الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المُنْكَرُ وَالْمَعْرُوفُ)
أي هذا مبحثهما وهما النوع التاسع عشر والعشرون وجمعها في باب واحد لتقابلهما.
184 -
المُنْكَرُ الَّذِي رَوَى غَيْرُ الثِّقَهْ
…
مُخَالِفًا، فِي نُخْبَةٍ قَدْ حَقَّقَهْ
185 -
قَابَلَهُ المَعْرُوفُ، وَالَّذِي رَأَى
…
تَرَادُفَ المُنْكَرِ وَالشَّاذِ نَأَى
(المُنْكَرُ) اسم مفعول من أنكره بمعنى جحده، أو لم يعرفه يقال أنكر إنكاراً، خلاف عرفته، ونَكِرته مثال تعبت كذلك، غير أنه لا يتصرف، وأنكرت عليه فعله إنكاراً إذا عبته ونهيته وأنكرت حقه جحدته أفاده في المصباح، وهو مبتدأ خبره قوله (الذي روى) أي الحديث الذي نقله، وحدث به (غير الثقة) من الرواة فاعل روى حال كونه (مخالفاً) لغيره من الثقات.
والمعنى: أن المنكر هو الحديث الذي رواه غير ثقة مخالفاً للثقات (في نخبة) متعلق بحققه أي في كتاب مسمى بنخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (قد حققه) أي ذكره على الوجه الحق مؤلفها الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني المصري الشافعي حافظ الدنيا في عصره قاضي القضاة عرف بابن حجرٍ وهو لقب لبعض آبائه ولد بمصر العتيقة ثاني عشر شعبان سنة 773 هـ، وتوفي 28 ذي الحجة سنة 852 هـ.
(قابله) أي المنكر الذي عرف بهذا التعريف (المعروف) أي النوع المسمى به لكونه معروفاً عندهم.
وحاصل المعنى أن المنكر هو ما رواه الضَّعِيف مخالفاً للثقة، ويقابله المعروف وهكذا حققه الحافظ في نخبته، ونصه فيها: وزيادة راوي الصَّحِيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشَّاذ، ومع الضَّعِيف فالراجح المعروف ومقابله المنكر. اهـ.
فتحصل من هذا أنه يشترط في المنكر شرطان:
أحدهما أن يكون راويه ضعيفاً.
وثانيهما أن يخالف بذلك الثقة.
مثاله ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حُبَيّب (1) بن حَبِيب وهو أخو حمزة الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة " قال أبو حاتم: هذا حديث منكر لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً.
(والذي رأى) أي اعتقد مبتدأ خبره نأى (ترادف المنكر والشَّاذ) بتخفيف الذال للوزن أي كونهما بمعنى واحد وهو الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله (نأى) أي بَعُدَ عن الصواب، ومقتضى الاصطلاح، لأن الصواب التفريق بينهما على الوجه الذي حررناه أولاً، وحاصل المعنى أن من سوى بين الشَّاذ والمنكر فقد غفل عن منهج الصواب.
وعبارة ابن الصلاح بعد نقل كلام البرديجي - أعني: قوله هو أي المنكر الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه -: والصواب التفصيل الذي
(1) الأول بالتصغير والثاني بالتكبير.
تقدم في الشَّاذ وعند هذا نقول المنكر ينقسم إلى قسمين على ما ذكرناه في الشَّاذ فإنه بمعناه اهـ.
فأفاد أن المنكر والشَّاذ مترادفان، وكتَبَ الحافظُ على قول ابن الصلاح هذا ما نصه: هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة، فالضَّعِيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصَّحِيح والحسن فهذا أحد قسمي الشَّاذ فإن خولف مَن هذه صفتُهُ مع ذلك كان أشد شذوذاً وربما سماه بعضهم منكراً وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشَّاذ وهو المعتمد في تسميته.
وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضَّعِيف في بعض مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين فَبَان بهذا فصل المنكر من الشَّاذ وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة. اهـ من التوضيح.
ثم إن لكل قسم من قسمي المنكر أمثلة كثيرة: فمن أمثلة الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو قال: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قاله بفتح العين وذكر أن مالكاً كان يشير إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعُمَر وعَمرو جميعاً ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه ذكره ابن الصلاح.
واعترضه العراقي قائلًا: إن الحديث ليس بمنكر ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت وغايته أن يكون السَّند منكراً أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ولا يلزم من شذوذ السَّند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن قال: فالمثال الصَّحِيح ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يَحْيَى عن ابن جريجٍ عن الزهري عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " قال أبو داود بعد تخريجه: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريجٍ عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه " قال: والوهم فيه من همام ولم يروه إِلا همام، وقال النسائي بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ فهمام بن يَحْيَى ثقة احتج به أهل الصَّحِيح ولكنه خالف النَّاس فروى عن ابن جريجٍ هذا المتن بهذا السَّند وإنما روى النَّاس عن ابن جريجٍ الحديث الذي أشار إليه أبو داود فلهذا حكم عليه بالنكارة. اهـ.
قال السخاوي: ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة فقد قال موسى بن هاورن: لا أدفع أن يكونا حديثين ومال إليه ابن حبان فصححهما معاً، ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السَّند أن أنساً نقش في خاتمه محمد رسول الله قال: فكان إذا أراد الخلاء وضعه. لا سيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه يَحْيَى بن المتوكل عن ابن جريجٍ وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم يخرجا لهمام عن ابن جريجٍ وإن أخرجا لكل منهما على انفراده وقول الترمذي إنه حسن غريب فيه نظر.
ونقل عن الحافظ أنه قال: إنه لا علة له إلا تدليس ابن جريجٍ فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته انتهى.
ومن أمثلة الثاني وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده ما رواه النسائي وابن ماجه من رواية أبي زكير يَحْيَى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً: " كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان " الحديث. قال النسائي: هذا
حديث منكر تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف فقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير أفاده في التدريب.
(تنبيهان): الأول: أنه وقع في عباراتهم أنكر ما رواه فلان كذا وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفاً، وقال ابن عدي: أنكر ما روى بريد بن عبد الله ابن أبي بردة: " إذا أراد الله بأمة خيراً قبض نبيها قبلها " قال: وهذا طريق حسن رواته ثقات وقد أدخله قوم في صحاحهم انتهى.
والحديث في صحيح (1) مسلم. وقال الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن وهو عند الترمذي وحسنه وصححه الحاكم على شرط الشيخين. اهـ تدريب.
الثاني: أشار العلامة ابن شاكرٍ في نسخته إلى أن هذا الباب زائد على العراقي حيث كتب البيتين بين قوسين قلت: ليس الأمر كذلك فإنه مذكور في العراقي أيضاً غايته أنه ذكر قول البرديجي وابن الصلاح، والناظم ذكر قول الحافظ بل الزائد قوله قابله المعروف فتفطن. ولما كان بين المنكر والمتروك مناسبة في اشتراط الفردية وكون راويهما غير ثقة ناسب ذكر المتروك بعده فلذا قال:
(1) هو في كتاب الفضائل في أوائله، خلال ذكر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم 15/ 52 بشرح النووي، وجاء في الشرح هذا العنوان " باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها " وسقط من الفهرس بآخر الجزء.