الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
......................................
قال في الفتح: وفي الإصابة ذكر جعفر المستغفري عامر بن الطفيل هذا في الصحابة، وهو غلط وخطأ صريح، وموت عامر المذكور على الكفر أشهر عند أهل السِّيَر من أن يتردَّد فيه، وإنما اغترَّ جعفر برواية أخرجها البغوي، وبما أخرجه هو عن أبي أمامة، عن عامر بن الطفيل؛ أنه قال: يا رسول الله، زوِّدني بكلمات أعيش بهنّ؟ " قال:"يا عامر: أفش السلام، وأطعم الطعام، واستح من الله كما تستحي رجلًا من أهلك، وإذا أسأت فأحسن، فإن الحسنات يذهبن السيئات"، فعامر هذا أسلمي لا عامري، فقد روى البغوي عن عبد الله بن بريدة الأسلمي، قال: حدثني عمي عامر بن الطفيل، فذكر حديثًا، فعرف أن الصحابي أسلمي، وافق اسمه واسم أبيه العامري، فساق المستغفري في نسب الصحابي نسب العامري، فوَهِمَ.
قال ابن إسحاق: ثم خرج أصحابه حين واروه بالتراب حتى قدموا أرض بني عامر، فأتاهم قومهم، فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شيء، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم، أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
قال ابن هشام: وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: فأنزل الله في عامر وأربد: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} إلى قوله: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} ، وأما ثالثهم: جبَّار بن سلمى، فقد أسلم مع من أسلم من بني عامر.
ذكر الواقدي عن عبد الله بن كعب بن مالك، قدم وفدهم وهم ثلاثة عشر رجلًا، فيهم لبيد بن ربيعة، فنزلوا دار رملة، وكان بين جبار بن سلمى وبين كعب بن مالك صحبة، فجاء كعب فرحَّبَ بهم، وأكرم جبارًا، وانطلق معهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وأسلم جبار وحسن إسلامه.
قال ابن الكلبي: وكان أفرس بني عامر، ذكره في الإصابة.
الوفد الرابع: وفد عبد القيس
وقدم وفد عبد القيس عليه، زاده الله شرفًا وكرمًا لديه، وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين، ينسبون إلى عبد القيس بن أقصى -بسكون الفاء بعدها ضاد مهملة.
"الوفد الرابع":
"وقد وفد عبد القيس عليه، زاده الله شرفًا وكرمًا لديه، وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين" وما والاها من أطراف العراق، كما في الفتح، والنسبة إليها العبدي، "ينسبون إلى عبد القيس بن أقصى -بسكون الفاء بعدها صاد مهملة" مفتوحة، وقبلها ألف مفتوحة، وأفادهما
بوزن أعمى، ابن دُعْمي -بضم الدال وسكون العين المهملتين وكسر الميم بعدها تحتانية.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ممن القوم"؟ قالوا: من ربيعة، قال:"مرحبًا بالوفد غير خزايا ولا ندامى"،
بقوله: "بوزن أعمى، ابن دعمي -بضم الدال، وسكون العين المهملتين، وكسر الميم بعدها تحتانية" ثقيلة، كما في الفتح، ومن قال كالكرماني والمصنف: وياء نسبة، فمراده: أنها تثقل كياء النسبة، وإلا فهو علم، وهو ابن جذيلة -بجيم، وزن كبيرة، ابن أسد بن ربيعة بن نزار.
"وفي الصحيحين" البخاري في عشرة مواضع، ومسلم في الإيمان والأشربة "من حديث ابن عباس، قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ممن القوم"؟ " وفي رواية: "من القوم"، أو الوفد بالشك من الراوي، "قالوا: من ربيعة" كذا للبخاري في الصلاة، وله في الإيمان: ربيعة بإسقاط من، قال الحافظ فيه: التعبير عن البعض بالكل؛ لأنهم بعض ربيعة، وهذا من بعض الرواة، فللبخاري في الصلاة، فقالوا: إن هذا الحي من ربيعة.
قال ابن الصلاح: الحي منصوب على الاختصاص، والمعنى: إن هذا الحي حي من ربيعة، "قال:"مرحبًا بالوفد" منصوب بفعل مضمر، أي: صادفت رحبًا -بضم الراء، أي: سعة، والرحب -بالفتح: الشيء الواسع، وقد يزيدون معها أهلًا، أي: وجدت أهلًا فاستأنس، وأفاد العسكري أن أول من قال مرحبًا، سيف بن ذي بزن، وفيه استحباب تأنيس القادم، وقد تكرَّر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حدث أم هانئ، وقال لعكرمة بن أبي جهل:"مرحبًا بالراكب المهاجر"، وفي قصة فاطمة:"مرحبًا بابنتي"، وكلها صحيحة.
وأخرج النسائي عن عاصم بن بشير الحارثي عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما دخل فسلم عليه:"مرحبًا، وعليك السلام غير خزايا" بنصبه حالًا، وروي بجره صفة، والمعروف الأوّل، قاله النووي، وأيضًا: فيلزم منه وصف المعرفة بالنكرة، إلّا أن تجعل أل للجنس كقوله:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
والأولى: أن يكون الخفض على البدل، قاله الأبي.
قال الحافظ: ويؤيد النصب رواية البخاري في الأدب: "مرحبًا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا" جمع خزيان، أي: غير أذلاء، أو غير مستحيين لقدومكم مسلمين طوعًا من غير حرب، أو سبي بخزيهم ويفضحهم، "ولا ندامى" جمع نادم على غير قياس، اتباعًا لخزايا للمشاكلة والتحسين، كما قالوا: العشايا والغدايا، وغداة جمعها غدوات، لكنه اتبع فاصلة نادمين، جمع نادم؛ لأن ندامى
فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل، نأخذ به ونأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة.
إنما هو جمع ندمان، أي: المنادم في اللهو، قال الشاعر:
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني
كذا قاله الخطابي، قال الحافظ: وقد حكى القزاز والجوهري وغيرهما من أهل اللغة: إنه يقال: نادم وندمان في الندامة، بمعنى: فعلى هذا، فهو على الأصل، ولا اتباع فيه، وللنسائي والطبراني: رحبًا بالوفد ليس الخزايا، ولا النادمين.
قال ابن أبي جمرة: بشَّرهم بالخير عاجلًا وآجلًا؛ لأن الندامة إنما تكون في العاقبة، فإذا انتفت ثبت ضدها، وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أُمِنَ عليه الفتنة، "فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفَّار مضر" -بضم الميم وفتح المعجمة، لا ينصرف للعلمية والتأنيث، "وإنا لا نصل إليك إلّا في شهر حرام" بتنكيرهما، فهو شامل للأربعة، ويؤيده رواية البخاري في المناقب: إلّا في كل شهر حرام، وقيل: المراد المعهود: وهو رجب، وبه صرح في رواية البيهقي، وكانت مضر تبالغ في تعظيمه، فلذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة؛ حيث قال: "رجب مضر" ، والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى، إلّا أنهم ربما أنسوها بخلافه.
وللبخاري في العلم: وإنا نأتيك من شُقَّةٍ بعيدة. قال ابن قتيبة: الشقة: السفر، وقال الزجاج: هي الغاية التي تقصد، "فمرنا" أصله أؤمرنا -بهمزتين، من أمر يأمر، فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال، فصا أمرنا، فاستغني عن همزة الوصل فحذفت، فبقي مُرْ على وزن عل؛ لأنَّ المحذوف فاء الفعل "بأمر فصل" بصاد مهملة وبالتنوين فيهما، لا بالإضافة بمعنى الفاصل كالعدل بمعنى العادل، أي: يفصل بين الحق والباطل، أو بمعنى المفصل، أي: المبيّن المكشوف. حكاه الطيبي.
وقال الخطابي: الفصل البيّن، وقيل: المحكم، "نأخذ به ونأمر به من" أي: الذي استقرَّ "وراءنا" أي: خلفنا من قومنا الذين خلفناهم في بلادهم، "وندخل به الجنة" إذا قبل برحمة الله.
ولفظ البخاري في الإيمان: نخبر به من وراءنا، بدل نأمر به، وإسقاط نأخذ به، قال الحافظ: نخبر بالرفع على الصفة لأمر، وكذا قوله: وندخل، وروي بالجزم فيها على أنه جواب الأمر، وسقطت الواو من: وندخل، في بعض الروايات، فيرفع نخبر، ويجزم ندخل.
قال ابن أبي جمرة: فيه إبداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبًا كان، أو مندوبًا وأنه
قال: "آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن أربع: عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت،
يبدأ بالسؤال عن الأهمّ، وأن الأعمال الصالحة تدخل الجنة إذا قبلت، وقبولها برحمة الله، وللبخاري في رواية: وسألوه عن الأشربة، أي: عن ظروفها على حذف مضاف، أو على حذف الصفة، أي: التي تكون في الأواني المختلفة، "قال:"آمركم بأربع" أي: بأربع خصال، أو جمل، لقولهم: حدثنا بجمل من الأمر، وهي رواية البخاري في المغازي، "وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا أسقطه المصنف من لفظ الحديث في الصحيحين سهوًا، أو من الكاتب، "شهادة أن لا إله إلا الله" برفع شهادة خبر مبتدأ محذوف، أي: هو، ويجوز جره على البدلية، "وأن محمدًا رسول الله".
وهذه رواية البخاري في العلم والصلاة، وسقطت الجملة الثانية من الإيمان؛ لأن الأولى صارت علمًا عليهما معًا، "وإقام الصلاة" المفروضة، "وإيتاء الزكاة" المعهودة، "صوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس" بضم الخاء -كما في التنزيل.
وذكر جواب سؤالهم عن الأشربة بقوله: "وأنهاكم عن أربع: عن الدباء" بضم المهملة وشد الموحدة والمد، وحكى الفزار: القصر هو الفرع، والمراد منه اليابس، وهو والثلاثة بعده من إطلاق المحلّ وإرادة الحال، أي: ما في الدباء، "والحنتم" ، وصرَّح بالمراد في رواية النسائي، فقال:"وأنهاكم عن أربع: ما يبنذ في الحنتم" بفتح المهملة، وسكون النون وفتح الفوقية، هي الجرة، كما فسرها ابن عمر في مسلم، وله عن أبي هريرة: الحنتم: الجرار الخضر.
وروى الحربي عن عطاء: إنها جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم، "والنقير" بفتح النون وكسر القاف، أصل النخلة تنقر ليتخذ منه وعاء.
وفي البخاري: وربما قال: المقير -بالقاف وفتح التحتية المشددة: ما طُلِيَ بالقار، ويقال له: القير، وهو نبت يحرق إذا يبس يُطْلَى به السفن وغيرها كما يطلى بالزفت، قاله في المحكم، "والمزفت" بالزاي والفاء: ما طلي بالزفت.
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة، قال: أمَّا الدباء: فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع، فيخطرون فيه العنب، ثم يدفنونه حتى يهدر، ثم تموت، وأما النقير: فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة، ثم ينبذون الرطب والبسر، ثم يدعونه حتى يهدر، ثم تموت، وأما الحنتم: فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر، وأما المزفت، فهذه الأوعية التي فيها الزفت.
فاحفظوهنَّ وادعوا إليهنَّ من وراءكم".
قال ابن القيم: ففي هذه القصة أن الإيمان بالله مجموع هذه الخصال من القول والعمل، كما على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون موتابعوهم كلهم، ذكر ذلك الشافعي في المبسوط، وعلى ذلك ما يقارب مائة دليل من الكتاب والسنة، ولم يعد الحج من هذه الخصال، وقد كان قدومهم في سنة تسع، وهذا أحد ما يحتج به على أنَّ الحج لم يكن فُرِضَ بعد، وأنه إنما فرض في العاشرة، ولو كان فرض لعدَّه من الإيمان كما عَدَّ الصوم والزكاة. انتهى.
قال الحافظ: وإسناده حسن، وتفسير الصحابي أَوْلَى أن يعتمد عليه من غيره؛ لأنه أعلم بالمراد، ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها؛ لأنه يسرع إليها الإسكار، فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك، ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كلِّ وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر أ. هـ، يعني في صحيح مسلم مرفوعًا:"كنت نهيتكم عن الانتباذ إلّا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكرًا، فاحفظوهنَّ وادعو إليهنَّ".
وفي رواية: وأخبروا بهنَّ "من" بفتح الميم "وراءكم" يشمل من جاءوا من عندهم، وهو باعتبار المكان، ويشتمل من يحدث لهم من الأولاد وغيرهم، وهذا باعتبار الزمان، فيحتمل إعمالها في المعنيين معًا حقيقة ومجازًا. قاله الحافظ.
"قال ابن القيم: ففي هذه القصة أنَّ الإيمان بالله مجموع هذه الخصال من القول" وهو الشهادتان "والعمل" وهو ما بعدهما، "كما على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، وتابعوهم كلهم" وأرادو بذلك أن الأعمال شرط كمال، وثَمَّ سبعة أقوال أُخَر، فصَّلَها المصنف في شرح البخاري، "ذكر ذلك" الذي بيناه، وفي نسخة كما ذكره "الشافعي في المبسوط، وعلى ذلك ما يقارب مائة دليل من الكتاب والسنة، ولم يعدّ الحج من هذه الخصال، وقد كان قدومهم في سنة تسع" إذ هي سنة الوفود، "وهذا أحد ما يحتج به على أن الحج لم يكن فرض بعد" أي: الآن، "وأنه إنما فرض في العاشرة، ولو كان فرض لعده من الإيمان، كما عدَّ الصوم والزكاة. انتهى" كلام ابن القيم.
قال الحافظ: وأما قول من قال: ترك الحج لكونه على التراخي فليس بجيد؛ لأنه لا يمنع من الأمر به، وكذا من قال لشهرته عندهم ليس بقوي؛ لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم، وكذا القول بأنه تركه؛ لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر ليس بمستقيم؛ لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الإخبار به ليعمل به عند الإمكان، كما في الآية،
وقد كان لعبد القيس وفدتان:
إحداهما: قبل الفتح، ولهذا قالوا له عليه الصلاة والسلام: حال بيننا وبينك كفار مضر، وكان ذلك قديمًا، إمَّا في سنة خمس أو قبلها، وكانت قريتهم بالبحرين، وكان عدد الوفد الأوَّل ثلاثة عشر رجلًا، وقيل: كانوا أربعة عشر راكبًا،
بل دعوى أنهم لا سبيل لهم إلى الحج ممنوعة؛ لأنه يقع في الأشهر الحرم، وقد ذكروا أنهم يأمنون فيها، لكن يمكن أن يقال إنما أخبرهم بعض الأوامر، لكونهم سألوا أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم على ما يمكن فعله في الحال، ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلًا وتركًا، ويدل على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية، مع أنَّ في المناهي ما هو أشد تحريمًا من الانتباذ، لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها، وزيادة أبي قلابة الحج بلفظ: وتحجوا البيت الحرام، أخرجه البيهقي شاذة، وقد أخرجه الشيخان ومن استخرج عليهما، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان من طريق شيخ أبي قلابة، فلم يذكر أحد منهم الحج، وأبو قلابة تغيِّر حفظه في آخر أمره، فلعلَّ هذا مما حدَّث به في التغيّر، لكن هذا بالنسبة لرواية أبي جمرة -بجيم وراء- عن ابن عباس.
وقد روى أحمد من طريق سعيد بن المسيب وعكرمة عن ابن عباس، ذكر الحج في قصة وفد عبد القيس، فإن كان محفوظًا، فالمراد بالأربع ما عدا الشهادتين وأداء الخمس، "وقد كان لعبد القيس وفدتان، إحداهما قبل الفتح، ولهذا قالوا له عليه الصلاة والسلام: حال بيننا وبينك كفار مضر، وكان ذلك قديمًا، إمَّا في سنة خمس" من الهجرة "أو قبلها" وكان سبب ذلك أن منقذ -بميم مضمومة، ونون ساكنة وقاف مكسورة. ابن حبان -بفتح المهملة والموحدة، كان متجره إلى المدينة، فمرَّ به صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد، فنهض إليه منقذ، فقال عليه الصلاة والسلام:"كيف قومك"؟ ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل بأسمائهم، فأسلم منقذ، وتعلّم الفاتحة وسورة اقرأ، وكتب عليه الصلاة والسلام لجماعة عبد القيس كتابًا، فلمَّا دخل على قومه كتمه أيامًا، وكان يصلي، فقالت زوجته لأبيها المنذر بن عائذ، وهو الأشجّ: إني أنكرت فعل بعلي منذ قدم من يثرب، إنه ليغسل أطرافه، ثم يستقبل الكعبة، فيحني ظهره مرّة، ويضع جبينه إلى الأرض أخرى، فاجتمعا فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه، ثم أخذ المنذر كتابه عليه الصلاة والسلام، وذهب إلى قومه، فقرأه عليهم، فأسلموا، وأجمعوا المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا ذكر الكرماني، "وكانت قريتهم بالبحرين" أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة، كما يأتي، "وكان عدد الوفد الأوّل ثلاثة عشر رجلًا" كما رواه البيهي وغيره "وقيل: كانوا أربعة عشر راكبًا" كما جزم به القرطبي والنووي، وهم: المنذر بن عائذ، وهو الأشج، ومنقذ بن حبان،
وفيها سألوه عن الإيمان، وعن الأشربة، وكان فيهم الأشج، وكان كبيرهم، وقال له عليه الصلاة والسلام:"إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناءة" رواه مسلم من حديث أبي سعيد.
وأخرج البيهقي: قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه قال: "سيطلع عليكم من.
ومزيدة بن مالك، وهو بميم وزاي بوزن كبيرة، وعمرو بن رحوم، والحارث بن شبيب، وعبيدة بن همام، والحارث بن جندب وصحار -بضم الصادر وبالحاء المهملتين- ابن العباس، وعقبة بن حروة، وقيس بن النعمان، والجهم بن قثم، وجويرة العبدي، ورستم العبدي، والزراع بن عامر. انتهى ملخصًا من الفتح، "وفيها سألوه عن الإيمان وعن الأشربة" على حذف مضاف، أي: عن ظروفها، أو حذف الصفة، أي: التي تكون في الأواني المختلفة، "وكان فيهم الأشج" -بهمزة فشين معجمة مفتوحتين فجيم، واسمه: المنذر بن عائذ -بمهملة وتحتية ومعجمة، سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم الأشجّ لأثر كان في وجهه.
قال النووي: هذا هو الصحيح المشهور في اسمه الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون.
وقال الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف، وقيل: اسمه المنذر بن عامل، وقيل: ابن عبيد، وقيل: اسمه عائذ بن المنذر، وقيل: عبد الله بن عوف العصري، بفتح العين والصاد المهملتين، "وكان كبيرهم" قدرًا لا ينافي الحديث الآتي، وكان أصغرهم سنًّا، "وقال له عليه الصلاة والسلام:"إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم" بحاء مكسورة فلام ساكنة فميم: العقل، "والأناة" بهمزة ونون مفتوحتين، فألف، فتاء تأنيث وبالقصر: التثبت وعدم العجلة.
قال عياض: وهي تربُّصه حين نظر في مصالحه ولم يعجل، والحلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم:"تبايعون على أنفسكم وقومكم"؟ فقالوا: نعم، فقال الأشج: يا رسو ل الله، إنك لن تزاول الرجل على شيء أشدّ عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتَّبَعنا كان منَّا، ومن أبى قتلناه، قال:"صدقت، إن فيك خصلتين.. " إلخ، فهذا يدل على صحة عقله وجودة نظره للعواقب، انتهى.
"رواه مسلم من حديث أبي سعيد" الخدري، ولا يخالف هذا النهي عن مدح الرجل في وجهه؛ لأن ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وحي ولا يجوز كتمه، أو أنه علم من حاله أنه لا يلحقه من المدح إعجاب، فأخَّره بأن ذلك مما يحبه الله ليشكره على ما منحه ويزداد لزومًا له، "وأخرج البيهقي" وأبو يعلى، والطبراني بسند جيد، عن مزيد بن مالك العصري، "قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه قال: "سيطلع" بضم اللام، ولفظ الرواية: إذ قال لهم: "سيطلع عليكم من
ههنا ركب هم خير أهل المشرق"، فقام عمر بن الخطاب نحوهم، فلقي ثلاثة عشر راكبًا، فبشَّرهم بقوله عليه الصلاة والسلام، ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فرموا بأنفسهم عن ركبائهم، فأخذوا يده فقبَّلوها. الحديث، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد. فيمكن أن يكون أحد المذكورين غير راكب أو مرتدفًا.
وثانيتهما: كانت في سنة الوفود وكان عددهم حينئذ
ههنا ركب هم خير أهل المشرق"، فقام عمر بن الخطاب نحوهم، فلقي ثلاثة عشر راكبًا" فقال من القوم؟ قالوا: من بني عبد القيس، قال: فما أقدمكم هذه البلاد ألتجارة؟ قالوا: لا، قال: أما إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفًا فقال خيرًا.
هذا لفظ رواية البيهي وغيره، واختصره المصنِّف تبعًا للحافظ بقوله:"فبشرهم بقوله عليه الصلاة والسلام" أي: بمعنى قوله على طريق الإجمال، كما علم من لفظ الرواية، "ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم،" فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الذي تريدون، "فرموا بأنفسهم عن ركائبه" فمنهم من مشى إليه، ومنهم من هرول، ومنهم من سعى حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدروه القوم ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم.
هذا أسقطه من رواية البيهقي قبل قوله: "فأخذوا يده فقبَّلوها.. الحديث" بقيّته، وتخلّف الأشج، وهو أصغر القوم في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث الزراع بن عامر عند البيهقي: فجعلنا نتبادر من رواحلنا نقبِّل يد رسول الله ورجله، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عبئته، فلبس ثوبيه، وفي حديث عند أحمد: فأخرج الأشج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَبَّلَهما، وكان رجلًا دميمًا، قال: يا رسول الله، إنه لا يستقي في مسوك الرجال، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه وقلبه، فقال له -صلى الله عليهوسلم:"إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة"، قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: "بل الله تعالى جبلك عليهما"، قال: الحمد لله الذي جبلني على خِلَّتَيْن يحبهما الله تعالى ورسوله.
وفي مسند أبي يعلى: قديمًا كان فيَّ أم حدثًا، قال:"بل قديمًا"، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما، "وأخرجه البخاري في الأدب المفرد" مطوّلًا من وجه آخر عن رجل من وفد عبد القيس لم يسمعه، فصرح في الحديث بأنهم ثلاثة عشر راكبًا، فيخالف القول بأنهم أربعة عشر، "فيمكن" في طريق الجمع بينهما "أن يكون أحد المذكورين غير راكب" بل راجل "أو مرتدفًا" مع واحد منهم، فلا خلف، "وثانيتهما: كانت في سنة الوفود، وكان عددهم حينئذ
اربعين رجلًا، كما في حديث أبي خيرة الصباحي عند ابن منده.
ويؤيد التعدد: ما أخرجه من وجه آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: "مالي أرى ألوانكم تغيّرت"؟ ففيه إشعار بأنه كان رآهم قبل التغيّر، وفي قولهم: يا رسول الله، دليل على أنهم كانوا حين المقالة مسلمين، وكذا في قولهم: كُفَّار مضر، وقولهم: الله ورسوله أعلم.
أربعين رجلًا".
قال الحافظ: سمى منهم في جملة أخبار زيادة على الأربعة عشر السابقين، مطر أخو الزراع وابن أخته، ولم يسم، ومسمرح السعدي.
روى ابن السكن أنه وَفَدَ مع عبد القيس، وجابر بن الحارث، وخزيمة بن عبد عمرو، وهمَّام بن ربيعة، وجارية -بجيم أوله- ابن جابر، ذكرهم ابن شاهين. ونوح بن مخلدة، وأبو خيرة، والجارود العبدي، وقد ذكر ابن إسحاق قصته، وأنه كان نصرانيًّا فأسلم وحَسُنَ إسلامه، "كما في حديث أبي خيرة" بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية فراء فهاء "الصباحي" -بضم الصاد المهملة فموحدة خفيفة فألف فحاء مهملة- نسبة إلى صباح بطن من عبد القيس، كما في الفتح.
زاد في الإصابة عن الخطيب: إنه لا يعلم أحدًا سماه "عند ابن منده" والدولابي وغيرهما، عنه قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وفد عبد القيس، وكنا أربعين رجلًا نسأله عن الدباء والنقير.. الحديث، وفيه: فزودنا الأراك نستاك به، فقلنا: يا رسول الله عندنا الجريد، ولكن نقبل كرامتك وعطيتك، فقال:"اللهم اغفر لعبد القيس، أسلموا طائعين غير مكرهين، إذ قعد قوم لم يسلموا إلا خزايا موترين" ، "ويؤيد التعدد ما أخرجه" ابن حبان، ما في الفتح، وبيض له المصنف "من وجه آخر؛ أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: ما لي أرى ألوانكم تغيّرت، ففيه إشعار بأنه كان رآهم قبل التغير" وهذا كله على أنَّ لهما وفادتين، كما جزم به الحافظ في المغازي من فتح الباري قائلًا: إنه الذي تبيِّنَ لنا، وذكر قول المصنّف، وقد كان لعبد القيس وفادتان حتى هنا، ومشى في كتاب الإيمان على الاتحاد؛ حث جمع بين اختلاف الروايتين في عددهم، بأنه يمكن أن الثلاثة عشر كانوا رءوس الوفد، ولهذا كانوا ركبانًا، وكان الباقون أتباعًا، انتهى.
"وفي قولهم: يا رسول الله، دليل على أنهم كانوا حين المقالة مسلمين، وكذا في قولهم: كفار مضر، وقولهم: الله ورسوله أعلم" هذه عبارة الفتح، ومَرَّ أن المصنِّف أسقط ذا من
ويدل على سبقهم إلى الإسلام أيضًا، ما في البخاري: إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين، وهي قرية لهم، وإنما جمَّعوا بعد رجوع وفدهم إليهم. قال في فتح الباري: فدلَّ على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام.
وما جزم به ابن القيم من أنَّ السبب في كنه لم يذكر الحج في الحديث؛ لأنه لم يكن فرض هو المعتمد. وقد قدمت الدليل على قدم إسلامهم، لكن جزمه تبعًا للواقدي بأن قدومهم كان في سنة تسع قبل فتح مكة ليس بجيد؛ لأن
لفظ الخبر سهوًا، أو من الناسخ، وأورد شيخنا حافظ العصر البابلي -رحمه الله تعالى؛ حيث كانوا مسلمين، فكيف يقولون جوابًا لقوله:"أتدرون ما الإيمان"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، وأجاب بأنه احتمل عندهم أن ما دخلوا به في الإسلام تغيّر لحقيقة أخرى؛ لأن الزمن كان زمن وحي، ونظيره حديث حجة الوداع: أتدرون ما هذا اليوم؟ وما هذا الشهر؟ وما هذا البلد؟ " فقالوا: الله ورسوله أعلم، مع معرفتهم أن اليوم عرفة، والشهر الحرام، والبلد مكة، "ويدل على سبقهم إلى الإسلام أيضًا ما في البخاري" في الجمعة والمغازي عن ابن عباس أنه قال: "إن أوّل جمعة جمعت" بضم الجيم وشد الميم المكسورة.
زاد في رواية أبي داود: في الإسلام "بعد جمعة" زاد البخاري في المغازي جمعت "في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد أبو داود: بالمدينة، والنسائي: بمكة، وهو خطأ بلا مرية، قاله الحافظ "في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين" بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثه خفيفة، "وهي قرية" كما في رواية أبي داود: قرية من قرى البحرين، وفي أخرى له: من قرى عبد القيس، وحكى الجوهري والزمخشري، وابن الأثير: إن جواثي اسم حصن بالبحرين، وهذا لا ينافي كونها قرية.
وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي: أنها مدينة، وما ثبت في الحديث من كونها قرية أصح، مع احتمال أن تكون في الأوّل قرية، ثم صارت مدينة، قاله الحافظ، "وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم، قال في فتح الباري: فدلَّ على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام" فيتنافى من قال: إنهم قدموا سنة تسع، فهذا مما يؤيد تعدد القدوم أيضًا، "وما جزم به ابن القيم من أن السبب في كونه لم يذكر الحج في الحديث؛ لأنه لم يكن فرض، هو المعتمد، وقد قدَّمت الدليل على قدم إسلامهم" قريبًا، "لكن جزمه تبعًا للواقدي؛ بأن قدومهم كان في سنة تسع قبل فتح مكة" صوابه: بعدلان فتحها سنة ثمان، والذي قاله الحافظ، لكن جزم القاضي عياض؛ بأن قدومهم كان سنة ثمان قبل فتح مكة، تبع فيه الواقدي "ليس بجيد، لأن فرض
فرض الحجّ كان سنة ست على الأصح، ولكنه اختار -كغيره- أنَّ فرض الحج في السنة العاشرة، حتى لا يرد على مذهبه أنه على الفور شيء.
وقد احتجَّ الشافعي بكونه على التراخي، بأن فرض الحج كان بعد الهجرة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قادرًا على الحج في سنة ثمان، وفي سنة تسع، ولم يحجّ إلا في سنة عشر، وسيأتي في حجه صلى الله عليه وسلم من مقصد عبادته مزيد بيان لذلك -إن شاء الله تعالى.
فإن قلت: كيف قال صلى الله عليه وسلم: "آمركم بأربع" والمذكورات خمس؟
قلت: أجاب القاضي عبد الوهاب تبعًا لابن بطال: بأن الأربع ما عدا أداء الخمس، قال: وكأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان التي هي الأربع، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد؛ لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر، ولم يقصد إلى ذكرها بعينها؛ لأنها مسببة عن الجهاد، ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين. قال: وكذلك لم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض.
الحج كان سنة ست على الأصح" فالتحرير أنهم قدموا مرتين: مرة قبل سنة ست، ولذا لم يذكر الحج، ومرة بعدها سنة ثمان أو تسع، "ولكنَّه اختار كغيره أن فرض الحج في السنة العاشرة حتى لا يرد على مذهبه، أنه على الفور شيء" وبنى مختاره على اتخاذ القدوم، "وقد احتجَّ الشافعي بكونه على التراخي، بأن فرض الحج كان بعد الهجرة، وأنه صلى الله عليه وسلم قادر على الحج في سنة ثمان" التي هي سنة الفتح، وولَّى على الحج فيها عتاب بن أسيد كما مَرَّ.
"وفي سنة تسع" وفيها ولَّى الصِّدِّيق على الحج، "ولم يحج إلّا في سنة عشر" فدل ذلك على التراخي، وأجاب القائلون بالفور: بأنه لم يحج في السنتين لأعذار، "وسيأتي في حجه -علي الصلاة والسلام- من مقصد عباداته مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى" وقد شاء، "فإن قلت: كيف قال صلى الله عليه وسلم: "آمركم بأربع" والمذكورات خمس، قلت: أجاب القاضي عبد الوهاب" كذا في نسخ المصنف والمذكور في الفتح القاضي فقط، ثم أفصح عنه بعد قليل بقوله: القاضي عياض، وهو الصواب لقوله: "تبعًا لابن بطال" المتوفَّى سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وعبد الوهاب مات سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة عن ستين سنة، فهو متقدّم الوفاة على ابن بطال، فكيف يتبعه، "بأن الأربع ما عدا أداء الخمس، قال: وكأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان التي هي الأربع، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد؛ لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر، ولم يقصد إلى ذكرها" أي: الخصلة الخامسة "بعينها؛ لأنها مسببة عن الجهاد، ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين، قال: وكذلك لم يذكر الحج؛ لأنه لم يكن فرض".
وقال غيره: قوله: "وأن تعطوا" معطوف على قوله: "بأربع" أي: آمركم بأربع وآمركم بأن تعطوا، ويدل عليه العدول عن سياق الأربع والإتيان: بأن والفعل، مع توجه الخطاب إليهم.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: يحتمل أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام عد الصلاة والزكاة واحدة؛ لأنها قرينتها في كتاب، وتكون الرابعة أداء الخمس، أو أنه لم يعد الخمس؛ لأنه داخل في عموم إيتاء الزكاة، والجامع بينهما: إنه إخراج مال معين.
وقال البيضاوي: الظاهر أن الأمور الخمسة هنا تفسير للإيمان، وهو أحد الأربعة الموعودة بذكرها، والثلاثة الأخرى حذفها الراوي اختصارًا أو نسيانًا.
"وقال غيره" وهو ابن الصلاح "قوله: "وأن تعطوا" معطوف على قوله: "بأربع"، أي: آمركم بأربع، وآمركم بأن تعطوا، ويدل عليه العدول عن سياق الأربع، والإتيان بأن والفعل مع توجه الخطاب إليهم".
وقد قال النووي في ذا الجواب والذي قبله: إنهما أصح الأجوبة، وتوقَّف فيهما الكرماني، بأن البخاري عقد الباب على أنَّ أداء الخمس من الإيمان، فلابُدَّ وأن يكون داخلًا تحت أجزاء الإيمان، كما أن ظاهر العطف يقتضي ذلك. انتهى، وهذا سبقه إليه ابن رشيد، وأجاب بأن المطابقة تحصل من جهة أخرى، وهي أنهم سألوه عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة، وأجيبوا بأشياء منها: أداء الخمس والأعمال التي تدخل الجنة هي أعمال الإيمان، فيكون أداء الخمس من الإيمان بهذا التقرير، وأجاب ابن التين بأن الزيادة لا تمنع إذا حصل الوفاء بعد الأربع.
قال الحافظ: ويدل على ذلك لفظ مسلم عن أبي سعيد: "آمركم بأربع: اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم".
"وقال القاضي أبو بكر بن العربي: يحتمل أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام عَدَّ الصلاة والزكاة واحدة؛ لأنها قرينتها في كتاب، وتكون الرابعة أداء الخمس" فلا زيادة عمَّا عدّ، "أو أنه لم يعد الخمس، لأنه داخل في عموم إيتاء الزكاة، والجامع بينهما أنه إخراج مال معين" في حال دون حال.
"وقال البيضاوي" في شرح المصابيح: "الظاهر أن الأمور الخمسة هنا تفسير للإيمان، وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها، والثلاثة الأخرى حذفها الراوي اختصارًا، أو نسيانًا" وهذا بعيد جدًّا، لما فيه من نسبة الراوي إلى ما الأصل عدمه، ولذا قال الحافظ: ما ذكر أنه الظاهر لعله بحسب ما ظهر له، وإلا فالظاهر من السياق أن الشهادة أحد الأربع لقوله: وعقد واحدة، قال:
وتعقَّب بأنه وقع في صحيح البخاري أيضًا في رواية: "آمركم بأربع: شهادة أن لا إله إلا الله" وعقد واحدة" فدلَّ على أن الشهادة إحدى الأربع.
وقال القرطبي: قيل إن أوّل الأربع المأمور بها: إقام الصلاة، وإنما ذكر الشهادتين تركبًا، وإلى هذا نحا الطيبي، فقال: عادة البلغاء أنَّ الكلام إذا كان منصوبًا لغرض جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه، وهنا لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين؛ لأن القوم كانوا مؤمنين مقرِّين بكلمتي الشهادة، ولكن ربما كانوا يظنون الإيمان مقصور عليهما كما كان الأمر في صدر الإسلام. قال: ولهذا لم
وكأنه أراد أن يرفع إشكال كون الإيمان واحدًا، والموعود بذكره أربع، وقد أجيب عن ذلك؛ بأنه باعتبار أجزائه المنفصلة أربع، وهو في ذاته واحد، والمعنى: إنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها، ثم فَسَّرها، فهو واحد بالنوع متعدد بحسب وظائفه، كما أن المنهي عنه وهو الانتباذ فيما يسرع إليه الإسكار واحد بالنوع متعدِّد بحسب أوعيته، والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوَّق النفس إلى التفصيل، ثم تسكن إليه، وأن يتحصَّل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها طلب نفسه بالعدد، فإذا لم يستوف العدد الذي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع. انتهى، فاختصره المصنّف بقوله:"وتعقَّب بأنه وقع في صحيح البخاري أيضًا في رواية" له في المغازي: "آمركم بأربع: شهادة أن لا إله إلا الله، وعقد واحدة" ، وعنده في فرض الخمس، وعقد بيده، "فدلَّ على أن الشهادة إحدى الأربع"، وأمَّا ما وقع عند البخاري في الزكاة من زيادة واو في قوله:"وشهادة أن لا إله إلا الله"، فهي زيادة شاذّة لم يتابع أحد عليها، راويها حجَّاج بن منهال، ومما يدل أيضًا على أنه عد الشهادتين من الأربع، رواية البخاري في المواقيت بلفظ:"آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع"، ثم فسرها لهم:"شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"؛ لأنه أعاد الضمير في قوله، فسرها مؤنثًا، فيعود على الأربع، ولو أراد تفسير الإيمان لأعاده مذكرًا، قاله الحافظ.
"وقال القرطبي:" أبو العباس في المفهم على مسلم، "قيل" في الجواب عن الإشكال:"إن أول الأربع المأمور بها إقام الصلاة، وإنما ذكر الشهادتين تبركًا،" كما قيل في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]"وإلى هذا نحا الطيبي، فقال: عادة البلغاء أنَّ الكلام إذا كان منصوبًا" أي: مسوقًا "لغرض، جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه" وإن ذكروه، "وهنا لم يكن الفرض في الإيراد ذكر الشهادتين؛ لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة،" فلم يقصدا بالذكر، بل ذكرًا تبركًا، "ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما، كما كان الأمر في صدر الإسلام، قال: ولهذا لم يعد الشهادتين في