الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الموصول والمنقطع والمعضل)
أي هذا مبحثها وهي النوع الثامن والتاسع والعاشر وجمعها في باب واحد للتناسب بينها إما بالضدية كما في الموصول مع الآخرين أو التشابه كما في المنقطع والمعضل، والموصولُ لغة اسم مفعول من وصله بمعنى بلغه، أو أعطاه، أو ترك هجره وقطيعته. واصطلاحاً ما أشار إليه بقوله:
134 -
مَرْفُوعًا اْوْ مَوْقُوفًا إِذْ يَتَّصِلُ
…
إِسْنَادُهُ: الْمَوْصُولُ وَالمُتَّصِلُ
(مرفوعاً) منصوب على الحالية من الموصول أي حال كون الموصول مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أو موقوفاً) على الصَّحَابي ويحتمل نصبه بكان المحذوفة أي سواء كان مرفوعاً، أو موقوفاً، ولو قال مرفوع أو موقوف بالرفع لكان أوضح (إذ) منصوبة على الظرفية خبر للمبتدإ المؤخر (يتصل)(إسناده) بسماع كل واحد من رواته عمن فوقه أو بالإجازة كما قاله ابن جماعة إلى منتهاه (الموصول) مبتدأ مؤخر، والتقدير الموصولُ: حاصلٌ إذ يتصل إسناده، أي وقت اتصال سند الحديث (و) يقال له (المتصل) أيضاً فهما اسمان لمسمى واحد.
وحاصل المعنى: أن الحديث إذا اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة فإنه يسمى موصولاً ومتصلاً، ويقال له أيضاً مؤتصل بالفك والهمز كما هي عبارة الشافعي في الأم فخرج بقيد المتصل المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق وكذا معنعن المدلس قبل تبين سماعه، وأما
المقطوع إذا اتصل إسناده فلا يسمى موصولاً بالإطلاق للتنافي بين لفظ القطع والاتصال، وأما مع التقييد فيجوز بل هو واقع في كلامهم حيث يقولون: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري، أو إلى مالك ونحو ذلك.
ثم ذكر المنقطع فقال:
135 -
وَوَاحِدٌ قَبْلَ الصَّحابِيِّ سَقَطْ
…
مُنْقَطِعٌ، قِيلَ: أَوِ الصَّاحِبِ قَطْ
(وواحد) مبتدأ أي راو واحد (قبل الصحابي) متعلق بما بعده من أي موضع كان، وإنما قيد به لأنه لو كان الساقط صحابياً لكان مرسلاً، وجملة قوله:(سقط) صفة لواحد أي ساقط، وقيد به لأنه لو كان مبهماً كفلان فلا يسمى منقطعاً عند الأكثرين، بل متصل في سنده مجهول (منقطع) خبر لمحذوف أي فالسَّند منقطع، والجملة خبر لواحد بتقدير رابط أي بسببه، وتقدير الكلام وواحد ساقط قبل الصحابي فالسَّند منقطع بسببه ولو قال:
إِنْ وَاحِدٌ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ سَقَطْ مُنْقَطِعٌ إلخ لكان أوضح.
وحاصل المعنى: أن المنقطع هو ما سقط من رواته راو واحد قبل الصحابي من أيّ موضع كان فخرج بقيد الواحد المعضل، وبما قبل الصحابي المرسل، فهو مغاير له لكن عند إطلاق الاسم، وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعمل الإرسال فقط فيقال: أرسله فلان سواء كان مرسلاً أو منقطعاً قاله الحافظ رحمه الله.
وهذا هو المشهور في تعريف المنقطع وفيه أقوال أخر أشار إلى بعضها بقوله:
(قيل أو الصاحب) أي أو سقط الصحابي (قط) أي فحسب.
والمعنى أن بعضهم قال: إن المنقطع يطلق أيضاً على ما سقط منه الصحابي فقط وعلى هذا فالمنقطع يشمل المرسل. وعبارة العراقي أولى،
وهي: وقيل: ما لم يتصل أي أن المنقطع هو الذي لم يتصل إسناده ولو كان الساقط أكثر من واحد فيدخل فيه المرسل والمعضل والمعلق، والحاصل على هذا القول أن المنقطع أعم.
واعلم أنهم اختلفوا في المنقطع على أقوال: الأول أن المنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي. والثاني ما حكي عن الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد، وإن كان أكثر من واحد في موضع سمي معضلاً، وإن لا فمنقطع في موضعين ويسمى المعضل أيضاً منقطعاً، فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلاً قال العراقي: فقول الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعاً.
الثالث ما قاله ابن عبد البر: المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي فالمنقطع أعم والمرسل بعض صوره.
الرابع ما قاله ابن الصلاح عن بعضهم: إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شامل لكل ما لم يتصل إسناده. قال: وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته أفاده العلامة محمد بن إبراهيم في كتابه تنقيح الأنظار.
ثم إن المنقطع بالتعريف الأول لا يشترط أن يكون الساقط في موضع واحد بل لو كان أكثر من واحد يسمى منقطعاً أيضاً بشرط أن لا يتوالى وإليه أشار بقوله:
136 -
مُنْقَطِعٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ اثْنَيْنِ لا
…
تَوَالِيًا وَمُعْضَلٌ حَيْثُ وَلا
(منقطع) خبر لمحذوف أي هو منقطع (من موضعين) متعلق به (اثنين) بالنصب في نسخة المحقق خبراً لكان المحذوفة مع أداة الشرط أي إن كان اثنين واسم كان يعود إلى الساقط المفهوم من سقط السابق.
والمعنى أن الساقط من السَّند إن كان اثنين يقال له منقطع من
موضعين ومثله ما إذا كان أكثر من موضعين بشرط عدم التوالي كما أشار إليه بقوله:
(لا تواليا) صفة لاثنين أي غير متواليين ولو قال بدل هذا البيت:
وَإنْ بِلَا وِلَاءٍ أكْثَرُ حُذِفْ
…
فَقَيِّدَنْ أوْلَا فَمُعْضَلاً عُرِفْ
لكان أوضح.
أي وإن حذف أكثر من واحد بغير توال فَسَمِّهِ منقطعاً بقيد كأن تقول منقطع من موضعين أو ثلاثة أو أربعة، والحاصل أنه إذا كان الساقط أكثر من واحد بشرط عدم التوالي فهو منقطع أيضاً، لكنه مقيد بأنه منقطع من موضعين، أو من ثلاثة أو أربعة وهلم جرا، وأما إذا كان مع التوالي فهو يسمى معضلاً، وهو النوع العاشر كما أشار إليه بقوله (ومعضل) بفتح الضاد المعجمة من الرباعي المتعدي، يقال: أعضله فهو معضل وعضيل كما سمع في أعقدت العسَلَ فهو عَقِيد بمعنى مُعْقَد، وأعله المرض فهو عليل بمعنى معل، وفعيل بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي، والعضيل الأمر المستغلق الشديد ففي الحديث " إن عبداً قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم شأنك فأعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبان " الحديث رواه أحمد وابن ماجه. قاله المنذري. قال أبو عبيد: هو من العضال الأمر الشديد الذي لا يقوم له صاحبه انتهى، فكأن المحدث الذي حدث به أعضله حيث ضيق المجال على من يوفيه إليه، وحال بينه وبين معرفة راويه بالتعديل والتجريح وشدد عليه الحال، ويكون ذلك الحديث معضلًا لإعضال الراوي له هذا تحقيق لغته وبيان استعارته هكذا حققه العلامة السخاوي في فتح المغيث.
وأما اصطلاحاً فهو الذي سقط منه اثنان فصاعدا مع التوالي كما أشار إليه بقوله (حيث ولا) بكسر الواو والقصر للضرورة مصدر وَالَى بمعنى تابع نائب فاعل لمحذوف، أي حيث وجد ولاء، أي تتابع بين الساقطين.
فقوله معضل خبر لمحذوف أي هو معضل أي السَّند الذي سقط منه اثنان يسمى بالمعضل والظرف خبر لمحذوف أيضاً أي وذلك كائن حيث وجد ولاء.
والحاصل أن المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان فأكثر مع التوالي، ويسمى المعضلُ أيضاً منقطعاً، ويسمى مرسلاً عند الفقهاء وغيرهم قاله النووي، وقال السخاوي: ولعدم التقييد باثنين قال ابن الصلاح: وقول المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل المعضل، يعني كما قيل بمثله في المرسل والمنقطع، وسواء في سقوط اثنين الصحابي والتابعي أو اثنان بعدهما من أي موضع كان كل ذلك مع التقييد بالرفع الذي استغنى عن التصريح به بما يفهم من القسم الثاني.
وعلم بهذا أنه أعم من المعلق من وجه ومباين للمقطوع والموقوف وكذا مباين للمرسل والمنقطع بالنظر لكثرة استعمالهم فيهما اهـ كلام السخاوي.
ولما كان للمعضل قسم آخر غير ما تقدم أشار إليه بقوله:
137 -
وَمِنْهُ حَذْفُ صَاحِبٍ وَالْمُصْطَفَى
…
وَمَتْنُهُ بِالتَّابِعِيِّ وُقِفَا
(ومنه) أي من المعضل خبر مقدم لقوله (حذف صاحب) أي صحابي من السَّند، وحذف الرسول (المصطفى) صلى الله عليه وسلم (ومتنه) أي متن ذلك السَّند مبتدأ (بالتابعي) أي عليه متعلق بـ (وقفا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق خبر المبتدإ والجملة حال من حذف أي والحال أن ذلك المتن موقوف على التابعي.
وحاصل معنى البيت أن من المعضل ما حذف منه الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم معاً ووقف متنه على التابعي، وهكذا أطلقه الناظم تبعاً للعراقي، ولكن لا بد من كون ذلك الحديث متصلاً مرفوعاً عند ذلك التابعي من جهة أخرى وإلا فقد يكون ذلك من كلام ذلك التابعي فيكون مقطوعاً أو منقولاً
عن الإسرائليات، فالأولى ما عبر به النووي في التقريب حيث قال: وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل أفاده المحقق، قال في التدرب نقلًا عن الحافظ أن شرط ما ذكر أمران: أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فمرسل، الثاني: أن يروي مسنداً من طريق ذلك الذي وقف عليه فإن لم يكن فموقوف لا معضل لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين. اهـ، بتغيير يسير، وهذا الرأي للحاكم رحمه الله نقله عنه ابن الصلاح، ومثاله حديث الأعمش عن الشعبي:" يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه " الحديث أعضله الأعمش وهو عند الشعبي متصل مسند أخرجه مسلم في صحيحه وساقه من حديث فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال كنا عند رسول الله فذكر الحديث، قال ابن الصلاح وهذا جيد حسن لأن الانقطاع بواحد مضموماً إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابي وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى اهـ.
وقال ابن جماعة: وفيه نظر أي لأن مثل ذلك لا يقال من قبل الرأي فحكمه حكم المرسل وذلك ظاهر لا شك فيه قاله في التدريب، قلت لكن قدمنا عن الحافظ أنه يشترط لما قاله ابن الصلاح شرطان فمسقط الاعتراض، فتأمل. وقال السخاوي رحمه الله ثم إنه قد يكون الحديث معضلاً ويجيء من غير طريق من أعضله متصلاً كحديث خليد بن دعلج (1) عن الحسن " أخَذَ المؤمن عن الله أدباً حسناً إذا وسع عليه وسع وإذا قتر عليه قتر " فهو مروي من حديث معاوية بن عبد الكريم الضال عن أبي حمزة عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه به. ذكره الحاكم اهـ.
قلت لكن هذا لا يتمشى مع ما ذكرنا عن الحافظ من اشتراط كونه متصلاً عمن أعضله فتدبر.
(1) بوزن جعفر.
(واعلم) أنه قد وقع كما قال الحافظ التعبير بالمعضل في كلام جماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء ألبتة بل لا إشكال في معناه، وذكر لذلك أمثلة، قال: فإما أن يكون يطلق على كل من المعنيين، أو يكون المعرف به وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والواقع في كلامهم بكسرها ويعنون به المستغلِقَ الشديدَ أي الإسناد والمتن، قال: وبالجملة فالتنبيه عليه كان متعيناً قاله السخاوي رحمه الله.
(تنبيه) لم يذكر الناظم حكم المنقطع والمعضل كما ذكر حكم المرسل كما يأتي، قال الحافظ: وقد قال ابن السمعاني: من منع قبول المراسيل فهو أشد منعاً من قبول المنقطعات ومَن قَبِلَ المراسيل اختلفوا.
ونقل عن الجُوزجاني أنه قال: المعضل أسوأ حالًا من المنقطع، وهو أسوأ حالاً من المرسل وهو لا تقوم به حجة.
قال الصنعاني: إنما يكون المعضل أسوأ حالاً من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد
فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال. اهـ، كلام الصنعاني.
(تَتِمَّة) قوله من موضعين اثنين لا تواليا من زياداته.