المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الإرسال الخفي والمزيد في متصل الأسانيد) - شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر - جـ ١

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌(الإرسال الخفي والمزيد في متصل الأسانيد)

(الإرسال الخفي والمزيد في متصل الأسانيد)

أي هذا مبحثهما وهما النوع الخامس عشر والسادس عشر من أنواع علوم الحديث. وهذان النوعان مهمان عظيما الفائدة عميقا المسلك لم يتكلم فيهما قديماً وحديثاً إلا نُقَّاد الحديث وجَهَابذته وهما متجاذبان إذ يعترض بكل منهما على الآخر فربما كان الحكم للزائد وربما كان بالعكس فلذلك قرن بينهما.

فأما أولهما فليس المراد به قول التابعي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور في المرسل الظاهر ولا الانقطاع بين راويين لم يدرك أحدهما الآخر كرواية القاسم عن ابن مسعود، وإبراهيم بن أبي عبلة عن كل من عبادة بن الصامت وابن عمر، ومالكٍ عن سعيد بن المسيب بل المعتمد في تعريفه على ما حققه الحافظ هو الانقطاع في أي موضع كان من السَّند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص وإلى ذلك الإشارة بقول البلقيني إن تسميته بالإرسَال هو على طريقة سبقت في نوع المرسل وبهذا التعريف يباين التدليس إذ هو على المعتمد كما تقدم رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، فأما على تعريف من عرف ما هنا برواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه أو عمن لقيه ولم يسمع منه أوعمن عاصره ولم يلقه فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق والمعتمد ما حققناه أولاً أفاده السخاوي.

ص: 184

وبهذا التقرير ظهر مناسبة ذكر هذا الباب بعد باب التدليس فهو أولى من فعل العراقي تبعاً لابن الصلاح حيث ذكره بين مختلف الحديث ومعرفة الصحابة.

ثم ذكر رحمه الله تعالى ما يعرف به الإرسال الخفي وهي أمور فقال:

177 -

وَيُعْرَفُ الإِرْسَالُ ذُو الْخَفَاءِ

بِعَدَمِ السَّمَاعِ وَاللِّقَاءِ

178 -

وَمِنْهُ مَا يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِ

مِنْ جِهَةٍ بِزيْدِ شَخْصٍ وَاعِ

179 -

وَبِزِيَادَةٍ تَجِي، وَرُبَّمَا

يُقْضَى عَلَى الزَّائِدِ أَنْ قَدْ وَهِمَا

180 -

حَيْثُ قَرِينَةٌ وَإِلَاّ احْتَمَلا

سَمَاعُهُ مِنْ ذَيْنِ مَا قَدْ حَمَلا

(ويعرف الإرسال) فعل مغير ونائب فاعله (ذو الخفاء) صفة للإرسال وهو الذي قدمنا تعريفه عن الحافظ واحترز به عن الإرسال الظاهر وهو أن يروي الرجل عمن لم يعاصره بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث كأن يروي مالك مثلاً عن سعيد بن المسيب وكحديث رواه النسائي من رواية القاسم بن محمد عن ابن مسعود قال: " أصاب النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم نام حتى أصبح " الحديث. فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود قاله العراقي.

وإنما سمي هذا بالخفي لخفائه على كثير من أهل الحديث لاجتماع الراويين في عصر واحد. والمعنى أن الإرسال الخفي يعرف (بعدم السماع) أي سماع الراوي من المروي عنه مطلقاً لا هذا الحديث ولا غيره ولو تلاقيا (و) يعرف أيضاً بعدم (اللقاء) بينهما حيث علم ذلك إما بالإخبار عن نفسه أو بإخبار إمام مطلع كما يأتي قريباً.

ويعرف أيضاً (بزيادة) أي بسبب زيادة اسم وقوله: (تجي) صفة زيادة أي تجىء تلك الزيادة في السَّند بين الراويين الذين كان يظن الاتصال بينهما، والمعنى أن الإرسال الخفي يعرف أيضاً بزيادة اسم رَاوٍ بَيْنَ رَاوِييْنِ يظن الاتصال بينهما على رواية أخرى حذف منها ذلك الاسم لكن بشرط أن يكون الخالي عن الزائد بما لا يقتضى الاتصال كعن وقال ونحوهما، وأما إن كان بلفظ يقتضى الاتصال كالتحديث فسيأتي حكمه.

ص: 185

وحاصل ما أشار إليه: أن الإرسال الخفي يعرف بأحد أمور ثلاثة، الأول عدم سماع الراوي من المروي عنه مطلقاً ولو تلاقيا كحديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وهي في السنن الأربعة فقد روى الترمذي أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا.

أو لذلك الحديث فقط وإن سمع غيره، الثاني عدم اللقاء بينهما وقد تعاصرا بأن أخبر عن نفسه بذلك أو جزم إمام به كحديث ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رحم الله حارس الحرس " فإن عمر لم يلق عقبة كما قال المزي في الأطراف، قلت: هكذا نسب العراقي والسخاوي والناظم في التدريب هذا القول إلى المزي في الأطراف كأنه هو الذي حكم بأن عمر لم يلق عقبة وليس كذلك بل الذي حكم به هو الدارمي في مسنده فإنه بعد سوق هذا الحديث قال ما نصه: قال عبد الله يعني نفسه: وعمر لم يلقه، فعلى هذا يكون المزي تبعاً له فافهم.

الثالث بأن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما كحديث رواه عبد الرزاق عن سفيان الثَّوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع (1) عن حذيفة مرفوعاً: " إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين " فهو منقطع في موضعين لأنه روي عن عبد الرزاق، قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة عن الثَّوري، وروى أيضاً عن الثَّوري عن شريك عن أبي إسحاق.

وحاصل هذا الثالث أن تأتي روايتان في إحداهما زيادة اسم راو بين راويين وكانت الناقصة مروية بما لا يقتضى الاتصال كعن ونحوها فإن الرواية الناقصة تكون معلة بالإسناد الزائد لأن الزيادة من الثقة مقبولة، وأما إذا كانت الناقصة بما يقتضى الاتصال كتحديث أو سماع أو نحوهما فلا

(1) يثيع: بضم الياء وفتح المثلثة بعدها ياء تحتانية ساكنة بعدها عين مهملة. اهـ.

ص: 186

تعل الناقصة بالزائدة بل يكون بالعكس فيكون الحكم للناقص لأن معه زيادة وهي إثبات سماعه وإليه أشار بقوله (وربما يقضى) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله (على) الراوي (الزائد) راوياً بين الراويين (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير محذوف يعود إلى الزائد وقوله: (قد وهما) خبرها كما قال ابن مالك.

وإنْ تُخَفَّف أنَّ فاسمُها استكن

والخَبَر اجعَلْ جملةً من بعدِ أنْ

أي بأنه قد وهم أي غلط يقال: وهم في الحساب يوهم وهما مثل غلط يغلط غلطا وزناً ومعنا، وجملة أن وصلتها في تأويل المصدر مجرور بحرف محذوف أي بالوهم.

وحاصل المعنى أنه ربما كان الحكم للناقص وهذا إذا كان حذف الزائد بتحديث أو نحوه مما يقتضي الاتصال وراويه أتقن ممن زاد كما قيده به الحافظ فحينئذ يكون الحكم له لأن مع راويه كذلك زيادة وهي إثبات سماعه، وهذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد المحكوم فيه بكون الزيادة غلطا من راويها.

مثاله حديث رواه مسلم والترمذي من طريق ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت واثلة يقول سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " فذكر أبي إدريس في هذا الحديث وَهَم من ابن المبارك، لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر عن بسر عن واثلة بلفظ الاتصال بين بسر وواثلة رواه مسلم والترمذي أيضاً والنسائي عن علي بن حجر عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن بسر قال: سمعت واثلة ورواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن ابن جابر كذلك، وحكى الترمذي عن البخاري قال: حديث ابن المبارك خطأ إنما هو عن بسر بن عبيد الله عن واثلة هكذا روى غير واحد عن ابن جابر، قال: وبسر قد سمع من واثلة. وقال أبو حاتم

ص: 187

الرازي: يرون أن ابن المبارك وهم في هذا قال: وكثيراً ما يحدث بسر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس عن واثلة قال: وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه، وقال الدارقطني: زاد ابن المبارك في هذا أبا إدريس ولا أحسبه إلا أدخل حديثاً في حديث فقد حكم هؤلاء الأئمة على ابن المبارك بالوهم في هذا ذكره العراقي في شرحه على الألفية.

وقد وقع في هذا الحديث وهم آخر لمن دون ابن المبارك بزيادة راوٍ آخر في السَّند فقال فيه عن ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن ابن جابر حدثني بسر قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة فذكر سفيان في هذا وهم ممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر من غير ذكر سفيان منهم عبد الرحمن بن مهدي وحسن بن الربيع وهناد بن السري وغيرهم وزاد فيه بعضهم التصريح بلفظ الإخبار بينهما ذكره العراقي أيضاً.

وهذا الحكم للناقص (حيث) توجد (قرينة) أي علامة قوية تدل على أن الزائد وَهِمَ في زيادته مثل ما ذكره أبو حاتم في المثال المذكور وأيضاً فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين فإذا لم يجىء عنه ذكره حملناه على الزيادة المذكورة قاله ابن الصلاح: (وإلَّا) أي إن لم توجد قرينة تدل على الوهم (احتملا) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق أي جاز وأمكن، وقوله:(سماعه) فاعله أي سماع ذلك الراوي (من ذين) أي هذين الراويين المزيد وشيخه، إذ لا مانع من أن يسمعه من واحد عن آخر ثم يسمعه عن الآخر (ما) مفعول به لسماع أي الحديث الذي (قَدْ حَمَلا) بالبناء للفاعل والألف إطلاقية أي نقله، وفي نسخة المحقق لما حملا أي حين حمل ذلك عنهما، والمعنى متقارب.

وحاصل المعنى أنه إذا لم توجد قرينة تدل على الوهم حمل على أنه سمع هذا الحديث من شيخه وسمعه أيضاً من شيخ شيخه فرواه مرة هكذا ومرة هكذا.

ص: 188

قال السخاوي: وذلك موجود في الروايات والرواة بكثرة، ومنه قول ابن عيينة: قلت لسهيل ابن أبي صالح: إن عمرو بن دينار حدثني عن القعقاع عن أبيك أبي صالح عن عطاء بن يزيد بحديث كذا قال ابن عيينة ورجوت أن يسقط عني سهيل رجلًا وهو القعقاع ويحدثني به عن أبيه فقال سهيل بل سمعته من الذي سمعه منه أبي ثم حدثني به سهيل عن عطاء اهـ.

ويتأكد الحمل المذكور بوقوع التصريح في الطريقين بالتحديث ونحوه.

أفاده السخاوي أيضاً.

(تنبيه): يوجد في نسخة الشارح قبل هذين البيتين ما نصه:

ومِنْهُ مَا يُحكَمُ بِانْقِطَاعٍ

مِنْ جِهَةٍ بزَيْدٍ شخص واعٍ

قال المحقق ابن شاكرٍ: ولم يوجد في الأصل وأرى أنه لا داعي له لفهم معناه مما في الأبيات بعده ولعله من مسودة المؤلِّفِ ثم حذفه في النسخة الأخيرة اهـ.

قلت هو مفهوم قوله: وبزيادة تجيء فقط. ثم ذكر ما يعرف به عدم السماع واللقاء فقال:

181 -

وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالإِخْبَارِ

عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّصِّ مِنْ كِبَارِ

(وإنما يعرف) عدم السماع واللقاء بأحد أمرين إما (بالإخبار) أي إخبار الراوي (عن نفسه) بأنه لم يلق فلاناً أو لم يسمع منه، (و) إما با (لنص) أي الإظهار أو التعيين يقال: نص الشيء أظهره، وعلى الشيء عينه أفاده في " ق "(من) أئمة (كبار) مطلعين على دقائق الأسانيد أي بإظهارهم، أو تعيينهم على أنه لم يلق فلاناً أولم يسمع منه.

وحاصل معنى البيت أن ما ذكره من عدم السماع واللقاء يعرف بأحد الأمرين " الأول " إخبار الشخص عن نفسه في بعض طرق الحديث به كما قدمنا

ص: 189

في قول أبي عبيدة لَمَّا سئل هل تذكر من أبيك شيئاً قال: لا " الثاني " جزم إمام مطلع من أئمة الحديث بكونه لم يثبت عنده من وجه يحتج به أنهما تلاقيا مثل أبي زرعة الرازي وغيره في قولهم: إن الحسن البصري لم يلق عليًّا.

ومثل المزي في المتأخرين وكان في هذا عجباً من العجب في قوله إن عمر بن عبد العزيز لم يلق عقبة بن عامر قاله السخاوي.

قلت: لكن في هذا نظر كما قدمناه فإنه تقدمه الدارمي في هذا.

(تنبيه) ألَّفَ في هذين النوعين أبو بكر الخطيب تأليفين مفردين سَمَّى الأول: " التفصيل لمبهم المراسيل "، والثاني:" تمييز المزيد في متصل الأسانيد ".

(تَتِمَّة) الزيادة على العراقي في هذا الباب قوله: حيث قرينة، والبيت الأخير بتمامه. والله أعلم.

ولما كان في الباب المتقدم أنه يحكم على الزيادة بالوهم حيث كان راوي الناقص أتقن كعكسه وهذا هو معنى الشَّاذ والمحفوظ ناسب ذكرهَما بعده ولذا أتبعهما فقال:

ص: 190