المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٥

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس

- ‌تايع الفصل السادس: في أمرائه ورسله وكتابه وكتبه إلى أهل الإسلام في الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌وأما مكاتبته عليه الصلاة والسلام إلى الملوك وغيرهم

- ‌الفصل السابع: في مؤذنيه وخطبائه وحدائه وشعرائه

- ‌الفصل الثامن: في آلات حروبه عليه الصلاة والسلام، كدروعه وأقواسه ومنطقته وأتراسه

- ‌الفصل التاسع: في ذكر خيله ولقاحه ودوابه

- ‌الفصل العاشر: في ذكر من وفد عليه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه

- ‌مدخل

- ‌[الوفد الأول: وفد هوازن]

- ‌الوفد الثاني: وفد ثقيف

- ‌الوفد الثالث: وفد بني عامر

- ‌الوفد الرابع: وفد عبد القيس

- ‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة

- ‌الوفد السادس: وفد وطئ

- ‌الوفد السابع: وفد كنده

- ‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين

- ‌الوفد التاسع: قدوم صرد بن عبد الله الأزدي

- ‌الوفد العاشر: بني الحارث بن كعب

- ‌الوفد الحادي عشر: وفد همدان

- ‌الوفد الثاني عشر: وفد مزينة

- ‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس

- ‌الوفد الرابع عشر: وقد نصارى نجران

- ‌الوفد الخامس عشر: فروة بن عمرو الجذامي

- ‌الوفد السادس عشر: قدوم ضمام بن ثعلبة

- ‌الوفد السابع عشر: وفد طارق بن عبد الله وقومه

- ‌الوفد الثامن عشر: وفد تجيب

- ‌الوفد التاسع عشر: وفد بني سعد هذيم

- ‌الوفد العشرون: وفد بني فزارة

- ‌الوفد الحادي والعشرين: وفد بني أسد

- ‌الوفد الثاني والعشرون: وفد بهراء

- ‌الوفد الثالث والعشرون: وفد عذرة

- ‌الوفد الرابع والعشرون: وفد بلي

- ‌الوفد الخامس والعشرون: وفد بني مرة

- ‌الوفد السادس والعشرون: وفد خولان

- ‌الوفد السايع والعشرون: وفد محارب

- ‌الوفد الثامن والعشرون: وفد صداء

- ‌الوفد التاسع والعشرون: وفد عسان

- ‌الوفد الثلاثون: وفد سليمان

- ‌الوفد الحادي والثلاثون: وفد بني عبس

- ‌الوفد الثاني والثلاثون: وفد غامد

- ‌الوفد الثالث والثلاثون: وفد الأزد

- ‌الوفد الرابع والثلاثون: وفد بني المنتفق

- ‌الوفد الخامس والثلاثون: وفد النخع

- ‌المقصد الثالث: فيما فضله الله تعالى به

- ‌الفصل الأول: في كمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين

‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين

وفد الأشعريين وأهل اليمن.

وقد عليه -زاده الله شرفًا وكرمًا لديه- الأشعريون وأهل اليمن.

قيل: هو من عطف الخاص على العام، وقال الحافظ أبو الفضل شيخ الإسلام ابن حجر: المراد بهم بعض أهل اليمن، وهم وفد حمير. قال: ووجدت في كتاب الصحابة لابن شاهين من طريق إياس بن عمرو الحميري: أنه قدم وافدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من حمير فقالوا: أتيناك لنتفقه في الدين.. الحديث.

"الوفد الثامن":

"وقدم عليه -زاده الله شرفًا وكرمًا لديه- الأشعريون" بفتح الهمزة وإسكان المعجمة فراء فتحتية فواو فنون- قبيلة كبيرة باليمن، نسبوا إلى جدهم أشعر، سمي بذلك؛ لأنه ولد والشعر على بدنه وهو نبت. بنون أوله. ابن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبا "وأهل اليمن" وهذه الترجمة وقعت في البخاري، بلفظ: باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، "قيل: هو من عطف الخاص على العام" ويرده أن أهل اليمن ليسوا بعضًا من الأشعريين، فالصواب العكس؛ إذ الأشعريون بعض أهل اليمن، "وقال الحافظ أبو الفضل، شيخ الإسلام ابن حجر:"كنت أظنه من عطف العام على الخاص، ثم ظهر لي أن هذا العام خصوص أيضًا، و"المراد بهم بعض أهل اليمن، وهم وفد حمير" -بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية- نسبة إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان، من أصول القبائل باليمن، فيمنع صرفه على إرادة القبيلة، ويصرف على إرادة الحي، وعلى هذا المراد، فيكون من عطف المباين؛ لأن الأشعريين والحميريين قبيلتان مختلفتان، "قال: ووجدت في كتاب الصحابة لابن شاهين" الحافظ الإمام أبي حفص، عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، صاحب التصانيف، منها التفسير ألف جزء، والمسند ألف وثلثمائة جزء، والتاريخ والزهد، إلى ثلثمائة وثلاثين تصنيفًا. مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلثمائة، "من طريق" زكريا بن يحيى الحميري، عن "إياس بن عمرو لحميري؛ أنه قدم" صوابه، كما في الإصابة من طريق إياس بن عمرو الحميري؛ أن نافع بن زيد الحميري قدم "وافدًا" أي: رسولًا من قومه "على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من حمير، فقالوا: أتيناك لنتفقه في الدين.. الحديث" بقيته: ونسأل عن أوّل هذا الأمر، قال: "كان الله ليس شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق القلم، فقال له: اكتب ما هو كائن، ثم خلق السموات والأرض وما فيهنّ، واستوى على عرشه".

ص: 163

والحاصل: إن الترجمة مشتملة على طائفتين، وليس المراد اجتماعهما في الوفادة، فإن قدوم الأشعريين كان مع أبي موسى في سنة سبع عند فتح خيبر، وقدوم حمير كان في سنة تسع، وهي سنة الوفود، ولهذا اجتمعوا مع بني تميم.

روى يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يقدم عليكم قوم هم أرقّ منكم قلوبًا". فقدم الأشعريون فجعلوا يرتجزون:

غدًا نلقى الأحبه

محمدًا وحزبه

قال في الإصابة: فيه عدة مجاهيل. انتهى، فالصحبة والقدوم إنما هو لنافع بن زيد، لا لإياس بن عمرو؛ فإنه ليس بصحابي، ولم يترجم له في الإصابة، بل هو تابعي مجهول، كما رأيت عن الإصابة، "والحاصل أن الترجمة مشتملة على طائفتين" الأشعريين والحميريين، "وليس المراد اجتماعهما في الوفادة، فإن قدوم الأشعريين كان مع أبي موسى" عبد الله بن قيس، "في سنة سبع عند فتح خيبر" وقيل: إن أبا موسى قدم قبل الهجرة، ثم كان ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم قدم الثانية صحبة جعفر، والصحيح أنه خرج طالبًا المدينة في سفينة، فألقتهم الريح إلى الحبشة، فاجتمعوا فيها بجعفر، ثم قدموا صحبته، "وقدوم حمير كان في سنة تسع، وهي سنة الوفود، ولهذا اجتمعوا مع بني تميم"، وعلى هذا: فإنما ذكر البخاري الأشعريين هنا؛ ليجمع ما وقع له من شرطه من بعوث وسرايا ووفود، وإن تباينت تواريخهم، وقد عقد ابن سعد في الطبقات للوفود بابًا، وذكر وفد حمير، ولم يقع له قصة نافع بن زيد التي ذكرتها، قاله كله الحافظ.

"وروى يزيد" بتحتية وزاي "ابن هارون" بن زاذان السلمي، مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن، عابد، روى له الستة، ومات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين، "عن حميد" الطويل البصري: اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وأربعين ومائة، وهو قائم يصلي، وله خمس وسبعون سنة، روى له الجميع، "عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يقدم عليكم قوم هم أرقّ منكم قلوبًا"، فقدم الأشعريون، فجعلوا يرتجزون" قائلين:"غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه،" وهذا رواه الإمام أحمد وغيره، ولا يلزم من ذلك تفضيلهم على المخاطبين؛ لأنها مزية.

عم من المشكل ما روى أحمد والبزار والطبراني، عن جبير بن مطعم مرفوعًا:"أتاكم أهل اليمن، كأنهم السحاب، وهم خيار في الأرض"، فقال رجل من الأنصار: إلّا نحن، فسكت، ثم قال: إلّا نحن، فسكت، ثم قال: إلَّا نحن يا رسول الله، قال:"إلّا أنتم كلمة ضعيفة"، قال: ولما لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلموا، وبايعوا، فقال صلى الله عليه وسلم:"الأشعريون كصرة فيها مسك" ولا إشكال؛ لأن

ص: 164

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يقول: "جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة وأضعف قلوبًا، الإيمان يمان،

المراد في أرضهم، وأما سكوته مرتين عن استثناء الأنصار مع أن فيهم من هو أفضل قطعًا؛ لأن منهم من هو أهل بدر وربيعة الرضوان، فلعله لئلّا يغتروا ويتكلموا على التفضيل، ولذا قال بعد الثالثة:"كلمة ضعيفة"، "وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جاء أهل اليمن".

وفي رواية البخاري: "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وأضعف" هو بمعنى رواية البخاري وألين "قلوبًا".

قال الخطابي: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين؛ لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رقَّ نفذ القول وخلص إلى ما وراءه، فإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل، فإذا صادف القلب لينًا علق به وتجمع فيه.

وقال البيضاوي: الرقة ضد الغلظ، واللين يقابل القسوة، فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق، وأعرض عن قبوله، ولم يتأثر بالآيات والنذر، وصف بالغلظ، وكان شعاعه ضعيفًا لا ينفذ فيه الحق، وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ، وإذا كان يعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، فكان حجابة رقيقًا، لا يأبى نفوذ الحق، وجوهره لين يؤثر فيه النصح.

وقال الطيبي: يمكن أن يراد بالفؤاد والقلب: ما عليه أهل اللغة من كونهما مترادفين، فكرَّر ليناط به معنى غير المعنى الأول، فإنَّ الرقة مقابلة للغلظ، واللين مقابل للشدة والقسوة، فوصف أولًا بالرقة ليشير إلى التخلق مع الناس، وحسن العشرة مع الأهل والإخوان.

قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] .

وثانيًا: باللين ليأخذ بأن الآيات النازلة والدلائل المنصوبة راجعة فيها، وصاحبها يقيم على التعظيم لأمر الله تعالى. انتهى.

"الإيمان" وفي رواية: الفقه "يمان" أي: منسوب لأهل اليمن؛ لأن صفاء القلب ورقته ولين جوهره تؤدي إلى عرفان الحق والتصديق به، وهو الإيمان والانقياد.

وقال أبو عبيدة وغيره: معناه: إن مبدأ الإيمان من مكة؛ لأن مكة من تهامة، وتهامة من اليم، وقيل: المراد مكة والمدينة لصدور هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك، فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية، وقيل: واختاره أبو عبيد أن المراد الأنصار؛ لأنهم يمانون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره.

وقال ابن الصلاح: لو تأملوا ألفاظ الحديث، لما احتاجوا إلى هذا التأويل، لأن قوله: "أتاكم

ص: 165

والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر قبل مطلع الشمس".

أهل اليمن" خطاب للناس، ومنهم الأنصار، فتعيِّنَ أن الذين جاءوا غيرهم، قال: ومعنى هذا الحديث وصف الذين جاءوا بقوة الإيمان وكماله، ولا مفهوم له، ثم المراد الموجودون حينئذ منهم، لا كل أهل اليمن في زمان.

قال الحافظ: ولا مانع أن المراد ما هو أعم من قول أبي عبيد وابن الصلاح، وحاصله أنه يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى وبالقبيلة، لكن كون المراد من ينسب بالسكنى أظهر، بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان اليمن وجهة الشمال، فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والأبدان، وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والأبدان، "والحكمة يمانية" بخفة الياء- فقلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة، والأصل: يمني ويمنية، فحذفت الياء تخفيفًا، وعوَّض عنها بالألف، "والسكينة" بفتح السين وخفة الكاف- الطمأنينية والسكون والوقار والتواضع "في أهل الغنم" لأنهم غالبًا دون أهل الإبل في التوسّع والكثرة، وهما من سبب الفخر والخيلاء.

وعند ابن ماجه عن أم هانئ أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "اتخذي الغنم فإنها بركة"، وقيل: أراد بأهل الغنم أهل اليمن؛ لأن غالب مواشيهم الغنم، "والفخر" بفتح الفاء، وإسكان المعجمة، وبالراء- ادَّعاء العِظَمِ والكبر والشرف، ومنه الإعجاب بالنفس "والخيلاء" بضم المعجمة، وفتح التحتية والمد- الكبر واحتقار الغير "في الفدادين" بشد الدال عند الأكثر جع فدّاد، وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك، والفديد: الصوت الشديد، وقيل: المكثرون الإبل من مائتين إلى ألف، وقيل: الجمّالون والبقارون والحمارون والرعيان، وقيل: من يسكن الفدافد جمع فدفد، وهو البراري والصحاري وهو بعيد، وحكى تخفيف الدال جمع فدان، والمراد البقر التي يحرث عليها، فهو على حذف مضاف.

قال الحافظ: ويؤيد الأول رواية في البخاري، وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل "أهل الوبر" بفتح الواو والموحدة وبالراء. للإبل بمنزلة الشعر لغيرها، وهذا بيان للفدادين، أي: ليسوا من أهل المدن، بل من أهل البدو "قبل" بكسر القاف وفتح الموحدة- جهة "مطلع الشمس".

قال الخطابي: إنما ذمَّ هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم، وذلك يفضي إلى قساوة القلب.

وقال البيضاوي: تخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل، والوفاء بأهل الغنم، دليل على أن

ص: 166

رواه مسلم.

وفي البخاري: إن نفرًا من بني تميم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبشروا يا بني تميم"، فقالوا: بشرتنا فأعطنا، فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء نفر من أهل اليمن، فقال:"أقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، جئنا لنتفقه في الدين ونسألك عن هذا الأمر، فقال: "كان الله ولم يكن شيء غيره

مخالطة الحيوان ربما تؤثر في النفس، وتعدى إليها هيئات وأخلاقًا تناسب طباعها، وتلائم أحوالها، "رواه مسلم" وكذا البخاري بنحوه.

"وفي البخاري" من حديث عمران بن حصين "أن نفرًا من بني تميم" بن مر -بضم الميم وشد الراء- ابن أد -بضم الهمزة وشد المهملة -ابن طابخة -بموحدة مكسورة ثم معجمة- ابن إلياس بن مضر بن نزار.

ذكر ابن إسحاق: إن أشرافهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عطارد، والأقرع، والزبرقان، وعمرو بن الأهتم، والحباب بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن عاصم، وعيينة بن حصن، وقد كان هو والأقرع شهدا الفتح، وحنينًا، والطائف، ثم كان مع بني تميم "جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أبشروا" بهمزة قطع "يا بني تميم"، "بما يقتضي دخول الجنة، حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما، "فقالوا" لكون جل شأنهم الدنيا والاستعطاء "بشرتنا فأعطنا" من المال، وقائل ذلك منهم الأقرع بن حابس، ذكره ابن الجوزي، وكان فيه بعض أخلاق البادية رضي الله عنه، "فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أسفًا عليهم، كيف آثروا الدنيا، أو لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به، أو لكلٍّ منهما، "وجاء نفر من أهل اليمن، فقال: "اقبلوا البشرى" بضم الموحدة وسكون المعجمة والقصر، أي: اقبلوا ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم به بالجنة، كالتفقه في الدين والعمل به، ورواه الأصيلي اليسرى -بتحتية مهملة ومهملة.

قال عياض: والصواب الأول، "إذ لم يقبلها بنو تميم" وفي رواية: أن بدل إذ وهو -بفتح الهمزة، أي: من أجل تركهم لها، ويروى بكسرها، "قالوا: قد قبلنا" البشرى "يا رسول الله" واستشكل بأن قدوم تميم في التاسعة، والأشعريين قبلهم في السابعة، وأجيب باحتمال أن طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك "جئنا لنتفقه في الدين، ونسالك عن هذا الأمر" أي: الحاضر الموجود، وكأنهم سألوه عن أحوال هذا العالم، وهو الظاهر، ويحتمل أنهم سألوا عن أول جنس المخلوقات.

وفي قصة نافع بن زيد: ونسألك عن أول هذا الأمر، "فقال:"كان الله" في الأزل منفردًا متوحدًا، "ولم يكن شيء غيره" وللبخاري في التوحيد، "ولم يكن شيء قبله ولغيره بعده"، والقصة

ص: 167

وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء".

وقوله: وجاء نفر من أهل اليمن، هم الأشعريون قوم أبي موسى.

متحدة، فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى، لكن الأوّل أصرح في القِدَم، وفيه أنه لم يكن ماء، ولا عرش، ولا غيرهما؛ لأن كل ذلك غير الله، ويكون معنى قوله:"وكان عرشه على الماء" أنه خلق الماء، ثم العرش.

قال الطيبي: هو فصل مستقل؛ لأن القديم من لم يسبقه شيء، ولم يعارضه في الأزلية، فهو إشارة إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم، لخلقهما قبل السموات والأرض، فلم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء، ويحتمل أنه مطلق، وكان عرشه على الماء، مقيد بقوله:"ولم يكن شيء غيره"، والمراد بكان في الأول الأزلية، وفي الثاني الحدوث بعد العدم.

وقد روى أحمد، والترمذي وصحَّحه مرفوعًا؛ أنَّ الماء خلق قبل العرش، ووقع في بعض الكتب: كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مسلم في قوله:"وهو الآن".. إلخ، وأما لفظ: ولا شيء معه، فرواية الباب بلفظ:"ولا شيء غيره" بمعناها.

وفي حديث نافع الحميري: "كان الله لا شيء غيره" بغير واو، "وكتب" قدر "في الذكر،" أي: محله، وهو اللوح المحفوظ "كل شيء" من الكائنات، وبقية الحديث: وخلق السموات والأرض، بالواو في بدء الخلق، وبثمّ في التوحيد، وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء، والبحث عن ذلك، وجواب العالم بما يستحضره، والكفّ إن خشي على السائل مفسدة، وفيه: أن جنس الزمان ونوعه حادث، وأن الله تعالى أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن، لا عن عجز عن ذلك، بل مع القدرة، واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين، وحدوث العالم مستمر لذريتهم، حتى ظهر ذلك في أبي الحسن الأشعري منهم، أشار إليه ابن عساكر، "وقوله: وجاء نفر من أهل اليمن، هم الأشعريون قوم أبي موسى" ولذلك لم يظهر لي أن المراد بأهل اليمن أهل حمير، لكنَّ لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفًا، ولكل منهما قصة غير قصة الأخرى، وقع العطف، انتهى كله ملخصًا من فتح الباري.

قال: وقد روى البزار عن ابن عباس: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ إذ قال: "الله أكر إذا جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم، حسنة طاعتهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية".

وروى الطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعيينة بن حصن: "أي الرجال خير"؟ قال: "أهل نجدة"،

قال: "كذبت، بل هم أهل اليمن الإيمان يمان

الحديث"، انتهى، وقد أطلت، وما تركته أطول، وإن كان من النفائس خشية الملل.

ص: 168