِبَ (1) عَلَى النَّاسِ بَعْثٌ، فَخَرَجَ فِيْهِم، فَصَحِبْتُهُ، وَكُنْتُ لَا أَفْضُلُهُ فِي عَمَلٍ، إِنْ أَنَا عَجَنْتُ خَبَزَ، وَإِنْ خَبَزْتُ طَبَخَ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَبِتْنَا فِيْهِ، وَكَانَتْ لِطَارِقٍ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ يَقُوْمُهَا، فَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا، فَأَجِدُهُ نَائِماً، فَأَقُوْلُ: صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ خَيْرٌ مِنِّي نَائِمٌ، فَأَنَامُ، ثُمَّ أَقُوْمُ، فَأَجِدُهُ نَائِماً، فَأَنَامُ، إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ:

سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ.

حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.

فَلَمَّا صَلَّيْنَا الفَجْرَ، قُلْتُ:

يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ أَقُومُهَا، وَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا، فَأَجِدُكَ نَائِماً.

قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! فَإِيْشْ كُنْتَ تَسْمَعُنِي أَقُوْلُ؟

فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:

يَا ابْنَ أَخِي! تِلْكَ الصَّلَاةُ، إِنَّ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ، مَا اجْتُنِبَتِ المَقْتَلَةُ، يَا ابْنَ أَخِي! عَلَيْكَ بِالقَصْدِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ (2) .

شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، سَمِعْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ:

أَنَّ سَلْمَانَ دَعَا رَجُلاً إِلَى طَعَامِهِ.

قَالَ: فَجَاءَ مِسْكِيْنٌ (3) ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ كِسْرَةً، فَنَاوَلَهُ.

فَقَالَ سَلْمَانُ:

(1) تحرفت في المطبوع إلى " فندب ".

(2)

أخرجه عبد الرزاق " 148) و (4737) ، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، والطبراني (6051) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 1 / 300، وقال: ورجاله موثقون.

(3)

تحرفت في المطبوع إلى " بسكين ".

ص: 550

ضَعْهَا، فَإِنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِتَأْكُلَ، فَمَا رَغْبَتُكَ أَنْ يَكُوْنَ الأَجْرُ لِغَيْرِكَ، وَالوِزْرُ عَلَيْكَ (1) .

سُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ:

ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى سَلْمَانَ، فَقَالَ:

لَوْلَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا عَنِ التَّكَلُّفِ، لَتَكَلَّفْتُ لَكُم.

فَجَاءنَا بِخُبْزٍ وَمِلْحٍ.

فَقَالَ صَاحِبِي: لَوْ كَانَ فِي مِلْحِنَا صَعْتَرٌ.

فَبَعَثَ سَلْمَانُ بِمِطْهَرَتِهِ، فَرَهَنَهَا، فَجَاءَ بِصَعْتَرٍ.

فَلَمَّا أَكَلْنَا، قَالَ صَاحِبِي:

الحَمْدُ للهِ الَّذِي قَنَّعَنَا بِمَا رَزَقَنَا.

فَقَالَ سَلْمَانُ: لَوْ قَنِعْتَ لَمْ تَكُنْ مِطْهَرَتِي مَرْهُوْنَةً (2) .

الأَعْمَشُ: عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ رَجُلٍ أَشْجَعِيٍّ، قَالَ:

سَمِعُوا بِالمَدَائِنِ أَنَّ سَلْمَانَ بِالمَسْجِدِ، فَأَتَوْهُ يَثُوْبُوْنَ إِلَيْهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ نَحْوٌ مِنْ أَلْفٍ، فَقَامَ، فَافْتَتَحَ سُوْرَةَ يُوْسُفَ، فَجَعَلُوا يَتَصَدَّعُوْنَ، وَيَذْهَبُوْنَ، حَتَّى بَقِيَ نَحْوُ مَائَةٍ، فَغَضِبَ، وَقَالَ:

الزُّخْرُفَ يُرِيْدُوْنَ؟ آيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ كَذَا، وَآيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ كَذَا (3) .

وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ:

أَنَّ سَلْمَانَ الْتَمَسَ مَكَاناً يُصَلِّي فِيْهِ.

فَقَالَتْ لَهُ عِلْجَةٌ: الْتَمِسْ قَلْباً طَاهِراً، وَصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ.

فَقَالَ: فَقُهْتِ (4) .

سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعُوْنَ تُعَذَّبُ، فَإِذَا انْصَرَفُوا أَظَلَّتْهَا المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَتَرَى بَيْتَهَا فِي الجَنَّةِ وَهِيَ

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 200.

(2)

أخرجه الطبراني (6085) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 179، وقال: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن منصور الطوسي، وهو ثقة.

(3)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 203.

(4)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206.

ص: 551

تُعَذَّبُ.

قَالَ: وَجُوِّعَ لإِبْرَاهِيْمَ أَسَدَانِ، ثُمَّ أُرْسِلَا عَلَيْهِ، فَجَعَلَا يَلْحَسَانِهِ، وَيَسْجُدَانِ لَهُ (1) .

مُعْتَمِرُ (2) بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ:

أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ لَا يُفْقَهُ كَلَامُهُ مِنْ شِدَّةِ عُجْمَتِهِ.

قَالَ: وَكَانَ يُسَمِّي الخَشَبَ خُشْبَانَ (3) .

تَفَرَّدَ بِهِ: الثِّقَةُ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ عَنْهُ.

وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ - أَعْنِي عُجْمَتَهُ - وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، فَقَالَ:

لَهُ كَلَامٌ يُضَارِعُ كَلَامَ فُصَحَاءِ العَرَبِ.

قُلْتُ: وُجُوْدُ الفَصَاحَةِ لَا يُنَافِي وُجُوْدَ العُجْمَةِ فِي النُّطْقِ، كَمَا أَنَّ وُجُوْدَ فَصَاحَةِ النُّطْقِ مِنْ كَثِيْرِ العُلَمَاءِ غَيْرُ مُحَصِّلٍ لِلإِعْرَابِ.

قَالَ: وَأَمَّا خُشْبَانُ: فَجَمْعُ الجَمْعِ، أَوْ هُوَ خَشَبٌ زِيْدَ فِيْهِ الأَلِفُ وَالنُّوْنُ، كَسُوْدٍ وَسُوْدَانَ.

عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:

دَخَلَ سَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ عَلَى سَلْمَانَ عِنْدَ المَوْتِ، فَبَكَى.

فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُبْكِيْكَ؟

قَالَ: عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ نَحْفَظْهُ.

قَالَ: (لِيَكُنْ بَلَاغُ أَحَدِكُم مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) .

وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ، فَاتَّقِ اللهَ فِي حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَفِي قَسْمِكَ إِذَا قَسَمْتَ، وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ.

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206.

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " معمر ".

(3)

أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 55.

ص: 552

قَالَ ثَابِتٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إِلَاّ بِضْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، نُفَيْقَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُ (1) .

شَيْبَانُ: عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ بُقَيْرَةَ (2) امْرَأَةِ سَلْمَانَ، أَنَّهَا قَالَتْ:

لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ، دَعَانِي وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَقَالَ:

افْتَحِي هَذِهِ الأَبْوَابَ، فَإِنَّ لِي اليَوْمَ زُوَّاراً لَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ هَذِهِ الأَبْوَابِ يَدْخُلُوْنَ عَلَيَّ.

ثُمَّ دَعَا بِمِسْكٍ، فَقَالَ: أَدِيْفِيْهِ فِي تَوْرٍ، ثُمَّ انْضَحِيْهِ حَوْلَ فِرَاشِي.

فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أُخِذَ رُوْحُهُ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ (3) .

بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ

(1) حديث صحيح.

وأخرجه ابن ماجه (4104) في الزهد: باب الزهد في الدنيا.

وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 196 - 197، والطبراني (6069) وأخرجه الطبراني أيضا (6160) من طريق حماد ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب وحميد بن مورق العجلي، أن سعد بن مالك، وابن مسعود دخلا على سلمان يعودانه، فبكى فقالا: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحفظه أحد منا.

قال: " ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب " قال مورق: " فنظروا في بيته، فإذا إكاف كذا وكذا ".

وأخرجه أحمخد 5 / 438 من طريق هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: لما احتضر سلمان بكى، وقال:" إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهد إلينا عهدا، فتركنا ما عهد إلينا: أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا، كزاد الراكب قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك، بضعة وعشرون درهما، أو بضعة وثلاثون درهما ".

وصححه ابن حبان (2480) من طريق ابن واهب، عن أبي هانئ، أخبرني أبو عبد الرحمن الحبلي، عن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير

وأخرجه الحاكم 4 / 317 من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخه قال: دخل سعد..وصححه، ووافقه الذهبي، وقد تحرفت " نفيقة " عند المنجد إلى " بليقة ".

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " نفيرة ".

(3)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 208 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 344 وقال: رواه الطبراني من طريق: الجزل عن بقيرة، ولم أعرفهما، وباقي رجاله ثقات، وكذلك أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 66.

وقوله: أديفيه: أي اخلطيه، والتور: إناء من صفر أو حجارة، يوضع فيه الماء.

وجاء في الأصل: أودفيه، وما أثبتناه من " غريب الحديث " لابن الأثير، و" الحلية " و" المجمع ".

ص: 553

أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

يَأْتُوْنَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فَيَقُوْلُوْنَ:

يَا نَبِيَّ اللهِ! أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللهُ بِكَ، وَخَتَمَ بِكَ، وَغَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَجِئْتَ (1) فِي هَذَا اليَوْمِ آمِناً (2) ، فَقَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ، فَقُمْ، فَاشْفَعْ (3) لَنَا إِلَى رَبِّنَا.

فَيَقُوْلُ: (أَنَا صَاحِبُكُم) .

فَيَقُوْمُ، فَيَخْرُجُ يَحُوْشُ النَّاسَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَأْخُذَ بِحَلْقَةٍ فِي البَابِ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَقْرَعُ البَابَ.

فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟

فَيَقُوْلُ: (مُحَمَّدٌ) .

فَيُفْتَحُ لَهُ، فَيَجِيْءُ حَتَّى يَقُوْمَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُوْدِ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، فَيُنَادَى:

يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَادْعُ تُجَبْ.

فَيَفْتَحُ الله لَهُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْمِيْدِ، وَالتَّمْجِيْدِ، مَا لَمْ يَفْتَحْ لأَحَدٍ مِنَ الخَلَائِق، فَيَقُوْلُ:(رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي) .

ثُمَّ يَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُوْدِ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَيَشْفَعُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حِنْطَةٍ مِنْ إِيْمَانٍ (4) .

أَوْ قَالَ: مِثْقَالَ شَعِيْرَةٍ.

أَوْ قَالَ: مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ (5) .

أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

فَتْرَةُ مَا بَيْنَ عِيْسَى وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: سِتُّ مَائَةِ سَنَةٍ (6) .

قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَلْمَانُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِالمَدَائِنِ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَنْجَوَيْه.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (7) ، وَشَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَغَيْرُهُمَا:

تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِيْنَ

(1) تحرفت في المطبوع إلى " وخيب ".

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " أملنا ".

(3)

تحرفت في المطبوع إلى " واسع ".

(4)

تحرفت في المطبوع إلى " الحمد ".

(5)

إسناده صحيح.

وعاصم هو ابن سليمان الأحوال.

(6)

أخرجه البخاري (3948) في المناقب: باب إسلام سلمان.

(7)

أبو عبيد: هو القاسم بن سلام، وقد تحرف في المطبوع إلى " أبو عبيدة ".

ص: 554

بِالمَدَائِنِ.

وَقَالَ شَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، فَمَا أَدْرَكَ سَلْمَانُ الجَمَلَ وَلَا صِفِّيْنَ.

قَالَ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ:

يَقُوْلُ أَهْلُ العِلْمِ: عَاشَ سَلْمَانُ ثَلَاثَ مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَأَمَّا مَائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ، فَلَا يَشُكُّوْنَ فِيْهِ.

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ: يُقَالُ: اسْمُ سَلْمَانَ مَاهَوَيْه.

وَقِيْلَ: مَايَةُ.

وَقِيْلَ: بُهْبُوْدُ بنُ بَذْخَشَانَ بنِ آذَرجشِيْشَ، مِنْ وَلَدِ مَنُوْجَهْرَ المَلِكِ (1) .

وَقِيْلَ: مِنْ وَلَدِ آبَ المَلِكِ.

يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ، بِالمَدَائِنِ.

قَالَ: وَتَارِيْخُ كِتَابِ عِتْقِهِ يَوْمُ الاثْنَيْنِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، مُهَاجَرَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وَمَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ: عُثْمَانُ بنُ أَشْهَلَ القُرَظِيُّ اليَهُوْدِيُّ.

وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَادَ إِلَى أَصْبَهَانَ زَمَنَ عُمَرَ.

وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ بَشِيْرٌ (2) ، وَبِنْتٌ بِأَصْبَهَانَ لَهَا نَسْلٌ، وَبِنْتَانِ بِمِصْرَ.

وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ كَثِيْرٌ.

فَمِنْ قَوْلِ البَحْرَانِيِّ إِلَى هُنَا منَقُوْلٌ مِنْ كِتَابِ (الطّوَالَاتِ) لأَبِي مُوْسَى الحَافِظِ.

وَقَدْ فَتَّشْتُ، فَمَا ظَفِرْتُ فِي سِنِّهِ بِشَيْءٍ، سِوَى قَوْلِ البَحْرَانِيِّ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ لَا إِسْنَادَ لَهُ.

وَمَجْمُوْعُ أَمْرِهِ، وَأَحْوَالِهِ، وَغَزْوِهِ، وَهِمَّتِهِ، وَتَصَرُّفِهِ، وَسَفِّهِ لِلْجَرِيْدِ، وَأَشْيَاءَ مِمَّا تَقَدَّمَ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَمَّرٍ، وَلَا هَرِمٍ، فَقَدْ فَارَقَ وَطَنَهُ وَهُوَ حَدَثٌ، وَلَعَلَّهُ قَدِمَ الحِجَازَ وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ سَمِعَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ

(1) في تاريخ أصبهان لأبي نعيم " يقال: إن اسمه ما هويه " وقيل ما به ابن بدخشان ابن آزر جشنس من ولد منو شهر الملك.

وقيل: كان اسمه، بهبود بن خشان.

(2)

تحرفت في المطبوع إلى " بشر ".

ص: 555

هَاجَرَ، فَلَعَلَّهُ عَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَا أَرَاهُ بَلَغَ المَائَةَ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُفِدْنَا.

وَقَدْ نَقَلَ طُوْلَ عُمُرِهِ: أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَمَا عَلِمْتُ فِي ذَلِكَ شَيْئاً يُرْكَنُ إِلَيْهِ.

رَوَى جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَذَلِكَ فِي (العِلَلِ (1)) لابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ:

لَمَّا مَرِضَ سَلْمَانُ، خَرَجَ سَعْدٌ مِنَ الكُوْفَةِ يَعُوْدُهُ، فَقَدِمَ، فَوَافَقَهُ وَهُوَ فِي المَوْتِ يَبْكِي، فَسَلَّمَ، وَجَلَسَ، وَقَالَ:

مَا يُبْكِيْكَ يَا أَخِي؟ أَلَا تَذْكُرُ صُحْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ، أَلَا تَذْكُرُ المَشَاهِدَ الصَّالِحَةَ؟

قَالَ: وَاللهِ مَا يُبْكِيْنِي وَاحِدَةٌ مِنْ ثِنْتَيْنِ، مَا أَبْكِي حُبّاً بِالدُّنْيَا، وَلَا كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ اللهِ.

قَالَ سَعْدٌ: فَمَا يُبْكِيْكَ بَعْدَ ثَمَانِيْنَ؟

قَالَ: يُبْكِيْنِي أَنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً، قَالَ:(لِيَكُنْ بَلَاغُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) ، وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنَّا قَدْ تَعَدَّيْنَا (2) .

رَوَاهُ: بَعْضُهُمْ، عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ:

عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَإِرْسَالُهُ أَشْبَهُ.

قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَهَذَا يُوْضِحُ لَكَ أَنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ.

وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ) أَنَّهُ عَاشَ مَائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا السَّاعَةَ لَا أَرْتَضِي ذَلِكَ، وَلَا أُصَحِّحُهُ.

أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ:

الْتَقَى سَلْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ بن سَلَامٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ لَقِيْتَ رَبَّكَ

(1) 2 / 140 139، وقد تقدم تخريج الحديث.

(2)

تقدم في الصفحة (553) تعليق رقم (1) .

ص: 556

قَبْلِي، فَأَخْبِرْنِي مَاذَا لَقِيْتَ مِنْهُ.

فَتُوُفِّيَ أَحَدُهُمَا، فَلَقِيَ الحَيَّ فِي المَنَامِ، فَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ، فَقَالَ:

تَوَكَّلْ وَأَبْشِرْ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ التَّوَكُّلِ قَطُّ (1) .

قُلْتُ: سَلْمَانُ مَاتَ قَبْلَ عَبْدِ اللهِ بِسَنَوَاتٍ.

أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجَزَرِيُّ، وَيعِيْشُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَا:

أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ (ح) .

وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ، أَنْبَأَنَا الأَعَزُّ بنُ فَضَائِلَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالَا:

أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ المُقْتَدِرِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ اليَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السَّامِيُّ، أَنْبَأَنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَمَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:

كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ يَعْمَلُ بِالمِسْحَاةِ، فَكَانَتْ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، قَدَّمَتْ لَهُ طَعَامَهُ، وَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشَهُ.

فَبَلَغَ خَبَرَهَا مَلِكُ ذَلِكَ العَصْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا عَجُوْزاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَقَالَتْ لَهَا:

تَصْنَعِيْنَ بِهَذَا الَّذِي يَعْمَلُ بِالمِسْحَاة! لَوْ كُنْتِ عِنْدَ المَلِكِ لَكَسَاكِ الحَرِيْرَ، وَفَرَشَ لَكَ الدِّيْبَاجَ.

فَلَمَّا وَقَعَ الكَلَامُ فِي مَسَامِعِهَا، جَاءَ زَوْجُهَا بِاللَّيْلِ، فَلَمْ تُقَدِّمْ لَهُ طَعَامَهُ، وَلَمْ تَفْرُشْ لَهُ فِرَاشَهُ.

فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا الخُلُقُ يَا هَنْتَاهُ؟

قَالَتْ: هُوَ مَا تَرَى.

فَقَالَ: أُطَلِّقُكِ؟

قَالَتْ: نَعَمْ.

فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ذَلِكَ المَلِكُ، فَلَمَّا زُفَّتْ إِلَيْهِ، نَظَرَ إِلَيْهَا فَعَمِيَ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَجَفَّتْ.

فَرَفَعَ نَبِيُّ ذَلِكَ العَصْرِ خَبَرَهُمَا إِلَى اللهِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ:

أَعْلِمْهُمَا أَنِّي غَيْرُ غَافِرٍ لَهُمَا، أَمَا عَلِمَا أَنَّ بِعَيْنِي مَا عَمِلَا

(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 205

ص: 557

بِصَاحِبِ المِسْحَاةِ (1) .

بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ نَجَزَ الجُزْءُ الأَوَّلُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ) ، وَيلِيْه الجُزْءُ الثَّانِي، وَأَوَّلُهُ تَرْجَمَةُ: عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ

(1) الحديث لا يصح.

روح بن أسلم: قال عفان: روح بن أسلم، كذاب، وقال ابن معين: ليس بذاك، لم يكن من أهل الكذب، وقال أبو حاتم: لين الحديث يتكلم فيه، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: ضعيف متروك، وقال ابن الجارود: عنده مناكير.

ص: 558