الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفد السايع والعشرون: وفد محارب
…
الوفد السابع والعشرون: وفد محارب
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد محارب عام حجة الوداع، وكانوا أغلظ العرب وأفظهم عليه أيام عرضه على القبائل يدعوهم إلى الله، فجاءه عليه الصلاة والسلام منهم عشرة فأسلموا، ثم انصرفوا إلى أهليهم.
"الوفد السابع والعشرون":
"وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد محارب" بضم الميم ومهملة وراء مكسورة وموحدة- ابن سعد بن قيس عيلان -بمهملة مفتوحة، وتحتية ساكنة، "عام حجة الوداع" سنة عشر، "وكانوا أغلظ" أسوأ "العرب" خلقًا"، "وأفظهم" أشدهم جفاء "عليه" بمعجمة فيهما، "أيام عرضه على القبائل، يدعوهم إلى الله" قبل الهجرة، "فجاءه عليه الصلاة والسلام منهم عشرة" لم يسمعهم نائبين عن قومهم، "فأسلموا،" وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء، إلى أن جلسوا معه صلى الله عليه وسلم يومًا من الظهر إلى العصر، فعرف رجلًا، فأمده النظر، فقال المحاربي: كأنك يا رسول الله توهمني، قال: "لقد رأيتك"، فقال: أي: والله لقد رأيتني وكلمتني وكلمتك بأقبح الكلام، وأقبح الرد بعكاظ، وأنت تطوف على الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقال: يا رسول الله، ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ، ولا أبعد عن الإسلام مني، فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذه القلوب بيد الله عز وجل"، فقال: يا رسول الله، استغفر لي من مراجعتي إياك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله من الكفر"، "ثم انصرفوا إلى أهليهم".
الوفد الثامن والعشرون: وفد صداء
وقدم عليه عليه الصلاة والسلام وفد صداء في سنة ثمان، وذلك أنه لما انصرف من الجعرانة بعث قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة، وأمره أن يطأ ناحية من اليمن فيها صداء، فقدم رجل منهم علم
"الوفد الثامن والعشرون":
"وقدم عليه عليه الصلاة والسلام وفد صداء" بضم الصاد والدال المهملتين- حي من اليمن، قاله البخاري وغيره، يقال: إن أبا هذا الحي صداء بن حرب بن علة، "في سنة ثمان، وذلك" أي: سبب قدومهم، وهذا أَوْلَى من تقدير بيان؛ لأن مجيء الوفد لأجل البعث، "أنه لما انصرف من الجعرانة" لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة، "بعث" كما قال ابن سعد بعوثًا إلى اليمن، فبعث المهاجر بن أمية إلى صنعاء، وزياد بن لبيد إلى حضرموت، وهيأ بعثًا استعمل عليهم "قيس بن سعد بن عبادة" الخزرجي، الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، وعقد له
بالبعث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردد الجيش، وأنا لك بقومي، فرد قيسًا.
ورجع الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلًا منهم، فبايعوه على الإسلام ورجعوا إلى قومهم، ففشا فيهم الإسلام، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع. ذكره الواقدي وذكر من حديث زياد بن الحرث الصدائي: إنه الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اردد الجيش، وقال: وكان زياد هذا معه في بعض أسفاره، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له:"يا أخا صداء، هل معك ماء"؟ قلت: معي شيء في إداوتي، فقال:"صبه"، فصببته في قعب ثم وضع عليه
لواء أبيض، ودفع إليه راية سوداء، وعكسر بناحية قناة "في أربعمائة" فارس من المسلمين، "وأمره أن يطأ ناحية من اليمن فيها صداء، فقدم رجل منهم" هو زياد بن الحارث، كما يأتي، "علم بالبعث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، اردد الجيش، وأنا" أتكفَّل "لك بقومي" أي: بإسلامهم.
ففي رواية عن زياد: جئتك وافدًا على من ورائي، وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال:"اذهب فردهم"، فقلت: إن راحلتي قد قلَّت، فبعث رجلًا، "فردَّ قيسًا" ومن معه من صدر قناة، "ورجع الصدائي إلى قومه" ومع كتاب من المصطفى، "فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلًا منهم" فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، دعهم ينزلون عليَّ، فنزلوا عليه، فحيَّاهم وأكرمهم، وكساهم، ثم راح بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، "فبايعوه على الإسلام" وقالوا: نحن لك على من وراءنا من قومنا، فقال -صلى اله عليه وسلم- لزياد:"يا أخا صداء، إنك امرؤ مطاع في قومك"، فقلت: بل الله هداهم للإسلام.
وفي رواية قلت: بل من الله ومن رسوله، "ورجعوا إلى قومهم، ففشا" ظهر وكثر "فيهم الإسلام، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع، ذكره الواقدي" محمد بن عمر بن واقد، عن بعض بني المصطلق، قال في النور: ولا أعرف هذا البعض، "وذكر" بالبناء للفاعل، أي: الوافدي أيضًا "من حديث زياد بن الحارث" وقيل: ابن حارثة، والأوَّل أصحّ، قاله البخاري "الصدائي" صحابي شهد فتح مصر، "أنه الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اردد الجيش" وأنا لك بقومي فردّهم، "وقال" الواقدي في روايته من حديث زياد:"وكان زياد هذا معه في بعض أسفاره" قال: فسار ليلًا وسرنا معه، وكنت رجلًا قويًّا، فتفرق أصحابه، ولزمت ركابه، فلمَّا كان السحر، قال:"أذّن يا أخا صداء"، فأذَّنت على راحلتي، ثم سرنا حتى نزلنا، فذهب لحاجته ثم رجع، "وأنه عليه الصلاة والسلام قال له:"يا أخا صداء هل معك ماء"؟ قلت: معي شيء في إداوتي" بكسر الهمزة المطهرة، وجمعها أدوى بفتح الواو، "فقال: "صبه"،
الصلاة والسلام- كفه فيه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه عينًا تفور.
فصببته في قعب" بفتح القاف، وإسكان المهملة وموحدة- القدح الضخم الحافي، أو إلى الصغر، أو يروى الرجل، قال: وجعل أصحابه يتلاحقون، "ثم وضع عليه الصلاة والسلام كفه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه" أي: بين كل إصبعين من أصابعه، كما هو لفظه "عينًا تفور"، وقد اختلف هل نبع الماء من نفس الأصابع وهو الصحيح، أومن بينها، لا من نفسها، قولان، ولا ينافيها قوله بين كل إصبعين من أصابعه، لاحتمال أن العَيْن ناشئة من الماء، خارجة من بين الأصابع، وأنها من ذات بدنه الشريف، ولذا جاء القولان، وبعضهم يقول في حكايتهما: هل هو إيجاد معدوم، أو تكثير موجود، بمعنى: أنه بورك في الماء فزاد من غير ضم ماء آخر إليه بخلاف الأول، فنبع من بين الأصابع ماء انضمَّ إلى ما في القعب، فتغايَر القولان، وبسط ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في المعجزت، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"إن أخا صداء أذَّن، ومن أذَّن فهو يقيم"، فأقمت، ثم صلى بنا، فلمَّا سلَّم، وكنت سألته قبل ذلك أن يؤمرني على قومي، وأن يأمر لي بشيء من صدقاتهم، فكتب لي كتابين بذلك، قام رجل يشتكي عامله، فقال: أخذنا بظلامات كانت بيننا وبينه في الجاهلية.
وفي رواية: أخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم:"أو فعل ذلك"؟ قالوا: نعم، فالتفت إلى أصحابه، وأنا منهم، فقال:"لا خير في الإمارة لرجل مؤمن".
وفي لفظ مسلم: فدخل قوله في قلبي، ثم قام آخر، فقال رسول الله:"أعطني"، فقال:"من يسأل الناس عن غني، فصداع في الرأس، وداء في البطن"، قال:"فأعطني من الصدقة"، قال:"إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها بثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك، وإن كنت غنيًّا عنها، فإنما هي صداع في الرأس، وداء في البطن".
وفي رواية: "إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، حتى جزَّأها على ثمانية أجزاء" والباقي سواء.
قال زياد: فدخل في نفسي أني سألته الصدقة وأنا غني، فقلت: يا رسول الله، هذان كتاباك فاقبلهما، ثم قال:"دُلَّني على رجل من قومك أستعمله"، فدللته فاستعمله، قلت: يا رسول الله، إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها، وإذا كان الصيف قلَّ علينا، فتفرقنا على المياه، والإسلام اليوم فينا قليل، ونحن نخاف، فادع الله لنا في بئرنا، فقال:" ناولني سبع حصيات"، فناولته فعركَهُنَّ بيده، ثم دفعهنَّ إليَّ، وقال:"إذا انتهيت إليها، فألق فيها حصاة حصاة، وسمّ الله"، ففعلت، فما أدركنا لها قعرًا حتى الساعة، ولعلَّ حكمة ذلك دون إلقاء الجميع، دفعة إرشاد العباد إلى أنهم إذا حاولوا أمرًا، أخذوا في أسبابه بالتدريج شيئًا فشيئًا، وإن أمكنهم حصولها دفعة، وأسر علمه عليه الصلاة والسلام، ككون الحصيات سبعًا، ولعلّه ليس المراد خصوص الصداع ووجع البطن، بل ما يشمله ويشمل كل ضرر عاجل أو آجل، وحمله على ظاهره أَوْلَى، فلا دخل للعقل في ذلك، والله أعلم.