الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبايعه على الإسلام، فقلنا: يا رسول الله، إنه أصغرنا وخادمنا، فقال:"أصغر القوم خادمهم، بارك الله عليك"، قال: فكان والله خيرنا وأقرأنا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمَّره علينا، فكان يؤمّنا، فرجعنا إلى قومنا، فرزقهم الله الإسلام.
السلام- في طلبنا، فأُتِيَ" بالبناء للمجهول "بنا إليه،" وكأنه بعث يطلبهم، لأجل مبايعة أصغرهم له، وشرَّفه برؤيته، "فتقدَّم صاحبنا، فبايعه على الإسلام، فقلنا: يا رسول الله، إنه أصغرنا وخادمنا، فقال:"أصغر القوم خادمهم، بارك الله عليك"،" وفي اليعمري وغيره: عليه، وهي الموافقة لكون الخطاب معهم لا معه، ويحتمل أنه قصد خطابه؛ لأنه تقدَّم له وبايعه، فلا التفات فيه.
"قال" النعمان راوي الحديث: "فكان والله خيرنا، وأقرأنا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمَّرَه علينا" بشد الميم- من التأمير، "فكان يؤُمُّنا،" قال: ولما أردنا الانصراف أمر بلالًا، فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجلٍ منا، "فرجعنا إلى قومنا، فرزقهم الله الإسلام" كذا في نسخة، فرجعنا بالفاء، وهي التي في الرواية، وفي نسخة: مرجعنا -بالميم، أي: يؤمّنا زمن رجوعنا.
الوفد العشرون: وفد بني فزارة
وفد بني فزارة: قال أبو الربيع بن سليمان في كتاب الاكتفاء: ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، قدم عليه وفد بني فزارة، بضعة عشر رجلًا، منهم خارجة بن حصن،
"الوفد العشرون":
"وفد بني فزارة" بفتح الفاء والزاي فألف فراء فتاء تأنيث، قبيلة من قيس عيلان، ويحتمل أنه أراد بالوفد، القدوم، من إضافة المصدر إلى فاعله، وأنَّه بمعنى الجماعة المختارة للتقدُّم في لقاء العظماء، فتكون من إضافة الأعمّ إلى الأخص، وهذا أوفق بقوله بعد قدم عليه إلخ
…
"قال" الإمام الحافظ البارع العالم، محدث الأندلس وبليغها "أبو الربيع" سليمان بن موسى "ابن سليمان،" ابن حسان الحميري، الكلاعي، البلنسي، المُعْتَنِي بالحديث أتمَّ عناية، فكان إمامًا في صناعته، بصيرًا به، عارفًا بالجرح والتعديل، ذاكرًا للمواليد والوفيات، مقدَّم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال، مع التبحُّر في الأدب، والاشتهار بالبلاغة، فردًا في الإنشاء، شجاعًا بطلًا، يباشر الحروب بنفسه، ويبلي فيها بلاءًَ حسنًا. ولد في مستَهَلِّ رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة، واستُشْهِدَ ببلد العدو في العشرين من ذي الحجة، سنة أربع وثلاثين وستمائة "في كتاب الاكتفاء" بالمد، في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، أحد تصانيفه العديدة، "ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك" في رمضان سنة تسع، "قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلًا، منهم خارجة" بمعجمة فراء فجيم "ابن حصن" بكسر المهملة
والحر بن قيس، ابن أخي عيينة بن حصن، وهو أصغرهم، مقرِّين بالإسلام، وهم مسنتون، على ركاب عجاف، فسألهم عليه الصلاة والسلام عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله، أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا،
الأُولَى وإسكان الثانية، ابن حذيفة بن بدر، أخو عيينة بن حصن، وهو والد أسماء بن خارجة، الذي كان بالكوفة.
ذكر الواقدي: أنه ارتدَّ بعد المصطفى ومنع الصدقة ثم تاب، وقدم على أبي بكر، "والحر" بضم المهملة، وشد الراء "بن قيس" ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، "ابن أخي عيينة بن حصن" نرفع ابن صفة للحر المرفوع بالعطف، ذكره ابن السكن في الصحابة، وفي البخاري عن ابن عباس: قدم عيينة بن حصن، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر الحديث.
وفي الصحيحين: تمارى ابن عباس، والحر بن قيس في صاحب موسى، فمرَّ بهما أُبَيّ بن كعب.. الحديث. وقال مالك في العتبية: قدم عيينة بن حصن، فنزل عند ابن أخ له أعمى، فبات يصلي، فلما أصبح غدا إلى المسجد، فقال عيينة: ما رأيت قومًا أوجه لما وجهوهم له من قريش، كان ابن أخي عندي أربعين سنة لا يطيعني، ذكره في الإصابة، "وهو أصغرهم" فنزلوا في دار رملة بنت الحارث، وجاءوا المصطفى "مقرين بالإسلام وهم مسنتون" بضم الميم، وإسكان المهملة، وكسر النون، أي: مجدبون، ويروى: مشتون -بشين معجمة فتاء، أي: داخلون في الشتاء "على ركاب" إبل يسار عليها "عجاف" بكسر المهملة، وخفة الجيم: بالغين في الهزال النهاية، جمع أعجف على غير قياس، حملًا على نظيره، وهو ضعاف أو على ضده، وهو سمان، والقياس عجف، كأحمر وحمر، "فسألهم عليه الصلاة والسلام عن بلادهم،" عن أحوالها، "فقال أحدهم:" قال في النور: لا أعرفه.
وفي الفتح: الظاهر أنه خارجة؛ لكونه كبير الوفد أ. هـ، ولا يلزم من كونه كبيرهم أن يكون هو القائل "يا رسول الله أسنتت" بهمزة مفتوحة، ومهملة ساكنة، وفوقية، أي: أجدبت "بلادنا" أصابتها السنة وهي الجدب، "وهلكت مواشينا" من عدم ما تأكله، "وأجدب" بدال مهملة "جنابنا" بفتح الجيم وخفة النون، فألف فموحدة: الفناء، وما قرب من محلة القوم، فعطفه بلا تاء على أسنت من عطف الجزء على الكل، إن أريد بجنابنا ما حول بيوتنا، ومباين أن أريد به ما يقرب من بلادهم، وعلى كلٍّ، فالغرض الزيادة في إظهار سبب هلاك المواشي، سيما على الوجه الثاني، وقراءته جناننا -بنونين، جمع جنة، تصحي، فأرض العرب لم يكن بها جنان "وغرث" بفتح المعجمة، وكسر الراء، ومثلثة: جاع "عيالنا" لقلة ما يأكلون، وفي نسخة: غرثت -بزيادة تاء،
فادع لنا ربك يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، وليشفع لنا ربك إليك.
فقال صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله!! ويلك، هذا إنما شفعت عند ربي عز وجل، فمن ذا الذي يشفع ربنا إلينا؟ لا إله إلا هو العلي العظيم، وسع كرسيه السماوات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله، كما يئط الرجل الجديد".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل ليضحك
وتركها أظهر، لأنَّ عيال الرجل من يعول، ولو ذكورًا، فهو مذكر، "فادع لنا ربك يغيثنا" بفتح أوله. من الغيث، أي: يمطرنا، وبضم أوله من الإغاثة، وهي الإجابة، "واشفع لنا إلى ربك" أي: توسَّل لنا إليه بما بينك وبينه من السر، يقال: شفعت في الأمر شفعًا وشفاعة، طالبته بوسيلة أو ذمام، "وليشفع لنا ربك إليك، فقال صلى الله عليه وسلم" متعجبًا: "سبحان الله، ويلك" كلمة عذاب خاطبه بها زجرًا وتنفيرًا عن العود لمثلها، وإن عذر لقرب عهده بالإسلام، "هذا إنما شفعت" بفتح الفاء- من باب منع، كما في القاموس وغيره.
قال في النور: وهو بديهي كالشمس، إلّا أني أخبرت أن بعض الأروام كسرها، وفي نسخة: أنا شفعت، وكذلك في العيون وغيرها، وهي أَوْلَى؛ لأن إنما للحصر، وإنما تستعمل للرد على معتقد الشركة أو القلب، وهؤلاء ليسوا كذلك، "عند ربي عز وجل، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا هو العلي" فوق خلقه بالقهر "العظيم" الكبير، "وسع كرسيه السموات والأرض" قيل: أحاط علمه بهما، وقيل: ملكه، وقيل: الكرسي بعينه يشتمل عليهما لعظمته؛ لحديث: "ما السموات السبع في الكرسي إلّا كدراهم ألقيت في ترس"، ذكره السيوطي.
وفي النور: الصواب: أنَّ الكرسي غير العلم، خلافًا لزاعمه ولزاعم أنه القدرة، وأنه موضع قدميه، وإنما هو المحيط بالسموات والأرض، وهو دون العرش، كما جاءت به الآثار، "فهي تئط" بفتح الفوقية، وكسر الهمزة، وشد الطاء المهملة: تصوَّت "من عظمته وجلاله"، "كما يئط الرجل" بالمهملة "الجديد" بالجيم.
قال المصنف في المقصد التاسع: الأطيط صوت الأقتاب، يعني: إن الكرسي ليعجز عن حمله وعظمته؛ إذ كان معلومًا أن أطيط الرحل بالراكب، إنما يكون لقوّة ما فوقه وعجزه عن احتماله، وهذا مثل لعظمة الله وجلاله، وإن لم يكن أطيط، وإنما هو كلام تقريبي أريد به تقرير عظمته عز وجل أ. هـ.
"وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الله عز وجل ليضحك" يدر رحمته، ويجزل مثوبته، فالمراد لازمه، أو الضحك فيهنّ وما أشبهه التجلي والظهور، حتى يرى بعين البصيرة في الدنيا والآخرة بعين البصر، يقال: ضحك الشيب إذا ظهر قال:
"من شففكم وقرب غياثكم".
فقال الأعرابي: يا رسول الله، ويضحك ربنا عز وجل؟ فقال:"نعم".
قال الأعرابي: لن نعدمك من رب يضحك خيرًا.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، وصعد المنبر فرفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه
لا تعجبي يا هند من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
"من شففكم" بفتح الشين المعجمة والفاء: اسم من الإشفاف، والمراد به: أقصى ما وجدوه من الضيق، كما في الشامي، ومقضتاه أنه بفاءين، ويفيده كلام القاموس والصحاح، كذا قال شيخنا هنا، وضبطه في المقصد التاسع بالفاء والقاف، فقال، أي: خوَّفكم، يقال: أشفقت من كذا حذرت، وفي الصحاح: أشفقت عليه، فأنا مشفق وشفيق، وإذا قلت: شفقة منه، فإنما تعني حذرته، وأصلهما واحد، ومثله في القاموس أ. هـ.
وقد زاد في العيوان: وأزلكم -بفتح الهمزة، وإسكان الزاي، أي: ضيقكم، وهو يؤيد الثانية قاف لا فاء؛ لأن الأصل تباين العطف، "وقرب غياثكم" بضم القاف، وسكون الراء مخفوض عطفًا على شفقكم، والمعنى: إن الله يضحك من حصول الفرج لكم متصلًا بشدة الضيق، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم قبل صعود المنبر، والدعاء، فيكون علمه بالوحي، فبشرهم به، "فقال الأعرابي: يا رسول الله، ويضحك ربنا عز وجل؟ فقال:"نعم"، قال الأعرابي: لن نعدمك" بفتح النون، وسكون العين، وفتح الدال، كما في الصحاح، والقاموس، والمختار، والمصباح: إنه من باب طرب، وبه ضبط الكرماني وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نعدمك من صاحب المسك، إما تشتريه أو تجد ريحه"، فضبط الشامي -بكسر الدال- لا يعوَّل عليه على أنه كتب بهامش نسخته بخطه يحرر، فأفاد أنه كتبه على عجل، ليراجعه بعد "من رب يضحك خيرًا" أي: لا ننفي عنك خيرًا من رب يضحك، لما جرت له العادة، إنَّ العظيم إذا سُئِلَ شيئًا فضحك، أو نظر السائل نظرة جلوة حصل له ما يؤمله منه، "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وصعد" بكسر العين مضارعة بفتحها "المنبر".
زاد في الرواية: وتكلم بكلمات "فرفع يديه حتى ريء" براء مكسورة، فهمزة مفتوحة، ممدود، أو بضم الراء، وكسر الهمزة. "بياض إبطيه" وهو من خصائصه دون غيره.
قال أبو نعيم: بياض إبطيه من علامات نبوَّته، وقد وقع في هذه الرواية، وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلّا رفع الاستسقاء، ومثله في الصحيحين من حديث أنس.
وكان مما حفظ دعائه: "اللهم اسق بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مربعًا طبقًا واسعًا عاجلًا غير آجل، نافعًا غير ضار، اللهمَّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء"، الحديث رواه ابن سعد والبيهقي، ويأتي تمامه
قال الحافظ: ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء، وتقدَّم أنها كثيرة، وأفردها البخاري بترجمة في كتاب الدعوات، وساق فيه عِدَّة أحاديث، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أَوْلَى، وحمل حديث أنس على نفي رؤيته، وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره، وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس، لأجل الجمع بحمله على نفي الرفع البالغ إلّا في الاستسقاء، يدل عليه قوله: حتى رِيء إلخ، ويؤيده أن غالب الأحاديث الواردة في رفع اليدين في الدعاء، المراد به مد اليدين، وبسطهما عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء، زاد: فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذاتاه، وبه حينئذ يرى بياض إبطيه، أو على صفة اليدين في ذلك، لما في مسلم عن أنس؛ أنه صلى الله عليه وسلم استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء، ولأبي داود عن أنس: كان يستسقي هكذا، ومد يديه وجعل طونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه.
قال النووي: قال العلماء: السُّنَّة في كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلًا ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء أ. هـ، وتعقب الحمل الثاني بأنه يقتضي أنه يفعل ذلك، وإن كان استسقاؤه للطلب، كما هنا، مع أنه نفسه ذكر أن ما كان لطلب شيء، كان ببطون الكفَّين إلى السماء، والظاهر أنَّ مستند هذا استقراء حاله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء وغيره، "وكان مما حُفِظَ" بالبناء للمفعول من "دعائه:"اللهم اسق" بوصل الهمزة، وقطعها ثلاث ورباعي، وكذا ما بعده "بلدك" أي: أهل بلدك "الميت، اللهم اسقنا غيثنا" مطرًا "مغيثًا" من هذه الشدة، "مربعًا" بضم الميم، وإسكان الراء، وكسر الموحدة، وعين مهملة، أو بفوقية بدل الموحدة، من رتعت الدابة إذا أكلت ما شاءت، أو بفتح الميم، وكسر الراء، وسكون التحتية، ومهملة، من المراعة، وهي الخصب، "طبقًا" بفتح المهملة والموحدة وقاف، أي: مستوعبًا للأرض منطبقًا عليها "واسعًا" كالتأكيد طبقًا، "عاجلًا غير آجل، نافعًا غير ضار" بزرع، ولا مسكن، ولا حيوان وآدمي، أو بهيمة، "اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء"، الحديث.
"رواه ابن سعد والبيهقي" في الدلائل، "ويأتي تمامه"، وهو: فقام أبو لبابة بن عبد المنذر، فقال: يا رسول الله، إن التمر في المربد ثلاث مرات، فقال عليه السلام: "اللهم اسقنا حتى يقوم