الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
أي هذا مبحث خاتمة يختم بها ما بقي مما يتعلق بالأبواب السابقة من بيان ترتيب أقسام الضَّعِيف التي لها ألقاب خاصة، وبيان كيفية رواية الصَّحِيح، والضَّعِيف، وكيف يحكم من رأى ضعفاً في سند حديث.
قال رحمه الله:
272 -
شَرُّ الضَّعِيفِ الْوَضْعُ فَالْمَتْرُوكُ ثُمّ
…
ذُو النُّكْرِ فَالْمُعَلُّ فَالْمُدْرَجُ ضُمّ
273 -
وَبَعْدَهُ الْمَقْلُوبُ فَالْمُضْطَرِبُ
…
وَآخَرُونَ غَيْرَ هَذَا رَتَّبُوا
(شر الضَّعِيف الوضع) مبتدأ وخبر على حذف مضاف من الثاني، أو على تأويله بالمشتق، أي ذو الوضع أو الموضوع شر أنواع الضَّعِيف من الأخبار، وهذا لا خلاف فيه، بل هو في الحقيقة غير حديث، وإنما ذكروه لزعم واضعه ذلك.
والأحسن كما قال السخاوي أنه إنما ذكروه لأجل معرفة الطرق التي يتوصل بها لمعرفته لِيُنفَى عنه القبول.
وقد سبق هذا في أوائل بحث الموضوع (فـ) يليه (المتروك) من الأخبار وهو كما تقدم ما انفرد بروايته متهم بالكذب إلخ (ثم) يليه (ذو النكر) بضم فسكون اسم من الإنكار يقال نَكِرَ (1) الأمرَ نكيراً وأنكره إنكاراً
(1) كفرح.
ونكراً بضم فسكون جهله، والصَّحِيح أن الإنكار المصدر، والنكر الاسم قاله في اللسان.
يعني أن المنكر يلي المتروك في الرتبة (فـ) يليه (المعل) وهو ما ظاهره السلامة ثم اطلع فيه بعد التفتيش على قادح (فـ) يليه (المدرج) وقد تقدم تعريفه بنوعيه وقوله (ضم) يحتمل أن يكون بالبناء للمفعول، والجملة حال من المدرج، أي حال كونه مضموماً إلى ما قبله، أو خبر له، ويحتمل أن يكون فعل أمر والمدرج مفعول مقدم، أو مبتدأ خبره جملة الأمر، أي ضم أيها المحدث المدرج إلى ما قبله (وبعده) أي المدرج في الرتبة (المقلوب) وهو الذي أبدل فيه شيء بآخر على الوجه المتقدم (فـ) يليه (المضطرب) وهو الذي اختلفت وجوهه من غير مرجح لأحدها، ولا قابل للجمع بينها، هكذا قال الحافظ كما أفاده في التدريب (وآخرون) من المحدثين، مبتدأ خبره قوله رتبوا، (غير هذا) الترتيب نصب على أنه مفعول مطلق لقوله (رتبوا) أنواعَ الضَّعِيف يعني أن بعض المحدثين سلكوا في ترتيب أنواع الضَّعِيف مسلكاً آخر.
فقال الخطابي شرها الموضوع، ثم المقلوب، ثم المجهول، وقال الزركشي ما ضعفه لا لعدم اتصاله سبعة أصناف: شرها الموضوع ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المنكر، ثم الشَّاذ، ثم المعل، ثم المضطرب، قال الناظم هذا ترتيب حسن وينبغيِ جعل المتروك قبل المدرج، وأن يقال فيما ضعفه لعدم اتصاله: شره المعضل، ثم المنقطع، ثم المدلس، ثم المرسل، وهذا واضح، ثم ذكر كيفية رواية الحديث الصَّحِيح وغيره فقال:
274 -
وَمَنْ رَوَى مَتْنًا صَحِيحًا يَجْزِمُ
…
أَوْ وَاهِيًا أَوْ حَالُهُ لا يُعْلُمُ
275 -
بِغَيْرِ مَا إِسْنَادِهِ يُمَرِّضُ
…
وَتَرْكَهُ بَيَانَ ضَعْفٍ قَدْ رَضُوا
276 -
فِي الْوَعْظِ أَوْ فَضَائِلِ الأَعْمَالِ
…
لا الْعَقْدِ وَالْحَرَامِ وَالْحَلالِ
277 -
وَلا إِذَا يَشْتَدُّ ضَعْفٌ ......
…
.............
(ومن) مبتدأ خبره يجزم أي الذي (روى) أي أراد الرواية كقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا) الآية، يعني أن الذي أراد أن يروي (متناً صحيحاً) بغير إسناده وكذا كتابته (يجزم) عند روايته أي يذكره بصيغة الجزم، كأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويقبح فيه التمريض كما يقبح في الضَّعِيف الجزم.
والحاصل أن من روى حديثاً صحيحاً بغير إسناده أو كَتَبَهُ فعليه أن يؤديه أو يكتبه بصيغة الجزم ولايورده بصيغة التمريض التي تشعر بضعفه لأنه يوقع السامع أو القارئ إن كتبه في أن الحديث ضعيف.
(أو واهياً) عطف على صحيحاً، أي أو أراد رواية حديث ضعيف (أو) رواية حديث (حاله) بالرفع مبتدأ، أي حال ذلك الحديث وقوله (لا يعلم) بالبناء للمفعول خبر المبتدإ، أي غير معلوم للراوي، ويحتمل كون حاله مفعولاً مقدماً والفعل مبني للفاعل، والفاعل ضمير عائد على من، أي أو أراد رواية حديث لا يعلم الراوي حاله هل صحيح أم لا؟ (بغير ما)" ما " زائدة بين المتضايفين (إسناده) أي بلا ذكر سنده، والجار والمجرور متعلق بروى، وهذا القيد لا بد منه في الأول أيضاً، كما قدرناه قَبْلُ (يمرض) عطف على يجزم وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المقرر في محله، يعني يذكره بصيغة التمريض.
وحاصل المعنى: أن من أراد رواية أو كتابة حديث ضعيف أو مشكوك في صحته بغير سنده فعليه أن يرويه أو يكتبه بصيغة التمريض، كأن يقول: رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بلغنا عنه وما أشبه ذلك، لئلا يغتر به من لا يعرفه لو ذكره بصيغة الجزم، وقيد بقوله بغير إسناده إشارة إلى أنه إذا ذكره مع الإسناد لا يلزمه ذلك للاكتفاء بالإسناد.
لكن قدمنا أن مجرد ذكر الإسناد لا يكفي في البراءة عن العهدة في هذه الأزمان المتأخرة لقلة من يعرف حال السَّند، فذكره وعدمه لا يُجْدِي شيئاً، فلا بد من بيان حال الحديث، (وتركه) أي الراوي مفعول مقدم
لرضوا (بيان ضعف) بفتح الضاد وضمها كما قرئ به في السبعة مفعول ترك، (قد رضوا) أي أهل الحديث وغيرهم، والمعنى: أن العلماء جوزوا التساهل في الأسانيد الضَّعِيفة ورواية ما سوى الموضوع من الضَّعِيف وكذا العمل به من غير بيان ضعفه، (في الوعظ) أي النصح والتذكير بالعواقب (أو) في (فضائل الأعمال) وكذا القصص وسائر فنون الترغيب والترهيب مما لا تعلق له بالعقائد، والأحكام كما قال (لا) في (العقد) بفتح فسكون مصدر عقدت على كذا بمعنى اعتقدته فهو بمعنى اسم المفعول، أي الشيء المعتقد، يعني أنهم لا يرضون ذلك في العقائد كصفات الله تعالى، وما يجوز له، وما يستحيل عليه، وكذا تفسير كلامه فلا يجوز ذكر الضَّعِيف دليلاً عليها، (و) لا في (الحرام والحلال) فلا يجوز التساهل فيهما أيضاً، وكذا الوجوب والندب والكراهة.
والحاصل أنه لا يجوز الاستدلال بالضَّعِيف في الأحكام الشرعية (ولا) يرضون أيضاً ذلك (إِذَا يشتد ضعف) أي ضعف ذلك الحديث بأن كان راويه متهماً بالكذب أو بالوضع أو فاحش الغلط، قال الناظم: نقل العلائي الاتفاق عليه.
والحاصل: أن بعض العلماء جوزوا التساهل في الأسانيد ورواية غير الموضوع من أنواع الحديث الضَّعِيف من غير بيان ضعفها فيما سوى العقائد والأحكام الشرعية كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب.
قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما وزاد السخاوي: ابن معين وابن المبارك والسفيانين، ومنع ابن العربي المالكي العمل بالضَّعِيف مطلقاً، وجوزه بعضهم مطلقاً والحاصل: أن في الاحتجاج بالضَّعِيف ثلاثة مذاهب: الأول: المنع مطلقاً وهو لابن العربي وهو مذهب مسلم، وابن حزم، وهو الراجح. الثاني: الجواز مطلقاً قال الناظم وعزي إلى
أبي داود وأحمد لأنهما يريانه أقوى من رأي الرجال. الثالث: التفصيل المذكور في النظم وهو المعتمد عند كثير من المتأخرين.
(تنبيهان): الأول: ذكر في النظم من شروط قبول الضَّعِيف شرطين فقط كونه في الفضائل ونحوها وأن لا يشتد ضعفه، وبقي عليه شرطان: أن يندرج تحت أصل معمول به، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط ذكرهما العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد.
الثاني: قال بعضهم المراد بالضَّعِيف هنا الضَّعِيف في اصطلاح المتقدمين وهو الحسن في اصطلاح المتأخرين وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة كما نقله عنه القاسمي.
قلت في هذا القول نظر فإن الحسن يحتج به في الأحكام مطلقاً والعقائد وغيرها وهنا خصوا الفضائل ونحوها وأيضاً فإنهم اشترطوا هنا الشروط المتقدمة وليس في الحسن شيء منها فحمل كلامهم على الضَّعِيف واضح لكن الضَّعِيف مراتب كما تقدم فليس كل ضعيف يصلح للاحتجاج به، ولذا اشترط أن لايكون شديد الضعف فتأمل.
ثم ذكر كيفية بيان المحدث إذا رأى حديثاً بإسناد ضعيف فقال:
.......... ثُمَّ مَنْ
…
ضَعْفًا رَأَى فِي سَنَدٍ وَرَامَ أَنْ
278 -
يَقُولَ فِي الْمَتْنِ: ضَعِيفٌ: قَيَّدَا
…
بِسَنَدٍ، خَوْفَ مَجِيءِ أَجْوَدَا
(ثم) بعد أن بَيَّنَّا ما تقدم نقول (من) شرطية أو موصولة مبتدأ (ضعفا) بالفتح والضم مفعول مقدم لـ (رأى في سند) لحديث بأن كان مرويُّا بسند ضعيف (ورام) عطف على رأى أي قصد (أن يقول في المتن) أي متن ذلك السَّند الضَّعِيف وقوله (ضعيف) أي هو حديث ضعيف مقول قال، وقوله (قَيَّدا) بألف الإطلاق جواب من، أو الجملة خبره، أي قيد ذلك القول (بسند) له بأن يقول هو ضعيف بهذا السَّند.
وحاصل المعنى أنه إذا رأى المحدث حديثاً رُوِي بإسناد ضعيف وأراد
أن يبين ضعفه فعليه أن يقيده بذلك الإسناد لجواز أنه قد رواه إمام بإسناد صحيح يثبت بمثله الحديث كما أشار إليه بقوله (خوف مجيء أجودا) أي مخافة أن يوجد له سند أجود من هذا يثبت بمثله الحديث أو بمجموعهما، لكن قال الحافظ: إذا بَلَغَ الحافظ المتأهل الجهدَ، وَبَذَل الوسعَ في التفتيش عنه من مظانه فلم يجده إلا من ذلك الطريق الضَّعِيف فلا مانع من الحكم بالضعف بناءاً على غلبة الظن.
فقوله خوف مجيء أجودا منصوب على أنه مفعول لأجله وألف " أجودا " للإطلاق.
ثم إن ابن الصلاح رحمه الله منع استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به كما تقدم ذلك عند قول الناظم:
وابنُ الصلاح قَالَ ما تفردا
…
فحسن إلا لضعف فارددا
جَرْياً على امتناعِ أن يُصَححَا
…
في عَصْرِنَا كَمَا إلَيه جَنَحَا
فالناظم خالفه هناك حيث قال:
وغَيرُهُ جوَّزَهُ وهو الأبَرّ
…
فاحكم هُنَا بِمَا لَه ادَّى النَّظَرْ
لكنه وافقه هنا من غير تعقب حيث قال:
279 -
وَلا تُضَعِّفْ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَجِدْ
…
تَضْعِيفَهُ مُصَرَّحًا عَنْ مُجْتَهِدْ
(ولا) ناهية (تضعف) أيها المحدث لا تجزم بضعف الحديث الذي رأيته بسند ضعيف، وقوله مطلقاً نعت لمصدر محذوف، أي تضعيفاً مطلقاً عن التقييد بذلك السَّند، أو حالٌ من التضعيف المفهوم من تُضَعِّفْ، ويجوز كونه بصيغة اسم الفاعل حالا من الفاعل، أي حال كونك مطلقاً الحكم عن التقييد بما ذكر (ما) مصدرية ظرفية (لم تجد) أيها المحدث (تضعيفه) أي الحديثِ (مصرحا) بصيغة اسم المفعول مفعول ثان لتجد، أو حال من مفعوله أي موضحاً (عن مجتهد) أي عن إمام مطلع على علل
الحديث حتى رسخ قدمه في ذلك فحكم على الأحاديث بما تستحقه.
ومعنى البيت أنه لا ينبغي أن تحكم بالجزم على المتن المذكور على سبيل الإطلاق بل قيده بالسَّند المذكور مدة عدم وجدانك ذلك التضعيف عن إمام من أئمة الحديث المطلعين القادرين على الحكم على أي حديث بما يستحقه، فيقول هذا الحديث ليس له إسناد يثبت بمثله الحديث أو بأنه ضعيف بشذوذ أو نكارة ونحوهما مفسرا ذلك الوجه.
هذا: وقد عرفت أن الحق على خلاف ما ذهب إِليه ابن الصلاح، فيجوز لمن تأهل بعد التفتيش على الحديث في مظانه فلم يجده إلا من الطريق الضَّعِيف الحكم عليه بالضعف بناء على غلبة الظن وإن لم يجد نصاً من المتقدمين كما جنح إليه الناظم مخالفاً لابن الصلاح في الكلام على مستدرك الحاكم، وقد مر البحث هناك، وكذا إذا وجد جزم إمام من أئمة الحديث بأن رواية الفلاني تفرد به، وعرف المتأخر أن ذلك المتفرد قد ضعف بقادح جاز له الحكم عليه بالضعف.
(تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله فالمتروك، وقوله: ولا إذا يشتد ضعف. ولما أنهى الكلام على المقبول والمردود من الحديث وما يتعلق بذلك أتبعه بذكر الشخص الذي تقبل روايته والذي لا تقبل فقال: