الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحكاية:
وهي إيراد لفظ المتكلم على حسب ما أورده، وهي ثلاثة أنواع: حكاية الجمل وتختص بالقول، وحكاية المفرد: وتختص بالعلم، وحكاية حال المفرد: وتختص بـ"أي" و"من" الاستفهاميتين.
"فحكاية الجمل مطردة بعد القول" وفروعه من الفعل، والوصف بأنواعهما، "نحو":{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ} [النساء: 157]، " {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} " [مريم: 30] ، {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 140] الآية. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [سبأ: 48]، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 81] فتحكى الجمل على ترتيب اللفظ.
"ويجوز حكايتها على المعنى1 فتقول في حكاية: زيد قائم: قال عمرو قائم زيد"، بعكس الترتيب، "فإن كانت الجملة ملحونة تعين المعنى" في حكايتها "على الأصح" صونًا من ارتكاب اللحن، ولئلا يتوهم أن اللحن نشأن من الحاكي.
فعلى هذا إذا قيل لشخص2: جاء زيد؛ بالجر؛ وأردت حكاية كلامه قلت: قال فلان جاء زيد؛ بالرفع؛ ولكنه خفض زيدًا، لتنبه بالاستدراك على لحنه، وإلا لتوهم أنه نطق به على الصواب. وعلى القول الثاني تقول: قال فلان جاء زيد بالجر، مراعاة للفظه.
1 في حاشية يس 2/ 282: "المراد بالمعنى: ما قابل المحكي بهيئته، فيصدق على تقديم ألفاظ المحكي وتأخيرها وتغيير إعرابها أنه حكاية معنى لا لفظًا، فلا يقال: إن مع التقديم والتأخير حكاية اللفظ أيضًا".
2 في "ب""ط": "قال شخص".
"وحكاية المفرد1 في غير الاستفهام شاذة، كقول بعضهم: ليس بقرشيًّا، ردًّا على من قال: إن في الدار قريشًا" وكقول ذي الرمة: [من الوافر]
885-
سمعت الناس ينتجعون غيثا
…
فقلت لصيدح انتجعي بلالا
فإنه سمع قومًا يقولون: الناس ينتجعون غيثًا فحكى ذلك كما سمع، فرفع الناس. وصيدح: اسم ناقته. قاله الزجاجي في جمله2.
قال ابن مالك في شرح الكافية3: ويمكن أن يكون من هذا ما كتب بواو في خط الصحابة رضي الله عنهم: فلان بن أبو فلان؛ بالواو؛ كأنه قيل: فلانًا ابن المقول فيه أبو فلان. فالمختار فيه عند المحققين أن يقرأ بالياء. وإن كان مكتوبًا بالواو كما تقرأ الصلاة والزكاة بالألف، وإن كانتا مكتوبتين بالواو على أن المنطوق به منقلب عن واو. انتهى.
وعندي أنه يقرأ بالواو لوجهين: أحدهما: أن الغرض أنه محكي وقراءته بالياء تفوت ذلك، بخلاف الصلاة والزكاة فإنهما غير محكيتين. والثاني: أنه يحتمل أن يكون وضع بالواو فيكون من استعمال الاسم في أول أحواله. وذلك لا يغير.
"وأما" حكاية حال المفرد "في الاستفهام، فإن كان المسئول عنه نكرة" مذكورة "والسؤال بـ: "أي" أو بـ"من"، حكي في لفظ "أي" ولفظ4 "من" ما ثبت لتلك النكرة المسئول عنها من رفع ونصب وجر، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية"، حقيقة أو صالحة لوصفها بها. "وجمع" سالم موجود فيه، أو صالح لوصفه به.
"تقول لمن قال: رأيت رجلا، وامرأة، وغلامين، وجاريتين، وبنين، وبنات: أيا"؟ في حكاية رجلا، "وأية"؟ في حكاية امرأة، "وأيين"؟ بالتثنية في حكاية غلامين، "وأيتين"؟ في حكاية جاريتين، "وأيين"؟ بالجمع في حكاية بنين، "وأيات"؟ في حكاية بنات.
1 في حاشية يس 2/ 282: "أي حاله".
885-
البيت لذي الرمة في ديوانه ص1535، والجمل ص329، وجمهرة اللغة ص503، وخزانة الأدب 9/ 167، وسر صناعة الإعراب 1/ 232، ولسان العرب 2/ 509، "صدح"، 8/ 347، "نجع"، والمقتضب 4/ 10، ونوادر أبي زيد ص32، وبلا نسبة في أسرار العربية ص390، وخزانة الأدب 9/ 268، 393، وشرح الأشموني 3/ 644.
2 الجمل ص329.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1722.
4 في "ط": "وفي".
وقولنا في التثنية: أو صالحة لوصفها بها ليشمل مثل: رأيت شاعرًا وكاتبًا. فإنك تقول في حكايتهما: أيين، مع أنهما ليسا مثنيين صناعة، إلا أنهما يوصفان بالتثنية فتقول: الظريفين. وقولنا في الجمع السالم: أو صالح لوصفه به، ليشمل مثل: رأيت رجالا أو نساء، فإنك تقول في حكاية الأول، أيين. وفي حكاية الثاني: أيات مع أنهما ليسا جمعي سلامة، إلا أنهما يوصفان لجمع السلامة. فتقول: رأيت رجالا، صالحين، ونساء صالحات، وقس على ذلك حكاية المرفوع بالفاعلية والمجرور.
واختلف في الحركات اللاحقة لـ"أي"، فقيل:
حركات حكاية و"أي" بمنزلة "من" في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف.
وقيل: هي حركات إعراب. فإذا وقعت سؤالا عن مرفوع بالفاعلية نحو: قام رجل فقيل: أي؟ فـ"أي" فاعل بالفعل، وهو سابق عليها في التقدير، لأن الاستثبات يزيل الصدر، فكأنك أعدت ما قاله السائل وكأنك إنما ذكرت "أيا" فقط. ويجوز أن تصرح بالفعل مؤخرًا توكيدًا، قاله الكوفيون. ومقتضى قواعد البصريين أنه يتعين كونها مبتدأ والخبر محذوف تقديره: أي قام، لأن الفاعل لا يتقدم والاستفهام لا يتأخر. والكوفيون يجيزونهما.
فإن سألت بها عن منصوب أو مجرور، فقياس قول البصريين أنها مبتدأ والخبر محذوف والحركة للحكاية أو معمولة لمحذوف متأخر، ولك أن تصرح به توكيدًا مع التأخر.
فتقول: أيا رأيت؟ وبأي مرورت؟ وعند الكوفيين منعهما. وعلى القول بجواز تقديم العامل، فهو أولى للمطابقة.
"وكذلك تقول في: من" إذا حكيت بها النكرة، رفعًا ونصبًا وجرًّا، وإفرادًا وتثنية وجمعًا على حدها، تذكيرًا وتأنيثًا، كما تقدم من الأمثلة.
"إلا أن بينهما فرقًا من أربعة أوجه:
أحدها: أن "أيا" عامة في السؤال فيسأل بها عن العاقل؛ كما مثلنا" من قولنا: رأيت رجلا، إلخ. "وعن غيره كقول القائل، رأيت حمارًا أو حمارين"، أو أتانًا أو أتانين، أو حمرًا أو أتنا، "و "من" خاصة بـ" السؤال عن "العاقل".
الفرق "الثاني: أن الحكاية في "أي" عامة في الوقف والوصل، يقال: جاءني رجلان فتقول: أيان"؟ بالوقف والإسكان، "أو أيان هذا"، بالوصل
"والحكاية في "من" خاصة بالوقف، تقول" لمن قال: جاءني رجلان. "منان، بالوقف والإسكان" في النون، "وإن وصلت قلت: من يا هذا"؟ بالسكون "وبطلت الحكاية" كما سيأتي أنك تقول في حكاية المذكر: منو ومنا ومنى؟ 1
وهذه2 الأحرف كأحرف الإطلاق لا تكون إلا في الوقف. "فأما قوله"، وهو شمر بن الحارث الضبي، أو تأبط شرًّا:[من الوافر]
886-
أتوا ناري فقلت منون أنتم
…
فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
والقياس. من أنتم. "فنادر في الشعر"، وحمله سيبويه على لغة من قال: ضرب منو منا3.
قال4: إنما يجوز منون على هذا فهو عنده معرب كـ"أي" مجموع بالواو والنون.
وقال الكسائي5: ربما احتاج الشاعر فزاد هذه الزوائد6 في الوصل7. قال ابن خروف8: وتوجيه سيبويه أجود، وهو أن يكون معربًا وجمعه كأي.
1 شرح ابن الناظم ص530-531.
2 من هنا حتى قوله: "انتهى" في نهاية الصفحة التالية قبل حديثه عن الفرق الثالث؛ نقله الشنقيطي في الدرر 2/ 524-525.
886-
البيت لشمر بن الحارث في الحيوان 4/ 482، 6/ 197، وخزانة الأدب 6/ 167، 168، 170، والدرر 2/ 524 ولسان العرب 3/ 149 "حسد"، 13/ 420 "منن" ونوادر أبي زيد ص123، ولسمير الضبي في شرح أبيات سيبويه 2/ 183، ولشمر أو لتأبط شرا في شرح المفصل 4/ 16، ولأحدهما أو لجذع بن سنان في المقاصد النحوية 4/ 498، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 462، أوضح المسالك 4/ 282، وجواهر الأدب ص107، والحيوان 1/ 328، والخصائص 1/ 128، والدرر 2/ 154، ورصف المباني ص437، وشرح ابن الناظم ص531، وشرح الأشموني 2/ 642، وشرح ابن عقيل 2/ 426، وشرح شواهد الشافية ص295، وشرح الكافية الشافية 4/ 1718، والكتاب 2/ 411، وكتاب الحلل ص360، ولسان العرب 6/ 12، "أنس"، 14/ 378 "سرًّا"، والمقتضب 2/ 307، والمقرب 1/ 300، وهمع الهوامع 2/ 157، 211.
3 في الكتاب 2/ 411: "وزعم يونس أنه سمع أعرابيًّا يقول: ضرب من منا".
4 في الكتاب: "وهذا بعيد لا تتكلم به العرب، ولا يستعمله منهم ناس كثير، وكان يونس إذا ذكرها يقول: لا يقبل هذا كل أحد فإنما يجوز: منون يا فتى على ذا".
5 الدرر 2/ 525.
6 في "ط": والدرر "الرواية".
7 في الدرر: "الأصل".
8 الدرر 2/ 525.
وحكى الكوفيون أن منهم من يقول: منو أنت، ومنان أنتما، ومنون أنتم؟ فيكون البيت على هذا.
"ولا يقاس عليه خلافًا ليونس"، وحجته أنه سمع بعض العرب يقول: ضرب من منا؟ ومنو منا؟ لمن قال: ضرب رجل رجلا. حكاه عنه سيبويه1، ووجهه أنه أزال الاستفهام عن صدريته وأعرب أحدهما فاعلا، والآخر مفعولا في الأولين، وحكاهما في الوصل في الباقين، واستبعده سيبويه.
وفي هذا البيت شذوذان آخران:
أحدهما: أنه حكى الضمير في: أتوا وهو معرفة، وليس وجه شذوذه أنه حكى مقدرًا. خلافًا للشارح2.
والثاني: أنه حرك النون وحكمها السكون3.
وعموا؛ بكسر العين المهملة؛ أي: أنعموا. وظلامًا: جوز فيه ابن السيد4 كونه ظرفًا، أي انعموا في ظلامكم، وكونه تمييزًا أي: من جهة ظلامكم. انتهى.
والأول أولى، ويؤيده أنه ينشد:
............................
…
.......... عموا صباحًا5
وهو إنشاد صحيح6 وقع في قصيدة حائية منسوبة إلى جذع بن سنان الغساني.
ونص ابن الحاجب في الأمالي7: على أنه لا يحسن أن يكون ظرفًا إذ ليس المراد أنهم نعموا في ظلام أو في صباح، وإنما المراد أنهم نعم ظلامهم أو صباحهم، انتهى8.
1 الكتاب 2/ 411.
2 في شرح ابن الناظم ص532: "أنه حكى مقدرًا، غير مذكور".
3 في شرح ابن الناظم ص532: "أنه أثبت العلامة في الوصل، وحقها ألا تثبت إلا في الوقف".
4 كتاب الحلل ص 360-361.
5 انظر هذه الرواية في شرح المفصل ص174 "الحاشية"، ولسان العرب 14/ 381 "سرا".
6 في كتاب الحلل ص360 أن الزجاجي قال في كتابه الجمل ص336-337: "وقد رأيت بعض من لا يعرف هذا الشعر يرويه: عموا صباحًا، وهو غلط". وعلق ابن السيد في الحلل ص360 فقال: "ليس بغلط كما ذكر، ولكنهما شعران، أحدهما على قافية الميم وهو الذي أنشده عن ابن دريد، والثاني على قافية الحاء، وهو أطول من هذا".
7 أمالي ابن الحاجب 1/ 462.
8 إلى هنا ما نقله صاحب الدرر 2/ 525.
الفرق "الثالث": أن "أيا" يحكى فيها حركات الإعراب غير مشبعة، فتقول" في حكاية المفرد المرفوع:"أي. و" في حكاية المنصوب. "أيا، و" في حكاية المجرور "أي. ويجب في "من" الإشباع" في الحركات1 في حكاية المفرد المذكر خاصة على اللغة الفصحى. "فتقول" لمن قال: جاءني رجل: "منو؟ و" لمن قال: رأيت رجلا: "منا؟ و" لمن قال: مررت برجل: "مني"؟
ومن العرب من يحكي بـ"من" إعراب المسئول عنه فقط، ولم يزد علامة التأنيث والتثنية والجمع. فتقول لمن قال: قام رجل، أو رجلان، أو رجال، أو امرأة، أو امرأتان، أو نساء، منو في الجميع، وفي النصب: منا، وفي الجر: مني.
وما ذكره من أن الواو والألف والياء نشأت من حركات الإشباع، وأن الحركات حكاية هو قول السيرافي. زعم أن الحركات حكاية، وأنهم أشبعوا بيانًا للحركة في الوقف إذ لا يوقف على متحرك.
ورد بأن الحركات إنما تبين بهاء السكت وبالألف في "أنا" و"حيهلا"، خاصة وبأن الموضع للوقف ولا حركة فيه.
وقال المبرد والفارسي: الحكاية مشبهة بالإعراب، فالحروف اجتلبت أولا للحكاية فلزم تحريك ما قبلها2، وصوبه ابن خروف، وصححه أبو حيان3.
وقال بعضهم: الحروف عوض عن التنوين، فإذ قيل: منو، فالحكاية بالضمة والواو بدل التنوين. وكذا "منا ومني". ورده أبو حيان4 بأن ذلك لغة قليلة. وهذا الحروف يتكلم بها جميع العرب.
وقال بعضهم4: الحروف عوض عن لام العهد لأن قياس النكرة إذا أعيدت أن تعاد بلفظ المعرفة لئلا يتوهم أنها غيرها.
الفرق "الرابع: أن ما قبل تاء التأنيث في "أي" واجب الفتح تقول: أية وأيتان" كما تقول: آية وآيتان: "ويجوز الفتح والإسكان في: من" إذا اتصل بها تاء الحكاية. "تقول: منه"، بفتح النون وقلب التاء هاء، "ومنت"، بسكون النون وسلامة التاء من القلب هاء، وإنما قلبت مع فتح ما قبلها ولم تقلب مع سكونه اعتبارًا بحالة الوقف.
1 في "ط": "للحركات" مكان "في الحركات".
2 المقتضب 2/ 306.
3 الارتشاف 1/ 321-323.
4 الارتشاف 1/ 321-323.
"ومنتان" بفتح النون الأولى، "ومنتان"، بسكونها. "والأرجح الفتح في المفرد والإسكان في التثنية"، وإنما عبرنا بتاء الحكاية دون تاء التأنيث لأن تاء التأنيث لا يسكن ما قبلها. قال الموضح في الحواشي: وهو الحق. وظاهر كلامه هنا أنها للتأنيث. والقول بأنه في "أية" للتأنيث، وفي "منه" للحكاية، مجرد عناية.
وإنما كان الأرجح الفتح في المفرد لأن التاء فيه متطرفة فهي ساكنة للوقف. فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان، ولا كذلك في التثنية، وتقول في حكاية الجمع بالألف والتاء. منات، بإسكان التاء للوقف. هذا حكم غير العطف.
وأما العطف فإذا قال: جاءني امرأة ورجل. فإنك تقول: من ومنو؟ وإذا قال: جاءني رجل وامرأة، فإنك تقول: من ومنه؟ تلحق العلامة آخر الكلام لأنه محل الوقف دون ما قبله. لأنه في حكم الوصل. وكذا إذا قال: جاءني رجال ونساء قلت: من ومنات؟ فإذا قال: مررت بنسوة ورجل قلت: من ومني؟ وإذا خلط ما لا يعقل بمن يعقل، جعلت السؤال عما لا يعقل بـ"أي"، وعمن يعقل بـ"من". فإذا قال: رأيت رجلا وحمارًا. قلت: من وأيا؟ وإذا قال: مررت بحمار ورجل. قلت: أي ومني؟ وإذا قال: رأيت ثوبًا وغلامًا. قلت: أيا ومنا؟ وكذلك ما أشبهه. ذكره الزجاجي1.
ثم انتقل إلى النوع الثالث: وهو حكاية العلم، وجعله قسيمًا لقوله أولا، فإن كان المسئول عنه نكرة فقال:"وإن كان المسئول عنه علمًا لمن يعقل، غير مقرون، بتابع" من التوابع الخمسة، "وأداة السؤال "من" غير مقرونة بعاطف، فالحجازيون يجيزون حكاية إعرابه2، فيقولون: من زيدًا؟ لمن قال: رأيت زيدًا، ومن زيد؟ بالخفض لمن قال: مررت بزيد" فالفتحة والكسرة للحكاية والرفع في موضعهما مقدر لأن الواقع بعد "من" مبتدأ خبره "من" عند الجمهور3. أو خبر مبتدؤه "من" عند سيبويه4، وإن كان المحكي مرفوعًا كقوله5: من زيد؟ لمن قال: جاءني زيد، برفع ما بعد "من" على اللغتين6، ويختلف التقدير، فعلى لغة الحكاية يكون الإعراب مقدرًا لاشتغال
1 الجمل ص335-336.
2 شرح ابن الناظم ص532.
3 الارتشاف 1/ 323.
4 الكتاب 2/ 413، وانظر شرح ابن الناظم ص532.
5 في "ط": "كقوله".
6 شرح ابن الناظم ص532.
آخر المحكي بحركة الحكاية فالرفع في اللفظ غير الرفع في التقدير. وعلى لغة الغير فالحكم ظاهر. "وتبطل الحكاية في نحو": أي زيد؟ لأن أداة السؤال غير "من" وفي نحو: "ومن زيد؟ لأجل العاطف" الداخل على "من". "وفي نحو: من غلام زيد، لانتفاء العلمية"، خلافًا ليونس في إجازته حكاية جميع المعارف1. وفي نحو: من شدقم؟ لانتفاء العقل. "وفي نحو: من زيد الفاضل؟ لوجود التابع"، وهو النعت.
"ويستثنى من ذلك أن يكون التابع ابنًا متصلا بعلم كـ: رأيت زيد بن عمرو، أو علمًا معطوفًا"، بالواو خاصة "كـ: رأيت زيدًا وعمرًا، فتجوز فيهما الحكاية على خلاف في الثانية". فتقول لمن قال: رأيت زيدًا بن عمرو. من زيد بن عمرو؟ ولمن قال: مررت بزيد بن عمرو: من زيد بن عمرو؟ بنصب زيد في الأول، وخفضه في الثاني. وتقول لمن قال: رأيت زيدًا وعمرًا: من زيدًا وعمرًا، بنصبهما. ولمن قال: مررت بزيد وعمرو: من زيد وعمرو. بخفضهما. وذهب يونس وجماعة إلى أن عطف أحد الاسمين على الآخر يبطل الحكاية، وبنو تميم لا يحكون العلم مطلقًا ويوجبون رفع ما بعد "من". ومدرك الحجازيين أن الأعلام كثرت في كلامهم فأجازوا فيها الحكاية. لما فيها من ربط أحد الكلامين بالآخر وشرطوا أن تكون الحكاية بـ"من" دون "أي" لوجهين:
أحدهما: كثرة استعمالهم لها دون "أي" قاله سيبويه2.
والثاني: أن "من" مبنية، لا يظهر معها قبح الحكاية لسكونها على كل حال، بخلاف "أي" فإنه لو حكي بها: أي زيدًا؟ وأي زيد؟ برفع "أي" فيهما، ونصب "زيد" في الأول، وجره في الثاني، لظهر القبح في اختلاف إعراب المبتدأ والخبر.
قال ابن الضائع: والأول أولى، وعليه اعتمد سيبويه وزاد ابن خروف وجها ثالثًا: وهو كون "من" على حرفين. وأما شرط انتفاء التابع، فلأنهم استغنوا بإطالته عن الحكاية، واستثنى النعت بابن لأنه صار مع المنعوت كشيء واحد، واستثنى عطف النسق لأنه ليس فيها بيان للمتبوع، فلا يبين إلا بالحكاية.
وأما اشتراط انتفاء اقتران العاطف بـ"من" فلأن الغرض بالحكاية بيان أن المسئول عنه هو المتقدم في الذكر لا غير. فإذا عطفت جملة السؤال على كلام المسئول صار في ذلك بيان أن المسئول عنه هو الأول فلم يحتج للحكاية. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
757-
والعلم احكينه من بعد من
…
إن عريت من عاطف بها اقترن
1 شرح ابن الناظم ص532.
2 الكتاب 2/ 413، 414.
فصل فيم تعرف به الأصول والزوائد
…
همزة، فوزنه "افعنلاء"، وقيل، هذا الوزن مفقود، وإنما هو "افعنلى" كـ: احرنبى الديك؛ إذا انتفش للقتال، ثم انقلبت الألف همزة.
"و" في "الدلاصية" راجع إلى "دلامص" وهو الشيء البراق، كقولهم: درع دلاص ويقال فيها: دلامص، ودلمص، ودملص، وأبو الحسن وأبو عثمان يريان أصالة ميمهن1، وأن ذوات الأربعة وافقت ذوات الثلاثة، وفيها ست لغات سادسها "دليص"، وهو أيضًا دليل على الزيادة.
"و" في "البنوة" راجع إلى "ابنم" فهو "ابن" بزيادة الميم.
"و" في "الملك" راجع إلى "ملكوت"، قال في الصحاح2: والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة.
"و" في "العفر؛ بفتح أوله وهو التراب"، راجع إلى "عفريت" بكسر العين.
"و" في "القدم" بكسر القاف وفتح الدال راجع إلى "قدموس"، وكان حقه أن يقول: وفي التقدم، ففي كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى الأزدي: القدموس: السيد المتقدم قومه، وجمعه "قداميس"، وقال خالد: القدموس ما تقدم وأشرف من أنف الخيل، انتهى.
"و" في "الطاعة" راجع إلى "اسطاع" وأصله "أطوع، كـ: أكرم" نقلت حركة العين، وهي الواو إلى فاء الكلمة، وهي الطاء، فانقلبت ألفًا بعد أن كانت واو متحركة، فعوضوا من هذه الحركة السين، هذا مذهب سيبويه3، وجمهور البصريين4، ويدل على أن أصله "أطاع" قولهم، يسطيع، بضم حرف المضارعة "وفي قولهم: حظلت الإبل إذا آذاها الحنظل"، راجع إلى "حنظل".
"و" في قولهم: "أسبل الزرع" راجع إلى "سنبل".
"و" الدليل الثاني على الزيادة لزوم عدن النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة التي ذلك الحرف منها، فذلك "حكم بزيادة":
"نوني: نرجس" بفتح النون وكسر الجيم: نوع من الرياحين، فإن قيل: هذه الكلمة أعجمية فكيف حكمتم بالزيادة قلنا، تكلمت بها العرب، وتصرفوا فيها بالتثنية
1 الممتع في التصريف 1/ 245-246، والمبدع في التصريف ص127.
2 الصحاح "ملك".
3 الكتاب 4/ 285، 483.
4 هذا المذهب اعترضه المبرد. انظر حاشية يس 2/ 362.