المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ترخيم المنادى - شرح التسهيل لابن مالك - جـ ٣

[ابن مالك]

الفصل: ‌باب ترخيم المنادى

‌باب ترخيم المنادى

ص: يجوز ترخيم المنادى المبني إذا كان مؤنثا بالهاء مطلقا، أو علما زائدا على الثلاثة بحذف عجزه إن كان مركبا، ومع الألف إن كان "اثنا عشر" أو "اثنتا عشرة" وإن كان مفردا فبحذف آخره مصحوبا - إن لم يكن هاء تأنيث - بما قبله من حرف لين ساكن زائد مسبوق بحركة مُجانسة ظاهرة أو مقدرة وبأكثر من حرفين، وإلا فغير مصحوب، خلافا للفراء في نحو: عماد وسعيد وثمود، وله وللجرمي في نحو: فردوس وغرنيق.

ولا يرخم الثلاثي المحرك الوسط العاري من هاء التأنيث خلافا للكوفيين إلا الكسائي. ويجوز ترخيم لفظ الجملة وفاقا لسيبويه.

ش: يستعمل لفظ الترخيم في التصغير كما يستعمل في النداء، والمرادان مختلفان، فلذلك قيدت هنا الترخيم بإضافته إلى المنادى، ولم أطلق فأقول: باب الترخيم. وقيدت المنادى المجوز ترخيمه بكونه مبنيا، ليعلم أن المنادى المعرب لا يرخم، فخرج المضاف والمضارع له، والمستغاث. وأشرت بقولي:"إن كان مؤنثا بالهاء مطلقا" إلى أن ما فيه هاء التأنيث لا يشترط في ترخيمه علمية، ولا زيادة على الثلاثة، بل يرخم ما هي فيه وإن كان ثنائيا بدونها غير علم، ومن ذلك قول بعض العرب: ياشا ادجني، يريد: ياشاة أقيمي ولا تسرحي.

وقيدت العاري من هاء التأنيث بالعلمية، ليخرج ما ليس علما، كاسم الجنس، والموصول، واسم الإشارة.

وقيدته بالزيادة على الثلاثي، ليخرج الثلاثي المجرد، كبَكْر وزفر.

ثم بينت ما يحذف من العلم في الترخيم، فقلت: يحذف عجزه إن كان مركبا،

ص: 421

فيتناول ذلك المركب بمزج كحضرموت وسيبويه وخمسة عشر، فيقال: ياحضر، ويا سيب، ويا خمسة في المسمى بخمسة عشر. وكذلك ما أشبهها.

وتناول أيضا المركب بإسناد كتأبط شرا، وأكثر النحويين يمنعون ترخيمه، لأن سيبويه منع ترخيمه في باب الترخيم، ونص في باب النسب على أن من العرب من يرخمه، فيقول في تأبط شرا: ياتأبط. ورتب على ترخيمه النسب إليه، ولاخلاف في النسب إليه. ولم يتناول المضاف ولا المضارع له كثلاثين رجلا، علما، لأنهما معربان، وقد تقدم أن المرخم لا يكون إلا مبنيا، ولو كان العلم المركب "اثنا عشر" أو "اثنتا عشرة" ورخم حذفت الألف مع العجز، لأنه واقع موقع "اثنان" و"اثنتان" فيقال: يااثنَ، ويااثنتَ، كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا.

وإن كان العلم مفردا وفيه هاء التأنيث رخم بحذفها وحدها، وسواء في ذلك القليل الحروف والكثيرها، والمزيد فيه قبلها وما ليس كذلك، فيقال في: ثُبة، وسَفَرْجلة ومَرْجانة، وهَيْجُمانة أعلاما: ياثبَ، ويا سفرجلَ، ويا مرجانَ، ويا هيجُمانَ.

وإن عرى العلم المفرد من هاء التأنيث خماسيا فصاعدا، وقبل آخره حرف لين ساكن زائد مسبوق بحركة مجانسة، فترخيمه بحذف آخره، وحذف حرف اللين المذكور، سواء في ذلك ما آخره زائد وما آخره أصلي، فيقال في: مروان وعفراء ويعفور وعرفات ويعقوب وإدريس وإسحاق: يامرو، وياعفر، ويايعف، وياعرف، ويايعق، ويا إدر، وياإسح.

فلو كان الذي قبل آخره حرف اللين المقيد رباعيا كعماد وسعيد وثمود، اقتصر

ص: 422

على حذف الآخر، فيقال: ياعما، ويا سعى، وياثمو، وكذا إن كان حرف اللين متحركا كمُسَرْوَل، أو ساكنا مبدلا من أصل كمختار، أو مسبوقا بحركة غير مجانسة كفردوس وغُرْنَيْق، فلا يحذف من هذه وأمثالها إلا الأواخر، فيقال: يامُسَرْوَ، ويا مختا، ويافِرْدَوْ، ويا غُرْنَيْ.

فإن كانت الحركة غير مجانسة ولكنها متلوة بمجانسة مقدرة كمصطفَوْن علما، فالحكم كالحكم مع المجانسة المنطوقة بها.

وأجاز الفراء أن يقال في: عماد وسعيد وثمود: ياعما، وياسعى، ويا ثمو، وياعم، وياسع، وياثم.

وأجاز هو والجرمي أن يقال في: فردوس وغرنيق: يافرد وياغرن، فيعاملان حرف اللين الساكن الزائد بعد متحرك بفتحة متصلة لفظا وتقديرا معاملته بعد متحرك بحركة مجانسة.

وأجاز الفراء أيضا ترخيم الثلاثي العاري من هاء التأنيث إن كان ثانيه متحركا كأسد وسبع ونمر وزفر.

فصل: ص: تقدير ثبوت المحذوف للترخيم أعرف من تقدير التمام بدونه، فلا يغير على الأعرف ما بقي إلا بتحريك آخر تلا ألفا وكان مدغما في المحذوف، بفتحة إن كان أصلي السكون، وإلا فبالحركة التي كانت له خلافا لأكثرهم في رد ما حذف لأجل واو الجمع، ولا يمنع الترخيم على الأعرف من نحو ثمود، خلافا للفراء في التزام حذف واوه.

ويتعين الأعرف فيما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث، وفيما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير.

ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا. وإن كان ثانيا ذا لين ضُعِّف إن لم يعلم له ثالث، وجيء به إن علم.

ص: 423

ش: كون المحذوف في الترخيم منوي الثبوت شبيه بقولهم في جمع جارية: جوار، ببقاء الكسرة دليلا على ثبوت الياء تقديرا، وأن الإعراب منوي فيها. وكون الباقي بعد الترخيم في حكم المستقل تشبيه بحذف آخر المعتل الآخر وجعل ما قبله حرف إعراب، كقولهم: يد ودم وجوار، ولا ريب في اطراد الأول وشذوذ الثاني، ولذلك كثر في الترخيم تقدير ثبوت المحذوف، نحو قولك في: حارث وجعفر وهرقل: ياحارِ، وياجعفَ وياهرقْ. وقل فيه تقدير الاستقلال نحو قولك: ياحارُ وياجعف، وياهرقُ.

ونبهت بقولي: فلا يغير على الأعرف ما بقي إلا بتحريك آخر تلا ألفا، وكان مدغما في المحذوف على نحو: مضار وتضار وإسحار أعلاما، ترخم بحذف قاني مثليها، ويبقى أولهما ساكنا وقبله ألف، فلا بد من تحريكه لئلا يلتقي في الوصل ساكنان على غير الشرط المعتبر، أعني كون الثاني مدغما في مثله، فيجب في التحريك بالرد إلى الأصل فيما له حركة أصلية، فيقال في مضار المنقول من اسم فاعل: يامضارِ، وفي المنقول من اسم مفعول: يامضارَ. ويقال في المنقول من تضار: ياتضارِ، لأن أصله: تضادِر.

فلو لم يكن للساكن حركة أصلية كإسحارّ، وهو نبت، حرك بالفتحة لمجانستها الألف، ولأنها حركة أقرب المتحركات.

وإلى إسحارّ ونحوه أشرت بقولي: إن كان أصلي السكون.

وأكثر النحويين يردون ما حذف لأجل واو الجمع، فيقولون في ترخيم قاضون ومصطفون علمين: ياقاضِي، ويامصطفى، ويشبهونه برد ما حذف لأجل نون التوكيد الخفيفة عند زوالها وقفا، كقول الواقف على: هل تَفْعَلُنْ: هل تفعلون، برد واو الضمير ونون الرفع لزوال سبب حذفهما وهو ثبوت نون التوكيد وصلا، وهذا التشبيه ضعيف، لأن الحذف لأجل الترخيم غير لازم، فيصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف، وحذف نون التوكيد الخفيفة لأجل الوقف لازم، فلا يصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف.

ص: 424

واحتجُّوا أيضا بأن ياء قاضي، وألف مصطفى حذفتا لملاقاة الواو، فإذا حذفت الواو للترخيم ردت الياء والألف، كما تردان إذا حذف المضاف إليه في نحو: إن مدمني البر وافرو الأجر، لأنه لو لم يردا لكان حذفهما دون سبب. وهذا الاحتجاج يستلزم أن يعاد إلى كل متغير بسبب إزالة الترخيم ما كان يستحقه لو لم يكن ذلك السبب موجودا أصلا، فكان يقال في ترخيم كَرَوان وقَرَوان: ياكرا، وياقرا، قولا واحدا. لأن سبب تصحيح واوهما هو تلاقي الساكنين وقد زال، ومع ذلك يبقون الحكم المرتب عليه، لكون المحذوف منوي الثبوت، ولا فرق بين نية ثبوته ونية ثبوت سبب حذف ياء قاضون وألف مصطفون حين يرخمان، فعلى هذا يقال في ترخميهما على مذهب من ينوي المحذوف: ياقاضُ، ويامصطف، بالضم والفتح، ليدل بذلك على تقدير ثبوت المحذوف. وأما على مذهب من يجعل ما بقي مقدر الاستقلال، فيجوز أن يقال: ياقاضِ وياقاضي، ويا مصطفَ، ويامصطفى.

ويقال في ثمود على مذهب من ينوي المحذوف: ياثمو، ولا يمنع منه عدم النظير بسلامة واو بعد ضمة في آخر اسم عارض البناء، لأنها غير متأخرة في التقدير، ومنع ذلك الفراء لتأخرها لفظا، ولم يعتد بتقدير المحذوف، وألزم من أراد الترخيم في ثمود وشبهه أن يحذف الواو فيقول: ياثم، ولا يبالي ببقاء الاسم على حرفين، لأن ذلك عنده جائز.

ونبهت بقولي: "ويتعين الأعرف فيما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث" على أنه لا يرخم نحو: عمرة وضخمة إلا على لغة من ينوي المحذوف، ويدع آخر ما بقي على ما كان عليه، لأنهما لو رخما على تقدير الاستقلال فقيل: ياعمرُ، وياضخمُ، لتبادر إلى ذهن السامع أن المناديين رجل اسمه عمرو، ورجل موصوف بالضخم، وذلك مأمون بأن ينوي المحذوف، وتبقى الراء والميم مفتوحتين، وكذلك ما أشبههما.

وكذلك يتعين الوجه الأعرف فيما لو رخم على تقدير التمام لزم منه استعمال مالا

ص: 425

نظير له، والإشارة بذلك إلى أمثلة منها: طيلِسان، بكسر اللام، إذا سمي به رخم، فيجب تقدير ثبوت ما حذف منه، لأنه لو قدر تاما لزم وجود: فيعل، بكسر العين مع صحتها، وهو مهمل في وضع العرب، وذلك مأمون بترخيمه على الوجه الأعرف، أعني الترخيم على لغة من ينوي ثبوت المحذوف.

ومثل طيلِسان حِذْرية إذا سمي به ورخم، لا يرخم إلا على لغة من ينوي ثبوت المحذوف، فيقال: ياحذريَ، بفتح الياء على تقدير ثبوت الهاء، ولا يقدر التمام فيقال: ياحِذرِي، بالسكون، لئلا يلزم وجود اسم على فعلي، وهو مهمل وضعا.

ومما يجب ترخيمه على الوجه الأعرف: عرقوة، علما، فيقال فيه: ياعرقوَ، على نية المحذوف، ولا يرخم على تقدير التمام، لأن ذلك يوجب أن يقال: ياعَرْقِي، بفتح الفاء وكسر اللام، وهو مهمل وضعا كفِعْلِي بكسرهما.

ومما يجب ترخيمهه على الوجه الأعرف حبلوي وحمراوي، علمين، فيقال فيهما، ياحبلو، وياحمراو، على نية ثبوت المحذوف، لا على التقدير التمام، فإن ذلك يوجب أن يقال: ياحبلى وياحمرا، بقلب الواو التالية اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وبقلب الواو التالية الألف همزة، لتطرفها بعد ألف زائدة، فيلزم من ذلك ثبوت مالا نظير له، وهو كون ألف فعلى مبدلة من واو، وهي لا تكون إلا زائدة غير مبدلة من شيء، وكون همزة فعلاء مبدلة من واو، وهي لا تكون إلا مبدلة من ألف. ولاستيفاء الكلام على هذا وأمثاله موضع يأتي إن شاء الله تعالى.

فإلى هذه المسائل أشرت بقولي: "وفيما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير" ثم قلت: "ويعطى آخر مقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا" فنبهت بذلك على إظهار ضمته إن كان صحيحا، كقولك في: حارث وجعفر وهرقل: ياحارُ، وياجعفُ، وياهرقُ. وعلى تقديرها إن كان معتلا، كقولك في: ناجية يا ناجي، بسكون الياء، والسكون فيها دليل على تقدير ضمها، وأن لغة تقدير التمام

ص: 426

مقصودة، إذ لو كان على اللغة الأخرى لفتحت الياء.

ونبهت بقولي أيضا: "ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا" على أنه يقال في: ياثمو، ياثمي، فيفعل به من إبدال الضمة كسرة، والواو ياء ما فعل بجرو حين قيل في جمعه: أجر.

ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في: كروان وصَمَيان علمين: ياكرا، وياصما، فيعاملان معاملة: عصا وهدى.

ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في: عِلاوة وعناية: ياعلاء وياعناء، فيعاملان معاملة كساء ورداء، وجراء وظباء.

ثم قلت: "وإن كان ثانيا ذا لين ضعف إن لم يعلم له ثالث، وجيء به إن علم" فنبهت بذلك على أنه لات إذا جعل علما، ثم رخم على تقدير التمام، حذفت التاء، وضعف الألف، وحركت الثانية فانقلبت همزة، فيقال: يالاء، وكان التضعيف مستحقا لعدم العلم بثالث، فلو علم الثالث لجيء به. والإشارة بذلك إلى:"ذات" علما، فإنه إذا رخم على تقدير التمام حذفت تاؤه، وجيء به متمما: ياذوا، لأن أصل ذات ذوات، ولذلك قيل في التثنية: ذواتا. وقد قررت ذلك من غير هذا الباب. ومن المنقوص الثنائي المعلوم الثالث شاة، فإن أصله: شاهة، فإذا رخم على تقدير التمام قيل: ياشاه. ولو رخم على تقدير ثبوت المحذوف لقيل: ياشا. ومنه قول: ياشا ادجني.

فصل: ص: قد يقدر حذف هاء التأنيث ترخيما فتقحم مفتوحة، ولا يفعل ذلك بألفه الممدودة، خلافا لقوم، ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها، أو تعويض ألف منها.

ويرخم في الضرورة ما ليس منادى من صالح للنداء – وإن خلا من علمية وهاء تأنيث – على تقدير التمام بإجماع، وعلى نية المحذوف خلافا للمبرد، ولا

ص: 427

يرخم في غيرها منادى عار من الشرط إلا ما شذ من: ياصاح، وأطرق كرا، على الأشهر.

وشاع ترخيم المنادى المضاف بحذف آخر المضاف إليه، وندر حذف المضاف إليه بأسره، وحذف آخر المضاف.

ش: نص سيبويه على أن نداء ما فيه هاء التأنيث بترخيم أكثر من ندائه دون ترخيم، وبعد نصه على ذلك قال: واعلم أن ناسا من العرب يثبتون الهاء فيقولون: ياسلمةُ أقبل. وبعض من يثبت يقول: ياسلمةَ يعني بفتح التاء، ومنه قول الشاعر:

كليني لهمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصب

وليلٍ أُقاسيه بطيء الكواكب

وعلل سيبويه الفتح في التاء بأنه لما كان الأكثر في نداء ما هي فيه نداءه بحذفها، قدر وهي ثابتة عاريا منها، فحركت بالفتح لأنها حركة ما وقعت موقعه، وهو الحرف الذي قبلها.

وأسهل من هذا عندي أن تكون فتحة التاء إتباعا لفتحة ما قبلها، كما كانت فتحة المنعوت في نحو: يازيد بن عمرو، إتباعا لفتحة ابن، وإتباع الثاني الأول أحق بالجواز، لا سيما من كلمة واحدة. ويرجح هذا الاعتبار على ما اعتبره سيبويه قوله: وبعض من يثبت يقول: ياسلمة، فنسب الفتح إلى بعض من يثبت، ولو كان الفتح على ما ادعى من تقدير حذف التاء، لكان منسوبا إلى من يحذف لا إلى من يثبت، وهذا بيّن، والاعتراف برجحانه متعين.

وألحق بعض النحويين في جواز الفتح بذي الهاء ذا الألف الممدودة، فأجاز أن يقال: ياعفراءَ هلمي، بالفتح، وهذا لا يصح لأنه غير مسموع، ومقيس على ما ترك فيه مقتضى الدليل، لأن حق ما نطق به ألا يقدر ساقطا، والهاء المشار إليها على

ص: 428

الدعوى المذكورة بخلاف ذلك، فحق ما هي فيه مفتوحة أن يقصر على السماع، ولا يقاس عليه غيره من ذوات الهاء، فكيف يقاس عليه ذوات الألف الممدودة؟

وقد ترتب على كون ترخيم ذي الهاء أكثر من تتميمه أن شبه بالفعل المحذوف آخره وقفا كارْمِ، فسَوَّوْا بينهما في توقي حذف الحركة غالبا حين يوقف عليها بزيادة هاء السكت، وإعادة هاء التأنيث، فقالوا في الوقف: ارمه، وياطلحه، ولم يستغنوا غالبا عن الهاءين إلا قليلا. فمن القليل ما حكى سيبويه من قول من يثق بعربيته في الوقف على: حرملة: ياحرمل. ومثله قول بعض العرب: سِطِي مجر ترطُب هجر، يريد: توسطي يامجرة، فرخم ووقف دون إعادة الهاء، ودون تعويض، والمشهور إعادة الهاء أو تعويض الألف منها، كقول القطامي:

قِفي قبل التَّفَرُّق يا ضُباعا

ولا يكُ موقفٌ منك الوداعا

ويرخم للضرروة غير المنادى على تقدير التمام، وتناسي المحذوف، وعلى تقدير ثبوته، فالأول كقول امرئ القيس:

لنِعْمَ الفتى تَعْشُو إلى ضَوْءِ ناره

طريفُ بنُ مالٍ ليلة الجوع والخَصَر

أراد: مالك، ومثله:

سمتْ وزكت إبنا أُميّ بغاية

من المجد لم تُدْرَك ولا هي تدرك

أراد: أمية ومنه قول ذي الرمة:

ديارَ مَيّةَ إذمَيٌّ تُساعفنا

ولا يرى مثلها عربٌ ولا عجمُ

ص: 429

وزعم يونس أن: مَيّة، وميّا اسمان لمحبوبة ذي الرمة، وذلك تكلف لا حاجة إليه.

والثاني من وجهي الترخيم الضروري وهو أن يحذف ما يحذف ويقدر ثبوته، فيبقى آخر ما بقي على ما كان عليه، كقول الشاعر:

يُؤرِّقُني أبو حَنَش وطَلْقٌ

وعمّار وآوِنة أثالا

أراد: وآونة أثالة، فحذف التاء ونوى ثبوتها، ولذلك أبقى اللام مفتوحة، مع أنه في موضع رفع بالعطف على فاعل يؤرقني، ومثله:

إنّ ابنَ حارثَ إن أشْتَقْ لرؤيته

أو أمتدحْه فإن الناسَ قد علموا

أراد: ابن حارثة، ومثله:

ألا أضْحَتْ حبالكم رماما

وأضحتْ منكَ شاسعةً أُماما

أراد: أمامة، كذا رواه سيبويه. وزعم المبرد أن الرواية: وما عهد كعهدك ياأماما، لأنه لا يجيز الترخيم الضروري إلا على الوجه الأول. وهو محجوج بصحة الشواهد على الوجه الثاني، وبأن حذف بعض الاسم مع بقاء دليل على المحذوف أحق بالجواز من حذفه دون بقاء دليل. وأما زعمه أن الرواية: وما عهد كعهدك ياأماما، فلا يلتفت إليه، مع مخالفته نقل سيبويه، فأحسن الظن به إذا لم تدفع روايته أن تكون رواية ثانية، وللمبرد إقدام في رد ما لم يرو، كقوله في قول العباس بن مرداس:

وما كان حِصْنٌ ولا حابِسٌ

يفوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَع

الرواية: يفوقان شيخي، مع أن البيت بذكر مرداس ثابت بنقل العدل عن

ص: 430

العدل في صحيح البخاري وغيره. وذكر شيخي لا يعرف له سند صحيح، ولا سند يدنيه من التسوية، فكيف من الترجيح. ويحتمل قول عمرو بن الشريد:

أقولُ وليلِي لا تريمُ نجومُه

ألا ليت صخرا شاهدي ومعاويا

أن يكون على لغة من يقدر استقلال ما بقي، وأن يكون على لغة من يقدر ثبوت المحذوف وبقاء ما قبله على ما كان عليه.

ولا يرخم للضرورة ما فيه الألف واللام، لأنه لا يصلح للنداء، وشرط المرخم للضرورة أن يكون لفظه صالحا لمباشرة حرف النداء فعلى هذا لا يقال في "الحمى" من قول الراجز:

أوالفا مكةَ من وُرْقِ الحمِي

إنه مرخم للضرورة، لما فيه الألف واللام، وإنما هو من الحذف المستباح فيما لا يليق به الترخيم، وعلى صورة لا تستعمل في الترخيم، كقول الشاعر:

عفت المنا بمُتالع فأبان

أراد: المنازل، وكقول الآخر:

مُفَدِّمٌ بسبا الكَتّان مبغوم

أراد: بسبائب الكتان. وعليه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: "كفى بالسيف شا" قيل: أراد: شاهدا.

ص: 431

ولا يستباح في غير ضرورة ترخيم منادى عار من علمية ومن هاء تأنيث، وشذ قولهم في صاحب: ياصاح، وفي كروان: ياكرا. وزعم المبرد أن ذكر الكروان يقال له كرا. ومن أجل قوله قلت: وأطرق كرا، على الأشهر، لأن الأشهر في: أطرق كرا: أطرق يا كروان، فرخم، وحقه ألا يرخم لأنه اسم جنس عار من هاء التأنيث، وقدر ما بقي مستقلا، فأبدت الواو ألفا، وحذف حرف النداء، وحقه ألا يحذف، لأنه اسم جنس مفرد، ففيه على ثلاثة أوجه من الشذوذ. وعلى قول المبرد لا شذوذ فيه إلا من قبل حذف حرف النداء في نداء اسم الجنس. وقد تقدم من كلامي ما يدل على أن ذلك لا شذوذ فيه إلا عند من لم يطلع على شواهد جوازه، ومن جملتها قوله صلى الله عليه وسلم:"اشتدي أزمة تنفرجي" وقوله صلى الله عليه وسلم مترحما على موسى عليه السلام: "ثوبي حجر، ثوبي حجر" وكثر حذفه آخرا مضافا إليه في النداء، كقول الشاعر:

أبا عُرْوَ لا تَبْعَد فكلُّ ابنِ حُرَّة

سيدعوه داعِي مِيتة فيُجيب

وكقول الآخر:

أيا بن عَفْرا أبِن عُذْرًا فقد صدرت

منك الإساءةُ واستحققت هجرانا

وقول رؤبة:

إما تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ

قارَبْتُ بين عَنَقى وجَمْزى

وندر حذف المضاف إليه بأسره، كقول عدي بن زيد:

ياعبدَ هلْ تذكُرُني ساعة

في مَرْكب أو رائدٍ للقنيص

ص: 432

يخاطب عبد هند اللخمي، وعبد هند علم له، فرخمه بحذف المضاف إليه، وعامله معاملة معد يكرب.

وكذلك ندر حذف آخر المضاف في قول أوس بن حجر:

ياعَلْقَمَ الخير قد طالت إقامتُنا

هل حانَ منا إلى ذي الغمر تسريحُ

ص: 433