الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفد الحادي عشر: وفد همدان
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد همدان، فيهم: مالك بن النمط، وضمام بن مالك، وعمرو بن مالك،
"الوفد الحادي عشر":
"وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد همدان" بفتح الهاء، وإسكان الميم، وبالدال المهملة- شعب عظيم من قحطان، وأمَّا بفتح الميم والذال المعجمة فمدينة بالجبال، لكن ليس منها أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا تابعيهم، إنما هم من الأولى التي هي القبيلة، "فيهم مالك بن النمط" بن قيس بن مالك بن سعد بن مالك الهمداني، ثم الأرحبي -بفتح الهمزة، وإسكان الراء، وحاء مهملة مفتوحة وموحدة- نسبة إلى أرحب، بطن من همدان.
قال أبو عمر: يقال فيه اليامي -بالتحتية، فألف، فميم- نسبة إلى يام من همدان، قال: ويقال: الخارفي، أي: بخاء معجمة، وراء مكسورة، ثم فاء، يعني: أن منهم من ينسبه إلى جده الأعلى همدان، ومنهم من ينسبه إلى أحد آبائه يام، أو خارف، أو أرحب، وهو واحد يكنَّى أبا نور، ولقبه ذو المشغار -بميم مكسورة فشين فغين معجمتين أو مهملتين، ثم راء، كان شاعرًا محسنًا، له في النبي صلى الله عليه وسلم أبيات حسان هي:
ذكرت رسول الله في فحمة الدجى
…
ونحن بأعلى رحرحان وصلدد
وهن بنا خوض طلائع تعتلى
…
بركبانها في لاحب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة
…
تمر بنا مر الهجف الحفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى
…
صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق
…
رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها
…
أشد على أعدائه من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه
…
وأمضى بحد المشرفي المهند
ونمط -بنون، فميم مفتوحتين، فطاء مهملة، نوع من البُسُط، فهو علم منقول على الظاهر، أو لقب لأمر اقتضاه، "وضمام بن مالك" بكسر الضاد المعجمة، وخفة الميم الأولى- السلماني، نسبة إلى جد له اسمه سلمان، ترجم له في الإصابة وقال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك، ذكره أبو عمر، في ترجمة مالك بن نمط، وزعم الرشاطي أنه الذي قبله، يعني: ضمام بن زيد بن ثوابة بن الحكم بن سلمان بن عبد عمرو بن الخارف بن مالك بن عبد الله بن كبير بن مالك بن جشم بن حامد بن جشم بن خيران بن نوف الهمداني، ثم الخارفي.
قال ابن الكلبي، والطبري والهمداني: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، "وعمرو" كذا في النسخ، والذي في ابن هشام عميرة "بن مالك" الخارفي، وهو الصواب، ففي الإصابة: عميرة -بالتصغير- ابن مالك الخارفي، ذكره أبو عمر في ترجمة مالك ابن نمط، ولم يذكره هنا، فاستدركه
فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك، وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية، على الرواحل المهرية والأرحبية، ومالك بن النمط يترجز بين يديه صلى الله عليه وسلم
ابن الأثير، وأغفله ابن فتحون وهو على شرطه، انتهى. فضبط النور لعمير مكبرًا فيه نظر، وكأنه انتقال نظر، فإن عميرة المكبَّر ابن فروة الكندي، صحابي ذكره في الإصابة قبل هذا، وضبطه بزنة عظيمة، ولا يصح أن يريد المصنف عمرو بن مالك بن لاي الأرحبي؛ لأنه ليس مما جاء مع الوفد، وإنما أتى في حجة الوداع.
ففي الإصابة: عمرو بن مالك بن لاي الأرحبي، يكنَّى أبا زيد، ذكر الرشاطي أن قيس بن نمط لما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وصفه بأنه فارس مطاع، فكتب إليه النبي، ثم دخل مكة بعد الهجرة، فصادف النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، ثم وفد في حجة الوداع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الهمداني في الإكليل، ولما حكى في الإصابة عن أبي عمران الوافد مالك بن نمط، قال: وسيأتي في ترجمة نمط بن قيس بن مالك أنه الوافد، وقيل: أبوه قيس، والذي يجمع الأقوال أنهم وفدوا جميعًا، فقد ذكر الحسن بن يعقوب الهمداني أنهم كانوا مائة وعشرين نفسًا، ذكره عنه الرشاطي. انتهى، وزاد ابن هشام في روايته: مالك بن أيفع، "فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه" اسم لزمان الرجوع، أي: لقوه في زمن رجوعه "من تبوك"، وكان في رمضان سنة تسع عند ابن إسحاق وابن سعد، وقيل: في شعبان، "وعليهم مقطعات الحبرات" بكسر المهملة، كما في النور، والقاموس وغيرهما، جمع حبرة، بزنة عنبة وعنبات، ففتحها سبق قلم -وفتح الموحدة فألف فراء- برود تصنع باليمن، والمقطعات: الثياب القصار، قاله أبو عبيد محتجًّا بحديث ابن عباس في صلاة الضحى: إذا انقطعت الظلال، أي: قصرت، وبقولهم في الأراجيز: مقطعات، وخطاه ابن قتيبة وقال: إنما هي الثياب المخيطة، كالقميص ونحوه، سُمِّيَت بذلك؛ لأنها تقطع وتفصّل ثم تخاط، والظاهر ما قاله ابن قتيبة، فلا معنى لوصفها بالقصر في هذا الموطن، قاله السهيلي، وحكى ابن الأثير القولين، فقال: المقطعات ثياب قصار؛ لأنها قطعت عن تلوث القمام. وقيل: كل ما يفصّل ويخاط من قيمص وغيره، بخلاف ما لا يقطع منها كالأزر والأردية. انتهى. "والعمائم العدنية" بعين فدال مهملتين مفتوحتين- نسبة إلى عدن، مدينة باليمن، "على الرواحل المهرية" بفتح الميم وإسكان الهاء وكسر الراء- نسبة إلى مهرة قبيلة من قضاعة "والأرحبية" بفتح الهمزة والحاء بينهما راء ساكنة ثم موحدة- نسبة إلى أرحب، بطن من همدان، كما سبق، والمعنى: إنهم قدموا متجمِّلين بالثياب والعمائم والرواحل المنسوبة لما ذكر، ولها شأن عندهم، وهذا مما يقوي تفسير ابن قتيبة للمقطعات؛ إذ القصار لا تجمل فيها غالبًا، ولذا استظهره السهيلي، "ومالك بن النمط يرتجز بين يديه صلى الله عليه وسلم" ويقول:
وذكروا له كلامًا كثيرًا حسنًا فصيحًا.
فكتب لهم عليه الصلاة والسلام كتابًا أقطعهم فيه ما سألوه، وأمَّرَ عليهم مالك بن النمط، واستعمله على من أسلم من قومه، وأمره بقتال ثقيف. وكان لا يخرج لهم سرح إلّا أغار عليه.
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب فأمره أن يقفل خالدًا إلا رجلًا ممن كان مع
إليك جاوزن سواد الريف
…
في هبوات الصيف والخريف
محظمات بحبال الليف
"وذكروا له كلامًا كثيرًا حسنًا فصيحًا، فكتب لهم عليه الصلاة والسلام كتابًا" من جنس كلامهم، "أقطعهم فيه ما سألوه" وذكر المصنف ذلك بتمامه في المقصد الثالث، "وأمَّرَ عليهم مالك بن النمط، واستعمله" جعله عاملًا، أي: أميرًا "على من أسلم من قومه" ولا ينافي ذلك ما رواه ابن شاهين وغيره: أن قيس بن مالك وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأسلم، ورجع إلى قومه، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ قومه أسلموا، فقال صلى الله عليه وسلم:"نعم وافد القوم قيس" وأشار بإصبعه إليه، وكتب عهده على قومه همدان: عربها ومواليها وخلائطها، أن يسمعوا له ويطيعوا، ولهم ذمة الله ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، انتهى لاحتمال أنَّه شرك مع قيس بعد ذلك مالك بن نمط، أو غير ذلك، "وأمره بقتال ثقيف، وكان" في العيون، فكان بالفاء، وهي أحسن، كما لا يخفى "لا يخرج لهم سرح" بفتح السين وإسكان الراء وحاء مهملات: مال سائم، أي: راع "إلا غار عليه" أخذه، وهذا الذي ساقه المصنف وقع في سيرة ابن هشام من زيادته بإسناد ضعيف مرسل، "و" جاء ما يخالفه، فقد "روى البيهقي بإسناد صحيح، عن البراء بن عازب" الصحابي ابن الصحابي، "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى" بعض "أهل اليمن" وهم همدان، كما يدل عليه بقية الحديث، "يدعوهم إلى الإسلام".
"قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب، فأمره أن يقفل" بضم الياء وسكون القاف وكسر الفاء، أي: يرجع "خالدًا إلّا رجلًا،" أي: جنسه، يعني، أي: رجل "ممن كان مع خالد أن" سقط من لفظ البيهي، أراد أن "يعقب" بضم الياء، وفتح العين، وشد القاف
خالد أن يعقب مع علي.
فلمَّا دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفَّنا صفًّا واحدًا، ثم تقدَّم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعًا، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خَرَّ ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال:"السلام على همدان، السلام على همدان" مرتين، وأصل الحديث في صحيح البخاري.
وهذا أصحّ مما تقدم،
المكسورة، أي: يرجع "مع علي" إلى اليمن، بعد أن رجع منه، ولفظ رواية البخاري:"مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل".
قال البراء: فكنت فيمن عقب معه، "فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا" مقاتلين، فدعاهم علي إلى الإسلام، فأبوا، ورموا بالنبل والحجارة، فحمل عليهم علي بأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلًا، فتفرقوا وانهزموا، فكفَّ عنهم قليلًا، كما عند ابن سعد وغيره، ففي الحديث اختصار. انتهى، "فصلَّى بنا علي، ثم صفَّنا صفًّا واحدًا" ليريهم قوتهم على الحرب، "ثم تقدَّم بين أيدينا" حتى لحقهم ودعاهم إلى الإسلام، "فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعًا".
وعند ابن سعد: فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا، فخذ منها حق الله، وجمع عليُّ الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء، فكتب في سهم منها الله، وأقرع عليها، فخرج أول السهام سهم الخمس، وقسم على أصحابه بقية المغنم، "فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم"، أي: بإسلام من كان باقيًا منهم على الشرك، فلا يخالف ما تقدَّم أن القادمين في الوفد أسلموا، وأمَّرَ عليهم مالكًا، "فلمَّا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب" أي: قرئ عليه "خَرَّ ساجدًا" شكر الله على إسلامهم، "ثم رفع رأسه، فقال: "السلام عى همدان، السلام على همدان" مرتين، وأصل الحديث في صحيح البخاري"، وهو من إفراده عن مسلم عن البراء: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى اليمن، ثم بعث عليًّا بعد ذلك مكانه، قال:"مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقِّبَ فليعقب، ومن شاء فليقبل".
قال البراء: فكنت فيمن عقب، فغنمت أواقي ذات عدد.
قال الحافظ: لم أقف على تحريرها، "وهذا أصحّ مما تقدَّم" المخالف له من وجهين،