الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(خاتمة)
نسأل الله حسنها، أي هذا مبحث خاتمة يُخْتَمُ بها بحثُ الصَّحِيح يُذكر فيها كيفية نقلِ الحديث من الكتب المصنفة للعمل به، أو الاحتجاج به، لذي مذهب، قال رحمه الله:
73 -
لأَِخْذِ مَتْنٍ مِنْ مُصَنِّفٍ يَجِبْ
…
عَرْضٌ عَلَى أَصْلٍ، وَعِدَةٍ نُدِبْ
74 -
وَمَنْ لِنَقْلٍ فِي الحَدِيثِ شَرَطَا
…
رِوَايَةً وَلَوْ مُجَازًا غُلِّطَا
(لأَِخْذِ مَتْنٍ) أي حديث، متعلق بيجب، زاد ابن الصلاح لِمَنْ ساغ له ذلك، وهو العالم بشرط العمل، وكيفيةِ الاستدلال به، (من مصنف) بفتح النون أي من كتاب من الكتب المعتمدة كالبخاري، ومسلم، وأبي عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، مما اشتهر وصح لَيَعْمَل، أو يَحتَجَّ به لذي مذهب، (يجب عرض) فعل وفاعل، أي تجب مقابلة ذلك المصنف (على أصل) واحد محَقَّقٍ، معتمد، متعلق بعَرْضٍ (وعدة) بالجر بحرف جر محذوف لدلالة ما قبله عليه متعلق بندب، ويحتمل الرفع، على أنه مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف، أي نسخٌ عِدَّة أي متعددة، أو موصوفاً بمحذوف، أي عدة من النسخ (ندب) فعل ونائب فاعل خبر على الثاني.
ومعنى البيت أن من أراد الاحتجاج، أو العمل بحديث من كتاب من الكتب المعتمدة، وجب عليه أن يقابله على أصل واحد محقق معتمد، واستحب أن يقابله على أصول متعددة بروايات متنوعة فيما تكثر فيه الروايات
كالفربري، والنسفي، وحماد بن شاكر، وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري، أو أصول متعددة فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب، وقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة يتنزل منزلة التواتر، والاستفاضة، أفاده السخاوي.
ولما كان من المحدثين من شدد في الرواية حتى قال: من وجد حديثاً في كتاب صحيح لا يجوز أن يرويه لأنه لم يسمعه، وهذا القول غلط أشار الناظم إلى تفنيده بقوله (ومن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (لنقل) متعلق بشرط (في الحديث) صفة لنقل أي كائن في الحديث (شرطا) بألف الإطلاق (رواية) أي نقلاً عن الشيوخ (ولو) كان النقل على أقل وجوه الروايات بأن يكون (مجازاً) بالضم من الإجازة (غُلِّطَا) بالبناء للمفعول، وتشديد اللام، أي نسب قولُه هذا إلى الغلط، جواب الشرط، أو خبر المبتدإ.
ومعنى البيت أن من شرط لرواية الحديث النقلَ عن الشيخ ولو بالإجازة غُلِّطَ في قوله هذا، وهذا المشترط هو بعض المحدثين، ومنهم أبو بكر محمد بن خير بن عمر الأموي (1) الإشبيلي، خال أبي القاسم السهيلي صاحب روض الأنف، قال في بَرْنَامَجِهِ (2): اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا حتى يكون ذلك القول مروياً. ولو على أقل وجوه الروايات، لحديث " من كَذَب عَلَيَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وقد تعقب الزركشي ذلك، فقال: نقل الإجماع عجيب، وإنما حكي ذلك عن بعض المحدثين، ثم هو معارض بنقل ابن بَرْهَانَ إجماع الفقهاء على الجواز، قال في الأوسط: ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه، بل إذا صح عنده النسخة جاز العمل بها، إن لم يسمع، وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الإجماع على جواز النقل من
(1) بفتح الهمزة اهـ.
(2)
البرنامج الورقة الجامعة للحساب معرب برنامه. اهـ ق.
الكتب المعتمدة، ولا يشترط اتصال السَّند إلى مصنفيها، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه، وقال إِلْكِيَا (1) الهَرَّاسِيّ (2) الطبري في تعليقه: مَنْ وجد حديثاً في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به. وقال: قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه، وهذا غلط، وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين، وقال: هم عُصْبَة لا مبالات بهم في حقائق الأصول، يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث، ونَصَّ الشافعي رحمه الله في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه، فظهر بطلان ادعاء الإجماع، والاستدلال بالحديث المذكور على المنع فاسد، لأنه ليس فيه اشتراط ذلك وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله، وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصَّحِيح، أو كونه نص على صحته إمام، وعلى ذلك عَمَلُ الناس. ولما أنهي الكلام على القسم الأول وهو الصَّحِيح شرح يبين الثاني فقال:
(1) بكسر الهمزة وسكون اللام وكسر الكاف معناه بالفارسية الكبير.
(2)
الهراسي بتشديد الراء.