المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الصفة المشبهة باسم الفاعل - شرح التسهيل لابن مالك - جـ ٣

[ابن مالك]

الفصل: ‌باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

‌باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

ص: وهي الملاقية فعلا لازما ثابتا معناها تحقيقا أو تقديرا قابلة للملابسة والتجرد والتعريف والتنكير بلا شرط.

ش: احترز بالملاقية فعلا من نحو قرشيّ وقتّات، وبكون الفعل الذي تلاقيه لازما من نحو عارف وجاهل، وبالثابت معناها من نحو قائم وقاعد، ونبه بتقدير الثبوت على متقلب ونحوه، واحترز بقبول الملابسة والتجرد من أب وأخ ونحوهما. وبقبول التعريف والتنكير بلا شرط من أفعل التفضيل.

ص: وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي، ولازمة إن كانت من غيره، ويميّزها من اسم فاعل الفعل اللازم اطراد إضافتها إلى الفاعل معنى.

ش: إذا كانت الصفة المشبهة مصوغة من فعل ثلاثي فالغالب كونها غير موازنة للفعل المضارع كضخم الجثة ولين العريكة وعظيم المقدار وحسن السيرة وخشن البشرة، ويقظان القلب، وألمى الشفة. وقد توازن المضارع، كضامر البطن وساهم الوجه وخامل الذكر وحائل اللون وظاهر الفاقة وطاهر العرض. وإذا كانت مصوغة من غير ثلاثي فلا بد من موازنتها المضارع كمنطلق اللسان ومطمئن القلب ومستسلم النفس، ومغدودن الشعر، ومتناسب الشمائل.

ويميزها من اسم الفاعل إمكان إضافتها إلى ما هو فاعل في المعنى كما رأيت من إمكان ذلك في منطلق وما بعده. فيخرج بهذا اسم الفاعل الذي لا يتعدى ولم يصلح أن يضاف إلى ما هو فاعل في المعنى كماشٍ وجالس ومنطلق إلى كذا ومستكين ومبسمل ومتجاهل.

ص: وهي إما صالحة للمذكر والمؤنث معنى ولفظا، أو معنى لا لفظا أو

ص: 89

لفظا لا معنى، أو خاصة بأحدهما معنى ولفظا. فالأولى تجرى على مثلها وضدّها، والبواقي تجرى على مثلها لا ضدها خلافا للكسائي والأخفش".

ش: الصالحة للمذكر والمؤنث معنى ولفظا كحسن، فإن لكل واحد من المذكر والمؤنث نصيبا من لفظها ومعناها، فمذكرها يجرى على مثله نحو مررت برجل حسن بشره، وعلى ضده نحو مررت بامرأة حسن بشرها ومؤنثها يجرى على مثله نحو مررت بامرأة حسنة صورتها، وعلى ضده نحو مررت برجل حسنة صورته. والصالحة للمذكر والمؤنث معنى لا لفظا كعجزاء، وهي المرأة العظيمة العجز، فهذه صفة للمذكر نصيب من معناها لا لفظها، إذ لا يقال للرجل العظيم العجز أعجز، وإنما يقال له آلى. والصالحة لهما لفظا لا معنى كأتوم، وهي المرأة التي اختلط مسلكها، فلفظها صالح للمذكر والمؤنث، ولا نصيب للمذكر في معنى هذه الصفة، بل هو خاص بالمؤنث، والصفة الخاصة بأحدهما معنى ولفظا كأكمر وهو الرجل الكبير الكمرة وهي رأس الذكر فهي صفة لا نصيب للمؤنث في معناها ولا لفظها، بل هي خاصة بالمذكر معنى ولفظا. وتقابلها العَفلاء وهي المرأة التي في رحمها صلابة مانعة من الجماع تسمى عَفِلة، فالعَفْلاء في الاختصاص بالمرأة كالأكمر في الاختصاص بالرجل.

فهذه الصفات الثلاث تجرى على مثلها ولا تجرى على ضدها، فيقال مررت بامرأة عجزاء أمتها أتوم جاريتها عفلاء كنَّتها، ولا يقال مررت برجل عجزاء أمته ولا نحو ذلك. وأجازه الكسائي والأخفش.

فصل: ص: معمول الصفة المشبهة ضمير بارز متصل، أو سببي موصول، أو موصوف يشبهه، أو مضاف إلى أحدهما، أو مقرون بأل أو مجرد أو مضاف إلى ضمير الموصوف لفظا أو تقديرا، أو إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف.

ش: مثال الصفة التي معمولها ضمير قول الشاعر:

ص: 90

حَسَنُ الوجهِ طَلْقُهُ أنتَ في السّلـ

ـم وفي الحرب كالحٌ مكْفهِر

ومثال التي معمولها موصول سببي قول عمر بن أبي ربيعة:

أسيلاتُ أبْدانٍ دقاقٍ خُصورُها

وثيراتُ ما التفّت عليها المَلاحِفُ

وفي هذا البيت أيضا أسيلات أبدان، وهو نظير حسن وجهٍ، ودقاق خصُورها، وهو نظير حسن وجهُه. ومثال التي معمولها موصوف يشبه الموصول قوله:

أزورُ امرأً جمًّا نوالٌ أعدَّه

لمَن أمَّه مسكتفيا أزمةَ الدّهر

ومثال التي معمولها مضاف إلى أحدهما قول الشاعر:

فعجتُها قِبلَ الأخْيارِ منزلةً

والطيّبي كِل ما التاثتْ به الأُزُرُ

ومثال التي معمولها مقرون بأل قوله تعالى (والله سريع الحساب) وقال ابن رواحة رضي الله عنه:

تباركتَ إنّي من عذابك خائفٌ

وإني إليكَ تائبُ النفسِ ضارعُ

ومثال التي معمولها مجرد قول الشاعر:

إذا المرءُ لم يَبْرحْ سريعَ إجابةٍ

لداعي الهوى لم يَعْدِمْ الضُّرَّ والشّكوى

ومثال التي معمولها مضاف إلى ضمير الموصوف قوله تعالى (ومَن يكتمها فإنه آثِمٌ قلبُه) ومثال المضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف لفظا قول

ص: 91

الشاعر:

تراهِنّ مِن بعد إسآدها

وشدّ النهارِ وتدآبها

طوال الأخادِع خوصُ العيون

خماصًا مواضعُ أحْقابها

ومثال المضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف تقديرا قول الفرزدق:

أأطعمتَ العراقَ ورافدَيْه

فزارِيّا أحذّ يدِ القميصِ

أراد أخذّ يد قميصه، فأقام أل مقام الضمير. وقد اجتمع هذا والذي قبله في قوله:

إن كثيرًا كثير فضل نائِله

مرتفعٌ في قريش مُوقِدُ النار

ومثال المضاف إلى ضمير مضاف إلى ضمير الموصوف مررت بامرأة حسنة وجه جاريتها جميلة أنفه، فالأنف معمول جميلة، وهو مضاف إلى ضمير الوجه، والوجه مضاف إلى الجارية والجارية مضاف إلى ضمير المرأة، فالأنف مضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف.

ص: وعملها في الضمير جر بالإضافة إن باشرته وخلت من أل، ونصب على التشبيه بالمفعول به إن فصلت أو قرنت بأل. ويجوز النصب مع المباشرة والخلو من "أل" وفاقا للكسائي. وعملها في الموصول والموصوف رفع ونصب مطلقا، وجرّ إن خلت من أل وقصدت الإضافة. وإن وليها سببيّ غير ذلك عملت فيه مطلقا رفعا ونصبا وجرّا، إلا أن مجرور المقارنة بأل مقرون بأل أو مضاف إلى المقرون بها أو إلى ضمير المقرون بها، ويقل نحو حسن وجهِه وحسنٌ وجهَه وحسن وجهٌ، ولا يمتنع خلافا لقوم.

ص: 92

ش: إذا جررت بالصفة المتصل بها ضمير بارز، فقد تقصد إضافتها إليه وقد لا تقصد؛ فإن قصدت حكم بالجر، وإن لم تقصد حكم بالنصب على التشبيه بالمفعول به. وإنما يمكن القصدان والمفعول ضمير إذا كانت الصفة غير متعرفة نحو: رأيت غلاما حسن الوجه أحمره، فالحكم على الهاء بالجر بالإضافة، وبالنصب على التشبيه بالمفعول به جائز عند الكسائي، والجر عند غيره متعيّن، ومذهب الكسائي وهو الصحيح، لأنه روي عن بعض العرب: لا عهد لي بألأم منه عمّا ولا أوضعَه، بفتح العين. وبمثل هذا يظهر الفرق من قصد الإضافة وغيرها. وعلى هذا يقال إذا قصدت الإضافة مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره إلا أن هذا الوجه لم يجزه من القوم [إلا] الكسائي. ومما يؤيد قوله ما أنشده ثعلب من قول الشاعر:

فإنْ يكُنِ النكاح أحلَّ شيءٍ

فإنَّ نِكاحَها مَطَرٍ حرامُ

بجرّ مطر – وهو اسم رجل – وجرُّه يدل على نصب الضمير مع اتصاله بالمضاف، فعلم بهذا جواز نصب الضمير المتصل بما يصلح أن ينصب الظاهر أو يجرّه. ولو قرنت بأل الصفة المتصل بها الضمير تعين الحكم بالنصب نحو مررت بالغلام الحسن الوجه الأحمره.

والظاهر من كلام الفراء جواز الجر وترجيحه على النصب، فإنه قال في معاني سورة الحج: فإذا أضافوا إلى مكنى قالوا أنت الضاربه وأنتما الضارباه، فالهاء خفض، ولو نويت بها النصب كان وجها، هذا نصه. فحكم على الهاء من الضاربه بالجر والنصب ورجّح الجرّ، والهاء في الأحمره كذلك، ولكن هي في النصب مع الضارب مفعول بها، ومع الأحمر وشبهه مشبه بالمفعول به. وحكى ابن السراج أن المبرد حكم بالجر ثم رجع إلى النصب وفاقا لسيبويه، فالنصب على مذهبه متعيّن.

ويتعين النصب بلا خلاف في الضمير الذي انفصلت الصفة منه بضمير آخر

ص: 93

كقولك: قريش نجباء الناس ذرية وكرامهموها. والأصل في صحة هذا الاستعمال ما روى الكسائي من قول بعض العرب: هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها. وإذا ولى الصفة المشبهة سببي موصول أو موصوف عملت فيه الرفع أو النصب مطلقا، أي مقرونة بأل أو غير مقرونة، فمثال المقرونة قول الشاعر:

إنْ رُمتَ أمْنًا وعزة وغِنى

فاقْصِدْ يزيد العزيزَ من قصده

فيجوز أن يحكم على "من" بالرفع على الفاعلية، وبالنصب على التشبيه بالمفعول به. ومثال غير المقرونة الجائز كونها رافعة الموصول وناصبته قول الشاعر:

عزّ امرؤ بطل مَن كان معتصِما

به ولو أنَّه من أضعف البشَر

فيجوز كون "مَن" مرفوعة المحل على الفاعلية ومنصوبة على التشبيه بالمفعول به، ولو استقام الوزن بالإضافة لجازت كما جازت في قول الآخر:

وثيراتُ ما التفتْ عليه الملاحف

ولو استقام الوزن بتنوين وثيرت لجاز الحكم على "ما" بالرفع والنصب، كما حكم بهما على [من بعد] بطل. ونبهت بقولي:"وإن وليها سببي غير ذلك عملت فيه مطلقا رفعا ونصبا وجرا" على أنها إذا قصد إعمالها في غير الضمير والموصول والموصوف الذي يشبهه، فإما أن تكون مجردة من أل، وإما أن تكون مقرونة بها ومعمولها إما مقرون بأل وإما مضاف وإما مجرد. وهو في أحواله الثلاثة مع المجردة مرفوع بالفاعلية أو مجرور بالإضافة، أو منصوب على التمييز إن كان نكرة، وعلى التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وكذلك هو مع المقرونة بأل، إلا أن عمل المقرونة الجر مشروط باقتران معمولها بأل أو إضافة إلى المقرون بها أو إلى ضمير المقرون بها. وأمثلة المجردة في الرفع رأيت رجلا جميلا الوجهُ، ووجهُه، وجميلا وجهُ الأب،

ص: 94

ووجهُ أبيه، ووجه أب، وأمثلتها في النصب رأيت رجلا جميلا وجها، ووجهَه، والوجهَ، وجميلا وجهَ أب ووجهَ الأب. وأمثلتها في الجر رأيت رجلا جميل وجهٍ وجميل وجهِه، والوجهِ، وجميل وجه أب ووجه أبيه ووجه الأب.

وأمثلة المقرونة بأل في الرفع رأيت الرجل الجميل الوجهُ ووجهُه ووجهٌ، ورأيت الرجل الجميل وجُه الأب ووجهُ أبيه ووجهُ أب. وأمثلتها في النصب رأيت الرجل الجميل وجها ووجهَه والوجهَ، ورأيت الرجل الجميل وجهَ أب ووجهَ الأب. وأمثلتها في الجر رأيت الرجل الجميل الوجهِ، وعمرا الكريم حسبِ الآباء، البيّن سُودَدِهم ونحو هذا المثال نادر كقول الشاعر:

سبتْني الفتاةُ البضّةُ المتجرَّد الـ

لطيفةُ كَشْحِه وما خِلْتُ أنْ أُسْبَى

ونحو حسن وجهِه، وحسن وجهَه قليل غير ممتنع، وكذا حسن وجهٌ. ومن أمثال مررت برجل حسن وجهِه ما في الحديث من وصف الدجال "أعور عينِه اليمنى"، وما في حديث أم زرع من قوله "صفر وشاحها" وفي وصف النبي صلى الله عليه وسلم "شثن أصابعه" وقال أبو علي القالي في حديث علي رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم "كان ضخم الهامة كثير شعر الرأس شثن الكفين والقدمين طويل أصابعه ضخم الكراديس". فهذه أربعة شواهد من أفصح الكلام الذي لا ضرورة

ص: 95

فيه تدل على صحة استعمال مررت برجل حسن وجهِه. وقد أجاز ذلك الكوفيون في نثره ونظمه، ومنع سيبويه جوازه في غير الشعر، ومنعه المبرد مطلقا، والصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من جوازه مطلقا. وأما رأيت رجلا حسنا وجهَه فهو مثل قراءة بعض السلف (فإنه آثم قلبَه) بالنصب، ومثله ما أنشد الكسائي من قول الراجز:

أنْعَتُها إنّيَ من نُعاتِها

مُدارةَ الأخفاف مُحْمرّاتِها

غلبَ الذفارى وعِفرنياتها

كُومَ الذرَى وادِقةً سرّاتِها

فانتصاب سراتها بوادقة كانتصاب وجه بحسن. وأما نحو مررت برجل حسن وجهٌ فمنعه أكثر البصريين. وهو عند الكوفيين جائز، وبجوازه أقول. ويدل على جوازه قول الراجز:

ببهمة منيت شهم [قلب]

منجّذ لا ذي كهَمام ينبو

ومثله ما أنشد الفراء عن بعض العرب:

بثوب ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهم

فهل أنتَ مرفوعٌ بما ههنا رأسُ

وقال ابن خروف في مررت برجل حسن وجهٌ والحسن وجه لا سبيل إلا إلى جوازها بقول الراجز وبما أنشده الفراء، فلا مبالاة بمن منع. ونظير رأيت [رجلا] جميلا الوجه قول النابغة:

ونأخُذْ بعدَه بذِناب عيشٍ

أجبّ الظهرُ ليس له سنامُ

ص: 96

على رواية مَن رفع الظهر، ويروى بالنصب فيكون نظيرَ رأيت رجلا جميلا الوجه. ويروى بكسر الباء والراء على الإضافة، فيكون نظير مررت برجل حسن الوجه، ومثله في احتمال أوجه ثلاثة قول الشاعر:

لقد علم الأيقاظُ أخفيةَ الكرى

تَزَجُّجَها من حالكٍ واكْتِحالها

فمن رفع جلعه نظير الحسن وجهُ الأب، ومن نصب جعله نظير الحسن وجهَ الأب، ومن جرّ جعله نظير الحسن وجهِ الأب. ومثلهما في احتمال ثلاثة أوجه قول الأغلب العجلي:

ليستْ بكَرْواءَ ولا بمُدَحْدَح

ولا من السود القصار الزُّمَّح

قبّاءُ غرْثى موضِع المُوَشّح

فمن رفع موضع الموشح فبالفاعلية، ونظيره حسن وجهُ الأب، ومن نصب فعلى التشبيه بالمفعول به ونظيره حسن وجهَ الأب، ومن جرّ فبالإضافة ونظيره حسن وجهِ الأب. ومثله في احتمال الأوجه الثلاثة قول الآخر:

ومنهلٍ أعورِ إحدى العينين

بَصيرِ أخرى وأصمّ الأذنَيْن

فمن كسر راء أعور أضافه إلى إحدى وجعله نظير حسن وجه الأب، ومن فتح جاز له أن يرفع إحدى بالفاعلية، ويجعله نظير حسنا وجه الأب، وأن ينصبه على التشبيه بالمفعول به، ويجعله نظير حسنا وجه الأب.

وبصير أخرى نظير حسن وجه، وأصم الأذنين نظير حسن الوجه. ونظير حسن وجه أيضا قول الشاعر:

ألِكْني إلى قوم السلامَ رسالةً

بآيةِ ما كانوا ضِعافا ولا عُزْلا

ولا سيّئي زِيٍّ إذا ما تَلَبَّسوا

إلى حاجةٍ يوْما مُخَيّسة بُزْلا

ص: 97

ونظير حسن وجه الأب قول الخرنق:

لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هم

سَمّ العُداة وآفة الجُزُر

النازلين بكُلّ مُعْتَركٍ

والطّيّبون معاقِدَ الأُزُرِ

ونظير حسن وجه الأب دون احتمال قول عروة بن الورد:

وما طالبُ الأوْتارِ إلّا ابنُ حُرّة

طويلُ نجادِ السيفِ عاري الأشاجع

ومثل غرثى موضع الموشح وأعور إحدى العينين، في موافقة حسن وجهُ الأبِ وحسن وجهَ الأبِ قول الفرزدق:

أأطْعَمْتَ العراقَ ورافدَيْه

فزارِيًّا أحذّ يَدَ القميص

ونظير الحسن وجها:

الحَزْنُ بابًا والعَقورُ كَلْبا

ونظير الحسن الوجه:

وما قَومْي بثعلبةَ بن سعدٍ

ولا بفَزارةَ الشُّعْرِ الرقابا

ومثله:

ص: 98

مِن وَليّ أو أخِي ثِقَةٍ

والبعيد الشاحِطِ الدّارا

ونظير حسن وجها:

هيفاءُ مقبلةً عَجْزاءُ مُدْبرةً

مَحْطوطةٌ جُدِلتْ شَنْباءُ أنيابا

ونظير حسن وجهه قول الشماخ:

أمِنْ دِمْنَتَين عرّسَ الركبُ فيهما

بحقل الرَّخامى قد عفا طَللاهما

أقامتْ على ربْعيهما جارتا صَفًا

كميتا الأعالي جَوْنتا مُصْطَلاهما

والضمير في مصطلاهما للأثفيتين المعبّر عنهما بجارتين فوصفهما بسواد أسفليهما وحمرة أعلييهما. وزعم المبرد أن الضمير عائد على الأعالي وجاء بلفظ التثنية لأن الأعالي جمع في اللفظ مثنى في المعنى، كما يقال قلوبكما نورهما الله، وهذا صحيح في الاستعمال منافر للمعنى، لأن مصطلى الأثفية أسفلها، فإضافته إلى أعلاها بمنزلة إضافة أسفل إليه؛ وأسفل الشيء لا يضاف إلى أعلاه، ولا أعلاه إلى أسفله، بل يضافان إلى ماهما له أسفل وأعلى.

فصل: ص: إذا كان معنى الصفة لسابقها رفعت ضميره وطابقته في إفراد وتذير وفروعهما ما لم يمنع من المطابقة مانع. وكذلك إن كان معناها لغيره ولم ترفعه. فإن رفعته جَرت في المطابقة مجرى الفعل المسند، وإن أمكن تكسيرها حينئذ مسندة إلى جمع فهو أولى من إفرادها. وتثنى وتجمع جمع المذكر السالم على لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة". وقد يعامل غير الرافعة ما هي له إن قرن بأل معاملتها إذا

ص: 99

رفعته. وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه مالم يقدر الوقوع. وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة، ولو كان من متعدّ إن أمن اللبس وفاقا للفارسي. والأصح أن يجعل اسم مفعول المتعدي إلى واحد من هذا الباب مطلقا. وقد يفعل ذلك بجامد لتأوله بمشتق.

ش: الصفة التي معناها لسابقها نحو مررت برجل حسن وبرجلين حسنين وبرجال حسنين أو حسان، وبامرأة حسنة وبامرأتين حسنتين وبنساء حسنات أو حسان، فمعنى هذه الصفات لما سبق من رجل ورجلين ورجال وامرأة وامرأتين ونساء فجيء بها مطابقة ونوى معها ضمائر موافقة. واحترزت بقولي ما لم يمنع من المطابقة مانع من صفة اشترك فيها المذكر والمؤنث كثيب وربعة، ومما وقع فيها الاشتراك مطلقا كجُنُب، ومما يخص المذكر أو المؤنث لفظا ومعنى، أو لفظا لا معنى، أو معنى لا لفظا. وقد نبهت على ذلك في صدر هذا الباب. ثم نبهت بقولي وكذا إن كان معناها لغيره ولم ترفعه، على أنه يقال مررت برجلين حسني الغلمان، أو حسنين غلمانا، ورجال حسان الغلمان أو حسان غلمانا وبامرأة حسنة الغلام أو حسنة غلاما، وبنساء حسنات الغلمان، أو حسنات غلمانا، فيجاء بهذه الصفات مطابقة لما قبلها، وإن كان معناها لما بعدها لأنها لم ترفعه، وإنما رفعت ضمائر ما قبلها فجرت مجرى ما هي لما قبلها معنى ولفظا. فلو رفعت ما بعدها لم تطابق ما قبلها، بل تعطى ما يعطى الفعل المؤدي معناها إذا وقع موقعها، فيقال مررت برجلين حسن غلاماهما، وبرجال حسن غلمانهم، كما يقال حسُنَ غلاماهما، وحسن غلمانهم، وحسن غلامها وحسنت جاريته وحسن غلمانهنّ.

والأحسن فيما فاعلها جمع أن تجمع جمع تكسير كقولك مررت برجال حسان غلمانهم. ومن لغته أن يقدم على الفاعل علامة تثنيته وجمعه فيقول مررت برجلين حَسُنا غلاماهما، ورجال حسنوا غلمانهم، فإنه يقول: مررت برجلين حسنين

ص: 100

غلاماهما، وبرجال حسنِين غلمانهم. وعلى هذا نبهت بقولي وتثنى وتجمع جمع المذكر السالم على لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة".

ثم قلت: وقد تعامل غير الرافعة ما هي له إن قرن بأل معاملتها إذا رفعتهن فأشرت بذلك إلى أنه قد يقال مررت برجل حسنةٍ العين كما يقال حسنت عينه. وحكى ذلك الفراء في معاني سورة "ص" قال: العرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون مررت على رجل حسنةٍ العين قبيحٍ الأنف، والمعنى حسنة عينه، قبيح أنفه.

قلت: فعلى هذا يقال مررت برجل حسان الغلمان، وبرجل كريمة الأم، وبامرأة كريم الآباء وكريم الأب، كما يقال مررت برجال حسان غلمانهم وبرجل كريمة أمه وبامرأة كرام آباؤها وكريم أبوها ومنه قول الشاعر:

أيا ليلةً خُرْسَ الدَّجاجُ سَهرتُها

ببغدادَ ما كادتْ عن الصُّبْح تَنْجلي

فقال خُرس الدجاج كما يقال خرساء دجاجها. ومثله قول الآخر:

فماحت به غرَّ الثنايا مفلّجا

وسيمًا جلا عنه الظلام موشّما

أراد فمًا غر الثنايا، فجمع مع الألف واللام، كما يجمع مع الضمير إذا قيل فماحت فمًا غُرًا ثناياه. ومثله قول الآخر في وصف عقاب:

تأوي إلى قُنُّة خلقاءَ راسيةٍ

حُجْن المخالبِ لا يغتالُها الشِبَع

ص: 101

فقال حجن المخالب، كما يقال حجن مخالبها، أي لا يغتالها فقد الشبع.

ومن وقوع الألف واللام خلفا عن الضمير في غير هذا الباب قوله تعالى (فأمّا مَن طغى* وآثر الحياة الدُّنيا * فإنَّ الجحيم هي المأوى * وأمّا من خاف مقامَ ربِّه ونهى النَّفس عن الهوى * فإنّ الجنّة هي المأوى). ومن ذلك قول الأعشى القيسي:

وأمّا إذا ركبُوا فالوجُو

هـ في الرَّوْع مِن صدأ البيضِ حُمّ

أي فوجوههم، فجعل الألف واللام خلفا عن الضمير، ومن ذلك قول الآخر:

ولكن نرى أقدامنا في نعالكم

وآنفنا بين اللحى والحواجب

أي بين لحاكم، فجعل الألف واللام خلفا عن الضمير. ومن ذلك قول ذي الرمة:

تخلّلنَ أبوابَ الخدور بأعْيُنٍ

غرابيب والألوانُ بيضٌ نواصِعُ

وقد سوّى سيبويه بين ضُرب زيد ظهره وبطنه وضُرب زيد الظهر والبطن، وبين مطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل. فالظاهر من قوله أنه موافق لقول الفراء، وليس هذا على تقدير "منه" إذ لو كان ذلك لاستوى وجود الألف واللام وعدمها، كما استويا في مثل البر الكرّ بستين، فكان يجوز أن يقال ضُرب زيد ظهر وبطن ومطرنا سهل وجبل، كما جاز أن يقال البر الكر بستّين، والتمر منوان بدرهم، لأن البعضية مفهومة مع عدم الألف واللام، كما هي مفهومة مع وجودهما.

ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى (وإنّ للمتقين لحسن

ص: 102

مآب * جنّاتِ عدْن مُفَتّحةً لهم الأبوابُ). أي مفتحة لهم أبوابها. وزعم بعضهم أن الأبواب بدل من ضمير مستكن في مفتحة. وهذا لا ينجيه من كون الألف واللام خلفا عن الضمير؛ لأن الحاجة [إليه] في الإبدال كالحاجة إليه في الإسناد.

وقول الفراء العرب تقول لمن لم يمت إنك مائت عن قليل، ولا يقولون لمن قد مات هذا مائت إنما يقال في الاستقبال. وكذا يقال هذا سيّد قومه، فإذا أخبرت أنه سيسودهم قلت هو سائد قومه عن قليل.

وكذا الشرف والطمع وأشباههما إذا قصد بهما الاستقبال صيغت على فاعل. وإلى هذا أشرت بقولي: وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه بصيغة فاعل. ومن هذا الردّ قوله تعالى: (فلعلّك تاركٌ بعضَ ما يُوحى إليك وضائقٌ به صدرُك) وعلى هذا المعنى قراءة بعض السلف (إنك مائت وإنهم مائتون) والمعنى على قراءة الجماعة وإنك وإياهم وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى، لأن ما هو كائن فكأن قد كان، وهذا شبيه بـ (أتى أمرُ الله فلا تستعجلوه) وعلى هذا نبهت بقولي: ما لم يقدر الوقوع. ومن الردّ إلى فاعل بقصد الاستقبال قول الحكم بن صخر:

أرى الناسَ مثل السَّفر والموتُ منهلٌ

له كلَّ يومٍ واردٌ ثم واردُ

إلى حيثُ يشفي اللهُ من كان شافيا

ويَسْعَدُ مَن في علمه هو ساعدُ

ومثله قول قيس بن العيزاره:

فقلتُ لكَمْ شاةٍ رعيتُ وجاملٍ

فكلُكُم من ذلك المالِ شابعُ

وأشرت بقولي: وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة،

ص: 103

إلى أنّ قصد ثبوت معنى اسم الفاعل يسوّغ إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، ونصبه إياه على التمييز إن كان نكرة، وعلى التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة بشرط السلامة من اللبس. فيقال زيد ظالم العبيد خاذلهم، راحم الأبناء ناصرهم، إذا كان له عبيد ظالمون خاذلون، وأبناء راحمون ناصرون. قال أبو علي في التذكرة: من قال زيد الحسن عينين فلا بأس أن تقول زيد الضارب أبوين، والضارب الأبوين، والضارب الأبوان. والأبوان فاعل على قولك الحسن الوجهُ، الأمر في ذلك كله واحد. ومثله الضارب الرجل إذا أردت الضارب رجله.

قلت: هكذا قال أبو علي في التذكرة، ولم يقيد بأمن اللبس، والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس. ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي، فلذلك يسهل فيه الاستعمال المذكور. ومنه قول ابن رواحة الأنصاري رضي الله عنه:

تباركتَ إنّي من عذابكَ خائفُ

وإنّي إليك تائبُ النفسِ باخعُ

ومنه قول رجل من طيئ:

ومن يَكُ مُنْحلّ العزائم تابِعا

هواه فإنَّ الرشْدَ منه بعيدُ

ومن وروده في المصوغ من متعدّ قول الشاعر:

ما الراحمُ القلبِ ظلّاما وإنْ ظُلِما

ولا الكريمُ بمنّاعٍ وإنْ حُرِما

وقد أغفل أكثر المصنفين إجراء اسم المفعول مجرى الصفة، وهو يجرى مجراها مطلقا إن كان مصوغا من متعدّ إلى واحد كمضروب ومرهوب ومرفوع ومجموع، فيقال هذا مضروب العبدِ ومرهوب قوم ومرفوع قدرا، وهو مجموع الأمر وأمرَه وأمْرًا، ومجموع الأمرِ وأمْرُه كما يقال هو حسنُ الوجهِ وحسُنُ وجهٍ وحسنٌ وجْهًا وحسنٌ الوجهُ وحسن وجْهُه وحسن وجهٌ والوجهَ ووجهَه. وكذا البواقي.

ص: 104

وأقل مسائل الصفة استعمالا نحو حسن وجهِه وحسن وجهَه وحسن وجهٌ. ولها مع ذلك نظائر من اسم المفعول. فنظير حسن وجهِه قول الشاعر:

تمنى لقائي الجَوْنُ مغرور نفسِه

ولما رآني ارْتاعَ ثمت عردا

ونظير حسن وجهَه قول الشاعر:

لو صُنْت طرفَك لم تُرَعْ بصفاتها

لمّا بَدَتْ مَجْلُوّةً وجَناتِها

ونظير حسن وجهٌ قول الآخر:

بثوب ودينارٍ وشاةٍ ودرهم

فهل أنت مرفوعٌ بما ههنا رأسُ

ونبهت بقولي: "وقد يُفعل ذلك بجامد لتأوله بمشتق" على أنه قد يقال وردنا منهلا عسلا ماؤه، وعسل الماء، ونزلنا بقوم أسدٍ أنصارُهم وأسْد الأنصارِ، وصاهرنا حيّا أقمارا نساؤه وأقمارِ النساءِ، على تأويل عسل بحلو، وأُسْد بشجعان، وأقمار بحسان. ومنه قول الشاعر:

فراشةُ الحِلْمِ فرعونُ العذاب وإنْ

يُطلَبْ نَداه فكَلبٌ دونه كلبُ

فعامل فراشة وفرعون معاملة طائش ومهلك. ومثله قول الآخر:

فولا اللهُ والمهرُ المفدَّى

لأبْتَ وأنتَ غِربالُ الإهاب

فعامل غربالا معاملة مثقب. وأكثر ما يجيء هذا الاستعمال في أسماء النسب كقولك مررت برجل هاشمي أبوه تميمة أمّه. وإن أضفت قلت: مررت برجل هاشمي الأبِ، تميميّ الأمِّ. وكذلك ما أشبهه.

ص: 105