الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب همزة الوصل
ص: وهي المبدوء بها في الأفعال الماضية الخماسية والسداسية، ومصادرها، والأمر منها، ومن الثلاثي الساكن ثاني مضارعه لفظا عند حذف أوله. وفي: ابن واثنين، وامرئ، وإناثها، واسم، واست، وابنم، وايمن المخصوص بالقسم، والمبدوء بها أل، وتفتح مع هذين، وتضم مع غيرهما قبل ضمة أصلية موجودة أو مقدرة، وتُشَم قبل المُشَمة، وتكسر فيما سوى ذلك، وقد تكسر في ايمن، وربما كسرت قبل الضمة الأصلية، وأصلها الكسر على الأصح.
ش: لما فرغ من استيفاء أبنية الأفعال، وعلم المبدوء منها بهمزة وما ليس كذلك واحتيج إلى تبيين همزة الوصل، استعين على ذلك بالإحالة على ما تقدم، فاحترز بذكر الماضية من همزة المتكلم فإنها همزة قطع في الأفعال كلها. واحترز بالخماسية والسداسية من الرباعي الذي وزنه أفعل كأكرم، وفاعل كآخذ ماضي يؤاخذ، ومن الثلاثي الذي أوله همزة كأخذ.
وأمثلة الخماسي والسداسي قد ذكرت فلا حاجة إلى ذكر شيء منها، وقد علم أن كل مثال منها مفتوح الثالث، فإذا قصد مصدره كسر ثالثه، وزيد قبل آخره ألف، وترك ما سوى ذلك على ما كان عليه عند قصد الفعلية، إلا أن يكون ذا إدغام مع الفعلية فيجب مع المصدرية الفك من أجل الألف، كقولك فيما لا إدغام فيه: استمتع استمتاعا، واستخرج استخراجا. وفيما فيه إدغام: اشتد اشتدادا، واستعد استعدادا.
ومثال المبدوء بهمزة وصل من أمر الخماسي والسداسي استمِعْ واستخرِجْ.
وقد سبق الكلام على كيفية صوغ فعل الأمر، وبيان ما هو منه مفتقر لهمزة الوصل، فزدت الآن بيانا بالتنبيه على الأمر من الخماسي والسداسي. ثم نبهت على الأمر من الثلاثي وقيدته بسكون تالي حرف المضارعة منه لفظا عند حذف أوله، فعلم
بذلك أن الأمر من يعلم ويضرب ويخرج: اعلم واضرب واخرج، وكذلك ما أشبهها. وقد عرف ذلك من الفصل السابق، ولكن زيادة البيان أحوط.
وخرج بتقييد السكون باللفظ المحرك ثانيه لفظا لا تقديرا كيقوم ويرد ويرى ويسل، فإن ثوانيها محركة لفظا مسكنة تقديرا، فلو لم يقيد السكون باللفظ لتناولت العبارة ما هو مستغن عن همزة الوصل، من المحرك ثانيه لفظا المسكن تقديرا.
وخرج بقولي: "عند حذف أوله" خذْ وكلْ ومرْ، وكان حقها أن يقال فيها: اؤخذ واؤكل واؤمر، كما يقال في الأمر من: أثر الحديث، وأجر الأجير: اؤثر واؤجر، لكن كثر استعمال الأفعال الثلاثة، فحذفت الهمزة من الأمر منها على غير قياس، وللكلام على الحذف موضع هو أولى من هذا.
ولما حصرت مواقع همزة الوصل في الأفعال والمصادر كملت ذلك بضبط مواقعها الباقية وهي: ابن، وابنة، واثنان، واثنتان، وامرؤ، وامرأة، واسم واست، وايمن المخصوص بالقسم، وابنم، وال موصولة كانت أو معرفة أو زائدة. وقيد ايمن بكونه المخصوص بالقسم احترازا من أيمن جمع يمين، وقد تقدم الكلام في باب القسم على ايمن مكملا، لكن بعد العهد به، فلم أر بأسا بإعادة بعض ذلك تأكيدا للبيان، وتوقيا للنسيان.
ولما كان سبب الإتيان بهمزة الوصل التوصل إلى الابتداء بالساكن، وجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها، وأحق الحركات بها الكسرة، لأنها راجحة على الضمة لقلة الثقل، وعلى الفتحة لأنها لا توهم استفهاما بخلاف الفتحة فإنها توهمه، فإنه لو قيل في: اصطفى: اَصطفى، والاستفهام غير مراد، لكان لفظه كاللفظ به والاستفهام مراد. فإذا قيل في الإخبار: اِصطفى بالكسر، وفي الاستفهام: اَصطفى بالفتح، أمن الإيهام، وتأكد الإفهام.
وفي فتح همزة الوصل أيضا محذور آخر وهو تأديته إلى التباس الأمر بالمضارع المسند إلى المتكلم، وذلك أنه لو قيل في الأمر بالانطلاق: اَنطلق، بفتح الهمزة، لتوهم أنه مضارع مسند إلى المتكلم، ولا يكفي الفرق بالسكون، فإن المضارع قد يسكن في مواضع الرفع تخفيفا، كتسكين أبي عمرو:"ينصركم" وأخواته.
ولما استحقت همزة الوصل الكسر في الأفعال كسرت أيضا في الأسماء، لتجري على سنن واحد، فإن عرض فيما يلي الساكن الذي جيء بها لأجله ضمة لازمة ضمت هي إتباعا، وتخلصا من تتابع كسر وضم. وبعض العرب يغتفر ذلك لأجل الانفصال بالساكن، والضم هو المأخوذ به حتى في نحو: اغزى، إتباعا للضمة المنوية قبل الياء.
ومن أشم في نحو: اختير وانقيد لزمه الإشمام في الهمزة.
فصل: ص: لا تثبت همزة الوصل غير مبدوء بها إلا في ضرورة، ما لم تكن مفتوحة تلي همزة استفهام فتبدل ألفا أو تسهل. وثبوتها قبل حرف التعريف المحرك بحركة منقولة راجح، ويغني عنها في غيره. وشذ في: سَل: إسَل. وإن اتصل بالمضمومة ساكن صحيح أو جار مجراه جاز كسره وضمه.
ش: مثال ثبوته غير مبدوء بها في الضرورة قول الشاعر:
إذا جاوَزَ الاثنين سِرٌّ فإنه
…
بنَتٍّ وإفشاءِ الحديث قمينُ
ومثال إبدالها ألفا لكونها مفتوحة بعد همزة الاستفهام قوله تعالى: (آلذكرين حرم أم الأنثيين) وكان حقها أن تحذف كما يحذف غيرها من همزات الوصل إذا وليت همزة الاستفهام نحو: (أصطفى البنات على البنين) إلا أنها لو حذفت لم يعلم أن الباقية همزة الاستفهام، لأنها مفتوحة، واللفظ بالاستفهامية في موضعها كاللفظ بها دون استفهام، فلو لم تبدل أو تسهل بعد همزة الاستفهام لكان الاستفهام لا يعرف به، والمشهور إبدالها ألفا، وقد تسهل كقول الشاعر:
وما أدري إذا يَمّمْتُ أرضا
…
أريد الخير أيُّهما يليني
أالخير الذي أنا أبتغيه
…
أم الشر الذي لا يأتليني
وكقول الآخر:
ألحقَّ إن دارُ الرباب تباعدت
…
أو انبتّ حبْلٌ أن قلبك طائر
وإذا نقلت حركة همزة الوصل إلى الساكن الذي جيء بهمزة الوصل لأجله استغنى عن همزة الوصل، كقول بعض العرب ن نُؤيك، يريد: انأ نؤيك أي: أصلحه. وكذا يقال لمن يؤمر بالنأي: ن عني، والأصل: انأ عني، فنقلت حركة الهمزة إلى النون، واستغنى عن همزة الوصل، كما استغنى في الإدغام إذا قلت في: اردد: ردّ، وشذّ قول بعض العرب في: سل: اسَل.
ولو كان الساكن المنقول إليه الحركة لام أل لجاز حذف الهمزة وثبوتها، والثبوت أجود، لأن استعماله في القراءة أشهر.
وإذا اتصل بهمزة الوصل مضمومة ساكن صحيح، أو جار مجرى الصحيح حذفت وكسر الساكن أو ضم، نحو:(أنِ اقتلوا أنفسكم أوِ اخرجوا من دياركم) وأنُ اقتلوا أوُ اخرجوا.