المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(المتروك) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والعشرون وهو في اللغة - شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر - جـ ١

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌ ‌(المتروك) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والعشرون وهو في اللغة

(المتروك)

أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والعشرون وهو في اللغة الساقط واصطلاحاً ما رواه متهم بالكذب ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته وهو مخالف للقواعد المعلومة وكذا من عرف به في غير الحديث النبوي أو كثير الغلط أو الفسق أو الغفلة وإلى ذلك أشار بقوله:

186 -

وَسَمِّ بِالْمَتْرُوكِ فَرْدًا تُصِب

رَاوٍ لَهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ

187 -

أَوْ عَرَفُوهُ مِنْهُ فَي غَيْرِ الأَثَرْ

أَوْ فِسْقٌ اْوْغَفْلَةٌ اْوْ وَهْمٌ كَثُرْ

(وَسَمِّ) أيها المحدث (بالمتروك فرداً) أي حديثاً فرداً (تُصِب) أي تنل الحق، مجزوم جواباً للأمر وكسرت الباء للوزن (رَاوٍ لَهُ) أي لذلك الحديث الفرد، مبتدأ خبره قوله (متهم بالكذب) في الحديث النبوي والجملة صفة فرداً.

والمعنى أن الحديث الذي انفرد بروايته من هو متهم بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، وهو مخالف للقواعد المعلومة يسمى بالمتروك (أو عرفوه) أي الكذب (منه) أي من ذلك الراوي (فَي غَيْرِ الأَثَرْ) النبوي، والجملة معطوفة على متهم، والمعنى أنه إذا عرف ذلك الراوي بالكذب بأن ظهر الكذب في كلامه وإن لم يظهر في الحديث النبوي يسمى بالمتروك أيضاً قال الحافظ: لكن هذا دون الأول (أو فسق) أي فسق ذلك الراوي والمراد بالفسق ما لا يبلغ حد الكفر سواء كان

ص: 201

بالفعل أو القول وبينه وبين الكذب عموم وخصوص مطلقاً وإنما أفرد الكذب لكونه أشد في هذا الفن، وسيأتي حكم الفسق بالمعتقد في باب من تقبل روايته ومن ترد، إن شاء الله تعالى (أو غفلة) أي غفلة ذلك الراوي أي ذهوله عن الإتقان والحفظ، والمراد كثرته، لأن مجرد الغفلة ليس سبباً للطعن في الرواية لقلة من يعافيه الله منه (أو وهم) بسكون الهاء أي رواية الحديث على سبيل التوهم وجملة قوله (كثر) صفة له، حُذِفَ نظيره لغفلة، ويحتمل كون الوهم هنا بفتح الهاء بمعنى الغلط، إلا أنه سكن للوزن فيكون بمعنى قول النخبة أو فحش غلطه.

(تنبيه): قوله أو فسق أو غفلة أو وهم، الظاهر أنه بالجر عطفاً على الكذب، وليس كذلك لأن مجرد الاتهام بهذه الأمور لا يكون سبباً لترك الحديث بل المراد ظهورها وكونها معلومة فالأولى كونها فاعلاً لفعل محذوف أي ظهر فسق أو غفلة.

(تَتِمَّة): هذا الباب من زياداته على العراقي، ولما بقي من أحكام الأفراد أشياء، وإن كان جلها معلوماً من الأبواب السابقة ذكرها بترجمة مستقلة بعدها استيفاء لما بقي وتبعاً لغيره حيث أفردوها بترجمة لما ذكر فقال:

ص: 202

(الأفراد)

بفتح الهمزة جمع فرد، أي هذا مبحثها، وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث.

188 -

الْفَرْدُ إِمَّا مُطْلَقٌ مَا انْفَرَدَا

رَاوٍ بِهِ فَإِنْ لِضَبْطٍ بَعُدَا

189 -

رُدَّ، وَإِذْ يَقْرُبُ مِنْهُ فَحَسَنْ

أَوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فَصَحِّحْ حَيْثُ عَنْ

190 -

وَمِنْهُ نِسْبِيٌّ بِقَيْدٍ يُعْتَمَدْ

بِثِقَةٍ أَوْ عَنْ فُلانٍ أَوْ بَلَدْ

191 -

فَيَقْرُبُ الأَوَّلُ مِنْ فَرْدٍ وَرَدْ

وَهَكَذَا الثَّالِثُ إِنْ فَرْدًا يُرَدْ

(الفرد) مبتدأ خبره قوله (إما) فرد (مطلق) أي عن التقييد بشيء مما يأتي في مقابله (ما) موصولة بدل من مطلق أو خبر لمحذوف أي هو الحديث الذي (انفردا) بألف الإطلاق (راو) واحد عن جميع الرواة (به) أي برواية ذلك الحديث.

وحاصل المعنى: أن الفرد على قسمين أحدهما ما تفرد بروايته راوٍ واحد ولو تعدد الطرق إليه، وهو طرفه الذي فيه الصحابي، وهو التابعي، لا الصحابي لأن المقصود ما يترتب عليه من القبول والرد، والصحابة كلهم عُدُول، وهذا هو المسمى بالفرد المطلق، ثم بين حكمه فقال (فإن) كان ذلك المتفرد (لضبط) أي عنه فاللام بمعنى عن متعلقه بـ (بعدا) بألف الإطلاق أي إن بعد عن درجة الضبط (رد) بالبناء للمفعول جواب إن أي يكون مردوداً لضعف راويه (وإن قرب) ذلك المنفرد (منه) أي الضبط وفي نسخة

ص: 203

المحقق وإذ يقرب منه، والمعنى واحد، فحديثه (حسن) يجوز الاحتجاج به (أو بلغ) المنفرد (الضبط) أي درجة الضبط والإتقان فحديثه (صحيح) يحتج به وفي نسخة فصحح (حيث عن) بتخفيف النون للوزن، يقال عنَّ الشيء إذا ظهر، أي في أي حكم ورد ذلك الحديث سواء كان في التحليل والتحريم أم في الفضائل والزهد.

وحاصل المعنى أن الفرد المطلق وهو الذي انفرد به راوٍ واحد سواء تعددت الطرق إليه أم لا، حكمه أن ينظر في راويه المتفرد به فإن كان قد بلغ حد الضبط والإتقان فحديثه صحيح يحتج به مع تفرده به كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، فقد تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر وهو رجل ضابط متقن.

وإن كان لم يبلغ حد الضبط والإتقان لكنه قريب من هذا الحد فحديثه حسن يحتج به أيضاً.

وإن كان بعيداً من حد الضبط والإتقان كان حديثه ضعيفاً مردوداً.

قال الحافظ: وقد يتفرد به راوٍ عن ذلك المتفرد كحديث شعب الإيمان تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم وفي مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني أمثلة كثيرة لذلك اهـ.

ثم ذكر القسم الثاني وهو النسبي فقال: (ومنه نسبي) مبتدأ وخبر أي بعض الأفراد نسبي أي فرد بالنسبة إلى جهة خاصة وإن كان مشهوراً في نفسه كما قال: (بقيد يعتمد) أي بسبب قيد يذكر معه، فيعتمد بالبناء للمفعول صفة لقيد، أي يعتمده المحدث بمعنى يذكره، وذلك القيد: إما أن يكون بثقة كأن يقال: لم يروه ثقة إلا فلان، ومعناه أنه قد رواه غيره لكنه من غير الثقات.

(أو) إما أن يكون بقيد فلان (عن فلان) كأن يقال: لم يروه عن فلان

ص: 204

إلا فلان، فمعناه أنه قد رواه غيره لكن عن غير الذي رواه عنه (أو) إما أن يكون بقيد (بلد) كمكة والمدينة والبصرة والكوفة كان يقال: لم يروه إلا أهل مكة.

قال الحافظ: وإطلاق اسم الفرد على النسبي قليل، وأكثر ما يطلق اسم الفرد على المطلق، ويقال للنسبي غريب لكنه لما كان الغريب والفرد مترادفين لغة واصطلاحاً أُطلِقَ عليه الفرد.

قال: وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان وقريب من هذا اختلافهم في المنقطع والمرسل هل هما متغايران أو لا فأكثر المحدثين على التغاير لكنه عند إطلاق الاسم، وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط فيقولون أرسله فلان سواء كان ذلك مرسلًا أو منقطعاً، ومن ثم أطلق غير واحد ممن لم يلاحظ مواقع استعمالهم على كثير من المحدثين أنهم لا يغايرون بين المرسل والمنقطع، وليس كذلك لما حررناه، وقَلَّ مَنْ نبَّهَ على النكتة في ذلك اهـ كلام الحافظ.

ثم بين حكمه فقال: (فيقرب) من باب كرم وقتل وتعب (الأول) أي المقيد بالثقة (من فرد) مطلق (ورد) أي أتى وذكر فيما قبل وهو القسم الأول.

والمعنى: أن الفرد المقيد بالثقة يكون قريباً من الفرد المطلق لأن رواية غير الثقة كلا راوية هكذا قال تبعاً للعراقي، لكن الذي حققه السخاوي أن ينظر إلى رواية غير الثقة فإن كان ممن بلغ رتبة من يعتبر بحديثه كان حديث هذا الثقة قريباً من المطلق وإن كان ممن لا يعتبر به كان كالمطلق لأن روايته كلا رواية فتأمل.

مثاله: حديث مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة " تفرد به ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله،

ص: 205

عن أبي واقد الليثي. ولم يروه أحد من الثقات غير ضمرة، ورواه من غيرهم عبد الله بن لهيعة، وهو ممن ضعفه الجمهور لاحتراق كتبه، عن خالد بن يزيد، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.

(وهكذا الثالث) مبتدأ وخبر، أي يقرب القسم الثالث من النسبي وهو المقيد بالبلد من الفرد المطلق، وترك الثاني لكونه معروفاً من بيان الأول والثالث (إن فرداً يرد) بالبناء للمفعول من الإرادة، أي إن أريد بتفرد أهل البلد انفراد واحد منهم، ولو قال فردٌ بالرفع لكان أولى، ويحتمل أن يكون من الورود، أي إن ورد فرداً ففرداً مفعول لفعل محذوف مفسر بيرد.

والمعنى أن الفرد المقيد بالبلد يقرب من القسم الأول، وعبارة غيره أنه من المطلق. وحاصل عبارة العراقي فإن يريدوا بِقَوْلِهِمْ انفرد به أهل البصرة أو هو من أفراد البصريين ونحو ذلك واحداً من أهل البصرة انفرد به متجوزين بذلك كما يضاف فعل واحد من قبيلة إليها مجازاً فهو من القسم الأول وهو الفرد المطلق. اهـ بتغيير يسير.

مثاله حديث النسائي: " كلوا البلح بالتمر " قال الحاكم: هو من أفراد البصريين عن المدنيين تفرد به أبو زكير عن هشام.

ومثال ما تفرد به فلان عن فلان ما في السنن الأربعة من طريق ابن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن واثل عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: " أَوْلَمَ على صفية بسويق وتمر " قال الحافظ ابن طاهر: تفرد به وائل عن ابنه، ولم يروه عنه غير ابن عيينة، وقد رواه محمد بن الصلت التَّوَّزِي عن ابن عيينة، عن زياد بن سعد، عن الزهري، ورواه جماعة عن ابن عيينة عن الزهري بلا واسطة.

(تنبيهات): الأول: قال السخاوي رحمه الله ما حاصله: أنه تحصل مما ذكر أن القسم الثاني يعني النسبي أنواع منها ما يشترك الأول معه فيه كإطلاق تفرد أهل بلد بما يكون راويه منها واحداً فقط، وتفرد الثقة بما

ص: 206

يشترك معه في روايته ضعيف، ومنها ما هو مختص به، وهو تفرد شخص عن شخص، أو عن أهل بلد، أو أهل بلد عن شخص، أو عن أهل بلد أخرى اهـ.

(الثاني): أنه صنف في الأفراد الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما، وكتاب الدارقطني حافل في مائة جزء حديثية، وعمل أبو الفضل بن طاهر أطرافه، ومن مظانها الجامع للترمذي وزعم بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من القسم الثاني، ورده الحافظ بتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق، ومن مظانها أيضاً مسند البزار والمعجمان الأوسط والصغير للطبراني، وصنف أبو داود السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلد، كحديث طلق في مس الذكر، قال: تفرد به أهل اليمامة، وحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء، قال الحاكم: تفرد أهل المدينة بهذه السنة، وكل ذلك لا ينهض به إلا متسع الباع في الرواية والحفظ، وكثيراً ما يقع التَّعَقُّب في دعوى الفردية حتى أنه يوجد عند مدعيها المتابع لكن إنما يحسن الجزم بالتعقب حيث لم يختلف السياق، أو يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال إرادة شيء من ذلك بالإطلاق.

(الثالث): قال ابن دقيق العيد: إنه إذا قيل في حديث تفرد به فلان عن فلان احتمل أن يكون تفرداً مطلقاً، واحتمل أن يكون تفرد به عن هذا المعين خاصة، ويكون مروياً عن غير ذلك المعين، فليتنبه لذلك، فإنه قد يقع فيه المؤاخذة على قوم من المتكلمين على الأحاديث ويكون له وجه كما ذكرناه الآن انتهى فتح المغيث.

(الرابع): قال السخاوي: قولهم: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير فلان جوز ابن الحاجب في غير الرفع والنصب وأطال في تقريره اهـ.

ولما أنهى الكلام على الأفراد، ذكر الغريب وما معه بعده لأن الغريب منها فقال:

ص: 207