المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر) - شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر - جـ ١

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌(الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر)

(الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر)

أي هذا مبحثها وهي النوع الثالث والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون والسادس والعشرون، والسابع والعشرون، ثم إن الناظم رحمه الله رتبها بالترقي، وأتبعها بالأفراد لأن الغريب منها، وجمعها في ترجمة واحدة لما بينها من الصلة إذ باجتماع بعضها إلى جانب بعض تتضح حقيقة كل واحد منها تمام الاتضاح، وصنيعُهُ أولى من صنيع العراقي وغيره تبعاً لابن الصلاح فإنهم ذكروها بعد العالي والنازل، وذلك لأن ابن الصلاح أملى كتابه شيئا فشيئاً فرأى ذكر ما يناسب الحال أولى بالتقديم من مراعات الترتيب على الوضع المناسب.

وقال الحافظ: وكلها سوى الأخير وهو المتواتر آحاد، ويقال لكل منها: خبر واحد، وهو في اللغة ما يرويه شخص واحد، وفي الاصطلاح ما لم يجمع شروط المتواتر اهـ ثم رتبها مُفَصلًا فذكر الأول بقوله:

192 -

الأَوَّلُ الْمُطْلَقُ فَرْدًا

..................

(الأول) أي الغريب، وهو لغة صفة مشبهة بمعنى المنفرد أو البعيد عن أقاربه، واصطلاحاً ما أشار إليه بقوله:(المطلق فرداً) أي الفرد المطلق، فقوله الأول: مبتدأ خبره المطلق وفرداً تمييزاً (1).

والمعنى: أن الغريب هو الفرد المطلق الذي تقدم في الأفراد أنه ما رواه واحد فقط، والحاصل أن الغريب في الاصطلاح عبارة عن الحديث الذي تفرد راويه بروايته عمن يجمع حديثه لضبطه وعدالته، كالزهري وقتادة وأشباههما وإنما سمي غريباً لأنه حينئذ كالغريب الواحد الذي لا أهل عنده، أو لبعده عن مرتبة الشهرة فضلًا عن التواتر.

وقال بعضهم: الغريب من الحديث على وِزَانِ الغريب من الناس

(1) أي محولًا من نائب الفاعل أي المطلق فرديته.

ص: 208

فكما أن غربة الإنسان في البلد تكون حقيقة بحيث لا يعرفه فيها أحد بالكلية، وتكون إضافية بأن يعرفه البعض دون البعض، ثم قد يتفاوت معرفة الأقل منهم تارة والأكثر أخرى، وقد يستويان وكذا الحديث قاله السخاوي.

وقال في التنقيح نقلاً عن ابن الصلاح: الغريب هو الذي يتفرد به بعض الرواة، وسواء انفرد بالحديث كله، أو بشيء منه، أو في سنده، وقال ابن منده ما معناه: الغريب من الحديث انفراد الراوي بالحديث عن إمام قد جمع حديثه وحفظ مثل قتادة والزهري، فإذا انفرد الراوي عن أحدهم من بين من أخذ عنهم بحديث سمي غريباً. اهـ بزيادة من التوضيح.

وقال السخاوي ما نصه: والحاصل أن الغريب على قسمين مطلق ونسبي، وحينئذ فهو والأفراد على حد سواء اهـ لكن قدمنا عن الحافظ: أن أهل الاصطلاح فرقوا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فانظر تحقيقه في بحث الأفراد.

ثم ذكر القسم الثاني وهو العزيز بقوله:

............ وَالَّذِي

لَهُ طَرِيقَانِ فَقَطْ لَهُ خُذِ

193 -

وَسْمَ الْعَزِيزِ ............

...................

(والذي) مبتدأ خبره جملة الطلب أي الحديث الذي (له طريقان) أي راويان (فقط) أي فحسب (له) أي لهذا الحديث متعلق (بخذ) بكسر الذال للراوي، وقوله (وسم العزيز) بالفتح بوزن الوعد، أي علامة العزيز بمعنى أنك تجعل له اسم العزيز علامة يعرف بها.

وحاصل المعنى: أن الحديث الذي يرويه اثنان عن اثنين فقط يسمى بالعزيز. وسمي بذلك إما لقلة وجوده، لأنه يقال عَزَّ الشيء يَعِزُّ بكسر العين في المضارع عِزًّا (1) وَعَزَازَة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد، وإما لكونه قوي

(1) الأول بالكسر، والثاني بالفتح.

ص: 209

واشتد بمجيئه من طريق آخر من قولهم عَزَ يَعَزُّ بفتح العين في المضارع عِزًّا وعَزَازَةً أيضاً إذا اشتد وقوي، ومنه قوله تعالى:(فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) أي قوينا وشددنا، وجمع العزيز أعزة وعِزَاز مثل كريم وكرام، ولا يقال عُزَزَاء ككرماء كراهية التضعيف أفاده في التاج.

قال الحافظ: المراد برواية اثنين أن لا يَرِدَ بأقل منهما فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السَّند الواحد لا يضر إذ الأقل في هذا العلم يقضي على الأكثر.

قال وادعى ابن حبان أن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلاً قال الحافظ: إن أراد به أن رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم وأما صورة العزيز التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين.

مثاله ما رواه الشيخان من حديث أنس والبخاريُّ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " الحديث ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث ورواه عن كُلًّ جماعة.

وقال أيضاً: وليس - يعني العزيز - شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، وهو أبو علي الجبائِي من المعتزلة وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث حيث قال: الصَّحِيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة.

وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر لأنه قال: فإن قيل حديث: " إنما الأعمال بالنيات " فرد لم يروه عن عمر إِلا علقمة قال: قلنا: قد خطب به عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة فلولا أنهم

ص: 210

يعرفونه لأنكروه، كذا قال: وتعقب بأنه لا يلزم من كونهم سكتوا عنه أن يكونوا سمعوه من غيره وبأن هذا لو سلم في عمر منع في تفرد علقمة ثم تفرد محمد بن إبراهيم عن علقمة ثم تفرد يَحْيَى بن سعيد به عن محمد على ما هو الصَّحِيح المعروف عند المحدثين، وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها لضعفها، وكذا لا نسلم جوابه في غير حديث عمر رضي الله عنه.

قال ابن رشيد: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أولُ حديث مذكور فيه. اهـ كلام الحافظ.

ثم ذكر الثالث وهو المشهور بقوله:

........... وَالَّذِي رَوَاهُ

ثَلاثَةٌ مَشْهُورُنَا، رَآهُ

194 -

قَوْمٌ يَسَاوِي الْمُسْتَفِيضَ وَالأَصَحْ

هَذَا بِأَكْثَرَ، وَلَكِنْ مَا وَضَحْ

195 -

حَدُّ تَوَاتُرٍ .........

...............

(والذي) مبتدأ أي الحديث الذي (رواه ثلاثة) من الرواة (مشهورنا) خبر المبتدإ، ويجوز العكس أي مشهور المحدثين.

والمعنى أن المشهور عندنا أيها المحدثون، وإنما خصهم احترازاً من المشهور عند العامة كما يأتي: هو الذي يرويه ثلاثة فأكثر وسمي مشهوراً لوضوح أمره يقال شهرت الأمر أشْهَرهُ (1) شَهْراً بالفتح وشُهْرَة بالضم أبرزته، وشَهَرتُ الحديثَ شهراً وشُهرة أفشيته فاشتهر أفاده في المصباح. وهذا التعريف لجماعة منهم الحافظ فإنهم خصوا الثلاثة فما فوقها بالمشهور، والاثنين بالعزيز، وقال ابن الصلاح تبعاً لابن منده: هو ما رواه جماعة عن الأئمة الذين يجمع حديثهم، وعبارته: فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في حديث يسمى عزيزاً فإذا روى الجماعة عنهم حديثاً سمي مشهوراً. ومقتضى هذا أن بين العزيز والمشهور عموماً وخصوصاً

(1) من باب قطع.

ص: 211

وجهياً. يجتمان فيما إذا رواه ثلاثة ويختص العزيز في الأثنين والمشهور في أكثر من الثلاثة قاله السخاوي.

ثم إن من العلماء من جعل المشهور والمستفيض واحداً وإليه أشار بقوله: (رآه) أي المشهور (قوم) من العلماء بمعنى ذهبوا إليه قال في المصباح: الذي أراه بالبناء للفاعل بمعنى الذي أذهب إليه. اهـ المقصود منه، والمعنى أنه ذهب جماعة من أئمة الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين إلى أن المشهور (يساوي) في المعنى الحديث الذي سمي (المستفيض) اسم فاعل من استفاض الخبر، أي شاع كما في التاج وفي شرح النخبة من فاض الماء يفيض فيضاً. اهـ أي كثر حتى سال على طرف الوادي. اهـ لقط الدرر.

وحاصل المعنى أن المشهور هو المستفيض على رأي جماعة من العلماء لكن الأصح أن بينهما مغايرة كما ذكره بقوله: (والأصح) من أقوال العلماء أن (هذا) أي المستفيض يكون (بأكثر) من ثلاثة (ولكن ما) نافية (وضح) أي ظهر فيه (حد تواتر) يعني أنه لم يوجد فيه حد التواتر، وحاصل المعنى: أن الأصح في حد المستفيض هو ما رواه أكثر من ثلاثة ما لم يبلغ إلى حد التواتر على ما يأتي بَيَانه.

وقال السخاوي: نقلاً عن الحافظ ما حاصله: ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون من ابتدائه إلى انتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك بحيث يشمل ما كان أوله منقولاً من الواحد كحديث " إنما الأعمال بالنيات " فقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي أنه كتبه عن سبعمائة رجل من أصحاب يَحْيَى بن سعيد، واعتنى الحافظ أبو القاسم بن منده بجمعهم وترتيبهم بحيث جمع نحو النصف من ذلك، ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض ما تلقته الأمة بالقبول دون اعتبار عدد، ولذا قال أبو بكر الصيرفي والقفال: إنه هو والمتواتر بمعنى واحد اهـ كلام السخاوي.

قال الحافظ في المستفيض: إنه ليس من مباحث هذا الفن.

ص: 212

ثم إن هذه الأقسام الأربعة لا تختص بصحيح ولا ضعيف بل تعمهما إلا أن الغالب على الغريب الضَّعْفُ وإليه أشار بقوله:

.............. وَكُلٌّ يَنْقَسِمْ

لِمَا بِصِحَّةٍ وَضَعْفٍ يَتَّسِمْ

196 -

وَالْغَالِبُ الضَّعْفُ عَلَى الْغَرِيبِ

..............

(وكل) من الأقسام المذكورة مبتدأ خبره (ينقسم لما) إلى الحديث الذي (بصحة) متعلق بيتسم، والمراد ما يشمل الحسن (وضعف) بفتح الضاد وضمها (يتسم) أي يتحلى ويتصف.

والمعنى أن كلا من الأقسام المذكورة ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف إذ لا ينافي واحداً منها، وإن لم يصرح ابن الصلاح بذلك، إلا في الغريب لكثرته، ولذلك قال الناظم (و) لكن (الغالب الضعف) بالفتح والضم (على الغريب) أي النوع المسمى به يعني أن الغريب غالباً يكون ضعيفا، ويندر فيه الصحة ولذا كره جمع من الأئمة تتبع الغرائب.

فقد قال أحمد رحمه الله تعالى: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها من الضعفاء، وسئل عن حديث ابن جريجٍ عن عطاء عن ابن عباس " تردين عليه حديقته " فقال: إنما هو مرسل فقيل له إن ابن أبي شيبة زعم أنه غريب فقال أحمد: صدق، إذا كان خطأ فهو غريب، وقال أبو حنيفة رحمه الله: من طلبها كذب، وقال مالك رحمه الله: شر العلم الغريب وخيره الظاهر الذي قد رواه النَّاس، وعن عبد الرزاق قال: كنا نرى أن الغريب خير فإذا هو شر. ذكره السخاوي.

وفي التدريب وقال ابن المبارك: العلم الذي يجيئك من ههنا وههنا يعني المشهور، رواه البيهقي في المدخل، وعن الزهري قال: حدثت علي بن الحسين بحديث فلما فرغت قال: أحسنت بارك الله فيك، هكذا حدثنا، قلت ما أراني إِلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني قال: لا تقل ذلك فليس العلم ما لا يعرف إنما العلم ما عرف وتواطئت عليه الألسن،

ص: 213

وروى ابن عدي عن أبي يوسف، قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غريب الحديث كذب، ومن طلب المال بالكيماء أفلس اهـ المقصود من التدريب.

مثال المشهور الصَّحِيح حديث " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من النَّاس " الحديث.

ومثال المشهور الحسن حديث " طلب العلم فريضة على كل مسلم " فقد قال الحافظ المزي إن له طرقاً يرتقي بها إلى رتبة الحسن، ومثال المشهور الضَّعِيف حديث " الأذنان من الرأس " قلت الصَّحِيح أنه صحيح كما بينته في شرح النسائي.

وأما مثال الغريب الصَّحِيح فأفراد الصَّحِيح كثيرة كحديث " السفر قطعة من العذاب ". ومثال الغريب غير الصَّحِيح فهو غالب الغرائب ثم شرع في تقسيم آخر للغريب فقال:

...............

وَقُسِّمَ الْفَرْدُ إِلَى غَرِيبِ

..................

..................

197 -

فِي مَتْنِهِ وَسَنَدٍ، وَالثَّانِ قَدْ

وَلا تَرَى غَرِيبَ مَتْنٍ لا سَنَدْ

(وقسم) بالبناء للمفعول (الفرد) أي المطلق الذي هو الغريب، (إلى) قسمين (غريب في متنه وسند) له معاً كالحديث الذي ينفرد برواية متنه راو واحد فقط (و) غريب في (الثاني) أي السَّند (قد) أي فحسب كأن يكون المتن معروفاً برواية جماعة من الصحابة فينفرد بها راو من حديث صحابي آخر فهو من جهته غريب مع أن متنه غير غريب.

ومن أمثلته حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رَفَعَهُ " الكافر يأكل في سبعة أمعاء " فإنه غريب من حديث أبي موسى مع كونه معروفاً من حديث غيره، قال ابن الصلاح: من ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصَّحِيحة. قال السخاوي: يعني كأن ينفرد به من حديث شعبة بخصوصه غندر، قال: وهو الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا

ص: 214

الوجه، قال ابن الصلاح: ولا أرى يعني القسم الثاني ينعكس فلا يوجد إذاً يعني فيما يصح، ما هو غريب متناً لا سنداً. اهـ. وإليه أشار بقوله (ولا نرى) بالنون والبناء للفاعل أي لا نعرف معاشر المحدثين، وفي نسخة المحقق بالتاء، أي لا تعرف أيها المحدث ولا تجد بالبحث (غريب متن) بالنصب مفعول نرى (لا سند) أي دونه يعني أنه لا يوجد حديثٌ غريبٌ متناً لا سنداً، قال ابن الصلاح إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريباً مشهوراً وغريباً متناً وغير غريب إسناداً لكن بالنظر إلى أحد طرفى الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول ومتصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث " إنما الأعمال بالنيات " وكسائر الغرائب التي اشتمل عليها التصانيف المشهورة اهـ.

قال العراقي بعد نقل كلام ابن الصلاح هذا ما نصه:

هكذا قال ابن الصلاح إنه لا يوجد ما هو غريب متناً لا سنداً إلا بالتأويل الذي ذكره، وقد أطلق أبو الفتح اليعمري ذكر هذا النوع في جملة أنواع الغريب من غير تقييد بآخر السَّند، فقال في شرحٍ الترمذي: الغريب على أقسام: غريب سنداً ومتناً، ومتناً لا سنداً، وسنداً لا متناً، وغريب بعض السَّند فقط، وغريب بعض المتن فقط، فالقسم الأول: واضح، والقسم الثاني: هو الذي أطلقه أبو الفتح ولم يذكر له مثالاً، والقسم الثالث: حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رَوَّاد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأعمال بالنية " قال الخليلي: في الإرشاد أخطأ فيه عبد المجيد وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة، وقال أبو الفتح اليعمري هذا إسناد غريب كله والمتن صحيح.

والقسم الرابع: مثاله حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومن رواية عباد بن منصور كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بحديث أم زرع والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيه عن

ص: 215

عائشة هكذا اتفق عليه الشيخان، وكذا رواه مسلم من رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن هشام، قال أبو الفتح فهذه غرابة تخص موضعاً من السَّند، والحديث صحيح، قال العراقي: ويصلح ما ذكرناه من عند الطبراني مثالاً للقسم الخامس لأن عبد العزيز وعَبَّادا جَعَلا جميع الحديث مرفوعاً وإنما المرفوع منه قوله صلى الله عليه وسلم " كنت لك كأبي زرع لأم زرع " فهذا غرابة بعض المتن أيضاً. اهـ كلام العراقي في شرح ألفيته.

ولما كان المشهور له إطلاق آخر غير ما مر في الأقسام وهو ما اشتهر على ألسنة النَّاس ذكره بقوله:

198 -

وَيُطْلَقُ الْمَشْهُورُ لِلَّذِي اشْتَهَرْ

فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ شُرُوطٍ تُعْتَبَرْ

(ويطلق المشهور للذي) أي على الحديث الذي (اشتهر في الناس) أي بينهم (من غير شروط تعتبر) أي من دون أن توجد فيه الشروط المعتبرة عند المحدثين في المشهور المصطلح عليه.

والمعنى أن اسم المشهور قد يطلق على الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة النَّاس سواء كانت صحيحة أم ضعيفة أم مكذوبة.

والحاصل أنه ربما يطلق على ما ليس له إلا إسناد واحد أو إسنادان أو لا إسناد له أصلًا، كعلماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، وولدت في زمن الملك العادل كسرى، وتسليم الغزالة، فقد اشتهر على الألسنة، وفي المدائح النبوية قاله السخاوي.

وقد صنف في هذا القسم الزركشي التذكرة في الأحاديث المشتهرة، والناظم كتاباً استدرك فيه ما فات الزركشي، والعلامة السخاوي المقاصد الحسنة وغيرهم.

ومن أمثلة المشهور عند أهل الحديث خاصة حديث أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الركوع يدعوا على رِعْل وذَكْواَن " أخرجه الشيخان من رواية سليمان التيمي عن أبي مِجْلَزٍ عن أنس وقد رواه عن

ص: 216

أنس غير أبي مجلز، وعن أبي مجلز غير سليمان، وعن سليمان جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم لأن الغالب على رواية التيمي عن أنس كونها بلا واسطة، ومن المشهور عند أهل الحديث والعلماء والعوام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ".

ومن المشهور عند الفقهاء " أبغض الحلال عند الله الطلاق " صححه الحاكم " من سئل عن علم فكتمه " الحديث حسنه الترمذي " لا غيبة لفاسق " حسنه بعض الحفاظ وضعفه البيهقي وغيره " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ضعفه الحفاظ.

" استاكوا عرضاً وادهنوا غبا واكتحلوا وتراً " قال ابن الصلاح بحثت عنه فلم أجد له أصلاً ولا ذكراً في شيء من كتب الحديث.

قلت قال السخاوي في المقاصد الحسنة: والجملة الثانية من أصل الحديث عند أحمد وأبي دواد والترمذي مما صححه هو وابن حبان، وقال والجملة الثالثة عند أبي دواد وغيره.

ومن المشهور عند النحاة " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " قال العراقي وغيره لا أصل له ولا يوجد بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث.

ومن المشهور عند الأصوليين " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اسْتكْرِهُوا عليه " صححه ابن حبان، والحاكم بلفظ إن الله وضع.

ومن المشهور بين العامة " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " أخرجه مسلم، " مدارة النَّاس صدقة " صححه ابن حبان، " البركة مع أكابركم " صححه ابن حبان والحاكم " ليس الخبر كالمعاينة " صححاه أيضا " المستشار مؤتمن " حسنه الترمذي، " العَجَلة من الشيطان " حسنه الترمذي أيضاً، " اختلاف أمتي رحمة "" نية المرء خير من عمله "" من بورك له في شيء فليلزمه "" الخير عادة "، " عَرّفوا ولا تعنفوا "، " جبلت القلوب على حب من

ص: 217

أحسن إليها "، " أمرنا أن نكلم النَّاس على قدر عقولهم "، وكلها ضعيفة، " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، " كنت كنزاً مخفياً لا أعرف "، " الباذنجان لما أكل له، يوم صومكم يوم نحركم، من بَشَرَني بآذار بشرته بالجنة "، وكلها باطلة، لا أصل لها، ذكرها كلها في التدريب، ولما أنهى الكلام على الآحاد شرع يبين المتواتر، وهو القسم الخامس فقال:

199 -

وَمَا رَوَاهُ عَدَدٌ جَمٌ يَجِبْ

إِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبْ

200 -

فَالمُتَوَاتِرُ، وَقَوْمُ حَدَّدُوا

بِعَشْرَةٍ، وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ

201 -

وَالْقَوْلُ بِاثْنَيْ عَشَرَ اْوْ عِشْرِينَا

يُحُكَى وَأَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَا

(وما) اسم موصول مبتدأ أي الحديث الذي (رواه عدد) أي جماعة من النَّاس (جم) بفتح الجيم وتشديد الميم صفة عدد أي كثير، قال في " ق " الجم الكثير من كل شيء كالجمم محركة، والجمع جمام بالكسر، وجموم بالضم. اهـ بزيادة من التاج (يجب) عادة (إحالة اجتماعهم) وتواطئهم (على الكذب) بفتح فكسر أفصح من سكون الذال مع كسر الكاف وهو الموافق للوزن أيضاً، وجملة يجب صفة بعد صفة لعدد بمعنى أن العادة تمنع اتفاقهم على الكذب عمداً أو وقوعه منهم من غير قصد، قال السخاوي: وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيراً وفي أخرى قليلاً إِذِ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه اهـ.

والحاصل: أن الخبر الذي ورد بلا حصر عدد معين بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد وانضاف إليه أن يستوي الأمر فيه في الكثرة المذكورة من ابتدائه إلى انتهائه والمراد بالاستواء أن لا تنقص الكثرة المذكورة في بعض المواضع لا أن تزيد إذ الزيادة هنا مطلوبة من باب أولى، وأن يكون مستند انتهائه الأمر المشاهد، أو المسموع لا ما ثبت بقضية العقل الصرف (1) فإذا جمع هذه

(1) كحدوث العالم وكون الواحد نصف الاثنين.

ص: 218

الشروط الأربعة، وهي عدد كثير، أحالت العادة تواطئهم على الكذب، ورووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان مسند انتهائهم الحس، وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه فهو (المتواتر) خبر ما، اسمُ فاعل من التواتر، وهو لغة ترادف الأشياء المتعاقبة واحداً بعد واحد بينهما فترة، ومنه قوله تعالىِ:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) أي رسولاً بعد رسول بينهما فترة، واصطلاحاً هو الذي رواه جماعة غير محصورين في عدد معين إلى آخر ما تقدم.

فإذا حصلت الشروط المذكورة استلزمت حصول العلم في الغالب، وقد يتخلف لمانع، كغباوة السامع، والمعتمد أن العلم الحاصل به هو اليقيني لا النظري.

(تنبيه): البحث عن المتواتر ليس من مباحث علم الإسناد إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك والمتواتر ليس كذلك بل يجب العمل به من غير بحث عن رجاله وإن كانوا فساقاً.

ثم إن المتواتر قسم من المشهور فكل متواتر مشهور ولا عكس أفاده الحافظ.

ثم إن ما ذكر من عدم حصر المتواتر بعدد معين هو الذي عليه الجمهور وهو الأصح، ومنهم من عينه بعدد، وإليه أشار بقوله:

(وقوم حددوا) مبتدأ وخبر أي قوم من المحدثين أو من علماء أصول الحديث، أو أصول الفقه جعلوا لأقل عدده حداً (بعشرة) بسكون الشين متعلق بِـ حَدَّدُوْا وفي نسخة الشارح لعشرة باللام والمعنى متقارب.

والمعنى أن بعض العلماء عَيَّنَ أقل المتواتر بعشرة بمعنى أن الكثرة لا تنقص عنها، لا أنها لا تزيد عليها، إذ الزيادة هنا مستحسنة من باب أولى لأن العلم إذا حصل بالأقل فبالزيادة أولى وهكذا يقال في الأقوال الآتية.

وهذا القول محكي عن أبي سعيد الاصطخري قال: لأن ما دون العشرة آحاد.

ص: 219

قال الناظم مختاراً لهذا القول (وهو) أي التحديد بعشرة (لَدَيَّ) أي عندي (أجود) أي أحسن من غيره من الأقوال، وإنما اختاره لأنه أول جموع الكثرة (والقول) مبتدأ خبره جملة يحكى، وقوله (باثني عشر) يتعلق به أي القول بتحديد رواة المتواتر باثني عشر عَدَدِ نقباءِ بني إسرائيل في قوله تعالى:(وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) بعثوا كما قال أهل التفسير للكنعانيين بالشام طليعة لِبَنِي إسرائيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم، فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك (أو عشرينًا) أي القول بتحددهم بعشرين شخصاً لقوله تعالى:(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) وكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، (يحكى) بالبناء للمفعول، أي يروى عن بعض العلماء، وقوله (وأربعين) عطف على اثني عشر أي القول بتحديدهم بأربعين نفساً يحكى عن بعضهم قالوا لأن الله تعالى قال:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وكانوا كما قال أهل التفسير: أربعين رجلاً كملهم عمر رضي الله عنه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فإخبار الله عنهم بأنهم كافوا نبيهم يستدعي إخبارهم عن أنفسهم بذلك ليطمئن قلبه، فكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، (أو سبعينًا) أي يحكى عن بعضهم تحديدهم بسبعين شخصاً، قالوا لأن الله تعالى قال:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) أي للاعتذار إلى الله تعالى من عبادة العجل، ولسماعهم كلامه تعالى من أمر ونهي ليخبروا قومهم بما يسمعونه، فكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، وقيل أقلهم ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل بدر، وأصحاب طالوت.

وقال الحافظ بعد ذكر نحو ما تقدم: وتمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص اهـ.

(تنبيه): الأصح أنه لا يشترط في المتواتر الإسلام في راويه، ولا عدم احتواء بلد عليهم، فيجوز أن يكونوا كفاراً، ويحويهم بلد كأن يخبر

ص: 220

أهل قسطنطينية بقتل ملكهم لأن الكثرة مانعة من التواطىء على الكذب، وقيل لا يجوز ذلك لجواز تواطىء الكفار، وأهل بلد على الكذب فلا يفيد خبرهم العلم قاله مُلَّا علي قارى نقلاً عن المَحَلّي، ولما قال بعضهم بعدم وجود المتواتر، وبعضهم بعزته ذكره بقوله:

202 -

وَبَعْضُهُمْ قَدِ ادَّعَى فِيهِ الْعَدَمْ

وَبَعْضُهُمْ عِزَّتَهُ، وَهْوَ وَهَمْ

(وبعضهم) أي بعض العلماء كابن حبان والحازمي مبتدأ خبره (قد ادعى فيه) أي المتواتر (العدم) أي كونه غير موجود في الروايات (وبعضهم) ادعى (عزته) أي قلته جداً يقال عَزُّ الشيء يعِزُّ بكسر العين في المضارع: قَلَّ بحيث لا يكاد يوجد، وهذا القائل هو ابن الصلاح حيث قال: ولا يكاد يوجد يعني المتواتر في روايتهم، وهو ما ينقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يُروى من الحديث أعياه تطلبه، قال: نعم حديث " من كذب عليَّ " نراه مثالاً لذلك، وتبعه على ذلك النووي في التقريب، قال الناظم رحمه الله ردًّا على القولين تبعاً للحافظ رحمه الله (وهو) أي المذكور من دعوى العدم والعزة (وهم) كغلط وزناً ومعنى، يقال وَهِمَ في الحساب يوهم وهما كغلط يغلط غلطا وزناً ومعنى، ويتعدى بالهمزة والتضعيف، وقد يستعمل المهموز لازماً قاله في المصباح، والجملة مستأنفة.

والمعنى: أي دعوى عدم التواتر وعزته غلط من قائله نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال، وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب، أو يحصل منهم اتفاقاً.

ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً وُجودَ كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوعَ عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث، وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني

ص: 221

بصحته إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير قاله الحافظ رحمه الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى مقرراً للتغليط ومبيناً لوجوده في الأحاديث وجود كثرة حتى ألف فيه مؤلفاً خاصاً به:

203 -

بَلِ الصَّوابِ أَنَّهُ كَثِيرٌ

وَفِيهِ لِي مُؤَلَّفٌ نَضِيرٌ

204 -

خَمْسٌ وَسَبْعُونَ رَوَوْا " مَنْ كَذَبَا "

وَمِنْهُمُ الْعَشْرَةُ ثُمَّ انْتَسَبَا

205 -

لَهَا حَدِيثُ " الرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ "

وَ " الْحَوْضِ " وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ "

(بل الصواب) في الحديث المتواتر (أنه) أي المتواتر (كَثِيرٌ) يوجد في الدواوين المشهورة بكثرة (وفيه) أي في خصوص المتواتر خبر مقدم، أو حال، أو متعلق بمؤلف (لي) حال من مؤلف، أو خبر مقدم له (مؤلف) أي كتاب مجموع من جملة الأحاديث المتواترة، مأخوذ من التأليف، وهو كما في التعريفات للشريف الجرجاني: جَعْلُ الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا، فعلى هذا يكون التأليف أعم من الترتيب اهـ. (نضير) أي حسن، صفة مؤلف، يقال: نَضُرَ الوجه بالضم نَضَارَة حَسُن فهو نضير قاله في المصباح.

والمعنى أنه ألف كتاباً حسناً في ذلك لم يُسْبَق إلى مثله مرتباً على الأبواب أورد فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعدا وذكر كل حديث بأسانيد من خرجه وطرقه وسماه " الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة " ثم لخصه في جزء لطيف اقتصر فيه على عزو كل طريق لمن خرجها من الأئمة وسماه " بالأزهار المتناثرة " ثم جاء بعده أبو جعفر الكتاني فاستدرك عليه في كتابه " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ثم لخص أبو الفضل عبد الله الصديق ما استدركه الكتاني مما هو على شرط السيوطي مع زيادات عليه في " إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادات في نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة " وفيه ما زاده مرتضى الزبيدي في كتابه "لقط اللآلئ المتناثرة " قاله الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقاته على التدريب.

ص: 222

(تنبيه): كتاب الناظم المؤلف في المتواتر الصواب في اسمه ما سبق، وأخطأ في تسميته نفسه في التدريب فسمى الأصل " الأزهار المتناثرة " والمختصر قطف الأزهار، وليس كذلك، بل قطف الأزهار كتاب له آخر ألفه في أسرار التنزيل في مجلد ضخم كتب منه إلى آخر سورة براءة، وسماه قطف الأزهار في كشف الأسرار، أفاده المحقق ابن شاكرٍ، ثم ذكر أمثلة مما تواتر فقال (خمس وسبعون) من الصحابة مبتدأ خبره قوله (رووا) عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث (من كذبا) بألف الإطلاق (ومنهم العشرة) مبتدأ وخبر، والشين ساكنة، أي ومن جملة الخمسة والسبعين الصحابَةُ المشهود لهم بالجنة، وهم الخلفاء الأربعة وسعد وسعيد وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، والمعنى أن حديث " من كذب علي متعمداً فَلْيَتَبَوَّأ مقعده من النار " رواه خمس وسبعون صحابياً، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في وقت واحد، وإلا فقد شهد صلى الله عليه وسلم لجماعة بالجنة في أوقات مختلفة.

وقال ابن الصلاح: رواه اثنان وستون من الصحابة، وقال غيره رواه أكثر من مائة نفسٍ، وقال النووي في شرح مسلم رواه نحو مائتين قال السخاوي: ولعله سبق قلم من مائة.

قال العراقي وليس في هذا المتن بعينه ولكنه في مطلق الكذب، والخاص بهذا المتن رواية بضعةٍ وسبعين صحابياً، (ثم انتسبا) بألف الإطلاق (لها) أي للأحاديث المتواترة (حديث الرفع لليدين) فاعل انتسب، والمعنى أن الحديث الدال على مشروعية رفع اليدين في الصلاة معدود في جملة المتواتر فإنه ورد من رواية خمسين صحابياً (والحوض) بالجر عطفاً على الرفع أي انتسب حديث الحوض أيضاً فإنه ورد من رواية نيف وخمسين صحابياً (والمسح) بالجر أي حديث المسح (على الخفين) في الوضوء فإنه ورد من رواية سبعين صحابياً.

(تنبيه): قسم أهل الأصول المتواتر إلى لفظي وهو ما تواتر لفظه،

ص: 223

ومعنوي وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة تشترك في أمر يتواتر ذلك القدر المشترك، كما إذا نقل رجل عن حاتم مثلاً أنه أعطى جملاً، وآخر أنه أعطى فرساً، وآخر أنه أعطى ديناراً، وهلم جَرَّا فيتواتر القدر المشترك بين أخبارهم وهو الإعطاء لأن وجوده مشترك من جميع هذه القضايا، قال الناظم وذلك أيضاً يتأتي في الحديث، فمنه ما تواتر لفظه كالأمثلة السابقة، ومنه ما تواتر معناه، كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة فكل قضية منها لم تتواتر والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع قاله في التدريب.

ثم بعد أن تكلم الناظم على المتواتر عاد إلى شيء يتعلق بنوع العزيز الذي سبق ذكره فقال:

206 -

وَلابْنِ حِبَّانَ: الْعَزِيزُ مَا وُجِدْ

بِحَدِّهِ السَّابِقِ، لَكِنْ لَمْ يُجِدْ

207 -

وَلِلْعَلائِيْ جَاءَ فِي الْمَأْثُورِ

ذُو وَصْفَيِّ الْعَزِيزِ وَالْمَشْهُورِ

(ولـ) لحافظ أبي حاتم محمد (بن حبان) البستي صاحب الصَّحِيح تقدمت ترجمته، والجار والمجرور خبر مقدم لقوله:(الْعَزِيزُ مَا وُجِدْ) أي هذا الكلام، فقوله العزيز ما وجد مبتدأ وخبر في الأصل، وهو محكي لقصد لفظه، مبتدأ مؤخر، وما نافية، أي هذا الكلام كائن لابن حبان، والمعنى أن ابن حبان أنكر وجود العزيز (بحده السابق) متعلق بوجد أي بتعريفه المتقدم، وهو رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي.

والحاصل: أنه قال: إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلاً فرد عليه الناظم تبعاً للحافظ في شرح النخبة بقوله (لَكِنْ لَمْ يُجِدْ) من الإجادة، يقال: أجاد الرجل إجادة إذا أتى بالجِيّد من القول أو الفعل.

والمعنى: أن ابن حبان لم يات بكلام حسن في هذا الإنكار، قال الحافظ: إن أراد يعني ابن حبان بقوله إن رواية اثنين عن اثنين إلخ، أن

ص: 224

رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم، وأما صورة العزيز التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين اهـ.

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي من عبارة ابن حبان أنه أراد الوجه الأول فكلامه صحيح، وأما إرادة الوجه الثاني فبعيدة جداً لمنافاتها عبارته السابقة.

فالحق عندي أنه لا معنى للاعتراض عليه والترديدِ المذكور في توجيه كلامه فتأمل بإنصاف (وللـ) حافظ الفقيه العلامة صلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي (العلائي) بتخفيف الياء للوزن الشافعي عالم بيت المقدس المولود في ربيع الأول سنة 694 كان إماماً بارعاً محدثاً حافظاً متقناً جليلًا فقيهاً أصولياً نحوياً متفنِّناً في الحديث وعلومه علامة فيه عارفاً بالرجال علامة في المتون والأسانيد لم يخلف بعده مثله أخذ عنه العراقي، مات في ثالث محرم سنة 761، اهـ من طبقات الحفاظ باختصار والجار والمجرور خبر مقدم لقوله (جاء في الْمَأثُور) إلخ لأنه محكي لقصد لفظه.

والمعنى: أنه قال جاء في الحديث المأثور أي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث (ذو وصفي العزيز والمشهور) أي صاحب الاتصاف بهذين الوصفين يعني أن بعض الأحاديث يوصف بهما.

وَمَثَّلَهُ بحديث " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " الحديث ذكر أنه عزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه حذيفة بن اليمان وأبو هريرة، وهو مشهور عن أبي هريرة رواه عنه سبعة: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو حازم، وطاوس، والأعرج، وهمام، وأبو صالح، وعبد الرحمن مولى أم بُرْثُن.

(تنبيه): قال المحقق ابن شاكرٍ: واعلم أن هذين البيتين من أول قوله ولابن حبان إلخ وقعا في الطبعة السابقة قبل قوله خمس وسبعون رووا من كذبا والصواب تأخيرهما إلى هذا الموضع تبعاً لنسخة الشارح، ولأن قوله

ص: 225

خمس وسبعون إلخ، أمثلة للمتواتر فالمعتمد أن تذكر عقبه ولا يفصل بينها وبينه بشيء آخر اهـ.

(تنبيه): الزيادة على العراقي قوله: رآه في البيت الثاني إلى قوله: حد تواتر، وقوله: والغالب الضعف على الغريب، وقوله: ولا ترى غريب متن إلخ، والحوض، وقوله: ولابن حبان البيتين.

ولما ذكر الغرابة في الباب السابق ذكر ما يزيلها وهو المتابع والشاهد، وما يوصل إليهما وهو الاعتبار فقال:

ص: 226