الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حد الحديث وأقسامه)
أي هذا مبحث حد الحديث، ومبحث أقسامه، والحدُّ لغة المنع، واصطلاحاً ما يميز الشيءَ عما عداه، وقدَّمَ البحث عنه ليكون الشارع في الفن على بصيرة، لئلا يضل سعيه، إذ لو اندفع إليه قبل ذلك لم يَأمَنْ فواتَ المطلوب، وَضَيَاعَ الوقت في غير مرغوب، وهو ترجم لشيئين، وذكر معهما، غيرهما زيادةً في الإفادة، لأنه ذكر الموضوع والفائدة وتعريف السَّند والمتن، وغير ذلك
…
وذلك واقع في كلام البلغاء نَظِيرَ حديثِ: هو " الطَّهُور ماؤه الحِل ميتته ". قال رحمه الله:
6 -
عِلمُ الحديثِ: ذُو قوانِينْ تُحَدْ
…
يُدْرَى بِها أَحْوَالْ مَتْنٍ وَسَنَدْ
7 -
فَذَانِكَ الموضوعُ، والمقصودُ
…
أَنْ يُعرَفَ المقبُولُ والمَردُودُ
(علم) مصطلح أهل (الحديث) مبتدأ خبره قوله (ذو) أي صاحب (قوانين) جمع قانون وهو القاعدة. (تُحَدْ) أي تُعَرَّف تلك القوانين بأنها (يدرى) أي يعرف (بها) أي بتلك القوانين (أحوال متن) للحديث من صحة، وحسن، وضعف، ورفع، ووقف، وغير ذلك، مما يأتي. (و) أحوالُ (سند) له من صفات رجاله، وكيفية التحمل، والأداء، وغير ذلك مما سيأتي أيضاً. والجملة صفة قوانين، (فذانك) أي المتن والسَّند تثنية ذا وعود الإشارة إلى المضاف إليه قليل كما عاد الضمير إليه في قوله تعالى {ادْخُلُوا
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أفاده بعض (1) المحققين الأعلام. وهو مبتدأ خبره قوله (الموضوع) أي موضوع علم الحديث دراية، وهو مصطلح الحديث، وموضوعُ كُل علم ما يبحثُ فيه عن عوارضه الذاتية، فموضوع علم مصطلح أهل الحديث المتن والسَّند، وأما موضوع الحديث رواية فهو ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله بعضهم.
(والمقصود) أي الفائدةُ والغاية من علم الحديث هذا، وهو مبتدأ، خبره (أن يعرف المقبول) من الحديث ليعمل به (والمردود) منه ليجتنب، لأنه إن وجدت فيه صفة القبول يؤخذ به، وإلا فلا.
وقد ذكر رحمه الله من المبادئ العشرة (2) هنا ثلاثة الحدَّ والموضوعَ والفائدة، لأنها المهم جداً. قال رحمه الله:
8 -
والسَّندُ: اْلإِخْبارُ عنْ طَرِيقِ
…
مَتْنٍ كَاْلاِسْنادِ لَدَى فَرِيقِ
(والسَّند) المتقدم ذكره مبتدأ خبره قوله (الإخبار) بكسر الهمزة مصدراً (عن طريق متن) متعلق بالإخبار، أو بمحذوف حال من الإخبار، أي حال كونه ناشئاً عن طريق متن. والمعنى: أن السَّند هو إخبار المحدث بالحديث ذاكراً طريقه أخذاً مما ارتفع من سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله، أو من قولهم فلان سَنَدٌ: أي معتمد سُمِّيَ به لاعتماد الحفاظ عليه في صحة الحديث وضعفه. وأما الإسناد فهو وفع الحديث إلى قائله، وهو متقارب مع السَّند في الاعتماد. وقال بعضهم هما شيء واحد وإليه أشار بقوله:(كالإسناد) خبر لمحذوف أي هو - أي السَّند - كائن كالإسناد من حيث
(1) هو العلامة المحقق الشيخ محمد نور إدريس اليجي حفظه الله تعالى.
(2)
والمبادئ العشرة هي المجموعة في قول بعضهم:
إن مبادئ كل فنّ عشرهْ
…
الحد والموضوع ثمَّ الثمرهْ
ونسبة وفضله والواضعْ
…
والاسمُ الاستمدادُ حكمُ الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفي
…
وَمَنْ دَرَى الجَميعَ حاز الشرفا
المعنى (لدى فريق) بالتنكير، وفي نسخة بالتعريف، أي عند طائفة من علماء الحديث.
9 -
وَالْمَتْنُ: ما انْتَهَى اِلَيْهِ السَّنَدُ
…
مِنَ الْكَلامِ، والحديثَ قَيَّدُوا
10 -
بِما أضيفَ لِلنَّبِيِّ قَوْلاً أوْ
…
فِعْلاً وَتَقْرِيراً وَنَحْوَهَا حَكَوْا
(والمتن) بفتح فسكون مبتدأ خبره قوله (ما انتهى إليه السَّند) أي ما بلغ إليه السَّند من النهاية، يقال: انتهى الأمر إذا بلغ النهاية، وهي أقصى ما يمكن أن يبلغه، قاله في المصباح. (من الكلام) بيان لما وهو مشتق من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأنه غاية السَّند، أو من متنت الكبش إذا شَقَقْتَ جِلدةَ بيضته، واستخرجتها، فَكأنَّ المسِندَ استخرج المتن بسنده، أو من المُتْن بالضم وهو ما صلب وارتفع من الأرض لأن المسند يقويه بالسَّند، ويرفعه إلى قائله، أو من تَمْتِين القوسِ أي شدها بالعَصَبِ لأن المسند يقوي الحديث بسنده، (والحديثَ) مفعول مقدم لقوله:(قيدوا) ، وفي نسخة حددوا، أي العلماء بقولهم (ما أضيف للنبي) أي أسند ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لغة ضد القديم استعمل في قليل الخبر وكثيره، لأنه يَحْدُثُ شيئاً فشيئاً، واصطلاحاً ما ذكره في النظم بقوله: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(قولا) كقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " ، ونُصِبَ على الحالية، أو خبراً لكان المحذوفة أي سواء كان قولا له، أو مفعولا لفعل محذوف، أي أعني قولا. وقولُه:(أو فعلا) عطف عليه، كصلاته صلى الله عليه وسلم على الراحلة حيث ما توجهت به، وقوله:(وتقريرا) عطف على قولاً، والواو بمعنى أو، كتقريره صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليدِ في أكله الضبَّ عنده. قوله (ونحوها) عطف على قولا، أو مفعول مقدم لقوله (حكوا) وفي نسخة رووا، أي حكى ذلك العلماء الحفَاظُ، والجملة على الأول مستأنفة أتى بها تتميماً للقافية. ومثالُ النحوِ أوصافُهُ صلى الله عليه وسلم الخَلْقية بالفتح ككونه أبيض ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المُشَذَّب، أي المقطوع والخُلقِيَّة بضمتين ككونه لا يواجه أحداً بما
يكْرَهُ، ومنه هَمُّه صلى الله عليه وسلم كهمه تنكيس ردائه في الاستسقاء، ودخول مكة من الحديبية، ومعاقبة المتخلفين عن الجماعة بالإحراق.
11 -
وَقِيلَ: لا يَخْتَصُّ بِالمَرْفُوعِ
…
بَلْ جَاءَ لِلمَوْقُوفِ وَالمَقْطُوعِ
12 -
فَهْوَ عَلَى هَذَا مُرادِفُ الْخَبَرْ
…
وَشَهَّرُوا رَدْفَ الْحَدِيثِ الأَثَرْ
(وقيل) أي قال بعض علماء هذا الفن (لا يختص) الحديث (بالمرفوع) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (بل) يعمه وغيره، فإنه (جاء) إطلاقه (للموقوف) أي على الموقوف وهو ما أضيف إلى الصحابي قولا له أو نحوه كما يأتي في محله.
(والمقطوعِ) هو ما أضيف إلى التابعي كذلك (فهو) الفاء فصيحية وهو مبتدأ أي الحديث (على هذا) جار ومجرور حال منه أي حال كونه جاريا على هذا القول الثاني، أو متعلق بما بعده وقوله:(مرادف الخبر) خبر المبتدإ أي مترادف معه. وفي القاموس مع شرحه المترادف: أن تكون أسماء لشيء واحد وهي مولدة، ومشتقة من تراكب الأشياء اهـ.
والمعنى أن الحديث والخبَر على هذا القول بمعنى واحد (وشهَّروا) أي عَدَّ العلماءُ مشهورا (ردف) بالفتح، أي ترادف (الحديث والأثر) أي إتيان كل منهما بمعنى الآخر وكذا الخبر، وفي نسخة وشهَّروا شمول هذين الأثر، والمعنى واحد، وهذا القول هو المختار، وقيل: الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر عن الصحابة، قيل: والتابعين، ومن بعدهم، وقيل: غيرُ ذلك. (تنبيه) ما ذكر في هذه الأبيات السبعة من زيادات الناظم على العراقي إلا الشطر الأخير.
13 -
وَالأَكْثَرُونَ قَسَّمُوا هَذِيْ السُّنَنْ
…
إِلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَحَسَنْ
(والأكثرون) مبتدأ خبره قوله (قسموا) أَي نوعوا (هذي) اسم إشارة للمؤنث أشار به إلى ما هو معلوم حاضر في ذهن كل أحد. (السنن) جمع سنة بالضم فيهما، وهي لغة الطريقة، واصطلاحاً بمعنى الحديث المتقدم
تعريفه (إلى صحيح وضعيف وحسن) متعلق بقسموا، والمعنى: أن أكثر أهل الحديث قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام صحيح، وضعيف، وحسن.
وانما قيد بالأكثر الذي زاده على العراقي تنكيتاً على من أطلقه، لأن فيه خلافاً فإن بعضهم قال: الحديث صحيح وضعيف فقط، والحسن مندرج في أنواع الصَّحِيح.
وأدرج الضَّعِيف في السنن تغليباً، وإلا فهو لايسمى بسنة، وقدمه على الحسن للضرورة أو لمراعات المقابلة بينه وبين الصَّحِيح، أو لملاحظة صنع الأكثرين. ثم ذكر القسم الأول بقوله: