المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التعجب ‌ ‌مدخل … باب التعجب: وهو استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، - شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو - جـ ٢

[خالد الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب إعمال المصدر وإعمال اسمه

- ‌باب إعمال اسم الفاعل

- ‌مدخل

- ‌باب إعمال اسم المفعول:

- ‌ باب أبنية مصادر الفعل "الثلاثي" المجرد:

- ‌باب مصادر غير الثلاثي:

- ‌باب كيفية أبنية أسماء الفاعلين:

- ‌باب كيفية أبنية أسماء المفعولين:

- ‌باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد

- ‌مدخل

- ‌باب التعجب

- ‌مدخل

- ‌باب نعم وبئس

- ‌مدخل

- ‌باب أفعَلِ التفضيل:

- ‌باب النعت

- ‌مدخل

- ‌باب التوكيد

- ‌مدخل

- ‌باب العطف:

- ‌باب عطف النسق

- ‌مدخل

- ‌باب البدل

- ‌مدخل

- ‌باب النداء

- ‌الفصل الأول في ذكر الأحرف التي ينبه بها المنادى إذا دعي

- ‌الفصل الثاني في أقسام المنادى بفتح الدال:

- ‌الفصل الثالث في أقسام تابع المنادى المبني وأحكامه:

- ‌الفصل الرابع في المنادى المضاف للياء الدالة على المتكلم:

- ‌باب في ذكر أسماء لازمت النداء:

- ‌باب الاستغاثة:

- ‌باب الندبة:

- ‌باب الترخيم

- ‌مدخل

- ‌باب المنصوب على الاختصاص:

- ‌باب التحذير:

- ‌باب الإغراء:

- ‌باب أسماء الأفعال

- ‌مدخل

- ‌باب أسماء الأصوات:

- ‌باب نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة

- ‌مدخل

- ‌باب ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌باب إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌فصل في أوجه "لو

- ‌فصل في "أما" بفتح الهمزة وتشديد الميم:

- ‌فصل في ذكر وجهي "لولا ولوما" على ما في النظم:

- ‌باب الإخبار بالذي وفروعه

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول في بيان حقيقته:

- ‌الفصل الثاني في شروط ما يخبر عنه:

- ‌باب العدد

- ‌مدخل

- ‌باب كنايات العدد وهي ثلاث كم وكأي وكذا:

- ‌باب الحكاية:

- ‌باب التأنيث

- ‌مدخل

- ‌باب المقصور والممدود:

- ‌باب كيفية التثنية:

- ‌ باب جمع الاسم جمع المذكر السالم

- ‌باب كيفية جمع المؤنث السالم من التغيير:

- ‌باب جمع التكسير:

- ‌باب التصغير

- ‌مدخل

- ‌باب النسب

- ‌مدخل

- ‌باب الوقف

- ‌مدخل

- ‌باب الإمالة:

- ‌باب التصريف

- ‌مدخل

- ‌فصل في كيفية الوزن:

- ‌فصل فيم تعرف به الأصول والزوائد

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل:

- ‌باب الإبدال

- ‌مدخل

- ‌فصل في إبدال الهمزة:

- ‌فصل في عكس ذلك:

- ‌فصل في إبدال الياء من أختيها الألف والواو

- ‌فصل في إبدال الواوين من أختيها الألف والياء:

- ‌فصل في إبدال الألف من أختيها الواو والياء:

- ‌فصل في إبدال التاء المثناة فوق "من الواو والياء" المثناة تحت:

- ‌فصل في إبدال الطاء:

- ‌فصل في إبدال الدال المهملة:

- ‌فصل في إبدال الميم:

- ‌باب نقل حركة الحرف المتحرك المعتل إلى الساكن الصحيح قبله:

- ‌باب الحذف:

- ‌باب الإدغام اللائق بالتصريف:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌ ‌باب التعجب ‌ ‌مدخل … باب التعجب: وهو استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها،

‌باب التعجب

‌مدخل

باب التعجب:

وهو استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قل نظيره، قاله ابن عصفور1.

فخرج بـ: "وصف الفاعل" وصف المفعول، فلا يقال: ما أضرب زيدًا، تعجبًا من الضرب الواقع على زيد، وبـ:"خفي سببها" الأمور الظاهرة الأسباب، فلا يتعجب في شيء منها لقولهم:"إذا ظهر السبب بطل العجب" وبـ: "قلة النظائر والخروج عنها" ما تكثر نظائره في2 الوجود ولا يستعظم، فلا يتعجب منه3.

"و" التعجب4 "له عبارات" كثيرة واردة في الكتاب والسنة ولسان العرب، فمن الكتاب "نحو" قوله تعالى:" {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} "[البقرة: 28]"و" من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: $"سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس"5. "و" من كلام العرب قولهم6: "لله دره فارسًا". وإنما لم يبوب لها في النحو لأنها لم تدل على التعجب بالوضع بل بالقرينة.

"والمبوب له منها6 في النحو" صيغتان "اثنتان" موضوعتان له:

1 المقرب 1/ 71.

2 في "أ": "من"، والتصويب من "ب"، "ط".

3 انظر المقرب 1/ 71.

4 سقطت من "ب".

5 أخرجه البخاري في كتاب الغسل برقم 281، ومسلم في الحيض برقم 371.

6 سقطت من "ب".

ص: 57

"إحداهما: ما أفعله، نحو: ما أحسن زيدًا"، وإليها أشار الناظم بقوله:

474-

بأفعل انطق بعد ما تعجبا

...............................

والكلام فيها في شيئين، في "ما"1 و"أفْعَلَ"، "فأما: ما" التعجبية "فأجمعوا على اسميتها، لأن في "أحسن" ضميرًا يعود عليها" اتفاقًا، والضمير لا يعود إلا على الأسماء، و"أجمعوا" أيضًا "على أنها مبتدأ لأنها مجردة" عن العوامل اللفظية "للإسناد إليها"، وأما ما روي عن الكسائي أنها لا موضع لها من الإعراب، فشاذ لا يقدح في الإجماع. "ثم" بعد الاتفاق على أنها سم مبتدأ، اختلفوا في معناها، "قال سيبويه" وجمهور البصريين: "هي نكرة تامة بمعنى شيء، وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب2"، كما قالوا في قول1 الشاعر:[من الكامل]

605-

عجب لتلك قضية وإقامتي

فيكم على تلك القضية أعجب

"وما بعدها" من الجملة الفعلية "خبر، فموضعه رفع3.

وقال الأخفش4: هي" أي: ما "معرفة ناقصة" أي موصولة "بمعنى "الذي" وما بعدها" من الجملة الفعلية "صلة" لها فلا موضوع له" من الإعراب. "أو نكرة ناقصة"؛ أي نكرة موصوفة بمعنى "شيء""وما بعدها" من الجملة الفعلية "صفة" لها، "فمحله رفع" تبعًا لمحل "ما".

"وعليهما" أي على قول الأخفش من التعريف والتنكير الناقصين؛ "فالخبر" أي خبر المبتدأ الذي هو "ما" التعجبية "محذوف وجوبًا، أي": الذي، أو شيء أحسن زيدًا "شيء عظيم"، ورد بأنه يستلزم مخالفة النظائر من وجهين:

أحدهما: تقديم الإفهام بالصلة أو الصفة وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر، والمعتاد فيما تضمن من الكلام إفهامًا وإبهامًا تقدم الإبهام5.

1 سقطت من "ب".

2 انظر الكتاب 1/ 328-329، وشرح ابن الناظم ص326، وشرح قطر الندى ص321.

605-

البيت لضمرة بن جابر في الدرر 1/ 416، ولهني بن أحمر في الكتاب 1/ 319، ولسان العرب 6/ 61 "حيس"، ولهمام بن مرة في الحماسة الشجرية 1/ 256، ولرؤبة في شرح المفصل 1/ 14، وبلا نسبة في سمط اللآلي ص288، وشرح الأشموني 1/ 97، وشرح قطر الندى ص321، وهمع الهوامع 1/ 191.

3 انظر شرح المفصل 7/ 49، والكتاب 1/ 72.

4 انظر المفصل 7/ 149، والارتشاف 3/ 33.

5 في "أ": "ما تقدم"؛ بزيادة "ما".

ص: 58

والثاني: التزام حذف الخبر دون شيء يسد مسده.

وروي عن الأخفش قول ثالث موافق لقول سيبويه والجمهور، وذهب الفراء وابن درستويه إلى أن "ما" استفهامية، ونقله في شرح التسهيل1 عن الكوفيين، وهو موافق لقولهم باسمية "أفْعَلَ" فإن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو:{مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] .

والأصح ما ذهب إليه سيبويه وأصحابه، لأن قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي2، وسبب الاختصاص بها خفي فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصة ليحصل بذلك إبهام متلو بإفهام، ولا شك أن الإفهام حاصل بإيقاع "أفعل" على المتعجب منه، إذ لا يكن إلا مختصًا، فتعين كون الباقي وهو "ما" مقتضيًا للإبهام.

"وأما: أفْعَلَ" بفتح العين "كـ: أحْسَنَ" ففيه خلاف، "فقال البصريون والكسائي" وهشام:"فعل" ماض "للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، نحو: ما أفقرني إلى رحمه الله"، وما أحسنني إن اتقيت الله، "ففتحته" التي في آخره "بناء" لا إعراب، "كالفتحة في "ضرب" من" قولك:"زيد ضرب عمرًا، وما بعده" من الاسم المنصوب "مفعول به"، كما أن بعد "ضرب" من الاسم المنصوب مفعول به، فإعراب: ما أحسن زيدًا، مثل3 إعراب: زيد ضرب عمرًا، حرفًا بحرف.

"وقال بقية الكوفيين" غير الكسائي وهشام: "أفْعَلَ""اسم لقولهم" أي العرب "ما أحيسنه" وما أميلحه، بالتصغير، ولم يصغروا غيرهما، والتصغير من خصائص4 الأسماء، "ففتحته" التي في آخره "إعراب" لا بناء "كالفتحة في" "عندك" من قولك:"زيد عندك، وذلك لأن مخالفة الخبر للمبتدأ" في المعنى "تقتضي عندهم نصبه" أي: نصب الخبر، بخلاف ما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى كـ:{اللَّهِ رَبِّنَا} [الشورى: 15] أو مشبهًا به نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فإنه يرتفع ارتفاعه. ولما كان مخالفًا له بحيث لا يحمل عليه حقيقة ولا حكمًا خالفه في الإعراب.

1 شرح التسهيل 3/ 32.

2 بعدها في "أ": "خبر".

3 سقطت من "ب".

4 في "أ"، "ب":"خواص"، وأثبت ما في "ط".

ص: 59

والناصب له عندهم معنوي، وهو معنى المخالفة التي اتصف بها، ولا يحتاج إلى شيء يتعلق به الخبر، "و: أحْسَنَ؛ إنما هو في المعنَى وصف لـ: زيد، لا لضمير: ما" فلذلك نَصَبَ. "و: زيدًا؛ عندهم مشبه بالمفعول به"، لأن ناصبه وصف قاصر1، فأشبه نصبَ الوجهِ في قولك: "زيدٌ حسنٌ الوجه". وأجيب بأن التصغير في "أفعل" شاذ، ووجه تصغيره أنه أشبه الأسماء عمومًا لجموده، وأنه لا مصدر له. أو أنهم2 ذهبوا بتصغيره إلى معنى المصدر حيث لزم صيغة واحدة. قاله أبو البقاء3. وأشبه أفعل التفضيل خصوصًا بكونه على وزنه، وبدلالته على الزيادة، وبكونهما لا يبنيان إلا مما استكمل شروطًا، يأتي ذكرها.

وندر حذف همزة "أفعل" سمع: ما خيره وما شره، بمعنى: ما أخيره وأما أشره، ولما حذفوا همزة "أخير" حركوا الخاء بحركة الياء، ومنهم من لم يحركها ويحذف ألف "ما" ويقول: مخيره، وسمع الكسائي: مخبثه.

"الصيغة الثانية" من صيغتي التعجب: "أفعل به" بكسر العين، "نحو أحسن بزيد" وإليها الإشارة بقول الناظم:

474-

....................................

أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا

"وأجمعوا على فعلية: أفعل" لأنه على صيغة لا تكون إلا للفعل، فأما أصبع بفتح الهمزة، لغة في إصبع فنادر، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على أن "أفعل" اسم. قال المرادي4: ولا وجه له.

"ثم" بعد اتفاقهم على فعليته اختلفوا في حقيقه، "قال البصريون"؛ جمهورهم:"لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر" فمدلوله ومدلول "أحسن" في: ما أحسن زيدًا من حيث التعجب واحد، "وهو في الأصل فعل ماض" صيغته "على صيغة: أفْعَلَ" بفتح العين، وهمزته للصيرورة "بمعنى صار ذا كذا"، فأصل: "أحسن يزيد" أحسن زيد، أي صار ذا حسن، "كـ: أغد البعير، أي صار ذا غدة"، وأبقلت الأرض: أي صارت ذات بقل، "ثم غيرت الصيغة" الماضوية، إلى الصيغة الأمرية، فصار: أحسن زيد، بالرفع، "فقبح إسناد" لفظ "صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر"، لأن صيغة

1 في "ب": "فعل".

2 في "ب": "أو لأنهم".

3 ورد قوله في كتابه التبيين ص290-291.

4 شرح المرادي 3/ 63.

ص: 60

الأمر لا ترفع الاسم الظاهر، "فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به" المجرور بالباء. "كـ: امرر بزيد: ولذلك" القبح "التزمت" زيادتها صونًا للفظ عن الاستقباح، "بخلافها" أي: بخلاف زيادة الباء "في" فاعل الفعل الماضي نحو: "{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} " [الرعد: 43] "فيجوز تركها" المجرور لعدم الاستقباح "كقوله"؛ وهو سحيم؛ بمهملتين؛ عبد بني الحسحاس؛ بمهملات أربع: [من الطويل]

606-

عميرة ودع إن تجهزت غاديًا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

فحذف الباء من فاعل "كفى".

"وقال الفراء والزجاج والزمخشري وابن كيسان وابن خروف": أفعل؛ بكسر العين في التعجب: "لفظه ومعناه الأمر" حقيقة، "وفيه ضمير" مستتر مرفوع على الفاعلية، "والباء للتعدية" داخلة على المفعول به لا زائدة1.

"ثم" اختلفوا في مرجع الضمير المستتر في "أفعل"، "قال ابن كيسان" من الكوفيين:"الضمير" المستتر في أفعل2 للحسن المدلول عليه بـ: أحسن، كأنه قيل: أحسن يا حسن بزيد، أي: دم به والزمه، ولذلك كان الضمير مفردًا على كل حال، لأن ضمير المصدر كالمصدر لا يثنى ولا يجمع، واستحسنه ابن طلحة.

"وقال غيره" أي غير ابن كيسان من المتقدم ذكرهم، وهم: الفراء من الكوفيين، والزجاج من البصريين، وابن خروف والزمخشري من المتأخرين: الضمير المستتر في "أفعل""للمخاطب" المستدعي منه التعجب، وكان القياس أن يقال في التأنيث: أحسني، وفي التثنية: أحسنا. وفي الجمع: أحسنوا أو أحسنَّ، "وإنما التزم إفراده" وتذكيره واستتاره، "لأنه" أي: أفعل المستتر فيه الضمير "كلام جرى مجرى المثل"، والأمثال لا تغير عن حالها.

606- البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف 1/ 168، وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103، وسر صناعة الإعراب 1/ 141، وشرح شواهد المغني 1/ 325، والكتاب 2/ 26، 4/ 225، ولسان العرب 15/ 226 "كفى"، ومغني اللبيب 1/ 106، والمقاصد النحوية 3/ 665، وبلا نسبة في أسرار العربية ص144، وأوضح المسالك 3/ 253، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح عمدة الحافظ ص425، وشرح قطر الندى ص1323، وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب 15/ 344، "نهى"، وشرح التسهيل 3/ 24.

1 انظر الارتشاف 3/ 35، وشرح الكافية الشافية 2/ 1078.

2 سقط من "ب": "المستتر في أفعل".

ص: 61

وضعف مذهب جمهور البصريين بثلاثة أوجه: أحدها: استعمال الأمر بمعنى الماضين وهو ما لم يعهد والمعهود عكسه. والثاني: استعمال أفعل بمعنى "صار" وهو قليل، والثالث: زيادة الباء في الفاعل.

ورد ابن مالك قول الفراء وموافقيه بأربعة أوجه1:

أحدها: أنه لو كان أمرًا لزم إبراز ضميره.

الثاني: أنه لو كان أمرًا لم يكن الناطق به متعجبًا، كما لا يكون الأمر بالخلف ونحوه حالفًا، ولا خلاف في كونه متعجبًا.

الثالث: أنه لو كان مسندًا إلى ضمير المخاطب لم يلِهِ ضمير المخاطب في نحو: أحسن بك.

الرابع: أنه لو كان أمرًا لوجب له من الإعلال ما وجب لـ: أقم وأبن.

ويجوز حذف الباء إذا كان المتعجب منه "أن" المصدرية وصلتها كقوله "من الطويل"

607-

.....................................

وأحبب إلينا أن يكون المقدما

أي: بأن يكون، دون "أن" المشددة وصلتها لعدم السماع، فهذا حكم اختصت2 به "أن" عن "أن" ونظيره: عسى أن يقوم. قاله الموضح في الحواشي3.

وزاد بعضهم في التعجب صيغة ثالثة، وهي "فعل" بضم العين، نحو:{كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5]، وزاد الكوفيون رابعة وهي: أفعل بغير "ما" فأجازوا تحويل الثلاثي إلى صيغة أفعل، وقالوا: أحسنت رجلا، وأكرمت رجلا بمعنى4: ما أحسنك وما أكرمك. وزاد بعضهم اسم التفضيل متمسكًا بقول سيبويه5: إن أفعل وما أفعله وأفعل به في معنى واحد.

1 شرح التسهيل 3/ 33-34.

607-

صدر البيت: "وقال نبي المسلمين تقدموا"، وهو لعباس بن مرادس في ديوانه ص102، والدرر 2/ 292، 297، والمقاصد النحوية 3/ 656، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 34، والجنب الداني ص49، والدرر 2/ 580، وشرح ابن الناظم ص332، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح ابن عقيل 2/ 157، وشرح التسهيل 3/ 35، ولسان العرب 1/ 292 "حبب"، والمقاصد النحوية 4/ 593، وهمع الهوامع 2/ 90، 91، 227.

2 في "ب": "اختص".

3 انظر التسهيل ص130.

4 في "ب": "يعني".

5 الكتاب 4/ 97.

ص: 62

"مسألة": لا يتعجب إلا من معرفة أو نكرة مختصة1 نحو: ما أحسن زيدًا، وما أسعد رجلا اتقى الله، لأن المتعجب منه مخبر عنه في المعنى، فلا يقال: ما أسعد رجلا من الناس، لأنه لا فائدة في ذلك.

"ويجوز حذف المتعجب منه" إذا كان ضميرًا، كما "في مثل: ما أحسنه"، و"إن دل عليه دليل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

476-

وحذف ما منه تعجبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح

"كقوله"؛ وهو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: [من الطويل]

608-

جزى الله عني والجزاء بفضله

ربيعة خيرًا ما أعف وأكرما

أي: ما أعفها وأكرمها.

"وفي" مثل "أفعل به؛ إن كان؛ أفعل"؛ بكسر العين؛ "معطوفًا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] أي: بهم وقوله: [من الرجز]

609-

أعزز بنا واكتف إن دعينا

يوما إلى نصرة من يلينا

أي: واكتف بنا. وإنما حذف للدليل مع كونه فاعلا، لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلية، خلافًا للفارسي وجماعة ذهبوا إلى أنه لم يحذف، ولكنه استتر في الفعل حين حذفت الباء، كما في قولك: زيد كفى به كاتبًا. زيد كفى كاتبًا.

ورده ابن مالك بوجهين2:

أحدهما: لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع، والثاني: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار، كـ:"نا" من: أكرم بنا، فإن لم يدل عليه دليل لم يجز حذفه.

أما في "ما أفعله" فلعروه إذا ذاك عن الفائدة، فإنك لو قلت: ما أحسن أو ما أجمل، لم يكن كلامًا، لأن معناه أن3 شيئًا صير الحسن واقعًا على مجهول، وهذا مما لا

1 سقطت من "ب".

608-

البيت للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ص491، والدرر 2/ 296، وشرح ابن الناظم ص328، والعقد الفريد 5/ 283، والمقاصد النحوية 3/ 649، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 259، وشرح الأشموني 2/ 364، وهمع الهوامع 2/ 91.

609-

الرجز بلا نسبة في الدرر 2/ 328، وشرح التسهيل 3/ 37.

2 شرح التسهيل 3/ 37.

3 في "ب": "ما".

ص: 63

ينكر وجوده، ولا يفيد التحدث به. وأما نحو "أفعل به" فلا يحذف منه المتعجب منه لغير دليل؛ لأنه فاعل، "وأما قوله" وهو عروة بن الورد:[من الطويل]

610-

فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدًا وإن يستغن يومًا فأجدر

فحذف المتعجب منه، ولم يكن معطوفًا على مثله، "أي": فأجدر "به" حميدًا، "فشاذ" أو قليل.

"مسألة: وكل من هذين الفعلين وهم: ما أفعله وأفعل به، ممنوع التصرف" اتفاقًا. قاله ابن مالك1، وإليه أشار الناظم بقوله:

477-

وفي كلا الفعلين قدمًا لزما

منع تصرف بحكم حتما

وأجاز هشام أن يؤتى بمضارع "ما أفعله" فتقول: ما يحسن زيدًا، وهو قياس، ولم يسمع، فلا يقدح في الإجماع.

وليس "أفعل" أمرًا من "أفعل" لاختلاف مدلولي2 الهمزة عند الجمهور، لأنها في التعجب للصيرورة، وفي غيره للنقل، "فالأول" وهو: ما أفعله "نظير: تبارك وعسى وليس" في الجمود وفي ملازمة المضي. "والثاني" وهو أفعل به "نظير "هب" بمعنى: اعتقد، و"تعلم" بمعنى: اعلم" في الجمود وفي ملازمة صيغة الأمر.

"وعلة جمودها تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع"

ولم يوضع.

"مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين" الدالين على التعجب "امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، و" امتنع "أن يفصل بينهما" وبين معموليهما3 "بغير ظرف أو مجرور، لا تقول: ما زيدًا أحسن"، بتقدم معمول "أحسن" عليه "ولا" تقول:

610- البيت لعروة بن الورد في ديوانه ص15، والأصمعيات ص46، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص424، وشرح عمدة الحافظ ص755، والمقاصد النحوية 3/ 650، وله أو لحاتم الطائي في الأغاني 6/ 303، وخزانة الأدب 1/ 9، 10/ 13، ولحاتم الطائي في الدرر 2/ 103، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأغاني 6/ 296، وأوضح المسالك 3/ 260، وشرح ابن الناظم ص329، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح ابن عقيل 2/ 152، وشرح التسهيل 3/ 37، وشرح الكافية الشافية 2/ 1079، وهمع الهوامع 2/ 38.

1 شرح الكافية الشافية 2/ 1080.

2 في "ب": "مدلول".

3 في "ب": "ومعمولهما".

ص: 64

"يزيد أحسن"، بتقديم معمول "أحسن" عليه، "وإن قيل: إن "بزيد" مفعول" به، كما يقول به الفراء وأصحابه، لعدم التصرف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

483-

وفعل هذا الباب لن يقدما

معموله......................

"وكذلك لا تقول: ما أحسن؛ يا عبد الله؛ زيدًا". بالفصل بالمنادى بين "أحسن" ومعموله، بلا خلاف، كما يؤخذ من كلام الشارح1، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

483-

....................................

.............. ووصله بما الزما

وفي الكلام الفصيح ما يدل على جوازه، كقول على رضي الله عنه لما رأى عمار بن ياسر مقتولا:"أعزز علي؛ أبا اليقظان؛ أن أراك صريعًا مجدلا" أي مرميا على الجدالة، بفتح الجيم، وهي الأرض. قال ابن مالك2: وهذا مصحح للفصل بالمنادى.

"ولا" تقول "أحسن؛ لولا بخله؛ بزيد"، بالفصل بـ"لولا" الامتناعية ومصحوبها، وأجاز ذلك ابن كيسان3، قال المرادي4: ولا حجة له على ذلك.

وأجاز الجرمي الفصل بالمصدر نحو: ما أحسن؛ إحسانًا؛ زيدًا، ومنعه الجمهور لمنعهم أن يكون له مصدر، وأجاز الجرمي وهشام الفصل بالحال نحو: ما أحسن؛ راكبًا؛ زيدًا، وأحسن؛ راكبًا؛ بزيد5.

"واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور" حال كونهما "متعلقين بالفعل" الدال على التعجب، "والصحيح الجواز" للتوسع فيهما، وإليه أشار الناظم بقوله:

484-

وفصله بظرف أو بحرف جر

مستعمل والخلف في ذاك استقر

فذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين إلى المنع6، وذهب الفراء والجرمي

1 في شرح ابن الناظم ص331: "لا خلاف في امتناع تقديم معمول فعل التعجب عليه، ولا في امتناع الفصل بينه وبين المتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور، كالحال والمنادى".

2 شرح التسهيل 3/ 41.

3 الارتشاف 3/ 41.

4 شرح المرادي 3/ 72.

5 انظر الارتشاف 3/ 37، وشرح ابن الناظم ص332.

6 شرح ابن الناظم ص332، وشرح المفصل 7/ 150.

ص: 65

والمازني والزجاج والفارسي وابن خروف والشلوبين إلى الجواز1، "كقولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب، وقوله"؛ وهو أوس بن حجر:[من الطويل]

611-

أقيم بدار الحزم ما دام حزمها

وأحر إذا حالت بأن أتحولا

ففصل بـ"إذا" الظرفية بين "أحر" ومعموله، وهو "أن" وصلتها، وليس لسيبويه في ذلك نص2.

"ولو تعلق الظرف والمجرور بمعمول فعل التعجب لم يجز الفصل به اتفاقًا"، كما قال ابن مالك في شرح التسهيل3 "نحو: ما أحسن معتكفًا في المسجد، وأحسن بجالس عندك"، فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، وأحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بمعمول معموله.

1 شرح ابن الناظم ص331.

611-

البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص83، وتذكرة النحاة ص292، وحماسة البحتري ص120، وشرح عمدة الحافظ ص748، والمقاصد النحوية 3/ 659، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 263، وشرح ابن الناظم ص332، وشرح الأشموني 2/ 369، وشرح التسهيل 3/ 41، وشرح الشافية 2/ 1096.

2 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 1089، وفي شرح ابن الناظم 331:"حكى الصيمري أن مذهب سيبويه منع الفصل بالظرف بين فعل التعجب ومعموله، والصواب أن ذلك جائز، وهو المشهور والمتصور".

3 شرح التسهيل 3/ 40.

ص: 66

فصل:

"وإنما يبنى هذا الفعلان مما اجتمعت1 في ثمانية شروط:

أحدها: أن يكون فعلا، فلا يبنيان من" الاسم، نحو "الجلف" بالجيم، وهو في الأصل الدن الفارغ، "و" في القاموس2: "الجلف" بالكسر: الرجل الجافي، وقد جلف جلف: كـ"فرح" جلفا وجلافة. انتهى. فأثبت له فعلا، فيبنى من فعله.

"والحمار": وهو الحيوان المعروف، "فلا يقال: ما أجلفه" أي: أجفاه، وفيه ما تقدم عن القاموس. "ولا" يقال: "ما أحمره" أي: أبلده، "وشذ: ما أذرع المرأة، أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع"، بفتح أوله.

قال في القاموس3: والذراع: كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل، ويكسر، واقتصر في "الضياء" على الفتح.

وقال ابن القطاع في الأفعال4: ذرعت المرأة: خفت يدها في العمل، فهي ذراع.

وعلى هذا لا شذوذ في قولهم: ما أذرع المرأة.

"ومثله" في الشذوذ: "ما أقمنه" بكذا، "وما أجدره بكذا"، فالأول بنوه من قولهم: هو قمن بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، والمعنى فيهما: ما أحقه بكذا، ولا فعل لهما5.

الشرط "الثاني: أن يكون" الفعل "ثلاثيًّا فلا يبنيان من" رباعي مجرد ولا من مزيد فيه، ولا ثلاثي مزيد حرفًا أو حرفين أو ثلاثة، نحو:"دحرج" وتدحرج،

1 في "ب": "اجتمع".

2 القاموس المحيط "جلف".

3 القاموس المحيط "ذرع".

4 كتاب الأفعال 1/ 386

5 انظر شرح ابن الناظم ص331.

ص: 67

"وضارب" وانطلق "واستخرج"، لأن بناءهما من ذلك يفوت الدلالة على المعنى المتعجب منه.

أما ما أصوله أربعة فلأنه يؤدي إلى حذف بعض الأصول، ولا خفاء في إخلاله بالدلالة، وأما المزيد يؤدي إلى حذف الزيادة الدالة على معنى مقصود، ألا ترى أنك لو بنيت "أفعَلَ" من ضارب وانطلق واستخرج، فقلت: ما أضربه وأطلقه وأخرجه، لفاتت الدلالة على معنى المشاركة والمطاوعة والطلب، "إلا "أفْعَلَ" فقيل: يجوز" بناؤهما منه قياسًا "مطلقًا"، سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا، وهو مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه1، واختاره في التسهيل وشرحه2.

"وقيل: يمتنع مطلقًا" إلا أن يشذ منه شيء فيحفظ ولا يقاس عليه، وهو مذهب المازني والأخفش والمبرد وابن السراج والفارسي، ومن وافقهم3.

"وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل، نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا" المكان، ويمتنع إن كانت للنقل، نحو: ما أذهب نوره، وإليه ذهب ابن عصفور4.

قال الشاطبي: وهذه التفرقة لم يقل بها أحد، ولا ذهب إليها نحوي، ويكفيه في الرد مخالفته للإجماع بناء على أن إحداث قول خرق للإجماع، ثم أطال في الرد عليه.

"وشذ على هذين القولين" وهما: المنع مطلقًا والمنع في أحد شقي التفصيل: "ما أعطاه للدراهم5 وما أولاه للمعروف"، مما الهمزة فيه للنقل من المتعدي لواحد إلى المتعدي إلى اثنين قبل التعجب، فإذا تعجبت كان لك ثلاثة أوجه:

أحدهما: الاقتصار على الذي كان فاعلا، فتقول: ما أعطى زيدًا وما أولاه.

والثاني: أن تزيد عليه أحد المفعولين مجرورًا باللام، فتقول: ما أعطاه للدراهم.

وما أولاه للمعروف.

والثالث: أن تزيد عليهما المفعول الآخر منصوبًا بمحذوف عند البصريين وبالمذكور عند الكوفيين6، فتقول: ما أعطى زيدًا للفقراء الدراهم. وما أولاه للفقراء

1 انظر الارتشاف 3/ 42.

2 التسهيل ص132، وشرح التسهيل 3/ 46.

3 الارتشاف 3/ 42، والإيضاح العضدي 1/ 93.

4 المقرب 1/ 73.

5 في "ب": "للدرهم".

6 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 1095.

ص: 68

المعروف، وإن شئت نصبت الثلاثة إذا لم يكن لبس، فتقول: ما أعطى زيدًا الفقراء الدراهم وما أولاه الفقراء المعروف. وتقدير المحذوف1 عند البصريين: أعطاهم الدراهم وأولاهم المعروف.

واختلف في بناء فعلي2 التعجب من الثلاثي المزيد إذا أجرى مجرى الثلاثي، نحو: اتقى وامتلأ وافتقر واستغنى، فذهب ابن السراج وطائفة إلى الجواز3، لأنهم أجروه مجرى الثلاثي المجرد من الزوائد لا مجرى المزيد، بدليل قولهم في الوصف منه: تقي ومليء وفقير وغني.

وذهب ابن خروف وجماعة إلى المنع، لأن العلة التي من أجلها امتنع بناؤهما من المزيد غير الجاري مجرى المجرد موجودة هنا، وهي هدم4 البنية وحذف زوائدها لغير موجب مع وجود الغنى عن ذلك بـ: أشد وأشدد، ونحوهما.

"و" شذ "على كل قول" من أقوال المانعين: "ما أتقاه" لله5 "وما أملأ القربة، لأنهما من اتقى" بتشديد التاء، "وامتلأت"، وما أفقرني إلى عفو الله، وما أغناني عن الناس إن قنعت، لأنهما من افتقر واستغنى، وإن كان قد سمع تقي بمعنى خاف، وملؤ بمعنى امتلأ، وفقر، بضم القاف وكسرها، بمعنى افتقر، وغني بمعنى استغنى لندوره.

"و" شذ "ما أخصره لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر، سيأتي"، وهو أنه مبني للمفعول.

الشرط "الثالث: أن يكون" الفعل "متصرفا"، لأن التصرف فيما لا6 يتصرف نقض لوضعه، وعدم التصرف على وجهين.

أحدهما: يكون بخروج الفعل عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان كـ: نعم وبئس.

1 في "ب": "والتقدير" مكان "وتقدير المحذوف".

2 في "ب": "فعل".

3 انظر المقتضب 4/ 179، والأصول 1/ 99-100.

4 في "ب": "عدم".

5 في "ب": "له".

6 في "أ": "لم".

ص: 69

والثاني: يكون بمجرد الاستغناء عن تصرفه غيره، وإن كان باقيًا على أصله من الدلالة على الحدث والزمان، كـ: يذر ويدع، حيث استغني عن ماضيهما بماضي "يترك". وكلا القسمين مراد هنا، فلا يبنيان من: نعم وبئس ويذر ويدع، فلا يقال: ما أنعمه وأبأسه، وأنعم به وأبئس به، وهما باقيان على معناهما من إنشاء المدح والذم، ولا ما أوذره، ولا ما أودعه، وشذ ما أعساه أو أعس به1.

الشرط "الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل" في الصفات الإضافية التي تختلف بها أحوال الناس، سواء كانت بالنسبة إلى شخص واحد في حالين، كـ: العلم الجهل، أو شخصين، كـ: الحسن والقبح، فتقول: ما أعلمه يوم الخميس، وما أجهله يوم الأربعاء، وما أحسنه وما أقبحه، بخلاف ما لا يقبل التفاضل ويشترك فيه الجميع "فلا يبنيان من نحو: فني ومات" لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.

الشرط "الخامس: أن لا يكون" الفعل "مبنيًّا للمفعول" تحويلا أو تأصيلا، "فلا يبنيان من نحو: ضرب" زيد بضم أوله وكسر ما قبل آخره، فلا يقال: ما أضرب زيدًا، وأنت تريد التعجب من الضرب الذي وقع على زيد، لئلا يلتبس التعجب منه بالتعجب من فعل الفاعل، "وشذ: ما أخصره، من وجهين": الزيادة على الثلاثة والبناء للمفعول2، "وبعضهم يستثني" من الفعل المبني للمفعول "ما كان ملازمًا لصيغة: فُعِلَ" بضم أوله وكسر ثانيه، "نحو: عُنِيتُ بحاجتك، وزُهِيَ علينا" بمعنى تكبر "بضم أولهما وكسر ما قبل آخرهما"3 فيجيز التعجب منه لعدم اللبس، فتقول: "ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا"، وجرى على ذلك ابن مالك4 وولده5 بناء على أن علة المنع خوف الالتباس، وأما من جعل علة المنع التشبيه بأفعال الخلق بجامع أن كلا منهما لا كسب للمفعول فيه، فينبغي أن لا يستثني شيئًا، ويؤول ما ورد من ذلك، على أن التعجب فيه من فعل مفعول في معنى فعل فاعل لم ينطق به6.

1 انظر شرح ابن الناظم ص33، وشرح الكافية الشافية 2/ 1082.

2 شرح ابن الناظم ص331، وشرح الكافية الشافية 2/ 1082.

3 إضافة من "ب".

4 شرح الكافية الشافية 2/ 1086.

5 شرح ابن الناظم ص331.

6 سقطت من "ب".

ص: 70

الشرط "السادس: أن يكون" للفعل "تامًّا، فلا يبنيان من نحو: كان وظل وبات وصار وكاد"، لأنهن نواقص، فلا يقال: من أكون زيدًا قائمًا، بنصب الخبر، ولا يجره باللام لتغير المعنى. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى جواز: ما أكون زيدًا لأخيك، دون: ما أكون زيدًا لقائم، وحكى ابن السراج والزجاج عنهم: ما أكون زيدًا قائمًا، وهو مبني على أصلهم من أن المنصوب بعد كان حال1، فسهل الأمر عليهم، ولم يأت بذلك سماع.

الشرط "السابع: أن يكون" الفعل "مثبتًا، فلا يبنيان من" فعل "منفي، سواء كان ملازمًا للنفي نحو: ما عاج بالدواء، أي: ما انتفع به" ومضارعه "يعيج" ملازم للنفي أيضًا. قاله ابن مالك في شرح التسهيل2، واعترض بأنه قد جاء في الإثبات، قال أبو علي القالي في نوادره3: أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: [من الطويل]

612-

ولم أر شيئًا بعد ليلى ألده

ولا مشربا أروى به فأعيج

أي: أنتفع به. وأما "عاج يعوج" بمعنى "مال يميل" فإن العرب استعملته مثبتًاومنفيًّا.

"أم غير ملازم" للنفي. "كـ: ما قام زيد"، وما عاج، أي: مال، فلا يقال: ما أقومه وما أعوجه، لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.

الشرط "الثامن: أن لا يكون اسم فاعله على" وزن "أفعل فعلاء، فلا يبنيان من نحو: عرج" فهو أعرج، من العيوب، "وشهل" فهو أشهل، من المحاسن، وهو بالشين المعجمة، "وخضر الزرع" فهو أخضر، من الألوان، ولمي فهو ألمى من الحلى.

واختلف في المنع من ذلك فقيل4: لأن حق صيغة التعجب أن تبنى من الثلاثي المحض، وأكثر أفعال الألوان والخلق إنما تجيء على "افْعَلَّ" بتسكين الفاء وبزيادة مثل اللام نحو: اخضر، فلم يبين فعلا التعجب في الغالب مما كان منها ثلاثيًّا إجراء للأقل مجرى الأكثر.

1 في "ب": "يكون منصوبًا على الحال" مكان "بعد كان حال".

2 شرح التسهيل 3/ 44.

3 أمالي القالي 2/ 168.

612-

البيت بلا نسبة في لسان العرب 2/ 336 "عيج"، وأمالي القالي 2/ 168، والمقاصد النحوية 3/ 671، وشرح المرادي 3/ 68.

4 هذا مذهب البصريين، انظر الإنصاف 1/ 151، المسألة رقم 16، وشرح ابن يعيش 7/ 144.

ص: 71

وقيل1: لأن الألوان والعيون الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كـ: اليد والرجل وسائر الأعضاء في عدم التعجب منها.

وقيل: لأن بناء الوصف من2 هذا النوع على أفعل، ولم يُبْنَ منه أفعل تفضيل لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، ولما امتنع صوغ أفعل التفضيل منه امتنع صوغ فعلي التعجب منه لجريانهما مجرى واحدًا في أمور كثيرة، وتساويهما في الوزن والمعنى، وهذا الشرط مستفادة من قول الناظم:

478-

وصغهما من ذي ثلاث صرفا

قابل فضل ثم غير ذي انتفا

479-

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا

فهذه سبعة شروط، ويؤخذ الثامن من قوله:

478-

............. ذي ثلاث......

................................

وبقي شرط تاسع لم يذكراه، وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو قال من القائلة3، فإنهم لا يقولون: ما أقيله، استغناء بقولهم: ما أكثر قائلته. ذكره سيبويه4.

ونحو: سكر وقعد وجلس، ضد "أقام" فإنهم لا يقولون: ما أسكره وأقعده وأجلسه، استغناء بقولهم: ما أشد سكره، وأكثر قعوده وجلوسه. وذكره ابن برهان، وزاد ابن عصفور5:"قام وغضب ونام" وفي عد "نام" منها نظر، فقد حكى سيبويه6: ما أنومه، وقد قالت العرب: هو أنوم من فهد7.

1 هذا رأي الخليل كما في الكتاب 4/ 98، وانظر المقتضب 4/ 181.

2 سقط من "ب": "الوصف من".

3 في "ب": "المقايلة".

4 الكتاب 4/ 99.

5 المقرب 1/ 74.

6 الكتاب 4/ 99.

7 المثل في مجمع الأمثال 1/ 158، 2/ 355، والدرر الفاخرة 2/ 400، وجمهرة الأمثال 2/ 318، والمستقصى 1/ 426، وكتاب الأمثال لابن سلام ص361.

ص: 72

فصل:

"ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على أفعل فعلاء بـ: ما أشد، ونحوه" كـ: ما أقوى وما أضعف، وما أكثر وما أقل، وما أعظم، وما أحقر، وما أكبر، وما أصغر، وما أحسن، وما أشبه ذلك.

"وينصب مصدرهما" أي مصدر ما زاد على الثلاثة ما وصفه على أفعل فعلاء "بعده" أي بعد أشد ونحوه "وبأشدد ونحوه" كـ: أضعف وأكثر وأكبر وأقلل وأعظم وأكبر وأصغر وأحسن وأقبح، وما أشبه ذلك.

"ويجر مصدرهما بعده" أي بعد أشدد ونحوه "بالباء" لزومًا، "فتقول" على الأول:"ما أشد أو أعظم دحرجته أو انطلاقه" في الزائد على الثلاث، "أو حمرته" أو عرجه، مما الوصف منه على أفعل فعلاء. "و" تقول على الثاني:"أشدد أو أعظم بهما"1 أي: بدحرجته وانطلاقه وحمرته وعرجه، وذلك مستفاد من قول الناظم:

480-

وأشدد او أشد أو شبههما

يخلف ما بعض الشروط عدما

481-

ومصدر العادم بعد ينتصب

وبعد أفعل جره بالبا يجب

"وكذا المنفي والمبني للمفعول" يتوصل إلى التعجب منهما بـ: أشد ونحوه2، أو بـ: أشدد ونحوه، "إلا أن مصدرهما"؛ أي مصدر الفعل المنفي والفعل المبني للمفعول "يكون مؤولا" بـ"أن" والفعل المنفي، و"ما" والفعل المبني للمفعول، "لا صريحا نحو: ما أكثر أن لا يقوم، وما أعظم ما ضرب" بالنباء للمفعول، "وأشدد بهما" أي: بأن لا يقوم، وبـ: ما ضرب، فتأتي بالمصدر المؤول دون المصدر3 الصريح، أما في المنفي فليتمكن من أن يستعمل معه النفي، وأن يعمل فيه الفعل الذي يتعجب بسببه، وأما

1 في "ب"، "ط":"بها".

2 في "ب": "منها".

3 سقطت من "ب".

ص: 73

المبني للمفعول فليبقى لفظ النفي1 ولفظ الفعل المبني للمفعول، لئلا يلتبس مصدره بمصدر المبني للفاعل "ولو أمن اللبس جاز إيلاؤه المصدر الصريح، نحو: ما أسرع نفاس هند، وأسرع بنفاسها" قاله الشارح2.

"وأما الفعل الناقص فإن قلنا: له مصدر"؛ وهو الصحيح؛ "فمن النوع الأول"، فيؤتى له بمصدر صريح، "وإلا" نقل: له مصدر، "فمن" النوع "الثاني"، فيؤتى له بمصدر مؤول، "تقول" على الأول:"ما أشد كونه جميلا، أو" تقول على الثاني: "ما أكثر ما كان محسنًا، وأشدد وأكثر بذلك" أي: بكونه جميلا، وبما كان محسنًا.

"وأما الجامد" نحو: نعم وبئس ويدع ويذر، "والذي لا يتفاوت معناه" نحو: مات وفني، "فلا يتعجب منهما البتة"، فلا يتوصل إلى التعجب منهما بشيء، أما الجامد فلأنه لا مصدر له فينصب أو يجر، وأما الذي لا يتفاوت معناه فإنه وإن كان له مصدر فليس قابلا للتفاضل إلا إذا أريد3 وصف زائد عليه، فيقال في نحو: مات زيد: ما أفجع موته، وأفجع بموته، كما يرشد إليه كلام الشارح4.

ولا يختص التوصل بـ: أشد، مما فقد بعض الشروط، بل يجوز فيما استوفى الشروط، فتقول: ما أشد ضرب زيد لعمرو، وما ورد من بناء فعلي التعجب من غير استيفاء الشروط فنادر لا يقاس عليه، وتقدمت أمثلته في كلام الموضح وحكم عليها بالشذوذ، ونبه عليها في النظم بقوله:

482-

وبالندور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الذي منه أثر

1 في "ب": "المنفي".

2 شرح ابن الناظم ص331.

3 في "ب"، "ط":"إن".

4 شرح ابن الناظم ص330.

ص: 74