الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسألة)
أي هذا مبحثها، وهي: في الكلام على ابتداء تدوين الحديث، وفي أول من جمعه بالأبواب، وفي أول من أفرد الصَّحِيح، وفي ترتيب الصحاح، وبيان الاستخراج، وما يتبع ذلك، قال رحمه الله:
41 -
أَوَّلُ جامِعِ الحديثِ والأَثَرْ
…
اِبْنُ شِهابٍ آمِرًا لَهُ عُمَرْ
(أول جامع) خبر مقدم لقوله ابن شهاب، أي أسبق مُدَوِّنِ (الحديث) النبوي (والأثر) إما عطف تفسير للحديث إن قلنا بترادفهما كما هو المشهور، وإما عطف مغاير إن خص بالموقوف. (ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله المتوفي سنة أربع وعشرين ومائة.
(آمراً له) حال من ابن شهاب، وفي نسخة آمر بالرفع مبتدأ خبره عمر والجملة في محل نصب حال من ابن شهاب، أو مستأنفة، أي الآمر لابن شهاب بجمع الأحاديث (عمر) بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أحد الخلفاء الراشدين، المتوفى في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، سوى ستة أشهر رحمه الله.
والمراد بالتدوين المذكور هو التدوين الرسمي بحيث يكون مجموعاً مرتباً، وإلا فقد كان يكتب في الرِّقاع والعظام من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهَلُمَّ جَرَّا.
42 -
وَأَوَّلُ الجَامِعِ لِلأَبْوَابِ
…
جَمَاعَةٌ فِي العَصْرِ ذُو اقْتِرَابِ
43 -
كَابْنِ جُرَيْجٍ وَهُشَيْمٍ مَالِكِ
…
وَمَعْمَرٍ وَوَلَدِ المُبَارَكِ
(وأول) مبتدأ (الجامع للأبواب) المتنوعة من العبادات، والمعاملات، والمغازي، وغيرها، وإنما قال الأبواب احترازاً عن جمع حديث إلى مثله في باب واحد، لتقدم ذلك على هؤلاء فقد فعله الشعبي رحمه الله تعالى.
فقال: هذا باب من الطلاق جسيم فساق أحاديث. (جماعة) خبر المبتدإِ، أي طائفة (في العصر) أي في الزمن متعلق باقتراب قدم عليه وإن كان معمول المضاف إليه لا يتقدم للضرورة وقوله (ذو اقتراب) صفة لجماعة على تأويله بجمع أي جمع صاحب تقارب في الزمن أو الجار والمجرور صفة لجماعة، وذو خبر لمحذوف أي هو ذو اقتراب، يعني أن ذلك العصر متقارب. ومعنى البيت أن أول من جمع الحديث جماعة متقاربون في الزمن. وذلك أثناء المائة الثانية فلا يدري أيهم سبق لكونهم في وقت واحد، وهم (كا) لإمام الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أحد الأعلام من تابعي التابعين، المتوفى سنة خمسين ومائة، وذلك بمكة المكرمة.
(وهُشَيم) بضم الهاء وفتح الشين ابن بشير بفتح الباء أبي معاوية السلمي الواسطي من تابعي التابعين، اتفقوا على توثيقه، وجلالته، وحفظه، توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة و (مالك) بن أنس إمام دار الهجرة، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، (ومعمر) بن رشد أبي عروة الإمام، الحافظ، اتفقوا على توثيقه وجلالته، توفي سنة ثلاث، وقيل: أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. (و) عبد الله (ولد المبارك) بن واضح المروزي، الحنظلي، مولاهم أبي عبد الرحمن، الإمام المجمع على جلالته، وإمامته في كل شيء. قال رحمه الله: كتبت عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف، توفي رحمه الله منصرفاً من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة في رمضان.
44 -
وَأَوَّلُ الجَامِعِ بِاقْتِصَارِ
…
عَلَى الصَّحِيحِ فَقَطِ البُخَارِي
45 -
وَمُسْلِمٌ مِنْ بَعْدِهِ، وَالأَوَّلُ
…
عَلَى الصَّوَابِ فِي الصَّحِيحِ أَفْضَلُ
46 -
وَمَنْ يُفَضِّلْ مُسْلِمًا فَإِنَّمَا
…
تَرْتِيبَهُ وَصُنْعَهُ قَدْ أَحْكَمَا
(وأول الجامع) خبر مقدم أي أسبق محدث في جمع الأحاديث المسندة (باقتصار) أي مع اقتصار متعلق بالجامع أو حال من الضمير فيه أي مقتصراً (على الصَّحِيح) المجرد من الحديث، متعلق باقتصار. (فقط) أي فحسب، وقوله:(البخاري) مبتدأ مؤخر هو الإمام الحافظ الحجة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين تقدمت ترجمته رحمه الله.
وسبب جمعه الصَّحِيح هو ما رواه عنه إبراهيم بن مَعْقِلِ النسفي قال: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فوقع في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصَّحِيح.
وعنه أيضاً قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مِرْوَحَة أذب عنه فسألت بعض المعبرين فقال: لي: أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصَّحِيح، قال: وألفته في بضعة عشر سنة قاله في التدريب. (ومسلم) بن الحجاج، القشيري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين. مبتدأ خبره قوله (من بعده) أي البخاري يعني أن الإمام مسلماً جمع الصَّحِيح بعد البخاري لأنه متأخر وقتاً لأنه تلميذه وخريجه فهو آخذ عنه، ولذا قيل لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء أي في هذا الموضوع، ويحتمل أن تكون البعدية في الرتبة والدرجة يعني أن كتابه بعد كتاب البخاري رتبة والأول أولى. (والأول) أي الإمام البخاري (في) التثبت واستيفاء شروط (الصَّحِيح) من الأحاديث المسندة (أفضل) أي أزيد فضلاً من الثاني، لكونه أعلم بالفن، وأعدل رواة، وأشد اتصالًا منه، ويحتمل أن يكون المراد بالأول كتابه أي كتاب البخاري أفضل رتبة من كتاب مسلم بل هو الأولى كما يدل عليه قوله:(ومن) شرطية (يفضل) من العلماء (مسلماً) على البخاري أي كتابه على كتابه.
(فإنما ترتيبه) بالنصب مفعول لمحذوف أي فَضَّلَ، أو بالرفع خبر
لمحذوف أي مراده ترتيبه والجملة جواب الشرط. (وصنعه) بالصاد وفي نسخة ووضعه بالضاد. والمعنى متقارب، وهو عطف تفسير لترتيب، أو المراد بالترتيب ترتيب الأبواب، والأحاديثِ بحيث يذكر كل باب وحديث إلى جنب مناسبه، وفي مظانه، وبالصنع حسن صناعة الحديث من حيث تلخيص الطرق، والاحترازُ من تحويل الأسانيد عند الاتفاق من غير تنبيه على اختلاف ألفاظ الرواة في متن، أو إسناد، ولو في حرف واحد، فالعطف للمغايَرَهِّ (قد أحكَمَا) بالبناء للفاعلِ والألف إطلاقية، والجملة حال من مسلم أي حال كونه مُحْكِماً أي متقناً لترتيبه، وصنعه، أو للمفعول، والألف ضمير راجعة إلى الترتيب والصنع، أي حال كونهما مُحْكَمَينِ.
وحاصل معنى البيت أن من فَضُّلَ صحيح مسلم على صحيح البخاري وهو الإمام أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم وبعض شيوخ المغاربة ليس تفضيله من حيث الأصحية، وإنما هي من حيث الترتيب وجودة تلخيص الطرق بغير زيادة، ولا نقصان، وتنبيه على الرواية المصرحة بسماع المدلسين، وجمع الطرق في مكان واحد، بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فسهل تناوله بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباط الأحكام منها. وأورد كثيراً منها في غير مَظِنتها.
ولما اعترضَ على الشيخين بعضُ النقاد بعضَ الأحاديث مع كون الصواب معهما أراد أن يبين ذلك فقال:
47 -
وَانْتَقَدُوا عَلَيْهِمَا يَسِيرَا
…
فَكَمْ تَرَى نَحْوَهُمَا نَصِيرَا
(وانتقدوا) أي اعترض بعض أهل النقد كالدارقطني، وأبي علي الغساني الجياني، وأبي ذر الهروي، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم.
(عليهما) أي البخاري ومسلم (يسيرا) أي قليلاً من أحاديثهما، وعدتها كما قال الحافظ مائتان وعشرة أحاديث، اشتركا في اثنين وثلاثين، واختص البخاري بثمانين إلا اثنين، ومسلم بمائة. (فكم) خبرية بمعنى كثيرٍ مفعولٌ
مقدم لقوله (ترى) بالتاء أيها الطالب، وفي نسخة بالنون أي رأينا كثيراً من العلماء المبرزين، والحفاظ المتقنين (نحوهما) أي قصدهما. وهو جمعُ الصَّحِيح مفعول مقدم لقوله (نصيرا) أي مانعا، أو معيناً من أن يتطرق إليه قدح قادح.
ومعنى البيت أن بعض الحفاظ انتقد على الشيخين بعض الأحاديث في صحيحهما إلا أن كثيراً من الحفاظ نصروا الشيخين لكون الصواب معهما، وذلك لتقدمهما على أهل عصرهما، ومن بعده من أهل هذا الفن في معرفة الصَّحِيح، والمعلل، فلا يخرجان إلا ما لا علة له، أو له علة غير مؤثرة عندهما، فإذا اعترض عليهما معترض كان ذلك مقابلًا لتصحيحهما، وقَدْ عُلِمَ كونهما مقدمين في ذلك، فيندفع الاعتراض هذا من حيث الجملة.
وأما من حيث التفصيل: فلأن الأحاديث المنتقدة عليهما ستة أقسام: الأول: ما يختلف فيه الرواة بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الصَّحِيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالناقصة فهو تعليل مردود، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة، ثم لقيه فسمعه منه، وإن لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع ضعيف والضَّعِيف لا يُعِلُّ الصَّحِيح.
الثاني: ما تختلف فيه الرواة بتغيير رجال بعض الإسناد، والجوابُ
عنه أنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك مُتَعادِلِينَ في الحفظ والعدد، أو متفاوِتينَ فيخرج الطريقة الراجحة ويعرض عن المرجوحة، أو يشير إليها فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف.
الثالث: ما تفرد به فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه، أو أضبط، وهذا لا يؤثر التعليل به إلا إذا كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، وإلا فهي كالحديث المستقل إلا إن وضح بالدليل القوي أنها مدرجة من كلام بعض الرواة فهو مؤثر.
الرابع: ما تفرد به بعض الروٍ اة ممن ضعف وليس في الصَّحِيحين من هذا القبيل غير حديثين تَبيَّنَ أن كُلًّا مِنهما قد توبع.
الخامس: ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم، فمنه ما لا يؤثر قدحاً، ومنه ما يؤثر.
السادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لِإمكانِ الجمع، أو الترجيح. ثم ذكر درجتهما بقوله:
48 -
وَلَيْسَ فِي الْكُتْبِ أَصَحُّ مِنْهُمَا
…
بَعْدَ الْقُرَانِ وَلِهَذَا قُدِّمَا
(وليس في الكتب) بسكون التاء جار ومجرور خبر مقدم (أصحُّ) اسم ليس مؤخراً أي أقوى وأرجح صِحَّةً (منهما) أي الصَّحِيحين (بعد القران) الكريم بنقل حركة الهمزة لغة لا ضرورة قرئ به في السبعة. (ولهذا) أي لأجل كونهما بهذه المرتبة الرفيعة متعلق بقوله (قدما) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق.
49 -
مَرْوِيُّ ذَيْنِ، فَالبُخَارِيِّ، فَمَا
…
لِمُسْلِمٍ، فَمَا حَوَى شَرْطَهُمَا
50 -
فَشَرْطَ أَوَّلٍ، فَثَانٍ، ثُمَّ مَا
…
كانَ عَلَى شَرْطِ فَتًى غَيْرِهِمَا
(مَرْوِيُّ ذَيْنِ) نائب فاعل قُدِّمَ أي الحديث الذي رواه هذان الإمامان، وهذا هو القسم الأول من أقسام الصَّحِيح السبعة، وهو الذي يُعَبِّرُ عنه أهلُ الحديث بقولهم: متفق عليه، أي اتفق البخاري ومسلم عليه، ويلزم منه اتفاق الأمة لتلقيهم له بالقبول، وقدم لاشتماله على أعلى أوصاف الصحة.
(فالبخاري) الفا آت للترتيب أي فما روى البخاري منفرداً عن مسله يلي ما تقدم وأُخِرَ لاختلاف العلماء أيهما أفضل، وهذا القسم الثاني. (فما) أي
الحديث الذي للإمام الحجة (مسلم) بن الحجاج، وهو الثالث. (فما حوى) أي فالحديث الذي جمع (شرطهما) أي رجال إسنادهما وهو الرابع (فشرط أول) بالنصب عطف على ما قبله أي ما جمع شرط البخاري، وهو الخامس. (فثان) عطف على أول أي شرط مسلم وهو السادس. (ثم ما) أي قدم الحديث الذي (كان على شرط فتى) من أئمة الحديث (غيرهما) بالجر صفة فتى أي غير الشيخين وهذا آخر الأقسام السبعة. وفائدة التقسيم تظهر عند التعارض.
ثم إن هذا الترتيب أغلبي وقد يتخلف كما أشار إليه قوله:
51 -
وَرُبَّمَا يَعْرِضَ لِلْمَفُوقِ مَا
…
يِجَعْلِهِ مُسَاوِيًا أَوْ قُدِّمَا
(وربما) للتقليل (يعرض) من باب ضرب يضرب، أي يظهر ويتضح (لِلْمَفُوقِ) أي المفضول لتأخر رتبته (ما) فاعل يعرض (يجعله) أي المفوق (مساوياً) للفائق (أو قدما) فعل ونائب فاعل، والألف إطلاقية عطف على مساوياً أي أو مقدماً عليه بسبب ما صاحَبَه من المرجحات كأن يتفقا على إخراج حديث غريب، ويخرج مسلم، أو غيره حديثاً مشهوراً أو مما وُصِفَتِ الترجمة بكونها أصح الأسانيد، ولما ذكر شرط الشيخين أراد أن يبين المراد به فقال:
52 -
وَشَرْطُ ذَيْنِ كَوْنُ ذَا الإِسْنَادِ
…
لَدَيْهِمَا بِالجَمْعِ وَالإِفْرَادِ
(وشرط ذين) مبتدأ أي المراد بشرط الشيخين (كون ذا الإسناد) خبر المبتدإ أي كون هذا الإسناد الذي قيل: إنه على شرطهما، أو شرط أحدهما (لديهما) أي في كتابيهما (بالجمع) حال من الضمير أي حال كونه متلبساً بالجمع يعني أن ما قيل فيه هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين معناه أن إسناده مذكور في كتابيهما معا (والإفراد) فيما قيل فيه على شرط البخاري، أو مسلم أي أنه مذكور في كتاب أحدهما.
ثم اعلم: أن الشيخين لم ينقل عنهما أنهما شرطاً في كتابيهما شرطاً
معيناً، وإنما حصل هذا من تتبع العلماء الباحثين لأساليبهما، وطريقتهما، ولذا اختلفوا فيه لاختلاف أفهامهم على أقوال، استوفيتها في الشرح الكبير.
53 -
وَعِدَّةُ الأَوَّلِ بِالتَّحْرِيرِ
…
أَلْفَانِ وَالرُّبْعُ بِلا تَكْرِيرِ
54 -
وَمُسْلِمٍ أَرْبَعَةُ الآلافِ
…
وَفِيهِمَا التَّكْرَارُ جَمًّا وَافِ
(وعدة) أحاديث (الأول) أي صحيح البخاري والمراد الأحاديث المسندة، وهو مبتدأ خبره ألفان (بالتحرير) أي على ما حرره إمام المتقنين في المتأخرين الحافظ ابن حجرٍ في كتابه فتح الباري ومقدمته المسمى بهدي الساري (ألفان والربع) أي ربع الألفين وهو خمسمائة أي وزيادة ثلاثة عشر، هذا هو الذي ذكره في الفتح في باب كفران العشير جـ 1 ص 105 وتبعه الناظم في التدريب والذي ذكره في الهدي يخالف هذا حيث قال: ص 501 ما نصه: فجميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان، ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع المذكور 159 حديثاً، فجميع ذلك 2791 حديثا وقال قبل ذلك بأربعة أوراق ص 493 ما نصه: فجملة ما في الكتاب من التعاليق 341 حديثا وأكثرها مكرر في الكتاب أصول متونه وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق آخر إلا 160 حديثا وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 341 حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر 9082 حديثا وهذه العدة خارجة من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم، وقوله (بلا تكرير) خبر لمحذوف أي هذا من دون عد المكرر أو حال من المذكور أي حال كون ما ذكر بدون ذكر المكرر.
وأما مع المكرر فجملته كما قال الحافظ أيضاً من غير المعلقات والمتابعات تسعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً، وهذا يخالف ما مر قريباً من أنه مع المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثاً. وهذا يحتاج إلى تحرير دقيق. والله أعلم. (وَمُسْلِمٍ) بالجر عطف
على الأول وبالرفع إقامةً للمضاف إليه مُقامَ المضاف أي وعدة أحاديث صحيح مسلم (أربعة الألاف) بإدخال " أل " على آلاف، وهو لغة لا ضرورة (وفيهما) أي الصَّحِيحين متعلق بواف أو خبر مقدم عن قوله (التكرار) أي تكرار الحديث الواحد مرتين فصاعداً لفائدة إسنادية، أو متنية (جما) حال منه أي حال كون التكرار كثيراً، والْجَمُّ: الشيء الكثير كالجميم (واف) أي كثير، يقال: وَفَى الشيءُ تم، وكَثر، فهو وَفِي ووافٍ أفاده في القاموس، وهو خبر على الأول، أو خبر بعد خبر على الثاني، والمعنى أن التكرار في الكتابين كثير جداً، وقد علمت عدة المكررات في البخاري، وأما في صحيح مسلم فقد قال العراقي: إنه يزيد على البخاري لكثرة طرقه، قال: وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة إنه اثنا عشر ألفاً، وقال الميانجي: ثمانية آلاف.
55 -
مِنَ الصَّحِيحِ فَوَّتَا كَثِيرِا
…
وَقَالَ نَجْلُ أَخْرَمٍ: يَسِيرًا
56 -
مُرَادُهُ أَعَلَى الصَّحِيحِ فَاحْمِلِ
…
أَخْذًا مِنَ الحَاكِمِ أَيْ فِي المَدْخَلِ
(من الصَّحِيح) متعلق بِفَوَّتَا أي الحديث الصَّحِيح (فَوَّتَا) بتشديد الواو فعل ماض من التفويت، والألف ضمير البخاري ومسلم أي تركا (كثيرا) أي شيئاً أو تفويتاً كثيراً، والمعنى أن البخاري ومسلماً رحمهما الله تعالى تركا تخريج أحاديث كثيرة من الأحاديث الصحاح، فلم يذكراها في كتابيهما، وذلك لأنهما لم يستوعبا ذكر الصَّحِيح، ولا التزاماه، ولذا قال الحاكم في خطبة مستدركه: ولم يَحْكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه اهـ.
هذا. ولما قال أبو عبد الله ابن الأخرم: لم يفتهما إلا اليسير ذكره بقوله: (وقال) الحافظ أبو عبد الله (نجل أخرم) بالصرف للضرورة أي ولد الأخرم بالخاء المعجمة، والراء المهملة، هو محمد بن يعقوب بن الأخرم الشيباني المعروف أبوه بابن الكرماني، ويقال له أيضاً الأخرم إجراء للقب
أبيه عليه، المتوفى سنة أربع وأربعين وثلثمائة، وهو شيخ أبي عبد الله الحاكم (يسيرا) أي ترك الشيخان قليلاً من الأحاديث الصحاح، ورُدَّ عليه بقول البخاري: وما تركت من الصحاح أكثر، وبقول ابن الصلاح إن المستدرك على الصَّحِيحين للحاكم كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير، وإن كان في بعضها مقال إلا أنه يصفو له من الصَّحِيح كثير، ولكن أجاب عنه الناظم بقوله (مراده) مبتدأ أي مقصود ابن الأخرم في قوله لم يفتهما إلا القليل (أعلى الصَّحِيح) خبر المبتدإ أي الحديث الذي في الدرجة العليا من الصحة فكأنه قال لم يفتهما من أصح الصَّحِيح إلا القليل، وهذا كلام لا غبار عليه، ومَحْمِل لا يتطرق الاعتراض إليه، فإذا كان وجهاً حسناً (فاحمل) عليه أيها الطالب الماهر والمحقق الباهر، مراد ابن الأخرم تنجو من اللوم، وتسلم. (أخذاً) حال من الفاعل أي حال كونك آخذ هذا الجواب، أو مفعول لأجله أي لأخذك (من) كلام (الحاكم) أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويهْ بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البَيِّع، المتوفى سنة خمس وأربعمائة. (أي) تفسيرية (في) كتابه المسمى (بالمدخل) إلى كتاب الإكليل، والمعنى أن مراد ابن الأخرم رحمه الله في قوله: ما فاتهما إلا القليل هو أصح الصَّحِيح لأن الصَّحِيح مراتب، وهذا الجواب مأخوذ من تقسيم الحافظ أبي عبد الله الحاكم للحديث الصَّحِيح في كتابه المدخل إلى عشرة أقسام، فذكر منها في القسم الأول الذي هو الدرجة الأولى اختيار الشيخين إلى آخر الأقسام المذكورة في الشرح فتبيَّنَّا أن ما فاتهما من هذا النوع قليل، لا كثير، فحصل الجواب وللَّه الحمد.
ولما قال النووي: إنه لم يفت الأصول الخمسة من الحديث إلا القليل، ذكره مع تقريره عليه، فقال:
57 -
النَّوَوِيْ: لَمْ يَفُتِ الخَمْسَةَ مِنْ
…
مَا صَحَّ إِلَاّ النَّزْرُ فاقْبَلْهُ وَدِنْ
(النووي) مبتدأ خبره محذوف أي قائل، أو فاعل لفعل محذوف، أي قال النووي (لم يفت) الأصول (الخمسة) أي الصَّحِيحين وسنن أبي داود
والترمذي والنسائي (مما صح) أي من الحديث الذي صح (إلا النزر) أي الشيء القليل.
والمعنى أن الإمام النووي رحمه الله تعالى قال: إنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، قال الناظم رحمه الله: مقرراً لقوله وراضياً له (فاقبله) أيها الطالب الذكي والراغب الألمعي لكونه صواباً (ودِنْ) بالكسر فعل أمر من دانه يدينه بمعنى أطاعه أو جازاه، أي أطعه في هذا القول، ولا تعترض عليه، أو جازه بالشكر، والدعاء له، لكونه أفادك علما.
ولما كان يتوجه على قوله اعتراض بقول البخاري رحمه الله: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح فإنه يدل على كثرة ما فات الأصول الخمسة من الصَّحِيح لقلة أحاديثهما أجاب عنه الناظم بقوله:
58 -
وَاحْمِلْ مَقَالَ عُشْرَ أَلْفِ أَلْفٍ
…
أَحْوِي عَلَى مُكَرَّرٍ وَوَقْفٍ
(واحمل) أيها الطالب الراغب (مقال) أي قول الإمام البخاري، وهو مضاف إلى الجملة بعده (عشر) بالنصب مفعول مقدم لأحوي مضاف إلى (ألف ألف) أي مائة ألف وإنما عبر به لضرورة النظم (أحوي) أي أحفظ، مضارع حَوَى الشيء يَحوِيه حَوَاية، واحتوى عليه إذا ضمه واستولى عليه، أفاده في المصباح. (على مكرر) متعلق باحمل أي على الحديث الذي يتكرر إسناده (ووقف) عطف على مكرر أي موقوف على الصحابة والتابعين.
ومعنى البيت أنه يحمل قول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح على المكررات فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين، وهكذا الموقوفات على الصحابة والتابعين، فإنه يطلق عليها لفظ الحديث على رأي بعض المحدثين كما تقدم، وذلك لأن الأحاديث الصحاح التي بين أظهُرِنَا بل وغير الصحاح لو تتبعت من المسانيد والجوامع والسنن
والأجزاء وغيرها لَمَا بَلَغَتْ مائة ألف حديث بلا تكرار بل ولا خمسين ألفاً، ويبعد كل البعد أن يكون رجل واحد حفظ ما فات الأمة جَمِيعَهُ فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه، وهي موجودة، أفاده في التدريب، ثم ذكر ما يعرف به الحديث الصَّحِيح الزائد على الصَّحِيحين فقال:
59 -
وَخُذْهُ حَيْثُ حَافِظٌ عَلَيْهِ نَصْ
…
وَمِنْ مُصَنَّفٍ بِجَمْعِهِ يُخَصْ
60 -
كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَيتْلُو مُسْلِمَا
…
وَأَوْلِهِ البُسْتِيَّ ثُمَّ الحَاكِمَا
(وخذه) أي الحديث الصَّحِيح الزائد عليهما (حيث حافظ) من حفاظ الحديث النبوي (عليه) أي على صحته (نص) أي عينه، وأوضحه، كأبي داود والترمذي والدارقطني، وغيرهم. (و) خذه أيضاً (من) كتاب (مصنف) بفتح النون (بجمعه) أي جمع الصَّحِيح متعلق بـ (يخص) أي الكتب التي تختص بجمع الصَّحِيح الذي لم يختلط بغيره.
ومعنى البيت أنك إذا أردت أن تعرف الصَّحِيح الزائد على الصَّحِيحين فسبيله أن ينص عليه إمام من أئمة الحديث، أو يوجد في كتاب يختص بجمعه لا يخلط الصَّحِيح بغيره كالسنن الأربع فلا يكفي وجوده فيها لكونها تجمع الصَّحِيح وغيره، وتلك الكتب المختصة بجمعه (كـ) صحيح الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن إسحاق (ابن خزيمة) بن المغيرة السلمي النيسابوري، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، حدث عنه الشيخان في غير صحيحهما، وتوفي رحمه الله سنة إحدى عشرة وثلثماثة، وهو ابن تسع وثمانين سنة. (ويتلو) أي صحيحُهُ في الرتبة (مسلما) أي صحيحه (وأوله) أي أتبع صحيح ابن خزيمة في الرتبة (البستي) أي صحيحه، وهو بضم الباء نسبة إلى بست بلد بسجستان، وهو الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي، المتوفى في شوال سنة أربع وخمسين وثلثمائة، وهو في عشر الثمانين وإنما قدم عليه ابن خزيمة لشدة تحريه حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: إن صح الخبر، أو إن ثبت كذا، ونحو ذلك، بخلاف ابن حبان، فإنه ربما
يخرج عن المجهولين، لا سيما، ومذهبه إدراج الحسن في الصَّحِيح، كما قال الحاكم (ثم) أَوْلِ البستي في الرتبة (الحاكما) بألف الإطلاق أي كتابه المسمى بالمستدرك، فإنه رحمه الله اعتنى بضبط الزائد على الصَّحِيحين مما هو على شرطهما، أو شرط أحدهما؛ أو صحيح، وإن لم يوجد شرط أحدهما، مُعَبِرًّا عن الأول بقوله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو مسلم، وعن الثاني بقوله هذا حديث صحيح الإسناد.
ولما كان كتابه مع ذلك وقع فيه تساهل كثير نبه عليه بقوله:
61 -
وَكَمْ بِهِ تَسَاهُلٌ حَتَى وَرَدْ
…
فِيهِ مَناكِرُ وَمَوْضُوعٌ يُرَدْ
(وكم) أي كثير (به) أي في كتابه (تساهل) أي تغافل في التصحيح، قال الحافظ: وإنما وقع له ذلك لأنه سَوَّدَ الكتاب ليُنَقّحه فأعجلته المنية، وقد وَجَدْتُ في قريب الجزء الثاني من تجزئةٍ ستَّةٍ من المستدرك إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة، فمن أكبر أصحابه وأكثر النَّاس ملازمة له البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غَيرِ المُمْلَى شيئاً لا يذكره إلا بالإجازة، قال: والتساهل في القدر المُمْلَى قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده اهـ.
وقيل: إنه حصل له تغير في آخر عمره، وأصابته غفلة أثناءَ تأليفه المستدرك. (حتى ورد) غاية لتساهله في التصحيح (فيه) أي المستدرك (مناكر) أي واهيات لا تصح (وموضوع) أي مكذوب (يرد) أي مردود صفة للموضوع، وقد لخص الحافظ الذهبي مستدركه، وتعقب كثيرا منه بالضعف، والنكارة، وجمع جزءاً فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة، فذكر نحو مائة حديث. ثم ذَكَرَ ما قاله الإمام ابن الصلاح في شأن ما تفرد الحاكم بتصحيحه فقال:
62 -
وَابْنُ الصَّلاحِ قَالَ: مَا تَفَرَّدَا
…
فَحَسَنٌ إِلَاّ لِضَعْفٍ فَارْدُدَا
63 -
جَرْيًا عَلَى امْتِناعِ أَنْ يُصَحَّحَا
…
فِي عَصْرِنَا كَمَا إِلَيْهِ جَنَحَا
(و) الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان (ابن الصلاح قال) في شأن الحاكم (ما) أي الحديث الذي (تفردا) بألف الإطلاق، أي الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط من غير تصريح بصحته إذ لا يعتمد عليه (فـ) هو حديث (حسن) للعمل به، والاحتجاج، فقوله: وابن الصلاح مبتدأ خبره جملة قال، وما موصولة، أو نكرة موصوفة مبتدأ وتفرد صلة، أو صفة، والفاء داخلة في خبر ما لما فيها من معنى العموم وقوله حسن خبر ما، والجملة مقول القول، ثم استثنى ابن الصلاح من ذلك ما إذا ظهرت فيه علة توجب ضعفه كما أشار إليه بقوله:(إلا لضعف) أي إلا أن يظهر ضعفه فإذا كان كذلك (فارددا) بألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، وإنما قال ذلك (جريا) أي لأجل جريه (على) رأي (امتناع أن يصححا) وكذا أن يُحَسَّنَ أو يُضَعَّف (في عصرنا) المتأخر لضعف أهلية أهل هذه الأزمان وقوله (كما إليه) أي إلى هذا الرأي (جنحا) بألف الإطلاق أي مال ابن الصلاح واعتمده مؤكد لما قبله.
والمعنى أن ابن الصلاح إنما حكم بكون ما تفرد بتصحيحه الحاكم حَسَناً، لأجل كونه جارياً على منع الاستقلال بإدراك الصَّحِيح، وكذا الحسن، والضَّعِيف، كما تفيده عبارة التدريب في هذه الأعصار المتأخرة لضعف أهلها عن ذلك، ثم أشار الناظم إلى رد رأي ابن الصلاح هذا بقوله:
64 -
وَغَيْرُهُ جَوَّزَهُ وَهْوَ الأَبَرْ
…
فَاحْكُمْ هُنَا بِمَا لَهُ أَدَّى النَّظَرْ
(وغيره) أي غير ابن الصلاح كالإمام النووي (جوزه) أي التصحيح وكذا التحسين، والتضعيف، كما تقدم لمن تمكنت، وقويت معرفته، (وهو) أي القول هذا (الأَبَرْ) أي الأحسن والأرجح، وهو الذي عليه عمل أهل الحديث من المعاصرين لابن الصلاح، ومن بعدهم، فقد صححوا أحاديث لم يَجْرِ لمن تقدمهم فيها تصحيح، كأبي الحسن بن القطان، والحافظ ضياء الدين المقدسي، والحافظ شرف الدين الدمياطي، والحافظ تقي الدين السبكي ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهليةَ ذلك منهم إلا أن منهم من لا يقبل
ذلك منهم، وكذلك المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئاً فأنِكرَ ذلك عليه.
(فاحكم) أي فإذا كان كذلك فاحكم أيها المتأهل لذلك في الحديث، بالاطلاع على ما فيه من الخفايا في القديم والحديث، (هنا) أي فيما انفرد بتصحيحه الحاكم (بما له أدى النظر) أي بالحكم الذي أدى إليه نظرك واجتهادك من الصحة، أو الحسن، أو الضعف.
ومعنى البيت أن غير ابن الصلاح من الأئمة جوزوا التصحيح وكذا التحسين والتضعيف لمن تاهل لذلك وهذا القول هو الأرجح فإذا أدى اجتهادك إلى التصحيح أو غيره فيما انفرد بتصحيحه الحاكم فاحكم به.
(تَتِمَّة) قوله " حتى ورد فيه مناكير وموضوع يرد "، وقوله " جرياً على " وقوله " وهو الأبر ". من زياداته.
ولما نسب بعضُهم ابنَ حبان إلى التساهل أيضاً وليس ذلك بصحيح فَنَّدَهُ بقوله:
65 -
مَا سَاهَلَ البُسْتِيُّ فِي كِتَابِهِ
…
بَلْ شَرْطُهُ خَفَّ وَقَدْ وَفَّى بِهِ
(ما) نافية (ساهل) أي غافل الإمام الحافظ محمد بن حبان (البُسْتِيُّ) بضم فسكون نسبة إلى بلد بسجستان، في التصحيح (في كتابه) الأنواع والتقاسيم خلافاً لمن حكم عليه بذلك (بل شرطه) أي البستي (خف) بصيغة الماضي أي قل من شرط غيره من الأئمة (وقد وفي) البُسْتِيُّ (به) أي بما اشترطه، وغايته أن يسمي الحسن صحيحا، وذلك أنه يُخْرِج في كتابه المذكور ما كان راويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه، وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكون هناك إرسال، ولا انقطاع، وإذا لم يكن في الراوي جرح، ولا تعديل، وكل من شيخه، والراوي عنه، ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله، ولذا ربما اعتَرَض عليه في ذلك من لم يعرف حاله، ولا اعتراض عليه، إذ لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح، بخلاف الحاكم إذ شرط أن يخرج عن رواة خرَّج لمثلهم
الشيخان في كتابيهما اجتماعاً وانفرداً، ثم يترك هذا الشرط، فاتجه الإعتراض عليه.
(تَتِمَّة) هذا البيت من زياداته، ثم تكلم على الكتب المستخرجة على الصَّحِيحين فقال:
66 -
وَاسْتَخْرَجُوا عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِأَنْ
…
يَرْوِي أَحَادِيثَ كِتَابٍ حَيْثُ عَنْ
67 -
لا مِنْ طَرِيقِ مَنْ إِلَيْهِ عَمَدَا
…
مُجْتَمِعًا فِي شَيْخِهِ فَصَاعِدَا
(واستخرجوا) أي العلماء (على الصَّحِيحين) صحيح البخاري ومسلم وكذا غيرهما، وإنما اقتصر عليهما نظراً إلى كثرته وشهرته، وإلا فقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن على سنن أبي داود، وأبو على الطُّوسي على الترمذي، وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة، وأملى الحافظ العراقي على المستدرك مستخرجاً لم يكمل، وقيل: إنما اقتصر عليهما لأن كلامه سابقاً ولاحقاً في الصَّحِيح، ثم بَيَّنَ معنى الاستخراج فقال:
(بأن يروي) الباء للتصوير، والجار والمجرور خبر لمحذوف أي ذلك بأن يروي إلخ أي يذكر المستخرج (أحاديث كتاب) وإنما نكره وإن كان الأولى كونه مُعَرَّفاً ليفيد أن هذا الحكم غير مختص بهذين الكتابين كما تقدم.
(حيث عن) بتشديد النون، وخففت هنا للوزن: أي ظهر المذكور من الأحاديث، وإنما ذكَّره لتأويله بالمذكور (لا) عاطفة على محذوف متعلق بعَنَّ أي من طريق نفسه لا (من طريق من) أي الشخص الذي (إليه عمدا) أي قصده لاستخراج أحاديثه، فَمَنْ واقعة على صاحب الكتاب، والألف للإطلاق، ويقال: عَمَدْتُ للشيء عمداً من باب ضرب، وعمدت إليه: قصدت، وتعمدته قصدت إليه أيضاً، قاله في المصباح، والضمير عائد إلى الرواي أي المستخرج حال كونه (مجتمعاً) مع صاحب الكتاب في الإسناد (في شيخه) أي مع شيخ صاحب الكتاب وهو البخاري، أو مسلم في
مثالنا، ويُسمَّى هذا النوع موافقة، لأنه وافق المستخرج بالكسر صاحب الكتاب في شيخه.
(فصاعداً) أي فما فوق الشيخ، كشيخ الشيخ، حتى يصل إلى الصحابي، ويُسمَّى هذا النوع عالياً بدرجة، أو أكثر على حسب العلو، فإذا اجتمع مثلًا مع صاحب الكتاب في شيخ شيخه، كان عالياً بدرجة، وفي الثاني بدرجتين، وهكذا.
ومعنى البيت أن العلماء عملوا المستخرجات على الصَّحِيحين، والاستخراج أن يأتي المحدث إلى كتاب من كتب الحديث، فيخرج أحاديثه بأسانيدَ لنفسه، لا بأسانيد صاحب الكتاب، بشرط أن يجتمع معه في شيخه، أو من فوقه، قال الحافظ: وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعدَ حتى يفقِدَ سنداً يوصله إلى الأقرب إلا لعذر، من عُلُوٍّ أو زيادةٍ مهمة اهـ.
ثم إن المستخرجات لم يُلتَزَم فيها موافقة الصَّحِيحين في الألفاظ، وإليه أشار بقوله:
68 -
فَرُبَّمَا تَفَاوَتَتْ مَعْنًى، وَفِي
…
لَفْظٍ كَثِيرًا، فَاجْتَنِبْ أَنْ تُضِفِ
69 -
إِلَيْهِمَا، وَمَنْ عَزَا أَرَادَا
…
بِذَلِكَ الأَصْلَ وَمَا أَجَادَا
(فربما تفاوتت) المستخرجات والمستخرج عليه (معنى) أي في المعنى وهذا قليل، (وفي لفظ كثيراً) أي تفاوتت في لفظ اختلافاً كثيرا، لأنهم يَرْوُونَها باِلألفاظ التي وقعت لهم من شيوخهم، والجار والمجرور عطف على " مَعْنَى " لأنه منصوب بنزع الخافض، ولا يقال: إنه غير قياسي لأن ذلك إذا لم يدل عليه دليل، وهنا دل عليه وجودها في المعطوف، ثم إن رُبَّ هنا مستعملة في التقليل والتكثير استعمالاً للمشترك في معنييه، فبالنسبة إلى المعنى للتقليل، وبالنسبة إلى اللفظ للتكثير، ويحتمل كونها للتقليل فقط، وفي لفظ متعلق بمحذوف أي وتفاوتت في لفظ كثيراً، فيكون عطف جملة على جملة، وأفاد العلامة الصنعاني أن في عباراتهم
مسامحة (1) إن حصل تفاوت، أو باعتبار من ينتهي إليه الإسناد من شيوخه إلى الصحابي الذي ذكر حديثه في الصَّحِيحين (فاجتنب) أيها المحدث (أن تضف) أي تنسب (إليهما) أي الصَّحِيحين، و " أن " يحتمل أن تكون مصدرية و " تضف " صلتها منصوب إلا أنه استعمله مجزوماَ فحذف عين فعله للضرورة (2) وهو مفعول اجتنب، ويحتمل أن تكون شرطية ومفعول اجتنب محذوف أي اجتنب الغلط، وجوابها دل عليه السابق.
والمعنى اجتنب الإضافة إلى الصَّحِيحين، أو اجتنب الغلط في الإضافة إليهما، بأن تنقل حديثاً من المستخرجات وتقول: هو كذا فيهما، أو في أحدهما، لأنه يكون كذباً إلا أن تقابله بهما، أو يقول المستخرج: أخرجاه بلفظه، (ومن) شرطية، أو موصولة (عزا) من المحدثين كالبيهقي في السنن والمعرفة وغيرهما، والبغوي في شرح السنة (إليهما) إلى الصَّحِيحين، أو أحدهما قائلاً رواه البخاري، أو مسلم مع أنه قد وقع في بعضه تفاوت في المعنى، أو في اللفظ (أرادا) جواب من، أو خبرها، والألف للإطلاق (بذلك) أي العَزو المذكور (الأصل) مفعول أراد، أي أصل الحديث الذي أورده دون اللفظ (وما أجادا) بألف الأطلاق، أي ما أحسن في صنيعه هذا، لإيقاعه في اللبس من لايعرف اصطلاحه.
(تنبيهان):
الأول: قال في التدريب: ولابن دقيق العيد في ذلك تفصيل حسن، وهو أنك إذا كنت في مقام الرواية فلك العزو، ولو خالف، لأنه عُرِف أن أجل قصد المحدث السَّند، والعثور على أصل الحديث، دون ما إذا كنت
(1) أي حيث قالوا في بيان موضوع المستخرج فيخرج أحاديثه بأسانيد نفسه إلخ فإنه يفيد أن الحديث لم يقع فيه مخالفة فتأمل.
(2)
أو الجزم بها لغة لبعض العرب، وهو مذهب الكوفيين، وأنشدوا عليه قوله:
إذَا مَا غَدَوْنَا قَالَ ولْدَانُ أهلِنَا
…
تَعَالَوْا إِلَى أن يَأتِينَا الصَّيْدُ نَحْطِب
أفاده في مغنى اللبيب جـ 1 ص 29.
في مقام الاحتجاج، فمن روى في المعاجم والمشيخات ونحوها فلا حرج عليه في الإطلاق بخلاف من أورد ذلك في الكتب المبوبة ولا سيما إن كان الصالح للترجمة قطعة زائدة على ما في الصَّحِيح.
(الثاني): إنما منع العزو إلى الصَّحِيحين، أو أحدهما في المستخرجات فقط، وأما المختصرات فيجوز فيها ذلك لأن أصحابها نقلوا فيها ألفاظهما من غير زيادة، ولا تغيير، وكذا الجمع بين الصَّحِيحين لعبد الحق، لا الحميدي إذ فيه زيادة ألفاظ وتتمات بلا تمييز. ولَمَّا ذكر المستخرجات وحُكمَ العزو إلى الصَّحِيحين لمن نقل عنها: شرع يذكر فوائدها، وهي كثيرة أوصلها الحافظ إلى عشرة، فذكر منها هنا ثمانية بقوله:
70 -
وَاحْكُمْ بِصِحَّةٍ لِمَا يَزِيدُ
…
فَهْوَ مَعَ العُلُوِ ذَا يُفِيدُ
71 -
وَكَثْرَةَ الطُّرْقِ وَتَبْيِينَ الَّذِي
…
أُبْهِمَ أَوْ أُهْمِلَ أَوْ سَمَاَع ذِي
72 -
تَدْلِيسٍ أوْ مُخْتَلِطٍ وَكُلُّ مَا
…
أُعِلَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْهُ سَلِمَا
الأول: صحة الزيادة وإليه أشار بقوله:
(واحكم) أيها المحدث (بصحة لما يزيد) في المستخرجات من ألفاظ، أو تتمات، أو شرح لبعض ألفاظ الحديث، أو نحوِ ذلك، لأنها خارجة من مخرج الصَّحِيح، فلذا يشترط أن يكون رجال السَّند فيها على شرط من خَرَّجَ عليه صاحب الصَّحِيح.
والثاني العلو وأشار إليه بقوله: (فهو) أي المستخرَجُ المفهومُ من قوله: واستخرجوا مبتدأ (مع العلو) متعلق بيفيد، أي علو الإسناد (ذا) أي المذكور من الصحة مفعول مقدم ليفيد، وجملة (يفيد) خبر المبتدإ. والمعنى أن المستخرَجَ يفيد الحكم بصحة الزيادة مع إفادته العلو، إذ قد تكون الرواية المستخرجة أعلى إسناداً، مثاله أن أبا نعيم لو روى حديثاً عن عبد الرزاق من طريق البخاري، أو مسلم لم يصل إليه إلا بأربعة، ولو رواه عن طريق الطبراني عن الدَّبَرِي عنه وصل باثنين وعلى
هذين الفائدتين اقتصر ابن الصلاح، وتبعه العراقي، إلا أنه أشار إلى أكثر منهما بقوله " من فائدته "(1).
الثالث ما أشار إليه بقوله: (وكثرة الطرق) بالنصب عطف على ذا، والطرق: جمع طريق بسكون الراء للتخفيف، أي يفيد أيضاً كثرة الأسانيد، بأن يُضَمَّ المستخرِج بالكسر شخصاً آخر فأكثر مع الذي حدث عنه مصنف الصَّحِيح، وربما ساق له طُرُقاً أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه، كما يصنع أبو عوانة فيحصل قوة الحديث المستخرَجِ، والمستخرَجِ عليه، فإذا تعارضت الأحاديث رجح أكثرها طرقاً.
الرابع: ما أشار إليه بقوله: (وتبيين) بالنصب أيضاً (الذي أبهم) يعني تبيين المستخرج بالكسر الروايَ الذي أبهمه صاحب الصَّحِيح، كحدثنا فلان، أو رجل، أو فلان، وغيره، أو غير واحد، فيعينه المستخرج.
والخامس: ما ذكره بقوله: (أو) تبيين الذي (أهمل) في الصَّحِيح، كحدثني محمد، من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المُحَمَّدِينَ، وكان في مشايخه محمدون، فيميزه المستخرج أيضاً.
والسادس: ما أشار إليه بقوله: (أو سماع) بالنصب عطفاً على ذا أيضاً، أو بالجر عطفاً على الذي، أي تبيين سماعَ (ذِي تدليس) أي مدلس كأن يروى في الصَّحِيح عن مدلس بالعنعنة، فيبين المستخرج تصريحه بالسماع.
والسابع: ما أشار إليه بقوله: (أو مختلط) عطف على الذي، أي تبيين رواية مختلط بكونها قبل اختلاطه، وذلك كأن يروي صاحب الصَّحِيح عن مختلط أي فاسد العقل بسبب الهرم، أو المرض، أو آفة، بعد أن كان حافظاً، ولم يبين هل سماع ذلك الحديث منه قبل اختلاطه، أو بعده، فيبينه المستخرج، إمَّا تصريحاً، أو بأن يرويه عنه عن طريق مَن لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط، ويحتمل العطفَ على ذي أي وتبيين سماع مختلط
(1) حيث قال:
وَما يَزِيد فَاْحْكُمَنْ بِصِحَّتِهْ
…
فَهْوَ مَعَ الْعُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ
لكن باعتبار إضافة المصدر إلى مفعوله أي سماع الراوي عن مختلط والأول أولى، وهذه الفائدة، والتي قبلها، فائدتان، جليلتان، وإن كنا لا نتوقف فيما روي في الصَّحِيح من ذلك غير مُبَيَّن، ونقول: لو لم يطلع مصنفه على أنه روى قبل الاختلاط، وأن المدلس سمع لم يخرجه.
والثامن: ما أشار إليه بقوله: (وكل ما) أي الذي، أو شيءٍ، وما واقعة على علة (أعل) به حديث (في الصَّحِيح) أي صحيح البخاري، أو مسلم (منه) أي مما أعل به متعلق بما بعده (سلما) بألف الإطلاق، والضمير راجع إلى المستخرَج المفهومِ من السياق، ويحتمل أن تكون ما واقعةً على حديث، والمعنى وكل حديث أُعلَّ أي حصلت فيه علة في الصَّحِيح سلم المستخرج منه، أي من ذلك المعل بسبب زوال تلك العلة، لأن المستخرج لا يذكر ذلك الحديث مع علته، بل يذكره بحيث لا توجد فيه تلك (1) العلة، والمعنى على كِلَا التقديرين واحدة. فجملة ما ذكره الناظم من الفوائد ثمانية.
ويزاد عليه تاسع، وهو: عدالة من أخرج له فيه لأن المُخَرِّج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده.
وعاشر: وهو ما يقع فيها من التمييز للمتن المحال به على المتن المحال عليه، وذلك في كتاب مسلم كثير جداً فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض الرواة، ويحيل باقي ألفاظ الرواة على ذلك اللفظ الذي يورده، فتارة يقول: مثله فيحمل على أنه نظيره، وتارة يقول نحوه، أو معناه، فيحمل على أن فيهما مخالفة بالزيادة والنقصان كما سيأتي البحث عنه، وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى.
(تَتِمَّة)
قوله: وما أجادا، وكثرة الطرق إلى آخر البيتين من زياداته.
(1) وذلك كأن يقع في المستخرج من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس من الحديث ويكون في الصَّحِيح غير مفصل، أو يقع فيه من الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصَّحِيح موقوفة أو كصورة الموقوف.