المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(المدرج) أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والثلاثون من أنواع علوم - شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر - جـ ١

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌ ‌(المدرج) أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والثلاثون من أنواع علوم

(المدرج)

أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والثلاثون من أنواع علوم الحديث، وهو لغة اسم مفعول من الإدراج، يقال أدرجت الكتاب إذ طويته، وأدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فيه، وأدرجت الشيء في الشيء إذ أدخلته فيه، وضمنته إياه، ومنه قول الصرفيين الإدغام إدراج أول المثلين في الآخر، واصطلاحاً: ما كانت فيه زيادة ليست منه، ثم هو ينقسم إلى قسمين: مدرج المتن، ومدرج الإسناد، وكل واحد منهما ينقسم إلى أقسام أشار إلى ذلك بقوله:

243 -

وَمُدْرَجُ الْمَتْنِ بِأَنْ يُلْحَقَ فِي

أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطٍ أَوْ طَرَفِ

244 -

كَلامُ رَاوٍ مَّا بِلا فَصْلٍ، وَذَا

يُعْرَفُ بِالتَّفْصِيلِ فِي أُخْرَى، كَذَا

245 -

بِنَصِّ رَاوٍ أَوْ إِمَامٍ، وَوَهَى

عِرْفَانُهُ فِي وَسْطٍ اْوْ أَوَّلِهَا

(ومدرج المتن) كلام إضافي مبتدأ، ومدرج بصيغة اسم المفعول والإضافة بمعنى في أي الشيء الذي أدرج أي أدخل في متن الحديث، وليس منه (بأن يلحق) الباء للتصوير والفعل مبني للمفعول ونائب فاعله: كلام راو ما، والجار والمجرور خبر المبتدإ، والتقدير ومدرج المتن مصور بإلحاق كلام رواه (في أوله) أي أول المتن، مثل أن يتكلم الصحابي بأمر يذهب إليه، ثمَّ يحتج عليه بلفظ حديث، ثم يقول هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعني ما احتج به لا ما احتج عليه فيتوهم السامع أن الجميع مرفوع،

ص: 273

قاله في التنقيح. (أو وسط) للمتن أي في أثنائه، مثل أن يروى حديث ومذهب فيسمعهما سامع فيحسبهما حديثين فيرويهما على هذه الصورة اهـ تنقيح (أو طرف) له في آخره، مثل أن يزاد في آخر الحديث من قول بعض الرواة من غير فصل، فيلتبس على من لا يميز الكلام النبوي من غيره فيحسب الجميع حديثاً فيرويه. اهـ تنقيح. (كَلامُ رَاوٍ مَّا) ما زائدة لتأكيد العموم، أي أيَّ راو كان، صحابياً، أو غيره، وقوله (بلا فصل) حال من كلام أي حال كونه غير مفصول عن الحديث.

وحاصل المعنى: أن مدرج المتن هو ما أدرج في أول الحديث، أو وسطه، أو آخره من كلام بعض الرواة صحابياً كان، أو من دونه من غير تمييز وتفرقة بين المدرج والحديث بما يدل على مغايرتهما فيلتبس على من لا يعلم الحال، فيحسب الجميع موصولاً فيرويه متصلًا فيتوهم أنه من الحديث.

مثاله في أول المتن وهو نادر جداً ما رواه الخطيب من طريق أبي قَطَن وشبابة في روايتهما عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النَّارِ " فقوله أسبغو الوضوء مدرج من قول أبي هريرة، كما بين من رواية البخاري في صحيحه عن آدم، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" أسبغوا الوضوء " فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: " ويل للأعقاب من النار " قال الخطيب وَهِمَ أبو القطن عمرو بن الهيثم، وشبابة بن سَوَّار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه، وذلك لأن جماعة من الحفاظ رووه عن شعبة فجعلوا الأول من كلام أبي هريرة، والثاني من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ باختصار، قال الصنعاني: على أن قوله: " أسبغوا الوضوء " قد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصَّحِيح، قال الحافظ: وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه فلم أجد له مثالاً آخر، إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة من رواية محمد بن دينار عن هشام بن حسان. اهـ توضيح.

ص: 274

ومثاله في الوسط: ما رواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً " من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ " قال الدارقطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام، ووهم في ذكر الأنثيين، والرفغ، فجعلهما من المرفوع، والمحفوظُ أن ذلك من قول عروة وكذلك رواه الثقات عن هشام، منهم أيوب السختياني، وحماد بن زيد، وغيرهما.

ومثاله في الآخر حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقوله بعد التشهد " فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد " أخرجه أبو داود، فقوله: فإذا فعلت إلى آخره من كلام ابن مسعود، وقد أدرجه زهير بن معاوية أبو خيثمة كما قال الحاكم والبيهقي والخطيب قال النووي في الخلاصة: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة. اهـ ويدل لإدراجها رواية شبابة بن سوار عنه ففصله، وبين أنه من قول ابن مسعود، قال: قال عبد الله فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، رواه الدارقطني، وقال: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، وجعله من قول ابن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج آخره، ورواه غير شبابة أيضاً، وفصله وبين أنه من قول ابن مسعود، أفاده في التوضيح.

وحاصل أقسام مدرج المتن ثلاثة: الأول: ما كان في أوله.

والثاني: ما كان في وسطه.

والثالث: ما كان في آخره.

ثم ذكر ما يعرف به الإدراج، وهي ثلاثة أمور على ما ذكره فقال (وذا) أي المدرج مبتدأ وجملة قوله (يعرف) بالبناء للمفعول خبره أي يدرك (بالتفصيل) أي تبيين كونه مدرجاً (في) رواية (أخرى) مُبَيِّنَةٍ لذلك، يعني أن مدرج المتن يعرف بأمور منها ورود رواية أخرى مفصلة للمدرج من كلام بعض الرواة عن الحديث المرفوع، كما في حديث التشهد المذكور ففي رواية شبابة عن أبي خيثمة فصله بقوله: قال عبد الله: إذا قلت ذلك إلخ، فجعله من كلام ابن مسعود،

ص: 275

قال: الدارقطني وهو أصح من رواية من أدرج، وأشبه بالصواب، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحُرِّ كذلك مع اتفاق من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك، ومنها تصريح الراوي به وإليه أشار بقوله (كذا) يعرف المدرج (بنص راو) أي تصريح راوي الحديث نفسه بأنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، كحديث ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من جعل لله نداً دخل النار " قال وأخرى أقولها ولم أسمعها منه " من مات لا يجعل للهِ نداً أدخله الجنة " ومنها تصريح بعض الأئمة المطلعين بذلك، وإليه أشار بقوله (أو) نص (إمام) من أئمة الحديث المطلعين على علل الحديث، والعارفين بالزائد والناقص، على أنه مدرج كما تقدم في الأنثيين والرفغ فقد صرح الدارقطني، والخطيب أن ذلك من قول عروة فعروة لما فهم من لفظ الخبر " من مس ذكره فليتوضأ " أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة جعل حكم ما قرب من الذكر كذلك، فقال ذلك، فظن بعض الرواة أنه من صلب الخبر، فنقله مدرجاً فيه، وفهم الآخرون حقيقة الحال ففصلوا قاله في التدريب، وحاصل ما ذكره مما يعرف به المدرج ثلاثة أشياء الأول: ورود رواية مفصلة من طريق أخرى.

الثاني: تصريح الراوي بأنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المدرج.

الثالث: نص إمام من أئمة الحديث على ذلك، وبقي عليه مما يعرف به الإدراج.

الرابع: وهو استحالة كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

مثال ذلك حديث أبي هريرة في الصَّحِيح مرفوعاً " للعبد المملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك " فقوله والذي نفسي بيده إلخ من كلام أبي هريرة لأنه يمتنع منه صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الرق، ولأن أمه لم تكن إذ ذاك موجودة حتى يبرها.

(تنبيهان): الأول: أن أسباب الإدراج كثيرة، منها أن يقصد الراوي أن يبين حكماً أو نحو ذلك، ويريد أن يستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في الإدراج قبل المتن، ومنها أن يريد بيان حكم يستنبط من كلام

ص: 276

النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قد يكون في الإدراج في وسط المتن بعد ذكر ما يستنتج منه ذلك الحكم، وقد يكون في الإدراج عقب المتن كله.

ومنها: أن يريد تفسير بعض الألفاظ الغريبة في الحديث النبوي.

" الثاني " أن الحكم بالإدراج إذا وردت رواية أخرى مفصلة للمدرج عن المرفوع يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد، ولا يوجب القطع، بخلافه فيما إذا استحال صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيما صرح الصحابي بعدم سماعه منه عليه الصلاة والسلام فإنه يكون قطعاً أفاده الحافظ.

ثم أشار إلى أن الحكم بالإدراج في الوسط أو الأول ضعيف بقوله (ووهى) أي ضعف (عرفانه) بكسر فسكون مصدر عرف إذا علم بحاسة من الحواس الخمس قاله في المصباح، أي معرفة الإدراج (في وسط) بفتح فسكون بمعنى بَيْنَ، أي في أثناء الأحاديث (أو) في (أولها) أي الأحاديث.

والمعنى: أن معرفة الإدراج والحُكمَ به في أول الحديث أو في وسطه ضعيف قال ابن دقيق العيد: والطريق إلى الحكم بالإدراج في الأول أو الأثناء صعب لا سيما إن كان مقدماً على اللفظ المروي، أو معطوفاً عليه بواو العطف، وقال أيضاً إنما يكون الإدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق اهـ.

قال السخاوي: وكان الحامل لهم على عدم تخصيص ذلك بآخر الخبر تجويز كون التقديم والتأخير من الراوي لظنه الرفع في الجميع واعتماده على الرواية بالمعنى فبقى حينئذ في أول الخبر وأثنائه بخلافه قبل ذلك.

قال: وإلى ذلك أشار العراقي في شرح الترمذي، وقال: إن الراوي رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، وصار الموقوف لذلك أول الخبر، أو وسطه، ولا شك أن الفاصل معه زيادة علم فهو أولى، وبالجملة

ص: 277

فقد قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجرٍ: إنه لا مانع من الحكم على ما في الأول أو الآخر أو الوسط بالإدراج إذا قام الدليل المؤثر غلبة الظن.

وقد قال أحمد: كان وكيع يقول: في الحديث يعني كذا وكذا وربما طرحِ يعني وذكر التفسير في الحديث وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيراً وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه دائما يقول له: افصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الحكايات اهـ.

ثم ذكر القسم الثاني وهو مدرج الإسناد ومرجعه كما قال المحقق ابن شاكر في الحقيقة إلى المتن وهو ثلاثة أقسام فقال:

246 -

وَمُدْرَجُ الإِسْنَادِ مَتْنَيْنِ رَوَى

بِسَنَدٍ لِوَاحِدٍ، أَوْ ذَا سِوَى

247 -

طَرْفٍ بِإِسْنَادٍ فَيَرْوِي الْكُلَّ بِهْ

أَوْ بَعْضَ مَتْنٍ فِي سِوَاهُ يَشْتَبِهْ

248 -

أَوْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مُخْتَلِفَا

فِي سَنَدٍ، فَقَالَ هُمْ مُؤْتَلِفَا

(ومدرج الإسناد) كلام إضافي مبتدأ، والإضافة بمعنى في كما تقدم، أي الشيء الذي أدرج في الإسناد، أو من إضافة الصفة للموصوف، والحذف والإيصال، أي الإسناد المدرح فيه، وقوله (متنين) مفعول مقدم لـ (روى) وهو بتقدير حرف مصدر أي أنْ روى وهو في تأويل المصدر خبر المبتدإ، وتقدير الكلام ومدرج الإسناد رواية متنين مختلفين بإسنادين مختلفين وقوله (بسند) متعلق بروى وقوله (لواحد) صفة له أي رواهما بسند أحدهما مقتصراً عليه، وحاصل المعنى أن مدرج الإسناد أقسام:" أحدها " أن يكون عنده متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما بإسناد أحدهما كحديث " إنما الأعمال بالنيات " وحديث " بني الإسلام على خمس " كل منهما بإسناد خاص به فرواه بإسناد أحدهما.

" وثانيها " أن يكون عنده الحديث بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول ولا يذكر

ص: 278

إسناد الطرف الثاني، وإليه أشار بقوله (أو ذا) الحديث مبتدأ (سوى طرف) منصوب على الاستثناء، والطرف محركة: الناحيةُ، والمراد به هنا الجزء،

وسكن راءه للوزن، وقوله:(بإسناد) خبر المبتدإ أي كائن بإسناد، يعني أن هذا الحديث عنده بسند آخر (فيروي) بالبناء للفاعل، راوٍ عنه (الكل) أي الحديث والطرف (به) أي بسند الحديث الأول، وحاصل المعنى: أن يكون متن الحديث عندَ رَاوٍ بسند إلا طرفاً منه فإنه عنده بسند آخر، فيرويه راوٍ عنه تاماً بالإسناد الأول.

مثاله ما رواه أبو داود من رواية زائدة وشريك ورواه النسائي من رواية سفيان بن عيينة كلهم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه " ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت النَّاس عليهم جُلُّ الِثّيَابِ تَحَركُ أيديهم تحت الثياب " قال موسى بن هارون الحمال ذلك عندنا وهم، فقوله ثم جئتهم ليس هو بهذا الإسناد، وإنما أدرج عليه، وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وهكذا رواه مُبيَّناً زهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب، وفصلاها من الحديث، وذكر إسنادها كما ذكرناه، قال موسى بن هارون الحمال، وهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير، وشجاع بن الوليد، وهما أثبت له رواية ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل؛ وقال ابن الصلاح: إنه الصواب قاله في التنقيح.

قال السخاوي: ونحو هذا القسم أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضه فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل، كحديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس في قصة العُرَنِيِّينَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:" لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها " فإن لفظة وأبوالها إنما سمعها حميد عن قتادة عن أنس كما بينه محمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية ويزيد بن هارون، وآخرون إذ

ص: 279

رووه عن حميد عن أنس بلفظ فشربتم من ألبانها، فعندهم قال حميد قال قتادة عن أنس وأبوالها، فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج يتضمن تدليساً اهـ.

" وثالثها " أن يدرج في الحديث بعض حديث آخر مخالف له في السَّند وإليه أشار بقوله (أو بعض متن) بالنصب مفعول لمحذوف أي أو أدرج بعض متن حديث (في سواه) أي في حديث غيره مخالف له في السَّند، ويحتمل أن يكون معطوفاً على متنين، و " في " بمعنى " مع " أي أو روى بعض حديث مع حديث آخر مخالف له سنداً.

وحاصل المعنى: أن يروي أحدهما بإسناده الخاص به، ويزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول، وقوله (يشتبه) أي يتناسب ذلك البعض المدرج مع الحديث معنى، وهو حال من سواه، أي حال كونه متناسباً معه في المعنى.

مثاله حديث رواه ابن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَبَاغَضُوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا " الحديث. فقوله: ولا تنافسوا مدرج في هذا الحديث أدرجه ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا ". وكلا الحديثين من طريق مالك، وليس في الأول " ولا تنافسوا " وهي في الحديث الثاني، وهكذا الحديثان عند رواة الموطأ: عبد الله بن يوسف، والقعنبي وقتيبة، وَيَحْيَى بن يَحْيَى، وغيرهم.

قال الخطيب: وقد وهم فيها ابن أبي مريم على مالك عن ابن شهاب وإنما يرويها مالك في حديثه عن أبي الزناد.

(تنبيه): قال المحقق ابن شاكر وهذا المثال فصله بعضهم عن الذي

ص: 280

قبله وجعلهما قسمين والصواب ما صنعا يعني جعله قسماً واحداً لأنهما من نوع واحد. اهـ.

قلت: وجعلهما قسمين هو الذي جرى عليه ابن الصلاح والعراقي وغيرهما وهو الواضح فتأمل.

" ورابعها " أن يروي بعض الرواة حديثاً عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فيجمع الكل على إسناد واحد، فيرويه على الاتفاق، وإليه أشار بقوله (أو قاله) أي روى الحديث (جماعة) من الرواة (مختلفاً) يحتمل أن يكون بكسر اللام اسم فاعل، أي حال كون الحديث مختلفاً، أو بفتح اللام اسْمَ مفعول، أو مصدراً ميمياً، حال من المفعول، أيضاً، وعلى الأخير يقدر مضاف أي ذا اختلاف وقوله (في سند) متعلق به يعني أنه اختلف الرواة في سند ذلك الحديث بأن خالف بعضهم بعضاً بزيادة أو نقص (فقالهم) أي ذكر هؤلاء الجماعة المختلفين بعض الرواة (مؤتلفا) بفتح اللام مصدر حال من الضمير على حذف مضاف، أي ذوي ائتلاف، وإنما لم نجعله اسم فاعل لأنه مفرد وصاحب الحال جمع. وحاصل المعنى: أن يروي بعض الرواة حديثاً عن جماعة وبينهم في إسناده اختلاف فيجمع الكل على إسناد واحد مما اختلفوا فيه ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق.

مثاله ما رواه الترمذي، عن بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثَّوري، عن واصل ومنصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله، قال: قلت يارسول الله: أي الذنب أعظم الحديث، وهكذا رواه محمد بن كثير العبدي، عن سفيان فيما رواه الخطيب فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلًا لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله، هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون، ومالك بن مِغْول وسعيد بن مسروق عن واصل كما ذكره الخطيب.

وقد بين الإسنادين معاً يَحْيَى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان،

ص: 281

وفصل أحدهما من الآخر رواه البخاري في صحيحه في كتاب المحاربين، عن عمرو بن علي، عن يَحْيَى، عن سفيان، عن منصور، والأعمش كلاهما عن أبي وائل، عن عمرو، عن عبد الله. وعن سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل، قال عمرو بن علي فَذُكِرَ لعبد الرحمن، وكان حدثنا عن سفيان، عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل، عن أبي ميسرة يعني عمراً فقال: دعه دعه.

قال السخاوي: قوله: دعه يحتمل أنه أمر بالتمسك بما حدثه به وعدم الالتفات لخلافه، وبحتمل أنه أمر بترك عمرو من حديث واصل لكونه تذكر أنه هو الصواب أو لكونه كان عنده محمولاً على رفيقيه فلما سأل عنه بانفراده أخبره بالواقع لكن يعكر عليه رواية بندار عن ابن مهدي عن الثَّوري عن واصل وحده بإثباته اهـ.

(تنبيهان): الأول: أن أقسام مدرج الإسناد على ما ذكره الناظم أربعة، وزاد الحافظ قسمين: الأول ما تقدم في كلام السخاوي وهو أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفاً منه فإنه لم يسمعه من شيخه بل بواسطة فيدرجه بعض الرواة عنه، وهو مما يشترك فيه الإدراج والتدليس، ومثاله: ما تقدم في قصة العرنيين.

" الثاني ": أن لا يذكر المحدث متن الحديث بل يسوق إسناده فقط ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاماً فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد.

مثاله: ما رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي، عن ثابت بن موسى العابد الزاهد، عن شريك، عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعاً:" من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " قال الحاكم دخل ثابت على شريك، وهو يملي، ويقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكت ليكتب المستملي، فلما نظر إلى ثابت قال:" من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " وقصد بذلك ثابتاً

ص: 282

لزهده، وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد فكان يحدث به، وقال ابن حبان: إنما هو قول شريك قاله عقيب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم " فأدرجه ثابت في الخبر، ثم سرقه منه جماعة من الضعفاء، وحدثوا به عن شريك.

قال المحقق: وهذا القسم ذكره ابن الصلاح في نوع الموضوع، وجعله شبه وضع من غير تعمد، وتبعه على ذلك النووي، والناظم فيما سيأتي، وذِكْرُهُ في المدرج أولى وهو به أشبه كما صنع الحافظ ابن حجر اهـ.

" الثاني ": قد صنف في هذا النوع أي الإدراج بأقسامه الخطيب كتاباً سماه " الفصل للوصل المدرج في النقل "، وقد لخصه الحافظ ورتبه على الأبواب والمسانيد وَزَادَ عليه أكثر من القدر الذي ذكر وسماه تقريب المنهج بترتيب المدرج، واختصره الناظم في كتاب سماه المَدْرَج إلى المُدْرَج اهـ.

ثم ذكر الناظم حكمه فقال:

249 -

وَكُلُّ ذَا مُحَرَّمٌ وَقَادِحُ

وَعِنْدَيَ التَّفْسِيرُ قَدْ يُسَامَحُ

(وكل ذا) أي الإدراج بأقسامه، مبتدأ خبره (مُحَرَّمٌ) أي جميع أنواع الإدراج حرام بإجماع أهل الحديث، والفقه، والأصول، وغيرهم، إذا حصل عن عمد لما يتضمن من عَزْوِ الشيء لغير قائله، وأسوأ هـ ما كان في المرفوع مما لا دخل له في الغريب المتسامح في خلطه، أو الاستنباط، قاله السخاوي، (وقادح) أي جارح لفاعله سواء كان عمداً أو خطأ، وكَثُرَ.

قال السمعاني من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة وممن يحرف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين، وما وقع خطأ فلا حرج على المخطئ إلا إن كثر خطؤه، فيكون جرحاً في ضبطه وإتقانه ذكره المحقق، ثم إن هذا التحريم مخصوص بغير التفسير، ولذا قال تبعاً للحافظ وغيره (وعندي) بفتح الياء لغة في إسكانها متعلق بيسامح (التفسير) أي المدرج

ص: 283

لتفسير غريب الحديث، مبتدأ خبره جملة (قد يسامح) بالبناء للمفعول، أي يغتفر فلا يمنع منه، والمعنى أن ما أدرج لتفسير شيء من معاني الحديث لا يحرم، ولذلك فعله كبار المحدثين كالزهري وغيره كما في الحديث الصَّحِيح حديث عائشة في بدء الوحي في قولها:" وكان يخلوا بغار حراء فيتحنث فيه " وهو التعبد، فقوله: وهو التعبد مدرج من كلام الزهري أفاده في الفتح.

(تَتِمَّة): الزيادات في هذا الكتاب قوله أو وسط، وقوله يعرف إلى قوله أولها، وقوله متنين روى بسند لواحد، وقوله وقادح إلى قد يسامح، ولما كان الإدراج نوعاً من الوضع ولذا يتجاذبان بعض الأمثلة ناسب ذكر الموضوع بعده ولذا قال:

ص: 284