الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه الذي رفع من وقف تحت أمره ونهيه إلى أوج الكمال، ووصل من انقطع إليه بصلة فاخرة في الحال والمآل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بصحيح الأقوال والأفعال، الذي بلغ حسن حديثه مبلغ الإعجاز والكمال، وعلى آله المدرجين في سلسلة هديه التي لا انفصام لها ولا انفصال، وعلى أصحابه الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته تعالى، من غير ضعف ولا اعتلال، وعلى التابعين لهم السالكين طريقهم بلا قلب ولا اضطراب بل ساروا باعتدال.
أما بعد فقد كنت شرعت في شرح المنظومة المسماة نظم الدرر في علم الأثر للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الخضيري (1)، السيوطي الشافعي، المولود ليلة الأحد مستهل رجب سنة 849 هجرية والمتوفي سحر ليلة الجمعة 19 جمادى الأولى سنة 911 هجرية وعمره 61 سنة و10 أشهر و18 يوماً.
شرحاً وسطاً، غير أن الاشتغال بأشغال تعوقني (2) عن مواصلة السير على منهجه أحوجني (3) لصرف عنان العزم نحو اختصاره، مُسَدِّداً الأنظار
(1) بصيغة التصغير.
(2)
صفة جملة في محل جر صفة أشغال.
(3)
خبر أن.
في ترصيف اقتصاره، تعجيلاً للمنفعة الهامة، وتحقيقاً للمسرة العامة، والله أرجو في تسهيل ما أملته من الشرحين، من غير فتور ولا شين، إنه ولى ذلك، وهادي السالك، وما توفيقي إلا باللَّهِ، عليه توكلت وإليه أنيب، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّهِ العلي العظيم.
(وسميته إسعافَ ذوي الوطر، بشرح نظم الدرر، في علم الأثر)
واللَّهَ أسأل القبول، وحسن الختام؛ إذ هما غاية ما يطلب من الهمام.
(تنبيهٌ): وإرشادٌ إلى بعض المصطلحات في هذا الشرح:
(ت): إشارة إلى تقريب التهذيب للحافظ ابن حجرٍ. المتوفي سنة 852.
(ق): إشارة: إلى القاموس المحيط، لمجد الدين، محمد بن يعقوب، الفيروز آبادي، اللغوي، ت 817 هـ.
(تاج): إشارة إلى تاج العروس، شرحه، للعلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي، ت 1305 هـ.
(المصباح): هو المصباح المنير، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقري، ت 770 هـ.
(لسان): هو لسان العرب، للعلامة اللغوي، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرَم بن منظور، الإفريقي، المصري، ت 711 هـ.
(اهـ): إشارة إلى أنه انتهى الكلام المنقول.
وإذا قلت قاله فلان، أو انتهى كلام فلان، أو قال فلان: كذا، ثم كتبت في آخره (اهـ) فالكلام منقول بنص لفظه غالباً، وإذا قلت أفاده فلان فهو مما نقل بالمعنى واللَّه أعلم.
قال رحمه اللَّه تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتداء بالكتاب العزيز، واقتفاء لآثار نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث بدأ بها كتبه إلى الآفاق، كما بُين ذلك في الصَّحِيحين، وغيرهما، وعملاً بخبر أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع، قال النووي رحمه الله: هذا الحديث حسن اهـ. وصححه ابن حبان وأبو عوانة قاله البدر العيني وضعفه الحافظ ابن حجرٍ، وقد أطال الكلام عليه تاج الدين السبكي في أول طبقات الشافعية. والكلام على البسملة طويل قد أفرده بعض العلماء بتأليف مستقل.
ثم أتبع البسملة بالحمدلة لكونها من مطلوبات الابتداء فقال
1 -
للهِ حَمْدِي وإلَيهِ أَسْتَنِدْ
…
وما يَنوبُ فَعَلَيْهِ أَعْتَمِدْ
(للهِ) سبحانه وتعالى خبر مقدم لقوله (حمدي) من إضافة المصدر إلى فاعله، أي ثنائي بالجميل الاختياري على وجه التبجيل والتعظيم كائن للَّه تعالى، وقدم الخبر لإفادة الحصر. (وإليه) تعالى متعلق بقوله:(أستند) أي ألتجيء في تسهيل نظم هذه الألفية، أو هو عام، وفيه إشارة إلى براعة الاستهلال: وهو ذكر الشخص في أول كلامه ما يشعر بمقصوده ويُسمَّى براعة المطلع ومقابله يسمى براعة الاختتام وبراعة المقطع (وما) موصولة
مبتدأ أي الذي (ينوب) أي يصيبني من العوائق عن تكميل المقصود وقوله (فعليه) تعالى وحده (أعتمد) أي ألتجئ يقال اعتمدت على الشيء اتكأت عليه، قاله في المصباح. خبر المبتدإ. والمعنى: أن الذي يصيبني من العوائق فاعتمد على الله وحده في دفعه ويحتمل كون (ما) منصوباً بنزع الخافض أي فيما ينوبني أي في دفعه والفاء على الأول دخلت في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم وعلى الثاني زائدة ثم إن الاستناد والاعتماد إما مترادفان أو الثاني أخص وهو الأنسب لأن الناظم قيده بما ينوبه، ثم ثلث بذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها سنة العلماء فقال
2 -
ثمَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدِ
…
خَيْرُ صَلاةٍ وسَلامٍ سَرْمَدِ
(ثم) للترتيب الرتبي، لأن رتبتها بعد الحمد، (على نبيه) بالهمزِ، وتركه، قراءتان سبعيتان من النَّبَاءِ وهو الخبر أو النَّبْوة (1) وهي الرفعة، فعيل بمعنى فاعل، أو مفعول، لأنه مخبر عن اللَّه، أو مرفوع الرتبة، أو رافع رتبة من تبعه، وهو خبر مقدم، وقوله:(محمد) صفة أو بدل أو عطف بيان ويجوز قطعه (خير صلاة) مبتدإ مؤخر أي أفضل صلاة وهي من اللَّه الرحمة المقرونة بالتعظيم وفضائلها شهيرة في الأحاديث الصحاح، وأما فضل كتابتها فلم يصح، بل قيل بوضعه. (و) خير (سلام) أي تسليم من الآفات المنافية لغاية الكمالات، وأتى به فراراً من كراهية الإفراد لأحدهما عن الآخر، لأن الآية قرنت بينهما، وأما إفرادها في الصلاة الإبراهيمية فلتقدمه في التشهد، وخص الحافظ رحمه الله الكراهة بمن جعله دَيْدَناً له لوقوع (2) ذلك في كلام الشافعي ومسلم، والشيخ أبي إسحاق وغيرهم، قاله السخاوي (سرمد) بالجر نعت لسلام حذف مثله من صلاة قال في التاج: السرمد الدائم الذي لا ينقطع، واشتقاقه من السرد، وهو التوالي، والتعاقب، ولما كان الزمان إنما
(1) بفتح فسكون.
(2)
قلت لكن في الاستدلال بفعل هؤلاء نظر، لأن الكراهة وعدمها حكمان والحكم لا يثبت إلا بنص أو إجماع.
يبقى بتعاقب أجزائه، وكان ذلك يسمى بالسرد، أدخلوا عليه الميم الزائدة، ليفيد المبالغة في ذلك، فوزنها فعمل. اهـ. باختصار. ثم تحدث عن منظومته فقال:
3 -
وهذهِ أَلْفيَّةٌ تَحكِى الدُّرَرْ
…
منظومةٌ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الأَثَرْ
4 -
فائِقةٌ أَلْفيَّةَ العِرَاقِي
…
فِي الجَمْعِ والإِيجازِ وَاْتِّسَاقِ
5 -
واللهُ يُجْرِيْ سابِغَ الإِحْسانِ
…
لِيْ وَلَهُ ولِذَوِيْ الإِيْمَانِ
(و) بعد ما تقدم فأقول: (هذه) إشارة إلى المعاني الحاضرة في الذهن، تقدمت الخطبة، أو تأخرت، وفيه احتمالات أُخر مذكورة في المطولات، وهو مبتدأ خبره قوله:(ألفية) أي أرجوزة منسوبة إلى ألف إن كانت من كامل الرجز، أو إلى ألفين إن كانت من مشطوره، ولا يرد عليه ما فيه من اللبس، لأنهم لا يبالون به في النسب قال ابن مالك:
وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ
…
وَمْثلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَجَبْ
(تحكى) أي تشابه (الدرر) جميع درة وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة أي تشابهها في النفاسة وعزة الوجود ورفعة القيمة صفة لألفية. (منظومة) صفة كاشفة بعد صفة، أو حال، (ضمنتها) أي جعلت فيها (علم الأثر) يقال: ضمنت الشيء كذا: أي جعلته محتوياً عليه فتضمنه، أي فاشتمل عليه، واحتوى قاله في المصباح، وهو من باب جعل المدلول في الدال، أو جعل الجزء في الكل، قاله الشارح (1). وقوله: علم الأثر أي مسائله وهو من إضافة العام إلى الخاص كشجر أراك. والأثر بفتح الهمزة والثاء لغة بقية الشيء واصطلاحاً الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة على المعتمد، ومنه شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي، لاشتماله عليهما وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف كما سيأتي قاله السخاوي.
(1) هو العلامة محمد بن عبد الله الترمسي رحمه الله تعالى.
وعلم الأثر: أي الحديث يطلق على معنيين: علم الحديث دراية، وعلم الحديث رواية، والأول هو المقصود هنا، ويُسمَّى علم مصطلح الحديث، وعلم مصطلح الأثر، وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث برسول الله صلى الله عليه وسلم، من حيث أحوالُ نقلتِها ضبطاً وعدالة، ومن حيث كيفية السَّند اتصالاً وانقطاعاً، وغير ذلك. والجملة صفة بعد صفة لألفية أو حال منها.
(تنبيه): اشتهرت هذه الألفية باسم ألفية السيوطي في علم الحديث، وسماها الشارح الترمسي - وهو المراد عند إطلاق اسم الشارح في هذا الشرح - بمنظومة علم الأثر، والذي رأيته عن بعض المحققين نقلًا عن حسن المحاضرة للناظم أنه سماها نظم الدرر، في علم الأثر، وهذا هو الذي ينبغي اعتماده لكونه منقولًا عن المؤلف فتنبه.
(فائقة) بالرفيع أو بالنصب كمنظومة من فاق الرجل أصحابه يفوقهم فَضَلَهُم ورجَحَهُم أو غَلَبَهم قاله في المصباح. (ألفية) العراقي بالنصب مفعول به لفائقة والعراقي: هو الإمام الحافظ الأثري زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي، نسبةً إلى عراق العرب، وهو القطر الأعم، المتوفي سنة ست وثمانمائة، عن أزيد من إحدى وثمانين سنة، (في الجمع) للأنواع متعلق بفائقة. (والإيجاز) للألفاظ مع كثرة المعاني. (واتساق) أي انتظام بعضها مع بعض على وجه المناسبة، وإنما لم يفعل العراقي ذلك مسايرة لأصله مقدمةِ ابن الصلاح، فإنه أملاها شيئاً فشيئاً، ورأى إلقاءها كذلك خيراً من طلب حسن الترتيب، لأنه يحتاج إلى فراغ كثير، لجمعه ذلك من متفرقات كتب من تقدمه كتصانيف الخطيب.
(واللهُ) عز وجل مبتدأ خبره قوله: (يُجري) من الإجراء بالراء، وجوز الشارح كونه من الجزاء، لكن يحتاج إلى إثبات نقله من الناظم، (سابغ الإحسان) بالنصب مفعولٌ به ليُجرِي وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الإحسان السابغ، أي التام المتسع، يقال: سبغت النعمة سبوغا
اتسعت، وأسبغها الله أفاضها، وأتمها، قاله في المصباح، والمراد به الجنة، (لي) متعلق بيُجْرِي، بدأ بنفسه لأنه السنة. (وله) أي للعراقي دعا له لأنه مُرشِدُه إلى هذا التأليف حيث اقتدى به (ولذوي) أي أصحاب (الإيمان) أي التصديق الجازم بكل ما عُلم مجيئه صلى الله عليه وسلم به بالضرورة إجمالًا في الإجمالي، وتفصيلاً في التفصيلي، وعَمَّمَ بالدعاء لهم لأنه من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث.