الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفد التاسع: قدوم صرد بن عبد الله الأزدي
وقدم عليه -صلوات الله وسلامه عليه- صرد بن عبد الله الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه، في وفد من الأزد، فأمَّره عليه السلام على مَنْ أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم أهل الشرك.
فخرج صرد يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بجرش، وبها قبائل من قبائل العرب،
"الوفد التاسع":
"وقدم عليه -صلوات الله وسلامه عليه- صرد بن عبد الله الأزدي" -بضم الصاد، وفتح الراء ثم دال مهملات، مصروف، فلا يقدر أنه معدول عن صادر؛ لأن العَلَمَ الذي بزنة فَعَلَ إن سُمِعَ مصروفًا، كأدد وصرد لا يقدَّر له العدل ليمنع، وإن سمع منعه، كعمر قدر ليكون فيه علتان، "فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد" بفتح الهمزة وبالزاي الساكنة- أي: أزد شنوأة -بفتح المعجمة، وضم النون، فواو، فهمزة بعدها، وقد تشدَّد الواو، سُمِّيَت بذلك لشنآن كان بينهم، ويقال أيضًا: بالسين بدل الزاي، وكانوا خمسة عشر، ولم يقل من قومه لئلَّا يوهم أن المراد من له اختصاص بهم، كإخوته وأقاربه، ولم يقل: قدم وفد الأزد وفيهم صرد، لجواز أنه الذي قصد الوفادة ابتداءً وتبعوه، أو لأنه أفضلهم، "فأمَّره". بشد الميم -أي: جعله "عليه السلام" أميرًا "على مَنْ أسلم من قومه" الذين أتوا معه، وغيرهم ليكن لم يفصح، كغيره بأن جميع القادمين أسلموا مع صرد، أو بعضهم أم لا، "وأمَرَه أن يجاهد بمن أسلم أهل الشرك" أي: من يليه منهم، كما هو لفظ الرواية عند ابن إسحاق وأتباعه، ويحتمل أن المصنّف حذفه؛ لأنه ليس قيدًا، بل هو الغالب، "فخرج صُرْد يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بجرش" بضم الجيم، وفتح الراء، وشين معجمة، مخلاف من مخاليف اليمن -بكسر الميم، أي: كورة، أي: ناحية، ممنوع الصرف، كما يقتضيه قول القاموس، كزفر مخلاف باليمن؛ لأن غالب الأعلام التي على وزن فعل المنع ما لم يسمع مصروفًا.
وقال في الرواية: وهي يومئذ مدينة مغلقة، "وبها قبائل من قبائل العرب" تعبيره به دون اليمن يشعر بأن فيهم غيرهم، ويصرّح به قول الرواية، وقد ضوت عليهم خثعم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم، وخثعم كجعفر، بن أنمار أبو قبيلة من معد، كما في القاموس، فظاهره أنها
فحاصروهم فيها قريبًا من شهر، وامتنعوا فيها، فرجع عنهم قافلًا، حتى إذا كان في جبل لهم، وظنّوا أنه إنما ولَّى عنهم منهزمًا، خرجوا في طلبه، حتى أدركوه، عطف عليهم فقتلهم قتلًا شديدًا.
وكان أهل جرش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين منهم، فبينما هما عنده عليه الصلاة والسلام عشية، فقال لهما عليه الصلاة والسلام:"إن بدن الله لتنحر عند شكر"، أي: المكان الذي وقع به قتل قومهم"، قال:
ليست من اليمن، لكن الرواية: وبها قبائل من قبائل اليمن، وقد ضوت، أي: أوت إليهم خثعم، فأفاد أن القبائل التي بجرش إنما هي من اليمن، والزائد عليهم قبيلة واحدة من غيرهم هي خثعم، "فحاصروهم فيها قريبًا من شهر، وامتنعوا فيها" لكونها مدينة، "فرجع عنهم" أي: انصرف عن حصارهم "قافلًا" راجعًا إلى أرضه، فأتى به مع أن القفول الرجوع، دفعًا لإيهام أنه انصرف لقتال غيرهم، أو مكان آخر يقيم به مدة "حتى إذا كان في جبل لهم" وهو شكر، كما يأتي، "وظنّوا أنه إنما ولَّى عنهم منهزمًا، خرجوا في طلبه حتى أدركوه، عطف" رجع "عليهم، فقتلهم قتلًا شديدًا" باعتبار صفته التي وقع عليها، أو كثرته فيهم بقتل غالبهم، فلا يرد أن القتل إزهاق الروح، فلا تفاوت فيه، فهو نحو قولهم: الموت الأحمر إذا كان على حالة رديئة، "وكان أهل جرش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين منهم" يرتادان، أي: يطلبان الأخبار وينظران، "فبينما هما عنده عليه الصلاة والسلام عشية" بعد العصر، إذ قال صلى الله عليه وسلم:"بأي بلاد الله شكر"، فقام الجرشيان، فقالا: يا رسول الله ببلادنا جبل، يقال له كشر، وكذلك تسميه أهل جرش، "فقال لهما عليه الصلاة والسلام:"إنه ليس بكشر، ولكنه شكر"، قالا: فما شأنه يا رسول الله؟ قال: "إن بدن الله" بضمتين وتسكين الدال للتخفيف، كما في المصباح "لتنحر عند شكر" بفتح الشين المعجمة، وإسكان الكاف وبالراء، جبل من جبال جرش، كما اعتمده البرهان، وهو مقتضى القاموس؛ لأنه قال: الشكر الحر، أي: الفرج ولحمها، ويكسر فيهما، وجبل باليمن، وقاعدته إذا أطلق فتح الأول، يكون الثاني ساكنًا، فإن كان مفتوحًا قيده بقوله محرك، وهو صريح المصباح، ففيه شكر كفلس الحر، وضبط في العيون بالقلم -بفتح الكاف، ووهَّنَه النور، "أي: المكان الذي وقع به قتل قومهم" فإطلاق البدن عليهم استعارة، أو تشبيه بليغ، وأصله: إن قومكم الذين هم كالبدن في عدم الإدراك؛ حيث لم يؤمنوا، وحاربوا المسلمين، وإضافتهم إلى الله إشارة إلى تحقيق الاستعارة؛ حيث جعلوا كالبدن التي تنحر تقربًا، أو إشارة إلى أنهم مخلوقون لله، مغمورون بأنعامه، فأضافهم إليه توبيخًا لهم على عدم الإيمان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] الآية، فمحاربتهم كأنها إنكار، وجحد للنعمة، "قال: