الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استنقذكم به، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، فوالله ما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا.
قال ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
كنتم فيه، كما في الرواية، وضمير به يحتمل عوده لكتابًا؛ لأنه أقرب مذكور، ويحتمل للمذكور من الرسول والكتاب "وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا سول الله، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به،" أي: طلبه منكم من الأحكام، "ونهاكم عنه" منها، لأنكم من جملة المكلفين، "فوالله ما أمسى في ذلك اليوم في حاضره،" أي: مكان إقامته "رجل، ولا امرأة إلا مسلمًا".
"قال ابن عباس" راوي الحديث: "فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه، وتقدَّم قول عمر: ما رأيت أحسن مسألة، ولا أوجز من ضمام، وحسبه هذا الثناء من عمر، وابن عباس مع شهادة المصطفى له بالفقه، حيث قال:"فقه الرجل"، كما مَرَّ، ولم يذكروا تاريخ وفاته.
الوفد السابع عشر: وفد طارق بن عبد الله وقومه
وفد طارق بن عبد الله وقومه، روى البيهي عن جامع بن شداد قال: حدَّثني رجل يقال له طارق بن عبد الله قال: إني لقائم بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل وهو يقول: أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجَّع يتبعه فيرميه
"الوفد السابع عشر":
"وفد طارق بن عبد الله" المحاربي، من محارب خصفة -بفتح المعجمة، والمهملة والفاء، صحابي، له حديثان، أو ثلاثة أحاديث.
روى عنه أبو الشعثاء، وربعي بن حراش، وجامع بن شداد، كما في الإصابة.
روى أصحاب السنن الأربعة والبخاري في كتاب خلق أفعال العباد، "وقومه" بني محارب، وأراد بالوفد هنا معناه اللغوي، وهو مجرّد القدوم لا الجماعة المختارة للتقدّم في لقاء العظماء؛ لأن هؤلاء إنما قدموا لأجل الميرة، فالمعنى هذا بيان قصة ورود طارق وقومه على النبي صلى الله عليه وسلم.
"روى البيهي عن جامع بن شداد" المحاربي، أبي صخرة الكوفي، ثقة، روى له الستة، مات سنة سبع، ويقال: سنة ثمان وعشرين ومائة.
"قال: حدثني رجل يقال له: طارق بن عبد الله، قال: إني لقائم بسوق ذي المجاز" كان للعرب على فرسخ من عرفة بناحية كبكب؛ "إذ أقبل رجل" زاد في راية الحاكم: عليه
بالحجارة يقول: يا أيها الناس، إنه كذاب فلا تصدقوه، فقلت من هذا؟ فقالوا: هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله. قلت: من ذا الذي يفعل هذا؟ قالوا: عمه عبد العزّى.
قال: فيما أسلم الناس وهاجروا، خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلمَّا دنونا من حيطانها ونخلها قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثيابًا غير هذه، فإذا رجل في طمرين له فسلم، وقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من الربذة، قال: وأين تريدون؟ قلنا: نريد المدينة، قال: ما حاجتكم فيها؟ قلنا: نمتار من تمرها، قال: ومعنا ظعينة
جبة له حمراء، فسمعته "وهو يقول:"أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة" زاد في رواية الحاكم: وقد أدمى كعبيه، "يقول: يا أيها الناس إنه كذاب، فلا تصدقوه" فجمع بين الأذى فعلًا وقولًا، ولو كان من أجنبي لربما كان أخفّ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "ما أوذي أحد ما أوذيت"، وقال: "لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد"، "فقلت: من هذا؟ " الذي يأمر بالتوحيد، "فقالوا: هذا غلام" أي: رجل "من بني هاشم".
وفي القاموس: الغلام الطار الشارب، أو من حين يولد إلى أن يشيب، والمراد الثاني، "يزعم أنه رسول الله" أي: يذكر، وعبَّروا بالزعم؛ لأنهم كانوا في شك من رسالته، وأكثر ما يستعمل فيما يشك فيه، وإن أطلق على الحق والباطل والكذب، وقد مَرَّ قريبًا، "قلت: من ذا الذي يفعل به هذا؟ " الأذى القولي والفعلي، "قالوا: عمه عبد العزى" أبو لهب، "قال: فلمَّا أسلم الناس، وهاجروا خرجنا من الربذة" بفتح الراء والموحدة والمعجمة.
قال في المصباح: وزان قصبة، خرقة الصائغ يجلو بها الحلي، وبها سميت قرية كانت عامرة في صدر الإسلام، وبها قبر أبي ذر الغفاري وجماعة من الصحابة، وهي في وقتنا دارسة لا يعرف بها رسم، وهي عن المدينة في جهة المشرق على طريق حاجّ العراق، نحو ثلاثة أيام، هكذا أخبرني جماعة من أهل المدينة، في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. انتهى.
"نريد المدينة، نمتار من تمرها" أي: نحمل منه، ففيه تحر يدلان الامتياز، حمل الميرة -بالكسر، وهي هنا التمر، ويمكن بقاء نمتار على حقيقته؛ إذ الميرة له في القاموس: حب الطعام، فالمعنى يحمل حب الطعام التمر، فالتمر مبين للمراد من حب الطعام الذي يحملونه، "فيما دنونا" قربنا "من حيطانها ونخلها قلنا: لو نزلنا، فلبسنا ثيابًا غير هذه" لكان أحسن، فلو شرطية، حذف جوابها أو للتمني، فلا جواب لها، "فإذا رجل في طمرين له" بكسر الطاء- ثوبين خلقين، أو كساءين باليين من غير الصوف، "فسلّم، وقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من الربذة، قال: وأين تريدون؟ قلنا: نريد المدينة، قال: ما حاجتكم فيها؟ قلنا: نمتار من تمرها، قال" طارق: "ومعنا
لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال:"أتبيعون جملكم هذا"؟ قالوا: نعم، بكذا وكذا صاعًا من تمر، فأخذ بخطام الجمل فانطلق، فلمَّا توارى عنَّا بحيطان المدينة ونخلها قلنا: ما صنعنا، والله ما بعنا جملنا ممن نعرف، ولا أخذنا له ثمنًا. قال: تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيت رجلًا كأنَّ وجهه قطعة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم، وفي رواية ابن إسحاق: قالت الظعينة: فلا تلاوموا، لقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم، ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه؛ إذ أقبل رجل فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، هذا تمركم، فكلوا واشبعوا واكتالوا
ظعينة لنا" امرأة في هودج سُمِّيَت بذلك، ولو كانت في بيتها؛ لأنها تصبر مظعونة، أي: يظعن بها زوجها، "ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال:"أتبيعوني جملكم هذا"؟ قالوا: نعم، بكذا وكذا صاعًا من تمر، فأخذ بخطام" بكسر الخاء- مفرده خطم، مثل كتاب وكتب، أي: ما يقاد به "الجمل، فانطلق" به، "فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا: ما صنعنا" استفهام توبيخ لأنفسهم على تسليمهم الجمل لمن لا يعرفونه من غير قبض ثمنه، ويدل علي قول الظينة: فلا تلاوموا؛ لأن ضابط التوبيخي أن يكون ما بعد أداته واقعًا، وفاعله ملوم، أي: فعلنا ما لا ينبغي فعله، "والله ما بعنا جملنا ممن نعرف، ولا أخذنا له ثمنًا" فعرضناه للضياع، "قال" طارق: "تقول المرأة التي معنا" حين قلنا ذلك، وعَبَّر بالمضارع حكاية للحال الماضية: "والله لقد رأيت رجلًا كأنَّ وجهه قطعة القمر" وفي لفظ: شقة، فكان أحدهما بالمعنى، وهي بكسر الشين- القطعة "ليلة البدر"، زائدة في البهاء ليلة أربعة عشر، وهو أحسن ما يكون القمر، وشبه به دون الشمس؛ لأن نوره أنفع من نورها، ولعلّ التقييد بالقطعة، مع أن البلغاء يشبهون الوجه بالقمر بلا تقييد أنه كان حينئذ متلثمًا، أو احترازًا عن السواد الذي في القمر، ويأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى في الصفة النبوية، وحسن الوجه دليل على الخير، فضلًا عن الأذى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه"، ولذا قالت: "أنا ضامنة لثمن جملكم" أن يأتيكم من هذا الحسن الوجه الذي اشتراه.
"وفي رواية ابن إسحاق" عن طارق السيرة، رواية يونس عن ابن إسحاق، "قالت الظعينة: فلا تلاوموا" أي: لا يلم بعضكم بعضًا، "لقد رأيت وجه رجل لا يغدر" بكسر الدال "بكم، ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه" ومَنْ هذه صفته لا يغدر؛ "إذ أقبل" رجل، جواب لمحذوف، أي: فبينا نحن نتكلم إذ أقبل "رجل" وفي رواية الحاكم: فما كان العشي أتانا رجل، "فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، هذا تمركم" الذي بعتم به جملكم، وفيه تسمّح، فمقتضى السياق أنه أكثر مما جعلوه ثمنًا، فالمراد هذا تمر بعث به إليكم لتستوفوا منه، "فكلوا واشبعوا" لا مجرد أكل، "واكتالوا واستوفوا"، فلا تتساهلوا في نظير أكلكم، "فأكلنا حتى شبعنا،