الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإدغام اللائق بالتصريف:
وهو إدغام المثلين، ويقال فيه: الإدغام، بتشديد الدال، وهي عبارة سيبويه1، وأصحابه2 والأولى عبارة الكوفيين3، وهو؛ لغة: الإدخال، واصطلاحًا: رفعك اللسان، ووضعك إياه بالحرفين دفعة واحدة بعد إدخال أحدهما في الآخر، فيجب إدغام أول المثلين الساكن أولهما، المتحرك ثانيهما، بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يكون أول المثلين هاء سكت، فإن كان هاء سكت فإنه لا يدغم، لأن الوقف على الهاء منوي الثبوت، وقد روي عن ورش إدغام:{مَالِيَهْ، هَلَكَ} 4 [الحاقة: 28، 29] وهو ضعيف من جهة القياس.
والثاني: ألا يكون همزة، منفصلة عن الفاء نحو:"لم يقرأ أحد" فإن الإدغام في ذلك رديء، فلو كانت متصلة بالفاء وجب الإدغام نحو:"سأآل".
والثالث: ألا يكون مدة في آخره، أو مبدلة من غيرها دون لزوم، فإن كانت مدة في الآخر لم يدغم نحو:"يعطي ياسر، ويدعو واقد"5، لئلا يذهب المد بالإدغام، فإن لم يكن في آخر وجب الإدغام نحو6:"مغزو"، أصله:"مغزوو" على وزن "مفعول".
1 الكتاب 4/ 431.
2 يقصد أصحابه البصريين.
3 التسهيل ص320، وشرح المفصل 10/ 121.
4 انظر القراءة في إتحاف فضلاء البشر ص423.
5 في "ب": "واحد".
6 سقط من "ب": "نحو".
واغتفر ذهاب المدة في هذا لقوة الإدغام فيه، وإن كانت مدة مبدلة من غيرها، دون لزوم، لم يجب الإدغام، بل يجوز إن لم يلبس نحو:"أَثَاثًا وَرِيًّا"[مريم: 74] في وقف حمزة1.
ويمتنع إن ألبس نحو: "قوول" بالبناء للمفعول لأنه لو أدغم لالتبس بـ"قول"، وإن كانت المدة مبدلة من غيرها إبدالا لازمًا وجب الإدغام نحو:"أوب" أصله: "أؤوب"، بهمزتين مضمومة فساكنة، أبدلت الثانية واوًا وأدغمت في الواو الثانية.
ويمتنع الإدغام إذا تحرك أو المثلين، وسكن ثانيهما نحو:"ظللت"، و"رسول الحسن"، لأن شرط الإدغام تحرك2 المدغم فيه.
"ويجب إدغام أول المثلين المتحركين بأحد عشر شرطًا:
أحدها: أن يكون في كلمة" واحدة، كانت اسمًا أو فعلا، فالأول كـ"ضب، وطب، وحب"، والثاني "كـ"شد، ومل، وحب"، أصلهن:"شدد" بالفتح، و"ملل" بالكسر، و"حبب" بالضم"، فسكن أول المثلين، وأدغم في الثاني، "فإن كانا" أي المثلان المتحركان "في كلمتين"، بأن كان أولهما في آخر كلمة، وثانيهما في أول كلمة أخرى "مثل: {جَعَل لَكَ} [الفرقان: 10] كان الإدغام جائزًا لا واجبًا" بشرطين:
أحدهما: ألا يكون همزتين نحو: "قرأ آية"، فإن الإدغام في الهمزتين رديء.
الثاني: ألا يلي أولاها ساكنًا غير لين، نحو:{شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] ، فهذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين3، وقد روي عن أبي عمرو الإدغام في ذلك4، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجاز الفراء إدغامه5.
الشرط "الثاني" من الأحد عشر "ألا يتصدر أولهما" أي المثلين "كما في: ددن" بدالين مهملتين مفتوحتين، وهو اللهو واللعب، فإن مثل ذلك لا يجوز إدغامه، لأن الإدغام يستدعي سكون أول المثلين، والابتداء بالساكن متعذر.
1 انظر القراءة في الإتحاف ص300، والنشر 1/ 461.
2 في "ب": "تحريك".
3 انظر الارتشاف 1/ 333، والمبدع في التصريف ص279.
4 وكذلك قرأ الحسن. انظر الإتحاف ص148، والبحر المحيط 2/ 38.
5 معاني القرآن 1/ 112، وانظر شرح المفصل 10/ 123، والارتشاف 1/ 323.
الشرط: "الثالث: ألا يتصل أولهما بمدغم كـ: جسس"، بضم الجيم، وفتح السين المهملة، "جمع: جاس"، فإنه فيه مثلين متحركين، ويمتنع إدغام أولهما في الثاني، لأن قبلهما مثلًا آخر مدغمًا في أول المتحركين1، فلو أدغم المدغم فيه التقى ساكنان، وبطل الإدغام السابق.
الشرط "الرابع: ألا يكون في وزن ملحق، سواء أكان الملحق أحد المثلين كـ: قردد"، وهو المكان الغليظ المرتفع، "و: مهدد" علمًا لامرأة.
"أو غيرهما" أي المثلين "كـ: هيلل"، إذا قال: لا إله إلا الله. "أو كلاهما" أي أحد المثلين، وغيره "نحو: اقعنسس" أي تأخر ورجع، والملحق فيه أحد المثلين، وهو السين الثانية على المختار، وغير أحد المثلين، وهو الهمزة والنون، وكان حقه أن يقول، أو كليهما، بالياء عطفًا على خبر "كان"، وهو أحد المثلين، ولكنه أتى به بالألف، إما على لغة كنانة، لأنهم يعربون "كلا" بالألف مطلقًا أو على أن أحد المثلين اسم "كان" مؤخرًا، و"الملحق" خبرها مقدما، "فإنها"؛ أي "قردد، ومهدد، وهيلل، واقعنسس" "ملحقة" بغيرها.
أما "قردد، ومهدد" فإن أحد داليهما مزيدة للإلحاق "بـ: جعفر".
"و" أما "هيلل" فغن الياء مزيدة فيه للإلحاق بنحو: "دحرج"، وهي غير أحد المثلين.
"و" أما "اقعنسس" فإن أحد السينين والهمزة والنون مزيدة فيه للإلحاق بنحو: "احرنجم" ولا يجوز إدغام أحد المثلين في الآخر في شيء من الملحقات، لأنه يؤدي إلى ذهاب مثال الملحق به.
الشرط "الخامس والسادس والسابع والثامن:
ألا يكونا في اسم على "فعل" بفتحتين كـ طلل" بالطاء المهملة، وهو الشاخص من آثار الديار، "ومدد" بالمهملة، وهو كل شيء زاد في شيء.
"أو" على "فعل2؛ بضمتين؛ كـ: ذلل" بالذال المعجمة، جمع "ذلول"، ضد الصعبة، "وجدد" بالجيم، "جمع، جديد".
1 بعده في "ب": "المثلين".
2 في "ب": "فعلل".
"أو" على "فعل، بكسر أوله وفتح ثانيه كـ: لمم"، جمع "لمة"، بكسر اللام وتشديد الميم، وهي العشر المجاوز شحمة الأذن، "وكلل" جمع "كلة"، بكسر الكاف وتشديد اللام، وهي الستر الرقيق، يخاط كالبيت، يتوقى به من البعوض، ويسمى في عرفنا الناموسية.
"أو" على "فعل، بضم أوله وفتح ثانيه كـ: درر" جمع "درة" وهي اللؤلؤة، "وجدد" بالجيم، "جمع: جدة"، بضم الجيم وتشديد الدال، "وهي الطريقة في الجبل.
وفي هذه الأنواع السبعة الأخيرة"، وهي الثلاثة الملحقة، وهذه الأربعة في الخامس والثامن وما بينهما "يمتنع الإدغام" فيها. أما الثلاثة الأول فلما تقدم من أن الإدغام يفوت المقابلة في الإلحاق، وأما النوع الأول من الأربعة فإنه وإن وازن الفعل لم يدغم تنبيهًا على فرعية الإدغام في الأسماء. وأما الثلاثة الباقية فلأنها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازنه، وكذا ما وازن هذه الأمثلة الأربعة [بصدره] 1 لا بجملته، فإنه يمتنع إدغامه نحو: "خششاء" لعظم خلف الأذن، فإنه موازن بصدره لـ"فعل"، بضم أوله وفتح ثانيه نحو: "صفف"، قاله المرادي2، وفي الصحاح ما يخالفه، فإنه قال3: "الخشاء"، أصله الخششاء، على "فعلاء" فأدغم.
ونحو: "رددان" من "الرد" فإنه موازن بصدره لـ"فعل"، بضمتين نحو:"ذلل"، ونحو:"حببة"، جمع "حب"، فإنه موازن بصدره لـ"فعل"، بكسر أوله وفتح ثانيه، نحو:"كلل"، ونحو:"الدججان" بفتحتين، مصدر "دج" بمعنى "دب"، فإنه موازن بصدره لـ"فعل" بفتحتين نحو:"طلل".
"و" الشروط "الثلاثة الباقية" من الأحد عشر هي:
ألا تكون حركة ثانيهما عارضة نحو: خصص أبي، واكفف الشر، أصلهما: اخصص، واكفف، بسكون الآخر، ثم نقلت حركة الهمزة" من "أبي"؛ وهي الفتحة؛ "إلى الصاد" من "اخصص"، "وحركت الفاء" من "اكفف" بالكسر "لالتقاء الساكنين" فالحركة فيهما عارضة، ولا يعتد بها.
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 شرح المرادي 6/ 106.
3 الصحاح "خشش".
"وألا يكون المثلان ياءين" تحتانيتين، "لازما تحريك ثانيهما نحو: حيي، وعيي، ولا تاءين" فوقانيتين "في: افتعل، كـ: استتر، واقتتل" من "الستر، والقتل".
"وفي هذه الصور الثلاث يجوز الإدغام والفك، قال" الله "تعالى: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] بالفك، "ويقرأ أيضا: من حي"، بالإدغام1، فمن أدغم نظر إلى أنهم مثلان في كلمة واحدة، وحركة ثانيهما لازمة، ومن فك نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب "حيي" كالعارض، لكونه مختصًا بالماضي دون المضارع الأمر، والعارض لا يعتد به غالبًا، وكلاهما فصيح.
والفك أكثر في كلامهم، فلو كانت حركة ثاني الياءين غير لازمة نحو: لن يحيى، ورأيت محييا" لم يجز الإدغام خلافًا للفراء2.
"وتقول: استتر، واقتتل"، بالفك، "فإذا أردت الإدغام نقلت حركة" التاء "الأولى إلى الفاء"، وهي السين والقاف، "وأسقطت الهمزة" أي همزة الوصل، "للاستغناء عنها بحركة ما بعدها، ثم أدغمت" التاء في التاء، "فتقول في الماضي: ستر، وقتل"، بفتح أولهما وتشديد ثانيهما.
"و" تقول "في المضارع: "يستر"، و"يقتل"، بفتح أولهما" وثانيهما وتشديد ثالثهما مع الكسر: "و" تقول "في المصدر: ستارًا، وقتالا، بكسر أولهما" وتشديد ثانيهما. وإنما ذكر المضارع والمصدر ليميز بين ما أصله التشديد، وما عرض فيه، وذلك أن نحو:"ستر" يحتمل أن يكون [على أصله، ويحتمل أن يكون] 3 أصله: "استتر" ولا يفرق بينهما إلا المضارع والمصدر، فتقول في مضارع "ستر" الذي وزنه:"فعل، يستر" بضم أوله، لأن ماضيه على أربعة أحرف، وفي مصدره:"تستيرًا" على وزن "تفعيلا" وفي مضارع الذي أصله: "استتر: يستر4" بفتح أوله، لأن ماضيه على خمسة أحرف، وأصله:"يستر" فنقل، وأدغم، وفي مصدره،: ستارًا" وأصله: "استتارًا" فلما أريد الإدغام نقلت الحركة وطرحت الهمزة.
"ويجوز الوجهان"، الإدغام والفك "أيضًا في ثلاث مسائل أخر:
1 انظر الإتحاف ص237، والنشر 2/ 276.
2 معاني القرآن 1/ 411.
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
4 في "ب": "يستتر".
إحداها: أولى التاءين" الفوقانيتين "الزائدتين في أول المضارع نحو: تتجلى، وتتذكر" مضارعي:"تجلى وتذكر"، "وذكر الناظم في شرح الكافية1، وتبعه ابنه" في شرح الخلاصة2، "أنك" إذا أدغمت" التاء الأولى في الثانية "اجتلبت همزة الوصل" ليتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام، فقلت في "تتجلى: اتجلى"، انتهى3.
"و" فيه نظر، فإنه "لم يخلق الله" أحدا من الفصحاء في ما نعلم، أدخل "همزة وصل في أول" الفعل "المضارع، وإنما إدغام هذا النوع في الوصل دون الابتداء"، قال الحوفي4: فإن وقف ابتدئ بالإظهار، ولا يجوز إدخال ألف الوصل عليه، لأن ألف الوصل لا تدخل على الفعل المضارع، وذكر الناظم في بعض كتبه هذه المسألة على الصواب فقال1: يجوز إدغام تاء المضارعة في تاء أخرى بعد مدة أو حركة نحو: {وَلَا تَيَمَّمُوا} [البقرة: 267]، و {تَكَادُ تَمَيَّزُ} [الملك: 8] ، انتهى. "وبذلك قرأ البزي في الوصل نحو:{وَلَا تَيَمَّمُوا} 5، و:{لَا تَبَرَّجْنَ} 6 [الأحزاب: 33]، و:{كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ} 7" [آل عمران: 143] ، والأصل: "تتيمموا وتتبرجن، وتتمنون" بتاءين، أدغمت أولاهما في أخراهما.
"فإن أردت التخفيف في الابتداء حذفت إحدى التاءين؛ وهي الثانية"؛ وفاقًا لسيبويه والبصريين8، لأن الاستثقال بها حصل، "لا الأولى" لدلالتها على المضارعة "خلافًا لهشام" الضرير وأصحابه من الكوفيين8. وحجتهم أن الثانية في "تتفعل" لمعنى كالمطاوعة مثلا، وحذفها يخل بهذا المعنى، "وذلك جائز في الوصف أيضًا، قال الله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} " [الليل: 14] ، الأصل: "تتلظى" فحذفت إحدى التاءين، ولو كان ماضيًا: "تلظت" لأن التأنيث واجب مع "المجازي إذا كان ضميرا متصلا "و: {لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ} " [آل عمران: 143] الأصل: "تتمنون".
1 شرح الكافية الشافية 4/ 2185.
2 شرح ابن الناظم ص619.
3 سقط من "ب".
4 انظر الارتشاف 1/ 164، والممتع في التصريف 2/ 637.
5 كذلك قرأ ابن كثير وورش والنقاش وأبو ربيعة والقواس. انظر الإتحاف 164، والبحر المحيط 2/ 317.
6 كذلك قرأ قنبل، انظر الإتحاف ص355، والنشر 2/ 222، 224.
7 كذلك قرأ أبو بكر الزغيبي وأبو ربيعة وأبو الفرج النجاد وأبو الفتح بن يدهن، انظر الإتحاف 164.
8 انظر الإنصاف 2/ 648، المسألة رقم 93.
"وقد يجيء هذا الحذف في النون" الثانية بعد نون المضارعة، "ومنه على" القول "الأظهر قراءة ابن عامر" وعاصم:"كذلك نجي المؤمنين"1 [الأنبياء: 88] بضم النون وتشديد الجيم المكسورة وسكون الياء "أصله: ننجي، بفتح النون الثانية" وتشديد الجيم المكسورة، مضارع "نجى" فحذفت النون الثانية.
ويضعفه أنه لا يجوز في مضارع "نبأت، ونقيت، ونزلت"، ونحوهن؛ إذا ابتدأت بالنون؛ أن تحذف النون الثانية إلا في شذوذ، كقراءة بعضهم:"وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةَ"[الفرقان: 25] بنصب "الملائكة"2، "وقيل: الأصل: ننجي، بسكونها" أي النون الثانية، "فأدغمت" في الجيم "كـ: إجاصة، وإجانة"، بتشديد الجيم فيهما، والأصل "إنجاصة وإنجانة"، فأدغمت النون في الجيم، و"الإجاصة" واحدة الإجاص، و"الإجانة" واحدة الأجاجين، وهي بفتح الهمزة وكسرها، قال صاحب الفصيح3: قصرية يغسل ويعجن فيها، ويقال: إنجانة كما يقال: إنجاصة، وهي لغة يمانية فيهما، أنكرها الأكثرون، قاله ابن السيد.
"وإدغام النون في الجيم لا يكاد يعرف"، لأن النون عند الجيم تخفى ولا تدغم. "وقيل: هو" فعل ماض "من: نجا، ينجو" بتخفيف عينه، هي الجيم، "ثم ضعفت عينه" وبني للمفعول، "وأسند لضمير المصدر"، والتقدير: "نجي هو" أي النجاء، "و" فيه ضعف من جهات:
إحداها: أنه "لو كان كذا لفتحت الياء، لأنه فعل ماض" مبني للمجهول نحو: {قُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] .
والثانية: إنابة ضمير المصدر مع أنه مفهوم من الفعل.
والثالثة: إنابة غير المفعول به مع وجوده، قاله في المغني.
ويجاب عن أولها بأن تسكين الياء المفتوحة للتخفيف لغة، وبها قرأ الأعمش4:"فنسيْ ولم نجدْ"[طه: 115]، وقرأ الحسن5:"ما بقيْ من الربا"[البقرة: 278] بإسكان الياء فيهما وصلا.
1 كذلك قرأ شعبة وأبو عبيد. وانظر الإتحاف ص311، والنشر 2/ 324.
2 هي قراءة أبي عمرو وأبي كثير وخارجة ومعاذ. انظر المحتسب 2/ 120، والبحر المحيط 6/ 494.
3 فصيح ثعلب ص305، وانظر شرح الفصيح للزمخشري ص555.
4 انظر المحتسب 2/ 59، وتفسير القرطبي 11/ 251.
5 انظر الإتحاف ص165، والبحر المحيط 2/ 337.
وعن الثانية بقوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ: 54] ، فإن النائب ضمير المصدر.
وعن الثانية بقراءة أبي جعفر1: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] فأناب غير المفعول به مع وجوده.
المسألة "الثانية والثالثة" من المسائل الثلاث التي يجوز فيها الإدغام، والفلك "أن تكون الكلمة فعلا مضارعًا مجزومًا" بالسكون، "أو فعل أمر" مبنيا على السكون، فإنه يجوز فيه الفك والإدغام، "قال الله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} " [البقرة: 217] ، "يقرأ بالفك، وهو لغة أهل الحجاز، وبالإدغام وهو لغة تميم" اعتدادًا بتحريك الساكن2 في بعض الأحوال نحو:"لم يردد القوم، واردد القوم"، وأهل الحجاز لا يعتدون بذلك، "وقال الله تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} " [لقمان: 19] بالفك3. "وقال" جرير "الشاعر": [من الوافر] .
972-
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
بالإدغام، وإذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل لعدم الاحتياج إليها.
وحكى الكسائي4 أنه سمع من عبد القيس: "ارد، وغض، وافر"، بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين.
وإذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع نحو: "ردوا"، أو ياء المخاطبة نحو:"ردي"، أو نون توكيد نحو:"ردن" أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب5، كذا6، قالوا: وعللوه بأن الفعل حينئذ مبني7 على هذه العلامات، وليس تحريكه بعارض. وإذا اتصل بالمدغم
1 انظر الإتحاف ص390، والنشر 2/ 372، وشرح ابن عقيل 1/ 509، وشرح المفصل 7/ 75.
2 شرح ابن الناظم ص620، والارتشاف 1/ 165، وشرح الكافية الشافية 4/ 2190.
3 شرح ابن الناظم ص620.
972-
البيت لجرير في ديوانه ص821، وديوان المعاني 1/ 32، وخزانة الأدب 1/ 72، 74، 9/ 542، وشرح المفصل 9/ 128، ولسان العرب 3/ 142 "حدد"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 411، وخزانة الأدب 6/ 531، 9/ 306، وشرح الأشموني 3/ 897، وشرح شافية ابن الحاجب ص244، والكتاب 3/ 533، والمقتضب 1/ 185، وشرح المرادي 6/ 117.
4 الارتشاف 1/ 165.
5 الممتع في التصريف 2/ 659.
6 في "ب": "كهذا".
7 سقط من "ب".
هاء غائب وجب ضم المدغم فيه نحو: "رده، ولم يرده"، ووجب فتح المدغم فيه قبل هاء الغائبة، نحو:"ردها، ولم يردها"، قالوا: لأن الهاء خفية، ولم يعتد بوجودها، فكأن الدال قد وليت الألف نحو:"ردا".
وحكى الكوفيون "ردها" بالضم والكسرة و"رده" بالكسرة والفتح، وذلك في مضموم الفاء، وذكر ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب1، وغلطوه في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغية، سمع2 الأخفش من ناس من بني عقيل:"مده، وعضه"، بالكسر3، والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن، يقال:"رد القوم"، بالكسر، لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من فتح، وهم بنو أسد4، وعليه قول جرير5:[من الوافر]
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وأما الضم فقال في التسهيل6: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر، وقد يفتح، انتهى. وحكى ابن جني الضم أيضًا7، وهو قليل، فإن لم تتصل بالفعل هاء الغائبة أو هاء الغائب أو الساكن ففيه ثلاث لغات، الفتح مطلقًا نحو:"رد، وغض، وفر"، [وهي] 8 لبني أسد9 وناس غيرهم، والكسر مطلقًا نحو:"رد، وغض، وفر"، وهي لغة كعب ونمير10، والإتباع لحركة الفاء نحو:"رد وغض وفر"، وهذا كثير في كلامهم.
"والتزم الإدغام في: هلم لثقلها بالتركيب"، وفي كيفية تركيبها خلاف11، قال جمهور البصريين12: مركبة من "ها" التنبيه، ومن "لم" التي هي فعل أمر من قولهم:
1 انظر شرح الفصيح للمزمخشري ص87، 89.
2 في "ب": "حكى".
3 شرح المرادي 6/ 116، والمبدع في التصريف ص253.
4 شرح المرادي 6/ 116.
5 تقدم تخريج البيت برقم 972.
6 التسهيل ص314.
7 انظر شرح المرادي 6/ 117.
8 إضافة من "ب"، "ط".
9 الارتشاف 1/ 166.
10 شرح المرادي 6/ 117.
11 في "ب": "وجهان".
12 انظر الخصائص 3/ 35، والمزهر 1/ 136، ومجمع الأمثال 2/ 402.
"لم الله شعثك" أي جمعه، وكأنه قيل: اجمع نفسك إلينا، فحذفت ألفها تخفيفًا، ونظرًا إلى أن أصل لام "لم" السكون وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام، فحذفت الهمزة للدرج إذا كانت همزة وصل، وحفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأولى إلى اللام، وأدغمت، وقال الفراء، مركبة فعل بمعنى: أحضر في المتعدي، وبمعنى: ائت في اللازم.
واللغة الثانية: أن تلحقها الضمائر البارزة بحسب من هي مسندة إليه، فتقول:"هلما وهلموا وهلمي وهلممن" بالفك، وهي لغة بني تميم، وهي عندهم فعل أمر.
وذهب بعض النحويين إلى أن "هلم" في لغة بني تميم اسم غلب فيه جانب الفعلية، واستدل بالتزامهم الإدغام، ولو كانت فعلا لجرت مجرى "رد" في جواز الضم والكسر والإظهار، وأجيب بأن التزام أحد الجائزين لا يخرجها عن الفعلية، والتزام أحد الجائزين في كلام العرب كثير.
"ويجب الفك في: أفعل" بكسر العين، "في التعجب" بإجماع العرب محافظة "على الصيغة: سواء كان متصلا بالباء أم لا، فالأول "نحو: أشدد ببياض وجه المتقين، و" الثاني نحو:"أحبب إلى الله بالمحسنين"، بالفصل بالجار والمجرور. والأصل: أحبب بالمحسنين إلى الله، "وإذ سكن الحرف المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع" البارز "وجب فك الإدغام في لغة غير بكر بن وائل"، لأن ما قبل الضمير البارز المرتفع لا يكون إلا ساكنًا:"نحو: حللت، و: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: 50] ، و: {شَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: 28] والفرق بينه وبين نحو: "رد"، و"لم يرد" حيث جاز فيه الفك والإدغام أن سكون المضارع المجزوم عارض، يزول، بزوال الجازم، والأمر محمول عليه، وسوى بينهم في لغة بكر بن وائل، قال سيبويه1، وزعم الخليل أن ناسًا من بكر ابن وائل يقولون: "ردن، ومدن، وردت" وهذه لغة ضعيفة كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، فأبقوا اللفظ على حاله بعد دخولهما.
"وقد يفك الإدغام في غير ذلك شذوذًا نحو: لححت عينه" بحاءين مهملتين أي: لصقت بالرمص، بفتح الميم، وهو وسخ يجتمع في الموق، فإن سال فهو عمص، وإن جمد فهو رمص، قاله في الصحاح2، "و: ألل السقاء"، أي: تغيرت رائحته، و"ضبب
1 الكتاب 3/ 535.
2 الصحاح "رمص".
البلد"، أي: كثر ضبابه، و"دبب الإنسان"، أي: نبت شعره في جبينه، و"صكك الفرس"، أي: اصطكت عرقوباه، و"قطط الشعر"، أي: اشتدت جعودته، وغير ذلك مما جاء بإظهار التضعيف لبيان الأصل، كـ"القود" بالتصحيح، "أو في ضرورة كقوله" وهو أبو النجم العجلي: [من الرجز]
973-
الحمد لله العلي الأجلل
…
الواسع الفضل الوهوب المجزل
والقياس: "الأجل" بالإدغام.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، جعله الله خالصًا لوجهه، موجبًا للفوز لديه بمنه وكرمه.
قال مؤلفه: ووافق الفراغ منه يوم عرفة من شهور سنة ست وتسعين وثمان مائة.
ثم شرح توضيح الشيخ العلامة جمال الدين بن هشام، للشيخ العلامة المرحوم الشيخ زين الدين خالد النحوي الأزهري؛ تغمدهما الله تعالى برحمته، وأسكنهما فسيح جنته؛ في اليوم المبارك يوم الأحد، ثالث عشر من شهر شوال من شهور سنة ثمان وأربعين وألف، على يد أقل عبيد الله، وأحوجهم إلى مغفرته محمد الشهير بابن بلح بن خضير بن خضر. الوليلي بلدًا، الشافعي مذهبًا غفر الله له ولوالديه، ولإخوانه في الله، ولجميع المسلمين، آمين، آمين، آمين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأزواجه وذريته، وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يوم الدين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.
والحمد لله وحده.
973- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص175، وشرح شواهد المغني 1/ 449، والمقاصد النحوية 4/ 595، وخزانة الأدب 2/ 392، 394، وشرح شواهد الشافية ص313.