المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب البدل ص: وهو التابع المستقل بمقتضى العامل تقديرا دون مُتبِع، - شرح التسهيل لابن مالك - جـ ٣

[ابن مالك]

الفصل: ‌ ‌باب البدل ص: وهو التابع المستقل بمقتضى العامل تقديرا دون مُتبِع،

‌باب البدل

ص: وهو التابع المستقل بمقتضى العامل تقديرا دون مُتبِع، ويوافق المتبوع ويخالفه في التعريف والتنكير. ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر، وما أوهم ذلك جعل توكيدا إن لم يفد إضرابا. فإن اتحدا معنى يمي بدل كل من كل، ووافق أيضا في التذكير والتأنيث، وفي الإفراد وضديه ما لم يقصد التفصيل، وقد يتحدان لفظا إن كان مع الثاني زيادة بيان. ولا يُتْبع ضمير حاضر في غير إحاطة إلا قليلا. ويسمى بدل بعض إن دل على بعض الأول، وبدل اشتمال إن باين الأول وصح الاستغناء به عنه ولم يكن بعضه، وبدل إضراب أو بداء إن باين الأول مطلقا وقصدا، وإلا فبدل غلط.

ويختص بدلا البعض والاشتمال بإتباعهما ضمير الحاضر كثيرا، وبتضمن ضمير أو ما يقوم مقامه.

ش: البدل تابع للمبدل منه، وهو مع تبعيته في تقدير المستقل بمقتضى العامل، وفي حكم تكريره، ولذلك يعاد معه العامل كثيرا نحو:(للذين استُضعفوا لمن آمن منهم) و: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله) وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنما نزل القرآن بلساني، بلسان عربي مبين" وكقول الأخطل:

حوامل حاجاتٍ ثقالٍ تَجُرُّها

إلى حسنِ النُّعْمى سَواهِمُ نُسَّلُ

ص: 329

وكقول الحطيئة:

كفيت بهامازنا كلَّها

أصاغرها وكفيت الكهولا

ولكونه في تقدير حكم العامل منع أبو الحسن: مررت برجل قائم زيد أبوه، على البدل، وأجازه على أن يكون صفة، ولا يلزم من هذا تقدير عامل آخر إذا لم يعد العامل، كما لا يلزم ذلك في عطف النسق مع كثرة إعادة العامل معه. وتقدير عامل آخر في كل بدل مذهب ابن خروف، قال: ولذلك بني البدل المفرد على الضم بعد المنادى المضاف نحو: ياأخانا زيد.

وظاهر قول سيبويه أن عامل البدل هو عامل المبدل منه، لأنه قال في بعض أبواب البدل: هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم، ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر، فيعمل فيه كما عمل في الأول، وذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم، ورأيت قومك ثلثهم" فهذا تصريح بأن العامل في البدل ومتبوعه واحد. ولأنه قال في بعض أبواب الحال بعد تمثيله بدخلوا الأول فالأول، وإن شئت رفعت فقلت: الأولُ فالأول، جعلته بدلا وحملته على الفعل، كأنه قال: دخل الأول فالأول. ثم قال: فإن قيل: ادخلوا، فالنصب الوجه، ولا يكون بدلا، لأنك لو قلت: ادخل الأول فالأول لم يجز.

فهذا تصريح بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، والأول أصرح. ولا حجة لابن خروف في لزوم ضم المفرد المبدل من المضاف، كما لا حجة لمن زعم أن عامل المعطوف غير عامل المعطوف عليه محتجا بضم زيد في نحو: ياأخانا وزيد. والجواب عنهما أن العرب التزمت في البدل والمعطوف أحد الجائزين في القياس، وهو تقدير حرف النداء، تنبيها على أنهما في غير النداء في حكم المستقل بمقتضى العامل، فلم يجز لنا أن نخالف ما التزمته. وخص المعطوف والبدل بهذا لأن المعطوف

ص: 330

غير المعطوف عليه، وكذا البدل إذا لم يكن بدل كل من كل، ولو لم يكن العامل في البدل والمبدل منه واحدا لزم اطراد إضمار الجار والجازم في الإبدال من المجرور والمجزوم، وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع.

قلت: وإذا تقررت هذه القاعدة فلنعد إلى الكلام على حد البدل، فالتابع يعم التوابع الخمسة، والمستقل بمقتضى العامل تقديرا يخرج ما سوى البدل إلا المعطوف ببل ولكن، فإنه داخل تحت المستقل بمقتضى العامل تقديرا، ولكن حصول تقدير الاستقلال له يمتنع، وحصوله للبدل غير ممتنع، فلذلك قلت: دون متبع.

وتبدل المعرفة من المعرفة نحو: (بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد * الله) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين. والنكرة من النكرة نحو: (إن للمتقين مفازا * حدائق وأعنابا) والمعرفة من النكرة نحو: (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم * صراط الله) والنكرة من المعرفة نحو: (لنسفعا بالناصية * ناصية) واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة اتحاد اللفظين كما هو في: الناصية وناصية. والعرب لا تلتزم ذلك، ومن الحجج عليهم قول الشاعر:

ولم يلبث العصران يومٌ وليلةٌ

إذا طلبا أن يُدْرِكا ما تَيَمَّما

ومنها ما أنشد أبو زيد من قول الشاعر:

فلا وأبيك خيرٍ منك إني

ليُؤْذيني التَّحَمْحُم والصَّهيل

ص: 331

ويبدل الظاهر من المضمر كثيرا، ومنه قول الشاعر:

على حالةٍ لو كان في القومِ حاتمٌ

على جوده لضَنَّ بالماءِ حاتمِ

ومنه:

المُنْعِمون بنو حرب وقد حَدَقَتْ

بِيَ المنيةُ واستَبْطأت أنصاري

قومٌ إذا حاربوا شَدُّوا مآزرهم

دون النساء ولو باتت بأطْهار

بنو حرب بدل من الضمير في "المنعمون" ولا يجوز أن يكون مبتدأ والمنعمون خبرا، لأن: وقد حدقت، حال العامل فيه منعمون، فلو جعل: بنو حرب خبر المبتدأ، لزم الإخبار عن الموصول قبل تمام الصلة.

قال أبو الفتح: (وترى كلَّ أمةٍ جاثية كلَّ أمة تُدْعى) وجاز إبدال الثانية من الأول لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى، لأن في الثانية ذكر السبب الداعي إلى جثوها". فهذا الكلام يدل على أن التابع إذا وافق لفظه لفظ المتبوع لا يجعل بدلا حتى يكون معطيا من المعنى بما اتصل به مالم يعطه الأول، بخلاف قول الزمخشري: بك بدل من بك.

ويبدل المضمر من الظاهر نحو: رأيت زيدا إياه. والمضمر من المضمر نحو: رأيتك إياك. ولم أمثل بهذين المثالين إلا جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا. والصحيح عندي أن نحو: رأيت زيدا إياه، لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه، ولو استعمل لكان توكيدًا لا بدلا. وأما: رأيتك إياك، فقد تقدم في باب التوكيد أن البصريين يجعلونه بدلا، وأن الكوفيين يجعلونه توكيدا، وأن قول الكوفيين عندي أصح، لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل في: رأيتك إياك،

ص: 332

كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في: فعلت أنت، والمرفوع توكيد بإجماع، فليكن المنصوب توكيدا، فإن الفرق بينهما تحكم بلا دليل.

وجعل الزمخشري من أمثلة البدل: مررت بك بك، وهذا إنما هو توكيد لفظي، ولو صح جعله بدلا لم يكن للتوكيد اللفظي مثال يخص به، وعلى هذا وأمثاله نبهت بقولي: ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر، وما أوهم ذلك جعل توكيدا " ثم قلت: إن لم يفد إضرابا" فنبهت بذلك على قول القائل: إياك إياي قصد زيد، إذا كان المراد: بل إياي. ثم قلت: فإن اتحدا معنى سمي بدل كل من كل" نحو: مررت بأخيك زيد. وعبرت عن هذا النوع ببدل كل من كل جريا على عادة النحويين، وهي عادة غير مطردة، فإن المراد بها أن يكون مسمى البدل والمبدل منه واحدا، فيدخل في ذلك مالا يطلق عليه كل نحو:(إلى صراط العزيز الحميد * الله) فالعبارة الجيدة أن يقال: بدل موافق من موافق، ولا بد في هذا النوع من التوافق في التذكير والتأنيث، نحو: رأيت أخاك زيدا، وجاريتك رقاش. وفي الإفراد كما سبق، وفي ضديه وهما التثنية والجمع، نحو: عرفت ابنيك المحمدين، وأصحابك الزيدين.

وأشرت بقولي: مالم يقصد التفصيل إلى نحو: سألت عن أخويك زيد وعمرو. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف" ومنه قول الشاعر:

وكنتُ كذي رجلَيْن رجلٍ صحيحةٍ

ورجلٍ رمى فيها الزمانُ فَشَلَّت

ونبهت بقولي: "وقد يتحدان لفظا إن كان مع الثاني زيادة بيان" على قراءة

ص: 333

يعقوب: (وترى كلَّ أمة جاثية كلَّ أمة تدعى إلى كتابها) وإلى قول ابن جني: جاز إبدال الثانية من الأولى لأن في الثانية ذكر سبب الجثو، قلت ومثل هذا قول الشاعر:

رويد بني شيبانَ بعض وعيدكم

تلاقوا غدًا خيلي على سَفَوان

تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى

إذا ما غَدَتْ في المأزِق المُتداني

تُلاقُوهم فتعرفوا كيف صبرهم

على ما جنتْ فيهم يد الحدثان

وقد يقع بدل التفصيل بلفظ بعض، كقولك: ضربت الناس بعضهم قائم وبعضهم قاعدا.

وإبدال الظاهر الدال على الإحاطة من ضمير الحاضر كثير، لتنزله منزلة التوكيد بكل، فمن ذلك قوله تعالى:(تكونُ لنا عيدا لأولنا وآخرنا) فلأولنا وآخرنا بدل من الضمير في لنا، وقد أعيد معه العامل مقصودا به التفصيل، ومثله قول عبيدة بن الحارث رضي الله عنه:

فما بَرِحَتْ أقدامُنا في مقامنا

ثلاثتِنا حتى أُزيرا المَنائيا

فلو لم يكن في البدل من ضمير الحاضر معنى الإحاطة جاز على قلة ولم يمتنع، كما زعم غير الأخفش. والدليل على ثبوته قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:"أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نفرٌ من الأشعريين". ومثله قول الشاعر:

ص: 334

وشوهاءَ تعدو بي إلى صارخ الوغى

بمُسْتَلْئمٍ مثل الفَنيقِ المُرَحَّل

ومثله:

بكم قُريشٍ كُفينا كلَّ مُعْضِلةٍ

وأمَّ نهجَ الهدى من كان ضِلِّيلا

ويسمى البدل بدل بعض من كل إن دل على بعض ما دل عليه الأول، نحو: مررت بقومك ناس منهم، وصرفت وجوهها أولها. ومنه على أجود أحد الوجهين قوله تعالى:(ولله على الناس حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا).

ويسمى بدل استمال إن باين الأول، أي إن لم يكن بدل كل، فدخل في ذلك بدل البعض وبدل الإضراب والغلط، فخرج بدل البعض بقولي:"ولم يكن بعضه" وخرج بدل الإضراب والغلط بقولي: وصح الاستغناء به" فخلصت العبارة للمسمى بدل اشتمال. وهو إما مصدر دال على معنى قائم بمسمى المبدل منه، كعجبت من زيد حلمه، أو صادر عنه كعجبت منه قراءته، أو واقع فيه مثل:(يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه) أو واقع عليه كدُعيَ زيدٌ إلى الطعام أكله، وإما على ملابس صالح للاستغناء عنه بالأول كـ:(قُتِل أصحابُ الأخدودِ * النارِ) وصلاحيته للاستغناء بالأول شرط في هذه الأمثلة كلها وما أشبهها، ومذهب الزجاجي جعل (النار ذات الوقود) بدل إضراب، وليس ما ذهب إليه بصحيح، لأنه لا يحسن أن يقدر ببل ولكن، والإضراب في المعنى ترك للمضرب عنه، والأخدود غير متروك المعنى.

فإن كان الملابس لا يغني عنه الأول كالأخ والعم، وحكى له بدلا، فهو بدل إضراب أو غلط، كقولك: عجبت من زيد أخيه، وانطلقت إلى عمرو عمه. ومن

ص: 335

شواهد بدل البعض قول الشاعر:

وهمْ ضربوكَ ذات الرأس حتى

بدت أمُّ الدِّماغ من العظام

ومنه قول الآخر:

رأتني كأفحوص القطاة ذؤابتي

... يشتهيها

ومن شواهد بدل الاشتمال قول الشاعر:

ذريني إنّ أمركِ لن يُطاعا

وما ألْفيتِني حِلمي مُضاعا

ومنها قول رؤبة:

أقْحَمني في النَّفْنف النَّفْناف

قولُك أقوالا مع التِّحْلاف

فيها ازدِهافٌ أيَّما ازدِهاف

وقولي: يسمى البدل بدل إضراب أو بداء إن باين الأول مطلقا وقصدا" نبهت به على أن من البدل ما يجرى مجرى المعطوف ببل، كقولك: أعط السائل رغيفا درهما، أمرت له برغيف، ثم رق قلبك عليه. فأضربت عن الرغيف، وأبدلت منه الدرهم، وهذا النوع مقصود فيه الأول والثاني كالناسخ والمنسوخ، ولو جعل بينهما بل لكان حسنا، ولكن يزول عنه ببل إطلاق البدل، لأن البدل تابع بلا متبع. وبدل البداء كبدل الإضراب لفظا ومعنى.

وقولي: "إن باين الأول مطلقا" أشرت به إلى أن البدل كله مباين بوجه، فبدل الكل مباين لفظا موافق معنى. أو متحدان لفظا متباينان معنى بزيادة بيان، كقراءة

ص: 336

يعقوب: (وترى كلَّ أمة جاثية كلَّ أمة تدعى إلى كتابها).

وبدلا البعض والاشتمال متباينان لفظا ومعنى، لكن بينهما وبين متبوعهما ملابسة تجعلهما في حكم المتحدين، فالمباينة فيما بينهما مقيدة لا مطلقة، بخلاف بدل الإضراب فإنه مباين لفظا ومعنى، ولا ملابسة بينه وبين المتبوع، فكان التباين بينهما مطلقا لا مقيدا.

وإن كان الأول عاريا من القصد كقولك وقد رأيت زيدا لا عمرا: رأيت عمرا زيدا، فبدل غلط وذكر بل أيضا هنا حسن.

ويختص بدلا البعض والاشتمال بإتباعهما ضمير الحاضر كثيرا نحو:

ألفيتني حلمي مضاعا

ويختصان أيضا بتضمنهما ضميرا عائدا على المبدل منه نحو: ضربت زيدا رأسه، وأعجبتني الجارية حسنها. وقد يستغنى عن لفظ الضمير بظهور معناه نحو:(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقول الشاعر:

لقد كان في حول ثواءٍ ثويتَه

تُقَضَّى لُباناتٌ ويسأمُ سائمُ

ويجوز البدل بالألف واللام كقولك: ضربوك ذات الرأس. ومنه على أحد الوجهين قوله تعالى: (جناتِ عدْنٍ مُفَتَّحةً لهم الأبوابُ) ومنه قول الراجز:

غمرتَ بالإحسان كلّ الناس

ومنْ رجاك آمِنٌ مِنْ ياس

ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى: (قُتِل أصحاب

ص: 337

الأخدود * النار ذات الوقود).

فصل: ص: المُشْتَمِل في بدل الاشتمال هو الأول، خلافا لمن جعله الثاني والعامل، والكثير كون البدل معتمدا عليه، وقد يكون في حكم المُلْغَى. وقد يُسْتَغنى في الصلة بالبدل عن لفظ المبدل منه، ويقرن البدل بهمزة الاستفهام إن تضمن متبوعه معناها.

وقد تبدل جملة من مفرد.

ويبدل فعل من فعل موافق في المعنى مع زيادة بيان.

وما فُصِّل به مذكور وكان وافيا ففيه البدل والقطع، وإن كان غير واف تعين قطعه إن لم ينو معطوف محذوف.

ويبدأ عند اجتماع التوابع بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل، ثم بالنسق.

ش: مذهب الفارسي كون المشتمل هو الأول، ومذهب غيره أنه التابع، وظاهر قول المبرد أنه العامل. ومذهب الفارسي هو الصحيح، لأن الثاني والثالث لا يطردان، لأن من بدل الاشتمال: أعجبني زيد كلامه وفصاحته، وكرهت عمرا ضجره، وساءني خالد فقره وعرجه. فالثاني في هذا وأمثاله غير مشتمل على الأول، فلم يطرد كون الثاني مشتملا. وأما عدم اطراد الثالث فظاهر، لأن من جملة بدل الاشتمال:(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) والعامل فيه ليس مشتملا على المتبوع والتابع.

والكثير كون البدل مُعتمدا عليه بما تدعو الحاجة إليه من خبر وغيره، كقولك: إن الجارية هندا حُسْنَها فائق، وإن زيدا نجابته بينة، وكقول الشاعر:

وما كان قيسٌ هُلكهُ هُلْكَ واحدٍ

ولكنه بنيانُ قومٍ تَهدّما

ويقل الاعتماد على المبدل منه وجعل البدل في حكم الملغى، كقول الشاعر:

ص: 338

فكأنه لَهِقُ السَّراة كأنه

ما حاجبَيْه مُعَيَّنٌ بِسَواد

فجعل حاجبيه وهو بدل في حكم ما لم يذكر، فأفرد الخبر، ولو جعل الاعتماد على البدل لثني الخبر، كما تقول: إن زيدا يديه منبسطتان بالخير، ولو جعلت البدل في حكم الملغى لقلت: إن زيدا يديه منبسط بالخير. ومثل: كأنه ما حاجبيه معين، قول الآخر:

إن السيوف غدوَّها ورواحَها

تركت هوازنَ مثلَ قَرْن الأعْضَب

فجعل الخبر للسيوف، وألغى غدوها ورواحها، ولو لم يلغهما لقال: تركا، كما تقول: الجارية خَلْقُها وخُلُقها سيان.

ومن الاعتماد على المبدل منه وجعل البدل في حكم الملغى قولك: زيد عرفت أخاه عمرا، وجاء الذي رغبت فيه عامرٍ.

وقد يستغنى في الصلة عن لفظ المبدل منه كقولك: أحسن إلى الذي وصفت زيدا، بالنصب على الإبدال من الهاء المقدرة، وبالجر على الإبدال من الذي، وبالرفع على جعله خبر مبتدأ.

ويجب اقتران البدل بهمزة استفهام إن تضمن المبدل منه معناها كقولك: كيف زيد، أمريض أم صحيح؟ وما عندك، أدرهم أم دينار؟ وكم دراهمك، أعشرون أم ثلاثون؟

وتبدل جملة من مفرد كقولك: عرفت زيدا أبو مَنْ هو. أي عرفت زيدا أبوته، ومنه قول الشاعر:

ص: 339

لقد أذْهلتني أمُّ سَعْد بكلمة

تصبر ليوم البينِ أم لسْتَ تصْبرُ

فالجملة الاستفهامية التي بعد "كلمة" بدل منها، لأن الكلمة هنا بمعنى الكلام، ومنه قول الآخر:

إلى اللهِ أشكو بالمدينة حاجةً

وبالشام أخرى كيف يَلْتقيان

قال أبو الفتح بن جني: كيف يلتقيان بدل من حاجة، كأنه قال: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.

ومن إبدال الجملة من المفرد قوله تعالى: (ما يُقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) فإن وما عملت فيه بدل من "ما" وصلتها، على تقدير: ما يقال لك إلا إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم.

وجاز إسناد يقال إلى إن وما عملت فيه، كما جاز إسناد قيل إليهما في قوله تعالى:(وإذا قيل إن وعد الله حق) ومن إبدال الجملة من المفرد: (هل هذا إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) قال الزمخشري: وهذا الكلام كله في محل النصب بدلا من النجوى. ومن إبدال الجملة من المفرد قول أبي زبيد الأسدي:

لما دنا مني سمعت كلامه

من أنت لاقيت أمر سرور

ويبدل فعل من فعل موافق له في المعنى مع زيادة بيان، كقوله تعالى:(ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) وكقول الشاعر:

ص: 340

متى تأتنا تُلْمم بنا في ديارنا

تَجِدْ حَطبًا جَزْلا ونارا تأججا

ومنه:

إنّ عليّ اللهَ أن تبايعا

تُؤخذَ كرها أو تجيءَ طائعا

وإذا قصد تفصيل مذكور بما هو صالح للبدلية، وكان وافيا بآحاد المذكور جاز البدل والقطع، كقول الشنفري:

ولى نحوكم أهْلون سِيدٌ عَمَلّس

وأرْقَطُ زُهْلُول وعرفاءُ جَيْألُ

فلك في "سيد" وما بعده أن تجعله بدلا من "أهلون" ولك أن تقطعه على إضمار مبتدأ.

فلو كان المفصل غير واف بآحاد المذكور تعين القطع على الابتداء وجعل الخبر "مِنْ" وضميرا مجرورا بها كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا الموبقاتِ، الشركُ بالله والسحرُ" ومثل هذا قوله تعالى: (فيه آياتٌ بينات مقامُ إبراهيم) أي منها مقام إبراهيم. ويروى: اجتنبوا الموبقات، الشركَ بالله والسحرَ بالنصب على البدل وحذف معطوف، والتقدير: اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر وأخواتهما، وجاز الحذف لأن الموبقات سبع ثبتت في حديث آخر، واقتصر هنا على ثنتين تنبيها على أنهما أحق بالاجتناب.

ص: 341

ويبدأ اجتماع التوابع بالنعت لأنه كجزء من متبوعه، ثم بعطف البيان لأنه جار مجراه، ثم بالتوكيد لأنه شبيه بعطف البيان في جريانه مجرى النعت، ثم بالبدل لكونه تابعا كلا تابع، لكونه كالمستقل، ثم بعطف النسق لأنه تابع بواسطة، فيقال: مررت بأخيك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر، والله أعلم.

ص: 342