الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْمُعَلَّق)
أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني عشر من أنواع علوم الحديث.
واعلم أن ابن الصلاح وتبعه النووي فرق أحكام المعلق فذكر بعضها هنا وهو حقيقته وبعضها في نوع الصَّحِيح وهو حكمه وأحسن من صنيعهما صنيع العراقي إذ جمعها في موضع واحد في نوع الصَّحِيح وأحسن من ذلك صنيع الناظم تبعاً لابن جماعة حيث أفرده بنوع مستقل هنا كما أفاده في التدريب.
قلت والمناسبة بينه وبين المرسل ظاهرة إذ في كل منهما حذف من السَّند. ولما كان المرسل يحتج به أكثر الأئمة الأربعة بخلاف المعلق كان أحق بالتقديم.
154 -
مَا أَوَّلُ الإِسْنَادِ مِنْهُ يُطْلَقُ
…
ـ وَلَوْ إِلَى آخِرِهِ ـ مُعَلَّقُ
(ما) موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (أول الإسناد) من جهة الراوي كشيخه فمن فوقه وهو مبتدأ (منه) أي من ذلك الحديث متعلق بـ (يطلق) أي يحذف ويسقط من قولهم أطلقت الأسير إذا حللت أسره وخليت عنه، والجملة خبر المبتدإ، والجملة صلة ما.
والمعنى أن ما حذف من أول سنده شيء من رواته سواء كان الساقط واحداً أم أكثر، ولو لم يبق من رواته أحد، كما أشار إليه بقوله (ولو إلى
آخره) أي ولو كان الحذف من أول السَّند إلى آخره بأن اقتصر على الرسول صلى الله عليه وسلم في المرفوع وعلى الصحابى في الموقوف (معلق) خبر ما أي فهذا النوع يسمى معلقاً أخذا من تعليق الجدار والطلاق ونحوه لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال، قال السخاوي: واستبعد شيخنا يعني الحافظ ابن حجرٍ أخْذَهُ من تعليق الجدار وأنه من تعليق الطلاق وغيره أقرب وشيخه البلقيني على خلافه اهـ.
فقوله: أول الإسناد أخرج المرسل.
وقال الحافظ وبينه وبين المعضل عموم وخصوص من وجه فمن حيث تعريف المعضل بأنه ما سقط منه اثنان فصاعدا يجتمع مع بعض صور المعلق ومن حيث تقييد المعلق بأنه من تصرف المصنف من مبادئ السَّند يفترق منه إذ هو أعم من ذلك اهـ.
وحاصله أنك إذا حذفت اثنين من أول السَّند يقال له معضل لحذف اثنين ويقال له معلق لأنك حذفت أول السَّند وينفرد المعضل بحذف اثنين من وسط السَّند.
وينفرد المعلق فيما إذا حذف من أول السَّند واحد فقط، قال السخاوي رحمه الله: وهل يلتحق بالمعلق ما يحذف فيه جميع الإسناد مع عدم الإضافة لقائل، كقول البخاري في صحيحه: وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جِلْسَةَ الرجل وكانت فقيهة، وهو عنده في تاريخه الصغير، وعند غيره عن مكحول، الظاهر نعم اهـ.
وقال النووي في التقريب: ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، ويقال عنه، ويذكر، ويحكى، وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى. قاله ابن الصلاح.
وقال العراقي: وقد استعمله غير واحد من المتأخرين في غير المجزوم به، ومنهم الحافظ أبو الحجاج الِمزِّيُّ حيث أورد في الأطراف ما
في البخاري من ذلك معلماً عليه علامة التعليق. قال في التدريب: بل النووي رحمه الله استعمله حيث أورد في الرياض حديث عائشة " أمِرْنَا أنْ نًنزل النَّاس منازلهم "، قال ذكره مسلم في صحيحه تعليقاً، فقال: وذكر عن عائشة. ثم إن حكم المعلق من غير ملتزمي الصحة الضعف للجهل بحال الساقط إلا أن يجىء مسمى من وجه آخر، وأما إذا أتى من ملتزمي الصحة فقد ذكره بقوله:
155 -
وَفِي الصَّحِيحِ ذَا كَثِيرٌ، فَالَّذِي
…
أُتِيْ بِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ خُذِ
156 -
صِحَّتَهُ عَنِ الْمُضَافِ عَنْهُ
…
وَغَيْرَهُ ضَعِّفْ وَلا تُوهِنْهُ
(وفي الصَّحِيح) أي صحيح البخاري لأنه المراد عند الإطلاق متعلق بكثير (ذا) أي التعليق مبتدأ خبره قوله (كثير) وقد تقدم عند قوله:
(53 - وَعِدَّةُ الأَوَّلِ بِالتَّحْرِيرِ
…
أَلْفَانِ وَالرُّبْعُ بِلا تَكْرِيرِ)
(54 - وَمُسْلِمٍ أَرْبَعَةُ ألافِ
…
وَفِيهِمَا التَّكْرَارُ جَمًّا وَافِ)
عِدّةُ معلقات البخاري، وأما مسلم: ففي موضع واحد في التيمم فقط، وما سواه من التعليقات فهو يذكره بعد ذكره موصولاً للاستشهاد (فالذي) الفاء فصيحية، والذي مبتدأ أي إذ عرفت أن معلقات البخاري كثيرة وأردت حكمها فأقول لك المعلق الذي (أتى به) أي المعلِّقِ، وفاعله ضمير يعود إلى الصَّحِيح مجازاً لأن الآتي هو صاحب الصَّحِيح، ويحتمل أن يكون أتى بصيغة المجهول، ونائب فاعله الجار والمجرور (بصيغة) أي صورة (الجزم)، والصيغة: أصلها الواو، مثل القيمة، والصيغة العمل والتقدير، وهذا صَوْغُ هذا إذا كان على قدر، وصيغةُ القول كذا، أي مثاله وصورته على التشبيه بالعملِ والتقديرِ، أفاده في المصباح، والمراد هنا بصورة الجزم كقال وفعل وأمر وذكر فلان. وخبرُ المبتدإ قولة (خذ) أيها المحدث (صحته) أي صحة ما أتى به مجزوماً (عن المضاف عنه) أي عن الشخص الذي أضاف الحديث إليه، فعن الأولى صلة صحته، وعن الثانية بمعنى " إلى " صلة المضاف.
وحاصل المعنى أن ما في الصَّحِيح من التعاليق بصيغة الجزم كالأمثلة المتقدمة فهو محكوم بصحته عن المضاف إليه لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه.
وإنما قيد بقوله عن المضاف إليه لأنه لا يحكم بصحة الحديث مطلقاً بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله، وذلك أقسام:
أحدها: ما يلتحق بشرطه، والسبب في عدم إيصاله إما الاستغناء بغيره عنه مع إِفادة الإشارة إليه، وعدم إهماله بإيراده، معلقاً اختصاراً، وإما كونه لم يسمعه من شيخه، أو سمعه مذاكرة، أو شك في سماعه فما رأى أن يسوقه مساق الأصول.
ومن أمثلته قوله في الوكالة: قال عثمان بن الهيثم، حدثنا عون، حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال:" وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة رمضان " الحديث. وأورده في فضائل القرآن، وذِكْرِ إبليس، ولم يقل في موضع منها: حدثنا عثمان فالظاهر عدم سماعه له منه. الثاني: ما لا يلتحق بشرطه ولكن صحيح على شرط غيره، كقوله في الطهارة: وقالت عائشة " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه " أخرجه مسلم في صحيحه.
الثالث: ما هو حسن صالح للحُجِّيَّةِ، كقوله فيه: وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، " الله أحق أن يستحى منه " وهو حديث حسن مشهور أخرجه أصحاب السنن.
الرابع: ما هو ضعيف لا من جهة قَدْح في رجاله، بل من جهة انقطاع يسير في إِسناده كقوله في الزكاة، قال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: " ائتوني بعرض ثياب " الحديث فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوساً لم يسمع من معاذ اهـ تدريب باختصار.
(وغيره) مفعول مقدم لِضَعِّفْ، أي غير ما أتى به بصيغة الجزم بأن أتى به بصيغة التمريض، كيُرْوَى، ويُذكَرُ، ويحكى، وذُكِر وحُكِيَ عن
فلان، أو في الباب عنه صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن الصلاح (ضعف) أي احكم بضعفه عن المضاف إليه، قال ابن الصلاح: لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضَّعِيف أيضاً، وأشار بقوله أيضاً إلى أنه ربما يورد ذلك فيما هو صحيح إِمَّا لكونه رواه بالمعنى، كقوله في الطب: ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر، أوليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال:" قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع " وهو صحيح أخرجه مسلم، إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته.
أو لكونه ضَمَّ إليه ما لم يصح فأتى بصيغة تستعمل فيهما كقوله في الطلاق ويذكر على علي بن أبي طالب وابن المسيب وذكر نحواً من ثلاثة وعشرين تابعياً، وقد يورده أيضاً في الحسن كقوله في البيوع ويذكر عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " إذا بِعتَ فِكلْ وإذا ابتعت فاكتل " رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة، وهو صدوق، عن منقذ مولى عثمان، وقد وثق، عن عثمان، وتابعه سعيد بن المسيب، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند، إلا أن في إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع، والحديث حسن لما عضده من ذلك.
ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف قوله في الوصايا: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قضى بالدين قبل الوصية " وقد رواه الترمذي موصولًا من طريق الحارث الأعور عن علي والحارث ضعيف.
وقوله في الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه: " لا يتطوع الإمام في مكانه " وقال عقبه: ولم يصح، وهذه عادته في ضعيف لا عاضد له من موافقة إجماع أو نحوه على أنه فيه قليل جداً، والحديث أخرجه أبو داود من طريق الليث بن أبي سليم، عن الحجاج بن عبيد، عن إِبراهيم بن
إسماعيل، عن أبي هريرة، وليث ضعيف، وإبراهيم لا يعرف، وقد اختلف عليه فيه أفاده في التدريب.
ثم إن إيراد صاحب الصَّحِيح للمعلق الضَّعِيف كذلك في أثناء صحيحه مشعر بصحة الأصل له إشْعَاراً يؤنس ويركن إليه، فلا ينبغي أن نحكم بكونه واهياً كما أشار إليه بقوله:(ولا) ناهية (توهنه) مضارع أوهنته إذا أضعفته، وفي نسخة الشارح تَهِنْه مضارع وهنته ثلاثياً، يقال: وهنته من باب وعدته إذا أضعفته ولكن الأجود أن يتعدى بالهمز كما في النسخة الأولى أفاده في المصباح، أي لا تَحْكُم على ما أورده بصيغة التمريض بأنه واهن ساقط جداً لإدخاله إياه في الكتاب الموسوم بالصَّحِيح.
(تنبيهان): الأول: قال ابن الصلاح: إذا تقرر حكم التعاليق المذكورة فقول البخاري: ما أدخلت في كتابي إلا ما صح، وقول الحافظ أبي نصر السجزي: أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلًا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه لم يحنث: محمول على مقاصد الكتاب، وموضوعه، ومتون الأبواب المسندة دون التراجم ونحوها. قاله في التدريب.
الثاني: حاصل ما تقدم في تعاليق البخاري أنها على قسمين على ما حققه الحافظ في هدي الساري، الأول: المعلق بصيغة الجزم، وينقسم إلى صحيح على شرطه وهذا في الحقيقة معلق صورة لاحقيقة، وإلى حسن تقوم به الحجة، وإلى ضعيف بسبب انقطاع يسير. والثاني: ما علقه بصيغة التمريض فإنه قسمه إلى خمسة أقسام صحيح على شرطه، صحيح على شرط غيره جزماً لا إمكاناً، حسن، ضعيف غير منجبر، ضعيف منجبر، فهذه خمسة أقسام هذا مجمل ما في الهدي.
قال الصنعاني: إذا عرفت هذا عرفت أن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها بشىء من الصحة ولا الحسن ولا الضعف إلا بعد الكشف والفحص، عن حال ما علقه.
وقد بين الحافظ رحمه الله مجمل ما في الهدي في نكته على ابن الصلاح فقال: الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه: منها ما يوجد في محل آخر من كتابه موصولًا، ومنها ما لا يوجد إلا معلقاً. فأما الأول: فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئاً إلا لفائدة وإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب إذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى، ومع ذلك لا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما بشيوخه أو بشيوخ شيوخه، أو نحو ذلك، فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها فإنه والحال هذه إما أن يختصر المتن، أو يختصر الإسناد، وهذا أحد الأسباب في تعليقه للحديث الذي وصله في موضع آخر.
وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقاً فهو على صورتين: إما بصيغة الجزم، وإما بصيغة التمريض.
فأما الأول: فهو صحيح إلى من علق عنه، وبقي النظر فيما أبرز من رجاله فبعضه يلتحق بشرطه، والسبب في تعليقه له إما لكونه لم يحصل له مسموعاً وإنما أخذه على طريق المذاكرة، أو الاجازة، أو كان قد خرَّج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك من إيراد هذا المعلق مستوفي السياق، أو لِمَعنىً غيرِ ذلكَ أو لتقاعده عن شرطه وإن صححه غيره أو حسنه وبعضه يكون ضعيفاً من جهة الانقطاع خاصة.
وأما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في مواضع أخر فلا يوجد ما يعلق بغير شرطه إلا مواضع يسيرة قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى، نعم فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه، إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، وهو على قسمين: أحدهما ما ينجبر بأمر آخر، وثانيهما ما لا
يرتقي عن مرتبة الضَّعِيف، وحيث يكون بهذه المثابة فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه ثم ذكر أمثله لذلك.
ثم قال: فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة، وأن الذي علقه بصيغة التمريض حين أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف ينجبر، وإن أورده في موضع الرد فهو ضعيف عنده، وقد بينا كونه يبين كونه ضعيفاً.
قال: وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة، وأما الموقوفات فإنه يجزم بما صح عنده منها ولم يبلغ شرطه، ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع، وإذا علق عن شخصين وكان لهما إسنادان مختلفان مما يصح أحدهما ويضعف الآخر فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض.
وهذا كله فيما صرح بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه، أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل، وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث، فمنها ما يكون صحيحاً وهو الأكثر، ومنها ما يكون ضعيفاً كقوله:" اثنان فما فوقهما جماعة " لكن ليس شيء من ذلك ملتحقاً بأقسام التعليق التي قدمناها إذ لم يسقها مَسَاقَ الأحاديث، وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه والتكلم عليه، وبه وبالتعاليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه البخاري من الأحاديث، ويوضح سعةَ اطلاعه ومعرِفَتِهِ بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلًا. انتهى كلام الحافظ، ونقله الصنعاني في توضيح الأفكار.
ثم ذكر حكم ما يورده البخاري عن شيوخه بقال، ونحوها، فقال:
157 -
وَمَا عَزَا لِشَيْخِهِ بِقَالا
…
فَفِي الأَصَحِّ احْكُمْ لَهُ اتِّصَالا
(وما) موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (عزا) أي نسبه صاحب الصَّحِيح في كتابه (لشيخه) أي إليه (بِقَالا) أي بهذه الكلمة، والألف
للإطلاق، ونحَوِها كزاد، وذكر. والجاران يتعلقان بعزا، وذلك كقوله: قال فلان، وزاد فلان، وذكر فلان، ونحوها (ففي الأصح) أي القول الأصح الذي جزم به ابن الصلاح، وصوبه العراقي، متعلق بـ (ـاحْكمْ له) أي لهذا المعزو لشيخه (اتصالا) منصوب بنزع الخافض على قلة، أي باتصال، وجملة احكم خبر عن ما، ودخلت الفاء لما في المبتدإ من معنى الشرط.
وحاصل معنى البيت أن صاحب الصَّحِيح إذا عزا الحديث إلى شيخه بصيغة قال ونحوها فالأصح وفاقا لابن الصلاح والعراقي والنووي أن له حكمَ المتصل بالعنعنة بشرط لقاء الراوي لمن عنعن عنه، وسلامتِهِ من التدليس، فهو صحيح وليس تعليقاً، ومقابل الأصح قول الحميدي في مثله: إنه تعليق، وصوبه ابن دقيق العيد مع حكمه بصحته عن قائله، ومشى المزي في أطرافه على كونه تعليقاً أيضاً، ولم يقل بانقطاعه، ولكن حكم عبد الحق وابن العربي بعدم اتصاله، وقال الذهبي: حكمه الانقطاع، ونحوه قول أبي نعيم: أخرجه البخاري بلا رواية، وهو مقتضى كلام ابن منده حيث صرح بأن قال: تدليس، قال العراقي: ولم يوافق عليه، وقال ابن حزم في المحلى في حديث المعازف لقول البخاري: قال هشام بن عمار، حدثنا صدقة، إنه حديث منقطع بين البخاري وصدقة بن خالد، ورَدَّ عليه الحُذَّاقُ، انظر التنقيح والتوضيح، ثم ذكر حكم قال لغير البخاري فقال:
158 -
وَمَا لَهَا لَدَى سِوَاهُ ضَابِطُ
…
فَتَارَةً وَصْلٌ وَأُخْرَى سَاقِطُ
(وما) نافية (لها) أي لقال (لدى سواه): أي عند غير البخاري من المحدثين: وهو متعلق بـ (ضابط) وهو مبتدأ وخبره الجار والمجرور المتقدم، أو الخبر الظرف والجار متعلق به. والمعنى أنه ليس لهذه الكلمة عند غير البخاري ضابط يرجع إليه كما كان له ذلك فيما تقدم بل اصطلاحهم مختلف، فمنهم من يستعملها في السماع دائماً، كحجاج بن موسى المِصيصِيّ الأعورِ، وإليه أشار بقوله (فتارة وصل) خبر لمحذوف على
حذف مضاف أي هي ذات وصل بمعنى أنها مستعملة في الوصل، ومنهم من عكس فاستعملها فيما لم يسمعه دائماً، وإليه أشار بقوله (وأخرى) أي تارة أخرى هي (ساقط) أي ساقط ما دخلت فيه فوصفها بالسقوط مجازاً يعني أن ما استعملت فيه ليس موصولاً بالسماع.
وحاصل معنى البيت أن قال في استعمالِ غيرِ البخاري لا ضابط لها، فتارة تستعمل في الموصول، وتارة تستعمل في غيره، هذا حاصل معنى كلامه.
لكن هذا الاستعمال ليس لشخص واحد بل لأكثر كما يتبين فيما بعد، وعلى هذا فمن استعملها للوصل فموصولة، ومن استعملها للانقطاع فمنقطعة، وهذا هو معنى الضبط، وسيجىء عن الخطيب ما يوضح ذلك.
وإيضاح المسألة ما ذكره في التدريب، ونصه: أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بقوله: قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم، بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس، كذا جزم به ابن الصلاح، قال: وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة أنه جعله قسماً من التعليق ثانياً وأضاف إليه قول البخاري: وقال لي فلان وزادنا فلان، فَوَسَمَ كُل ذلك بالتعليق.
قال العراقي: وما جزم به ابن الصلاح ههنا هو الصواب، وقد خالف ذلك في نوع الصَّحِيح فجعل من أمثلة التعليق قولَ البخاري: قال عفان كذا، وقال القعنبي كذا، وهما من شيوخ البخاري، والذي عليه عملُ غيرِ واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد والمزي أن لذلك حكمَ العنعنة.
قال ابن الصلاح هنا: وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري، وهو أعرف بالبخاري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان، أو قال لنا فهو عرض ومناولة.
وقال غيره: المعتمد في ذلك ما حققه الخطيب من أن قال ليست كعن، فإن الاصطلاح فيها مختلف، فبعضهم يستعملها في السماع دائماً كحجاج بن موسى المصيصى الأعور، وبعضهم بالعكس لا يستعملها إلا فيما لم يسمعه دائماً، وبعضهم تارة كذا، وتارة كذا، كالبخاري فلا يحكم عليها بحكم مطرد. اهـ ما في التدريب.
فظهر بهذا أن استعمالها تارة في الموصول وتارة في غيره هو للبخاري لا لغيره، وأما غيره فبعضهم يستعملها في الموصول، وبعضهم في عكسه كما يفيده كلام الخطيب، فقول الناظم: وَمَا لَهَا لَدَى سوَاهُ إلخ قلب للمسألة، وكذا ما قرر به المحقق في تعليقه غير محرر فتنبه لذلك.
والحاصل أن قال عند البخاري: يحكم لها بالاتصال على رأي ابن الصلاح وكثيرين كما تقدم في قوله: ومَا عَزَا لِشَيْخِهِ الخ وهو الأصح.
ولا يحكم لها بحكم مطرد على رأي الخطيب كما ذكرنا آنفا، وأما غير البخاري فله حكم مطرد لإطراد استعماله فمن استعملها في الموصول كحجاج بن موسى حُكِمَ بالاتصال، ومن استعملها في غيره حكم عليه بالانقطاع. هذا ما ظهر للعاجز الفقير عفا الله عنه في التقصير. ولو قال بدل هذا البيت:
وَمَنْ سِوَاهُ بَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ
…
لِلْوَصْلِ وَالْبَعْضُ لِقَطْعٍ يَعْمَلُ
لكان موضحاً لاصطلاح البخاري واصطلاح غيره.
(فائدة): قال في التدريب ومثل قال ذَكَرَ استعملها أبو قرة في سننه في السماع، لم يذكر سواها فيما سمعه من شيوخه في جميع الكتاب اهـ.
"تَتِمَّة" الزيادة هنا هذا البيت فقط.