الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإمالة:
"وهي" مصدر أملت الشيء إمالة إذا عدلت به إلى غير الجهة التي هو فيها، من مال الشيء يميل ميلا إذا انحرف عن القصد.
وفي الاصطلاح: "أن تذهب بالفتحة إلى جهة الكسرة"، فتشرب الفتحة شيئًا من صوت الكسرة، فتصير الفتحة بينها وبين الكسرة.
"فإن كان بعدها"، أي الفتحة، "ألف ذهبت" بالألف "إلى جهة الياء"، فتصر الألف بينها وبين الياء "كـ:"الفتى"، بإمالة الفتحة والألف؟
"وإلا" يكن بعد الفتحة ألف "فالممالة الفتحة وحدها"، سواء كانت الفتحة قبل تاء التأنيث أم لا، "كـ: نعمة، و:{بِسَحَرٍ} [القمر: 34] .
"وللإمالة" فائدة، وحكم، ومحل، وأصحاب، "وأسباب تقتضيها، وموانع تعارض تلك الأسباب، وموانع لهذه الموانع تحول بينها وبين المنع".
أما فائدتها فتناسب الأصوات، وصيرورتها من نمط واحد، وبيان ذلك أنك إذا قلت:"عائد"1 كان لفظك بالفتحة تصعدًا، واستعلاء، فإذا عدت إلى الكسرة كان انحدارًا وتسفلا، فيكون في الصوت بعض اختلاف، فإذا أملت الألف قرب من الياء، وامتزج بالفتحة طرف من الكسرة، فتقارب الكسرة الواقعة بعد الألف، وتصير الأصوات من نمط واحد، وقد ترد الإمالة للتنبيه على أصل أو غيره، مما سيأتي.
1 في "ط": "عابد".
وأما حكمها فإنه وجه جائز، فلهذا1 يجوز تفخيم كل ممال، لأنه الأصل، إذ الألف إذا لم تمل كانت حقيقته، فإذا أميلت ترددت بين الألف والياء، والأصل في الحرف ألا يمازج صوته صوت غيره، قاله الجاربردي2.
وأما محلها فالأسماء المتمكنة، والأفعال غالبًا، ويأتي التنبيه على غير الغالب.
وأما أصحابها فتميم، وفيس، وأسد، وعامة نجد، ولا يميل الحجازيون إلا مواضع قليلة.
"وأما الأسباب" التي تمال لأجلها "فثمانية:
أحدها: كون الألف مبدلة من ياء متطرفة" في الأسماء، والأفعال، "مثاله في الأسماء: الهدى والفتى، ومثاله في الأفعال: هدى واشترى"، فالألف فيهن مبدلة من ياء، بدليل "الهديان، والفتيان، وهديت، واشتريت"، أخذًا من قول الشاطبي المقرئ:[من الطويل]
وتثنية الأسماء تكشفها وإن
…
رددت إليك الفعل صادفت منهلا3
"ولا يمال نحو: ناب" بالنون، وهو السن، "مع أن ألفه" مبدلة "عن ياء بدليل قولهم" في تكسيره:"أنياب، لعدم التطرف"، إلا أن يكون مجرورًا فإن من العرب من يميله نحو:"نظرت إلى ناب"، وسبب الإمالة هنا كسرة الإعراب لا غير وإن كانت عارضة، وقاله الشاطبي النحوي.
"وإنما أميل نحو: فتاة" مؤنث "فتى"، "و: نواة" وإن لم يكن الألف طرفًا في اللفظ "لأن تاء التأنيث في تقدير الانفصال". فالألف فيهما مبدلة من ياء، فهي وإن لم تتطرف لفظًا، فهي متطرفة حكمًا.
والسبب "الثاني كون الياء تخلفها" أي الألف "في بعض التصاريف كألف: ملهى"، مما كان بدلا من واو "و" ألف "أرطى" مما كان زائدًا للإلحاق، "و" ألف "حبلى" مما كان زائدًا للتأنيث، "و" ألف "غزا" مما كان بدلا من واو في الأفعال، "فهذه" الأمثلة "وشبهها ممال"، لأن الياء تختلف الألف فيها في بعض
1 في "ب": "فلذا".
2 شرح الشافية 2/ 371.
3 البيت للشاطبي في شرح قطر الندى ص330.
التصاريف، كالتثنية والجمع في الأسماء، والبناء للمفعول، في الأفعال، "كقولهم في التثنية: مليهان، وأرطيان، وحبليان، وفي الجمع": ملهيات، وأرطيات، و"حبليات، وفي البناء للمفعول: غزي، وعلى هذا" الأخير" "فيشكل قول الناظم" في النظم1 وغيره2: "إن إمالة ألف "تلا" في: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الشمس: 2] لمناسبة إمالة ألف {جَلَّاهَا} [الشمس: 3] ، وقوله" في شرح الكافية3، "وقول ابنه" في شرح النظم4: "إن إمالة ألف: {سَجَى} [الضحى: 2] لمناسبة إمالة" ألف {قَلَى} [الضحى: 3] بل إمالتهما كقولك" إذا بنيتهما5 للمفعول: "قُلِيَ، و: سُجِيَ" بضم أولهما وكسر ما قبل آخرهما، فتخلف الياء فيها الألف، فلا حاجة إلى دعوى التناسب إذا أمكن غيره.
وأجاب المرادي عن ذلك لما ذكر التناسب6 فقال7: إن السبب المقتضي للإمالة نحو: "دعا" مما ألفه عن واو، لم يعبره القراء، يعني بالقاف8، ولذلك لم يميلوا هذا النوع حيث وقع، وإنما أمالوا ما جاور9، الممال، فلما أمالوا "تلاها" ونحوه؛ وليس من عادتهم إمالة ذلك؛ علم أن الداعي إلى إمالته عندهم هو التناسب.
وقال10: هنا تجوز الإمالة في نحو: "دعا، وغزا" لأنه يؤول إلى الياء إذا بني للمفعول، انتهى.
وعندي أن هذا الجواب لا يدفع الإشكال، لأن الإشكال على اصطلاح النحويين، والجواب على اصطلاح القراء، فلم يتلاقيا على اصطلاح واحد.
" ويستثنى من ذلك"، المذكور، وهو كون الياء تخلف الألف في بعض التصاريف، "ما رجوعه إلى الياء مختص بلغة شاذة، أو" رجوعه إلى الياء "بسبب ممازجة الألف لحرف زائد"، فلا يمال شيء من ذلك.
1قال في الألفية:
وقد أمالوا لتناسب بلا
…
داع سواه كعمادا وتلا
2 شرح الكافية الشافية 4/ 1975.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1975.
4 شرح ابن الناظم ص581.
5 في "ب": "بنيتها".
6 ف "ب": "المناسب".
7 شرح المرادي: 5/ 200.
8 في "ط": "باتفاق".
9 في "ط": "ما جاوز".
10 شرح المرادي 5/ 189.
"فالأول"، وهو اختصاص رجوع الألف إلى الياء بلغة شاذة، "كرجوع ألف: عصا، وقفا" المنقلبة عن واو "إلى الياء في قول هذيل إذا أضافوهما1 إلى المتكلم"، حيث يقولون: "عصي، وقفي" بتشديد الياء، والأصل: "عصوي، وقفوي" اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
"والثاني" هو رجوع الألف إلى الياء بسبب ممازجة الألف لحرف زائد "كرجوعهما" أي ألفي "عصا، و: قفا" إليها"، أي إلى الياء، "إذا صغر" عند الجميع "فقيل: عصية، وقفيّ"، بتشديد الياء فيهما، [والأصل: "عصيوة وقفيو"، ففعل به ما تقدم به، وقلبت ياء لممازجتها لياء التصغير، وهي حرف زائد، والممازجة: المخالطة والمجاورة.
"أو جمعا" أي "عصا، و: قفا""على: فُعُول"، بضم الفاء، "فقيل: عصي، وقفي"، بتشديد الياء فيهما] 2، والأصل: "عصوو، وقفوو"، قلبت الواو الأخيرة ياء كراهة اجتماع واوين فصارا: "عصوي، وقفوي"، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقلبت الضمة الثانية: كسرة، لتسلم الياء من القلب واوًا، ثم كسرت فاؤهما؛ إتباعًا لكسرة عينهما. وقرأ الحسن: "فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعُصِيُّهُمْ" [طه: 66] ، بضم العين، حيث وقع ردًّا إلى أصله، فالياء الثانية المدغم فيها هي ألف "عصا، و: قفا"، وقلبت ياء لممازجتها الياء المنقلبة عن واو "فُعُول" وهي حرف زائد.
السبب "الثالث: كون الألف مبدلة من عين فعل يؤول عند إسناده إلى التاء" المثناة فوق "إلى قولك: فِلت، بكسر الفاء""، وحذف العين "سواء كانت تلك الألف" المبدلة من غير الفعل "منقلبة عن ياء" مفتوحة، أو مكسورة.
فالأول "نحو: باع، وكال، و" الثاني نحو: "هاب. أم عن واو مكسورة، كـ: خاف، وكاد، ومات" فإنك تقول فيها إذا أسندتها إلى تاء الضمير: "بعت وكلت وهبت وخفت وكدت"، بكسر الفاء في لغة الجميع، و"مت" في "لغة من قال مت، بالكسر" في الميم، بحذف عين الفعل، فيصير في اللفظ على وزن "فلت" والأصل "فعلت" بكسر العين إما بطريق الإمالة كما في:"هبت وخفت وكدت ومت"،
1 في "ب": "أضافوها".
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
وإما بطريق التحويل كما في "بعت، وكلت"، فإن أصل حركة عينيهما الفتح، ثم نقلا إلى "فعل"، بكسر العين، ثم تنقل الكسرة في الجميع إلى فاء الكلمة، وتحذف العين لالتقاء الساكنين. وقيل في يائي العين المفتوح: لا تحويل، ولكن لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، فهذه وما أشبهها يمال لما ذكرنا "بخلاف" المنقلبة عن واو مفتوحة "نحو: قال، و" عن واو مضمومة، نحو: "طال" في لغة الجميع، "ومات، في لغة الضم"، فهذه لا تمال، لأنك تقول إذا أسندتها إلى تاء الضمير: "قلت وطلت ومت" بضم الفاء فيهن. أما: "قلت"، فبالتحويل، وأما "طلت، ومت" فعلى الأصل، وتبين أن "مات" تمال في لغة الكسر، ولا تمال في لغة الضم.
السبب "الرابع: وقوع الألف قبل الياء" المفتوحة متصلة "كـ: بايعته وسايرته"، ذكره ابن الدهان، ومثله بآية. "وقد أهمله الناظم" في النظم، وسيبويه، "والأكثرون"، وذكره في التسهيل فقال1: أو متقدمة على ياء تليها.
السبب "الخامس: وقوعها"، أي الألف، "بعد الياء" حال كونها "متصلة" بها من غير حاجز بينهما "كـ: بيان" بتخفيف الياء، و"كيال، وبياع" بتشديدهما إلا أن الإمالة مع التشديد أقوى لتكرر السبب، "أو منفصلة" عنها "بحرف واحد كـ: شيبان" علمًا من "الشيب"، "و: جادت يداه"، والأول أقوى، لأن انخفاض الصوت بالساكنة أظهر منه في المتحركة لقربها من حيز المد، "أو" منفصلة عنها "بحرفين أحدهما"، وعبارة التسهيل2 ثانيهما، "الهاء نحو: دخلت" هند "بيتها"، وشرطه ألا يفصل بين الياء والهاء بحرف مضموم نحو: "هند اتسع بيتها"، قال الموضح في الحواشي.
السبب "السادس: وقوع الألف قبل الكسرة" متصلة "نحو: عالم وكاتب".
السبب "السابع: وقوعها" أي الألف "بعدها" أي الكسرة "منفصلة":
منها "إما بحرف" واحد، "نحو: كتاب، وسلاح" فالفاصل بين الكسرة والألف في الأول التاء، وفي الثاني اللام.
"أو" منفصلة "بحرفين" كلاهما متحرك، "وأحدهما" وهو الثاني "هاء"، وأولهما غير مضموم فيمال، "نحو: يريد أن يضربها" دون "هو يضربها".
1 التسهيل ص325.
2 التسهيل ص325.
"أو" منفصلة بحرفين أولهما "ساكن" فيمال "نحو: شملال"، بالشين المعجمة، وهي الناقة الخفيفة، "وسرداح"، بمهملات، وهي الناقة العظيمة، دون "رأيت عنبًا" إلا على وجه شاذ.
"أو" منفصلة "بهذين" الحرفين الساكن فالمتحرك، "وبالهاء نحو: درهماك". وهذا ساقط من أصل التسهيل، وفيه فصل بثلاثة أحرف، ساكن وهاء وغيرهما.
وذكر ابن الحاجب وغيره أن إمالة ذلك شاذة1، وهو ظاهر، لأن أقل درجة الساكن والهاء أن ينزلا منزلة حرف واحد محرك غير هاء، وذلك لا إمالة معه، ولم يذكر الفارسي في الإيضاح أن إمالة "درهمان" بالنون شاذة، مع تنصيصه على الإمالة للكسرة السابقة أعني لا لكسرة نون التثنية، فلذلك مثل به الموضح مضافًا للكاف تبعًا لقول الناظم:
905-
..................................
…
فدرهماك من يمله لم يصد
السبب "الثامن: إرادة2 التناسب" إذا لم يوجد سبب غيرها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
911-
وقد أمالوا لتناسب بلا
…
داع سواه كعمادًا وتلا
"وذلك، إذا وقعت الألف بعد ألف في كلمتها، أو" وقعت "في كلمة" أخرى قد "قاربتها، قد أميلتا" أي الألفان "لسبب" من الأسباب المتقدمة.
"فالأول" وهو الذي وقعت فيه الألف بعد ألف في كلمتها، وقد أميلت الألف الأولى لسبب "كـ: رأيت عمادًا، و: قرأت كتابًا"، فإن الألف الأولى3 فيهما قد أميلت لسبب، وهو كونها واقعة بعد كسرة، وقد فصل بينهما حرف واحد، وهو الميم في المثال الأول، والتاء في المثال3 الثاني، فتمال الألف الأخيرة منهما المنقلبة عن التنوين لمناسبة الألف الأولى.
"والثاني": وهو ما أميلت فيه الألف لكونها واقعة في كلمة أخرى، وقد أميلت لسبب، "كقراءة أبي عمرو والأخوين:{وَالضُّحَى} [الضحى: 1] بالإمالة4 مع أن ألفها" منقلبة "عن واو "الضحوة""لمناسبة: {سَجَى} [الضحى: 2] ، و: {قَلَى} [الضحى: 3] ، وما بعدهما"، فإن رعاية التناسب في الفواصل عندهم غرض منهم.
1 شرح الشافية للرضي 3/ 4.
2 في "ط": "من أراد" مكان "الإرادة".
3 سقط من "ب".
4 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص440، والنشر 2/ 37.
والحاصل من إرادة التناسب أن الألف الممالة إما أن تكون سابقة على الألف التي لا سبب فيها، أو آتية بعدها، فإن كانت سابقة عليها فتمال كما في "عمادًا" فتمال الألف الأولى لكسرة العين، ثم الثانية المنقلبة عن التنوين لأجل تلك الممالة، وإن كانت آتية بعدها فإما أن يقع ذلك في الفواصل أو لا.
فإن وقع في الفواصل فتمال لتناسب الفواصل، فـ"الضحى" تمال لمناسبة ما بعده، وإن لم يكن في الفواصل فلا تمال، ولذلك إذا مالوا فتحة "بمجادر" لكسر رائه لا يجيزون إمالة ألفه مع أنهما في كلمة واحدة فكيف إذا كانا في كلمتين.
"وأما الموانع" لأسباب الإمالة من الكسرة والياء الظاهرتين أو المقدرتين "فثمانية أيضًا" كعدد الأسباب "وهي":
"الراء" غير المكسورة، "وأحرف الاستعلاء السبعة وهي: الخاء، والغين؛ المعجمتان؛ والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف".
وإنما منعت المستعلية الإمالة طلبًا لتجانس الصوت كما أميل فيما تقدم طلبًا له لأن هذه الأحرف تستعلي إلى الحنك، فلو أميلت الألف في "صاعد" لانحدرت بعد إصعاد، ولو أملتها في "هابط" لصعدت بعد انحدار، وكلاهما شاق، ولكن الثاني أشق، فلذلك كانت هذه الأحرف بعد الألف أقوى مانعًا كما سيجيء.
وأما الراء وإن لم يكن فيها استعلاء لكنها مكررة، فشبهت بالمستعلية لتكرر الذي فيها، بل قيل: هو اشد مانعًا، "وشرط المنع بالراء أمران":
أحدهما: "كونها غير مكسورة. و" الثاني: "اتصالها بالألف، إما قبلها".
ولا تكون إلا مفتوحة "نحو: فراش، وراشد"، فالراء منعت السبب المتقدم في الأول، والمتأخر في الثاني، "أو بعدها"، وتكون مضمومة ومفتوحة "نحو: هذا حمار، ورأيت حمارًا"، وبعضهم يميل ولا يلتفت إلى الراء، "وبعضهم يجعل المؤخرة المفصولة بحرف" واحد "نحو: هذا كافر، كالمتصلة" في منع الإمالة.
"وشرط" المنع بحرف "الاستعلاء المتقدم على الألف أن يتصل بها" أي بالألف "نحو: صالح وضامن وطالب وظالم وغالب وخالد وقاسم، أو منفصل بحرف" واحد "نحو: غنائم"، لأن الفصل بحرف واحد كلا فصل.
"إلا إن كان" حرف الاستعلاء "مكسورًا نحو: طلاب وغلاب" من المتصل، "وخيام، وصيام" من المنفصل بحرف، "فإن أهل الإمالة يميلونه" لأن حرف
الاستعلاء المكسور لا يمنع الإمالة، لأن الكسرة في التقدير بعد الحرف، فمناسبة صوت الألف للكسرة أولى، بخلاف ما إذا كان مفتوحًا فإن الفتح يقوي المستعلي من حيث كان الفتح معه يمنع الإمالة.
"وكذلك حرف الاستعلاء "الساكن بعد كسرة نحو: مصباح وإصلاح ومطواع ومقلات" بالقاف والتاء الفوقانية، "وهي التي لا يعيش لها ولد"، فإنه لا يمنع الإمالة أيضًا، لأن الكسرة لما جاورته، وهو ساكن، قدت أنها اتصلت به فنزل ذلك منزلة المكسور. "ومن العرب من لا ينزل هذا" الساكن "منزلة المكسور"، ويجعله مانعًا من الإمالة.
"وشرط" حرف الاستعلاء "المؤخر عنها"، أي عن الألف "كونه:
إما متصلا بالألف كـ: ساخر" بالخاء المعجمة، "وحاطب وحاظل" بالحاء المهملة، فيهما، "وناقف".
"أو منفصلا" من الألف "بحرف" واحد "كـ: نافق ونافخ وناعق وبالغ".
"أو" منفصلا من الألف بحرفين "كـ: مواثيق ومناشيط، وبعضهم يميل هذا" المفعول بحرفين "لتراخي الاستعلاء".
والمنع بالمتأخر أقوى من المنع بالمتقدم، ولذلك قيد المتقدم بأن لا يكون مكسورًا، ولا ساكنًا بعد مكسور، ولا مفصولا1 بحرفين، وأطلق في المتأخر، وسبب ذلك أن التصعد بعد التسفل أصعب عندهم من التسفل بعد التصعد، كما أن التسفل بعد التصعد أسهل من العكس.
"وشرط الإمالة التي يكفها المانع أن لا يكون سببها كسرة مقدرة" كـ"خاف" فإن ألفه منقلبة عن واو مكسورة، "ولا ياء مقدرة" كـ"طاب"، فإنها منقلبة عن ياء، فسبب إمالة ألف "خاف" الكسرة المقدرة في الواو المنقلبة عنها الألف، وسبب إمالة ألف2 "طاب" الياء المقدرة المنقلبة ألفًا.
فكسرة "خاف" وياء "طاب" مقدرة في ألفيهما "فإن السبب المقدر هنا" وهي الكسرة والياء "لكونه موجودًا في نفس الألف" المنقلبة عن الواو المكسورة، أو عن الياء "أقوى من" السبب "الظاهر" في اللفظ، وهو الكسرة والياء الملفوظ بهما،
1 في "ب": "منفصلا".
2 سقط من "ب".
"لأنه" أي السبب الظاهر "إما متقدم عليها"، أي على الألف نحو:"كتاب، وبين "أو متأخر عنها" نحو: "عالم، وبائع".
والكائن في نفس الألف أقوى من المتقدم عليها والمتأخر عنها، "فمن ثم أميل نحو: خاف، وطاب" مع تقدم حرف الاستعلاء، "و: حاق، وزاغ" مع تأخره، لأن السبب مقدر في الألف، بخلاف ما إذا كانت الكسرة مقدرة بعد الألف، كما في "جاد" من جد في الأمر، "وجواد" جمع "جادة"، وأصلهما "جادد، وجوادد" فأدغم لاجتماع المثلين، فلا تكون كالكسرة الملفوظة، فلا يجوز الإمالة على الأفصح.
وبعضهم أجاز إمالته اعتدادًا بالكسرة المقدرة كما في "خاف"1، ومقتضى ما تقدم أن المانع يكفه لأن السبب المقدر متأخر عن الألف.
"مسألة: ويؤثر مانع الإمالة، وإن كان منفصلا" في كلمة أخرى مستقلة بنفسها؛ كما لو كانا في كلمة واحدة، وهذا المنفصل تارة يكون متصلا بالألف من غير حاجز نحو:"منا قاسم" فلا يمال لاتصال المستعلي في اللفظ إذا أدرجت2، فهذا مثل قولك:"بفاضل"3.
وتارة يفصل بينهما بحرف واحد نحو: "منا فضل، وبمال قاسم"، فهذا مثل قولك:"بناعق"، وتارة يفصل بينهما بحرفين نحو:"بيدها سوط" فهذا مثل قولك: "مناشيط" قاله الشاطبي.
"ولا يؤثر4 سببها" أي الإمالة "إلا متصلا" في كلمة واحدة، والفرق أن المانع أقوى من السبب "فلا يمال نحو: أتى قاسم، لوجود القاف" المستعلية، وإن كانت منفصلة عن الألف في كلمة أخرى، "ولا يمال" نحو "لزيد مال، لانفصال السبب" لأن الألف في كلمة أخرى. "هذا ملخص كلام الناظم" في شرح الكافية5، "وابنه" في شرح الخلاصة6.
1 الكتاب 4/ 132، والارتشاف 1/ 240.
2 في "ب": "أدرج".
3 في "ط": "مررت بفاضل".
4 في "ب": " يؤخر".
5 شرح الكافية الشافية 4/ 1974.
6 شرح ابن الناظم ص580.
"وعليهما اعتراض من وجهين":
"أحدهما": في التمثيل، وثانيهما في الحكم، وذلك "أنهما مثلا بـ: أتى قاسم، مع اعترافهما بأن الياء المقدرة" في "أتى" المنقلبة1 عنها الألف "لا يؤثر فيها المانع" لما تقرر من2 أن شرط الإمالة التي يكفها المانع أن لا يكون سببها ياء مقدرة، "والاستعلاء في هذا النوع لو اتصل لم يؤثر"، فما بالك3 مع انفصاله، "والمثال الجيد" السالم من الطعن "كتاب قاسم"، فإن سبب الإمالة الكسرة الظاهرة، فيكفها المانع وإن كان مفصلا.
"و" الاعتراض "الثاني أن نصوص النحويين" كابن عصفور، وغيره "مخالفة لما ذكر من الحكمين "المذكورين وهما، يؤثر مانع الإمالة إن كان منفصلا، ولا يؤثر سببها إلا متصلا.
"قال ابن عصفور في مقربه بعد أن ذكر أسباب الإمالة ما نصه4: وسواء كانت الكسرة متصلة أم منفصلة نحو: "لزيد مال"، إلا أن إمالة المتصلة كائنة ما كانت أقوى، وقال أيضًا4: وإذا كان حرف الاستعلاء منفصلا عن الكلمة لم يمنع الإمالة إلا فيما أميل لكسرة عارضة نحو: "بمال قاسم"، أو فيما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر نحو: "أراد أن يضربها قبل" انتهى".
يعني لا تمال الألف، لأن القاف بعدها من قبل مانعة من الإمالة وإن انفصلت، وهذا النص بحرفه في الحكمين، وقع في شرح الجزولية لأبي عبد الله محمد النفزي، بالنون والفاء والزاي.
"ولولا ما في شرح الكافية" من قوله5: وأن سبب المانع قد يؤثر منفصلا، فيقال:"أتى أحمد"، بالإمالة، و"أتى قاسم" بترك الإمالة، "لحملت قوله في النظم" للخلاصة والكافية.
910-
....................................
…
والكف قد يوجبه ما ينفصل
1 في "ب": "المنقلب".
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "ذلك".
4 المقرب 1/ 321.
5 شرح الكافية الشافية 4/ 1974.
"على هاتين الصورتين" المذكورتين في كلام ابن عصفور، والنفزي، وهما ما أميل للكسرة العارضة، وما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر "لإشعار1 قد يفعل" من قول الناظم:
910-
.................................
…
والكف قد يوجبه ما ينفصل
"في عرف المصنفين بالتقليل"، وإنما أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر السبب إلا متصلا لأن ترك الإمالة هو الأصل، فيصار إليه بأدنى سبب، ولم يخرج عنه إلا لسبب محقق.
"وأما مانع المانع" للإمالة "فهو الراء المكسورة المجاورة" للألف2، "فإنها تمنع" الحرف "المستعلي، و" تمنع "الراء أن يمنعا" الإمالة، لأن الراء من شأنها التكرار، فكأن الحرف فيها في تقدير حرفين، وكأن الكسرة فيها في تقدير كسرتين، فتكون إحدى الكسرتين في مقابلة المانع، والأخرى سبب الإمالة.
"ولهذا أميل: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] ، و: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] مع وجود الصاد" في الأول، "والغين" في الثاني.
"و" أميل " {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين: 18] مع وجود الراء المفتوحة" قبل الألف.
"و" أميل: {دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 36] مع وجودهما" أي القاف المستعلية، والراء المفتوحة، لأن كلا من حرفي الاستعلاء والراء المفتوحة مانع من الإمالة، والراء المكسورة، في ذلك كله متصلة.
"وبعضهم" أي العرب "يجعل المنفصلة" من الألف "بحرف كالمتصلة" في كونها تمنع المانع. "سمع سيبويه الإمالة في قوله"، وهو سماعة النعامي يهجو رجلا من بني نمير بن قادر:[من الطويل] .
937-
عسى الله يغني عن بلاد بن قادر
…
بمنهمر جون الرباب سكوب
بإمالة "قادر" مع وجود الفصل بين الألف والراء المكسورة بالدال.
1 في "ب": "لإشغال".
2 سقط من "ط".
937-
البيت لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص76، وخزانة الأدب 9/ 328، والكتاب 4/ 139، ولسماعة النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141، ولسان العرب 15/ 55 "عسا" ولسماعة أو لرجل من باهلة في شرح شواهد الإيضاح ص620، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 358، والارتشاف 3/ 306، وشرح الأشموني 3/ 771، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص678، وشرح المفصل 7/ 117، 9/ 62، والكتاب 3/ 159، واللمع ص333، والمقتضب 3/ 48، 69.
فصل:
"تمال الفتحة قبل حرف من ثلاثة:
أحدها: الألف، وقد مضت، وشرطها أن لا تكون" الفتحة "في حرف ولا في اسم يشبهه1"، لأن الإمالة من التصرف، وهو لا يدخل في الحرف ولا في ما أشبهه إلا ما يستثنى.
"فلا تمال: إلا" بكسر الهمزة والتشديد "لأجل الكسرة" التي هي من أسباب الإمالة".
"ولا" تمال "نحو: "على" للرجوع إلى الياء نحو: عليك، وعليه"، وهو من أسباب الإمالة.
"ولا" تمال "إلى، لاجتماع الأمرين" وهما الكسرة والرجوع إلى الياء "فيها" في نحو: "إليك، وإليه".
وإنما امتنعت الإمالة في هذه الكلمات الثلاث مع وجود السبب المقتضي لها لكونه حروفا، فلو سميت بشيء منها؛ وإن كانت ألفه رابعة كـ"إلا"؛ أملتها، لأن الألف الرابعة في الاسم يحكم عليها بأنها عن ياء، وإن كانت ثالثة كـ"على، وإلى" لم تجز إمالتها، لأن التسمية تجعل الألف من بنات الواو، لأن بنات الواو أكثر من بنات الياء ولذلك تقول في تثنيتهما:"علوان، وألوان"، قاله الجاربردي3.
"ويستثنى من ذلك": أي من4 المشبه للحرف "ها" للغائبة، "و: نا" للمتكلم المعظم نفسه، أو معه غيره "خاصة، فإنهم طردوا الإمالة فيهما" لكثرة استعمالها إذا كان قبلهما كسرة أو ياء، "فقالوا: مر بنا وبها، و: نظر إلينا وإليها" بالإمالة لوقوع الألف مسبوقة بالكسرة أو الياء مفعولة بحرف فلذلك كررهما مرتين.
1 في "ب": "شبيه".
2 في "ب": "المفضي".
3 شرح الشافية 2/ 384.
4 سقط من "ط".
"وأما إمالتهم: أنى ومتى" من الأسماء المبنية، "وبلى" من أحرف الجواب "و: لا" النافية "في قولهم: افعل هذا إما لا، فشاذ من وجهين: عدم التمكن" لكونها مبنية، "وانتفاء السبب" المجوز1 للإمالة، لأن الألف في غير المتمكن أصل غير منقلبة عن شيء فضلا عن أن تكون منقلبة عن ياء، ولا ترجع إلى الياء، ولا قبلها كسرة، والذي سهل إمالتها نيابتها عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها.
"و" الحرف "الثاني" من الأحرف الثلاثة التي تمال الفتحة قبلها، "الراء بشرط كونها مكسورة، وكون الفتحة في غير ياء" مثناة تحتانية، "وكونهما" أي الفتحة والراء "متصلتين" من غير حاجز بين الحرف المفتوح والراء، ولا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف مستعمل نحو:"من المطر"، أو في راء نحو:"بشرر"، أو في غيرهما، "نحو: {مِنَ الْكِبَرِ] [مريم: 8] أو منفصلتين بساكن غير ياء" مثناة تحتانية "نحو: من عمر". وزاد المرادي2: أو بمكسور نحو: "أشر" "بخلاف: أعوذ بالله من الغِيَر، ومن قبح السير" لأن الفتحة فيهما على الياء، نص على ذلك سيبويه3.
"و" بخلاف: "من غيرك"، لكون الفصل بالياء المثناة التحتانية الساكنة، ويشترط أيضًا أن لا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو:"من المشرق"، فإنه مانع من الإمالة، نص على ذلك سيبويه أيضًا4.
ولا يشترط أن لا يتقدم على الفتحة حرف استعلاء، لأن الراء المكسورة تغلب المستعلي إذا وقع قبلها، فيمال نحو:"من الضرر" قال المرادي5: والتحرير أن يقال: تمال كل فتحة في غير ياء قبل راء مكسورة؛ متصلة بها أو مفصولة بمكسور أو ساكن غير ياء، وليس بعد الراء حرف استعلاء، انتهى.
"واشتراط الناظم" في النظم "تطرف الراء مردود بنص سيبويه5 على إمالتهم فتحة الطاء من قولك: رأيت خبط رياح" بكسر الراء. وذكر غيره يجوز إمالة فتحة الغين في نحو: "الغرد"6، والراء في ذلك ليست متطرفة، ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه.
1 سقط من "ب".
2 شرح المرادي 5/ 204.
3 الكتاب 4/ 143.
4 الكتاب 4/ 144.
5 شرح المرادي 5/ 205.
6 في "ب": "الغرض".
"و" الحرف "الثالث" من الأحرف الثلاثة التي تمال الفتحة قبلها "هاء" التأنيث، وإنما يكون هذا" الحكم، وهو إمالة الفتحة قبل الهاء "في الوقف خاصة كـ: رحمه ونعمه"، وإنما أميلت الفتحة قبل هاء التأنيث وإن لم تكن من أسباب الإمالة "لأنهم شبهوا هاء التأنيث بألفه"، أي بألف التأنيث المقصورة، "لاتفاقهما في المخرج"، وهو أقصى الحلق، "و" في "المعنى"، وهو الدلالة على التأنيث، "والزيادة" على أصول الكلمة "والتطرف" في آخر الكلمة، "والاختصاص بالأسماء" الجامدة والمشتقة.
ولا فرق في ذلك بين هاء التأنيث وهاء المبالغة، "وعن الكسائي إمالة" الفتحة قبل "هاء السكت أيضًا" لشبهها بهاء التأنيث في الوقف والخط "نحو:{كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] والصحيح المنع خلافًا لثعلب، وابن الأنباري"، فإنهما صححا جواز الإمالة فيما قبلها1. وبه قرأ أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي1، وفي غالب النسخ: وفاقًا لثعلب وابن الأنباري وليس بصواب كما بينا.
1 النشر 2/ 142، والكشاف 4/ 153.