الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الندبة
ص: المندوب هو المذكور بعد "يا" أو "وا" تفجعا لفقده حقيقة أو حكما، أو توجعا لكونه محلَّ ألم أو سببه. ولا يكون اسم جنس مفردا، ولا ضميرا، ولا اسم إشارة، ولا موصولا بصلة لا تعينه، ويساوي المنادى في غير ذلك من الأقسام والأحكام. ويتعين إيلاؤه "وا" عند خوف اللبس.
ش: المذكور تفجعا لفقده حقيقة أو حكما كقول الباكي على ميت اسمه زيد: يا زيدا، أو وازيدا. ومنه قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
حُمِّلتَ أمرا عظيما فاصْطبرتَ له
…
وقمتَ فينا بأمر الله يا عمرا
ومثله قول الآخر:
يا يمينا أطْمَعْتِ مذ بنْتِ أعدا
…
ئي وقِدما أوسعْتُهم بك قهرا
والمندوب تفجعا لكونه في حكم المفقود كقول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: واعمراه، واعمراه، حين أعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب. وكقول الخنساء ومن أسِر معها من آل صخر، وصخر غائب غير مرجو الحضور: واصخراه، واصخراه.
والمندوب توجعا لكونه محل ألم كقول قيس العامري:
فواكبدي من حُبِّ من لا يُحبُّني
…
ومن عبراتٍ ما لهن فناءُ
والمندوب توجعا لكونه سببا للألم كقول ابن قيس الرقيات:
تَبْكيهمُ دَهْماءُ مُعْوِلةً
…
وتقولُ سلمى وارَزِيَّتيه
ولا يندب اسم جنس مفرد، ولا اسم إشارة، ولا موصول بصلة لا يتعين بها المندوب، فلا يقال في رجل: وارجلاه. ولا في: أنت: وا أنتاه. ولا في: هذا: واهذاه. ولا في: من ذهب: وا من ذهباه.
ويندب اسم الجنس المضاف نحو: واغلام زيداه، والموصول بصلة تعين المندوب نحو: وامن حفر بئر زمزماه.
ونبهت بقولي: "ويساوي المنادى في غير ذلك من الأقسام" على أنه قد يكون علما، واسم جنس مضافا، وموصولا بصلة معينة.
ومن مساواة المنادى في الأحكام أنه إذا لم تل آخره الألف ضم إن كان مما يضم في النداء نحو: وازيدُ. أو نصب إن كان مما ينصب في النداء نحو: واعبدَ الله، واضرُوبا رءوس الأعداء، ووا ثلاثة وثلاثين للحاق الزيادة. واثلاثة وثلاثيناه.
ومن مساواته في الأحكام أنه إذا دعت الضرورة إلى تنوينه جاز استصحاب ضمته وتبديلها فتحة، كقول الراجز:
وافَقْعسا وأينَ مِنِّي فقعسُ
كذا روي منصوبا، ولو قيل بالضم: وا فقعسٌ، لجاز.
وإذا أمن أن يلتبس المندوب بمنادى غير مندوب جاز وقوعه بعد "يا" و"وا" نحو: وامن حفر بئر زمزماه. فلو قيل هنا: يامن حفر بئر زمزماه، لم يُخَفْ لبس، فاستعمال "يا" و"وا" فيه جائز. بخلاف قولك: يازيد، وفي الحضرة من اسمه زيد، فلا يجوز أن يستعمل فيه إلا "وا" لأن الذي يليها لا يكون إلا مندوبا. ولا تتعين الندبة بالألف التي تلي الآخر والحرف المنبه
به "يا"، لأن المنادى البعيد قد تلي الألفُ آخره، كقول المرأة لابن أبي ربيعة: نظرت كثعبى، فرأيته ملء العين وأمنية المتمني، فصحتُ: واعمراه. فقال عمر: يالبَّيْكاه". ولم ير سيبويه زيادة الألف المذكورة إلا في ندبة أو استغاثة أو تعجب.
ص: وتلحق جوازا آخرَ ما تمّ به ألفٌ يفتح لها متلوُّها متحركا، ويحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب، وقد تفتح.
ش: آخر ما تم به المندوب يعم آخر المفرد نحو: وا زيداه، وآخر المضاف إليه نحو: وا عبد الملكاه، وآخر الصلة نحو: وامَنْ حفر بئر زمزماه، وآخر المركب تركيب مزج نحو: وا معد يكرباه، وواسيبويهاه، وآخر المركب تركيب إسناد نحو: واتأبط شراه.
وقيدت لحاق هذه الألف بالجواز لئلا يعتقد لزومه.
ونبهت على فتح متلوها ليعلم أن ضمة: يازيدُ، وكسرة: يا عبد الملك، وما أشبههما مستوية في التبدل بفتحة لأجل الألف نحو: يازيداه، ويا عبد الملكاه. وإن وجدت الفتحة قبل أن يجاء بالالف استصحبت إذا جيء بالألف، كقولك في: عبد يغوثَ: ياعبد يغوثاه.
ونبهت بقولي: "ويحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها" على حذف المتمم إن كان ألفا كقولك في موسى: ياموساه. أو تنوينا كقولك في غلام زيد: وا غلام زيداه. أو ياء ساكنة مضافا إليها كقولك في غلامي: ياغلاماه، وقد يقال: ياغلامياه. ومن قال في النداء: ياغلاميَ، بالفتح، استصحب الفتح في الندبة نحو: واغلامياه. ومن لم يجئ بالألف فله أن يقول: واغلامي، بالسكون وواغلاميَه، باستصحاب الفتحة وزيادة هاء السكت، كما قال ابن قيس:
وتقول سلمى يارزيَّتيه
ص: وقد تلحق ألفُ الندبة نعت المندوب، والمجرورَ بإضافة نعته، ويقاس عليه، وفاقا ليونس. وقد تلحق منادى غير مندوب ولا مستغاث خلافا لسيبويه.
وتليها في الغالب سالمة ومنقلبة هاءٌ ساكنةٌ تحذف وصلا. وربما لبثت مكسورة أو مضمومة، ويستغنى عنها وعن الألف فيما آخره ألف وهاء، ولا تحذف همزة ذي ألف التأنيث الممدودة خلافا للكوفيين.
ش: لا يجيز الخليل ولا سيبويه أن تلحق ألف الندبة آخر نعت المندوب، وأجاز ذلك يونس نحو أن يقول: وازيد البطلاه. ويؤيد قول يونس قولُ بعض العرب: واجمجمتي الشامِيَّتَيْناه، وقول الشاعر:
ألا يا عمرُو عَمْراه
…
وعمرُو بن الزُّبَيْراه
فلحقت في: الشاميتيناه، وهو نعت مندوب، ولحقت في: عمراه وهو توكيد مندوب، ولحقت في الزبيراه، وهو مضاف إليه نعت معطوف على مندوب، ولحاقها نعت المندوب كقول الشاعر:
كم قائل ياأسعد بن سعداه
…
كل امرئ باك عليك أراه
وأجاز غير سيبويه أن تلحق الألف منادى خاليا من استغاثة وتعجب كما تقدم من قول المرأة لعمر بن أبي ربيعة.
والأكثر كون ألف المندوب في الوقف متلوة بهاء ساكنة تسمى هاء السكت، وكذا ألف الاستغاثة والتعجب. وقد تثبت في الوصل مكسورة ومضمومة، وقد تكلم عن ذلك في غير الندبة.
ومن لحاقها مضمومة في الندبة قول الشاعر:
ألا ياعَمْرو عمراه
…
وعمرو بن الزبيراه
ويعرض قلب ألف الندبة ياء أو واوا فتليها الهاء منقلبة على نحو ما وليتها سالمة، وسيبين سبب انقلابها.
وإن كان آخر المندوب وما أشبهه ألفا وهاء، واستغنى فيه عن ألف الندبة وهائها، واستثقالا لألف وهاء بعد ألف وهاء، ولا يقال في: عبد الله: يا عبد اللهاه، ولا في: جمجماه: ياجمجماهاه، لما فيه من الثقل.
ولو كان موضع الهاء التي هي آخر الاسم همزة لم يمنع إيلاؤها ألف الندبة، ولم تحذف إلا عند الكوفيين، فإنهم يقولون في ندبة حمراء علما: ياحمراه، بحذف الهمزة والألف التي كانت قبلها. وعلى ذلك نبهت بقولي:"ولا تحذف همزة ذي ألف التأنيث الممدودة خلافا للكوفيين".
فصل: ص: يبدل من ألف الندبة مجانس ما وليتْ من كسرة إضمار أو يائه أو ضمته أو واوه، وربما حمل أمن اللبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء، وقلبها ياء بعد نون اسم مثنى جائز، خلافا للبصريين. ولا تقلب بعد كسرة فَعالِ، ولا بعد كسرة إعراب، ولا يحرك لأجلها تنوينٌ بكسر ولا فتح، ولا يستغنى عنها بالفتحة، خلافا للكوفيين في المسائل الأربع.
ش: إذا كان آخر المندوب علامة إضمار مكسور أو مضموم حوفظ على الكسرة والضمة، وجعل بدل ألف الندبة ياء بعد الكسرة، وواوا بعد الضمة، فيقال في ندبة: غلامكِ: واغلامكيه. وفي ندبة: أنتِ وفعلتِ علما: وا أنتيه، ووافعلتيه. ويقال في ندبة غلامه وغلامُهم: واغلامهُوه وواغلامهُمُوه. ويقال في ندبة مُسَمًّى بفعلتُ: وافعلتوه. ويقال في المسمى بقُومي وقاموا: واقوميه، وواقاموه. وروعي في هذه الأمثلة وأشباهها جانب ما قبل الألف ليؤمن اللبس، إذ لو قيل: واغلامكاه، ووا أنتاه، ووافعلتاه مراعاة لجانب الألف لجهل التأنيث المدلول عليه بالكسرة. ولو قيل: واغلامهاه، وواغلامهماه، ووافعلتاه، لجهل المعنى المدلول عليه بالضمة. ولو قيل في: قومي وقاموا: واقوماه، وواقاماه، لجهلت الحكاية.
ونبهت بقولي: "وربما حمل أمن اللبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء" على قول ابن أبي ربيعة للمرأة: يالبيكاه، ولم يقل: يالبيكيه، لأمن اللبس.
والبصريون يلتزمون فتح نون التثنية في ندبة المثنى، فيقولون: يازيداناه. والكوفيون يجيزون هذا، ويجيزون أيضا أن يقال: يازيدانيه، وهو عندي أولى من الألف وسلامة الألف لوجهين: أحدهما: أن في الفتح وسلامة الألف إيهام أن اللفظ ليس لفظ تثنية، وإنما هو من الأعلام المختتمة بألف ونون مزيدتين كسلمان ومروان.
الثاني: أن أبا حاتم حكى أن العرب تقول في نداءهن مثنى: ياهنانية، ولم يحك: ياهناناه، والقياس إنما يكون على ما سمع لا على ما لم يسمع.
وأجاز الكوفيون أن يقال: يارقاشيه، وياعبد الملكية، وياغلام زيدنيه وزيدناه. وأن يقال: ياعمَرَ، استغناء بالفتحة عن الألف. وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت، فكان الأخذ به ضعيفا.