الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحريث، أسلما وصحبَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدا قتال أهل الردة مع خالد.
قال ابن حبان: أكبر ولد أبيه، وبه كان يكنَّى، أسلم وحسن إسلامه، وذكره الدارقطني والطبري في الصحابة، واعتمده في الإصابة، ولم يعرج على إشارة الذهبي إلى أنه تابعي.
وذكر الواقدي أنه ممن ثبت على الإسلام، وقاتل بني أسد لما ارتدوا مع طليحة، وأنشد له أبياتًا منها:
ضلوا وغرهم طليحة بالمنى
…
كذبًا وداعي ربنا لا يكذب
لما رأونا بالفضاء كتائبًا
…
تدعوا إلى رب الرسول ونرغب
ولو فرارًا والرماح تؤزهم
…
وبكل وجه وجهوا يترقب
"وحريث" بضم الحاء وآخره مثلثة، قال ابن عبد البر: ويقال له أيضًا: الحارث، "أسلما وصحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدا قتال أهل الردة مع خالد" بن الوليد في خلافة الصديق، كما قاله ابن عبد البر وابن الكلبي.
وذكر الواقدي أن حريثًا كان رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى يحنة بن رذبة وأهل أيلة، وقال وهو يقاتل أهل الردة: أنشده المرزباني:
أنا حريث وابن زيد الخيل
…
ولست بالنكس ولا الزميل
ويقال: إن عبيد الله الجعفي قتله مبارزة في حربٍ بينهما من جهة مصعب بن الزبير، ذكره في الإصابة.
الوفد السابع: وفد كنده
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد كندة، في ثمانين أو ستين راكبًا من كندة، فدخلوا عليه مسجده،
"الوفد السابع":
"وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد كندة" بكسر الكاف وإسكان النون، قبيلة من اليمن، ينسبون إلى كندة، لقب جدهم: ثور بن عفير "في ثمانين، أو ستين راكبًا من كندة" إشارة إلى قول ابن سعد: وفد الأشعث الكندي في ستين راكبًا من كندة سنة عشر، والأوّل رواه ابن إسحاق عن الزهري، ويمكن الجمع بأن بعضهم أتباع فلم يعدّ، "فدخلوا عليه مسجده" منصوب على التوسع، نحو:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} ، أي: فيه؛ لأنَّ ظرف المكان لا يكون إلّا مبهمًا كفرسخ، ويريد وليس شيء من مسجد ودار وبيت بمبهم؛ لأنه اسم لحصة معينة من المحل بالتحديد، وإن لم يعين المسجد ونحوه؛ لأنه يكفي التحديد بقدر كل، والفرق بين إبهام فرسخ وبريد في نحو قولهم:
قد رجلوا جممهم، ولبسوا جباب الحبرات مكففة بالحرير، فلما دخلوا، قال صلى الله عليه وسلم:"أولم تسلموا"؟ قالوا: بلى، قال: "فما هذا الحرير في أعناقكم
سرت بريدًا وفرسخًا، جاعلين ذلك ظرف مكان، وبين إبهام نحو مسجد؛ حيث جعل النصب على التوسّع، أن الفرسخ والبريد اسم آلة يكال بها، لا اسم حصة معينة بخلاف نحو: دار ومسجد، فاسم لحصة محدودة في نفس الأمر، وإن لم تكن معينة "قد رجلوا" بجيم فلام ثقيلة سرَّحوا "جممهم" بجيم مضمومة، فميمين مفتوحتين فهاء- جمع جُمَّة، وهي مجتمع شعر الناصية التي تبلغ المنكبين، زاد ابن إسحاق، وتكحَّلوا "ولبسوا جباب" جمع جبة، ثوب معروف، ويجمع أيضًا على جيب، كما في القاموس "الحبرات" -بكسر المهملة وفتح الموحدة، جمع حبرة بزنة عنبة، من البرود ما كان موشيًا مخططًا، وفي الفتح يقال: برد حبير وبرد حبرة بزنة عنبة، على الوصف والإضافة "مكففة بالحرير" أي: مجعولًا لكل منها كفة -بضم الكاف وشد الفاء وتاء تأنيث- السجاف، ويسمَّى الطرة أيضًا، وكل مستطيل كفة -بالضم، وكل مستدير كفة -بالكسر؛ ككفة الميزن، وقيل: بالوجهين فيهما.
زاد في رواية: والديباج المخوَّص بالذهب، "فلمَّا دخلوا" قالوا: أبيت اللعن وكانت تحيتهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"لست ملكًا، أنا محمد بن عبد الله"، قالوا: لا نسميك باسمك، قال:"أنا أبو القاسم"، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا خبَّأنا لك خبأ، فما هو؟ وكانوا خبئوا له عين جرادة في ظرف سمن، فقال صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله، إنما يفعل ذلك بالكاهن، وإن الكاهن والكهانة والتكهن في النار"، فقالوا: كيف نعلم أنك رسول الله، فأخذ كفًّا من حصباء، فقال:"هذا يشهد أني رسول الله"، فسبَّح الحصا في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إن الله بعثني بالحق، وأنزل عليّ كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، فقالوا: أسمعنا منه، فتلا:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1]، حتى بلغ {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} [الصافات: 5] ، ثم سكت، وسكن صلى الله عليه وسلم؛ بحيث لا يتحرك منه شيء، ودموعه تجري على لحيته، فقالوا: إنا نراك تبكي، أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟ قال:"إن خشيتي أبكتني، بعثني على صراط مستقيم في مثل حدّ السيف، إن زغت عنه هلكت"، ثم تلا:{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]" الآية، ثم "قال صلى الله عليه وسلم: أتيتمونا "أولم تسلموا"،" فالمعطوف عليه مقدَّر بعد همزة الاستفهام الحقيقي؛ لأن كثيرًا وفدوا مشركين، فيعرض عليهم الإسلام، أو التقرير يرى ليرتب عليه لومهم على الحرير، "قالوا: بلى" أسلمنا، "قال: "فما" بال "هذا الحرير في أعناقكم" وهو لا يجوز لبسه للرجال، ولعله جاوز حد السجاف، فلا يرد على قول الفقهاء بجواز التسجيف بالحرير.
زاد في رواية: وكان على النبي صلى الله عليه وسلم حلة يمانية، يقال: إنها حلة ذي يزن، وعلى أبي بكر
فشقوه فنزعوه وألقوه.
وعمر مثلها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه وفد لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك "فشقوه" بفتح الشين ماضٍ وضمها أمر، وإن لزم عليه إتلاف مال لوجوبه تخلصًا من الحرمة، على أنه يمكن أن المراد بالشق الإزالة لا القطع، فلا إتلاف "فنزعوه وألقوه".
زاد في رواية: ثم أجاز كل أحد بعشر أواق فضة، إلّا الأشعث فأجازه باثنتي عشرة أوقية، وزاد ابن إسحاق: وقالوا يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار، فتبسَّم صلى الله عليه وسلم، وقال: $"ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث"، وكانا تاجرين، فإذا شاعا في العرب، فسئلا من هما قالا: نحن بنو آكل المرار، يتعززان بذلك، وذلك أن كندة كانوا ملوكًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: $"لا نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا"، فقال الأشعث بن قيس الكندي، هل فرغتم يا معشر كندة، والله لا أسمع رجلًا يقولها إلّا ضربته ثمانين، ونقفوا -بنون مفتوحة فقاف ساكنة ففاء مضمومة، أي: لا نترك النسب إلى الآباء، وننتسب إلى الأمهات، وله صلى الله عليه وسلم جدة من كندة، وهي أم كلاب بن مرة، واسمها: دعد بنت سرير بن ثعلبة بن حارثة الكندي، وقيل: بل هي جدة كلاب أم أمّه هند.
قال السهيلي: ففيه أنهم أصابوا في بعض قولهم: نحن وأنت بنو آكل المرار، وهو الحارث بن عمرو الكندي، لُقِّبَ بذلك لأكله هو وأصحابه شجرًا يقال له المرار في غزوة غزاها، وقيل: لقب بذلك؛ لأن عمرو بن هند الغسَّاني أغار عليهم في غيبة الحارث فغنم وسبى، فكان في السبي امرأة الحارث، فقالت لعمرو: لكأنّي برجل أتاكم أسود، كأن مشافره مشافر بعير قد أكل المرار -تعني: زوجها، فتبعه الحارث في قومه، فقتله واستنفذ امرأته وما كان أصاب.
وروي أن المخاطب للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأشعث بن قيس، ولا مانع أنه خاطبه، ثم خاطبوه، أو هو المخاطب، ونسب للكل في الرواية الأخرى لسكوتهم عليه؛ لأن الأشعث كان من ملوك كندة، وصاحب رباع حضرموت، وكان وجيهًا في قومه في الإسلام، وارتدَّ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فأسر وأحضر إلى أبي بكر، فأسلم، فأطلقه وزوَّجه أخته أم فروة، فاخترط سيفه، ودخل إلى سوق الإبل، فجعل لا يرى جملًا، ولا ناقة إلا عرقبه، فصاح الناس: كفر الأشعث، فلمَّا فرغ طرح سيفه، وقال: والله ما كفرت، ولكن زوَّجني هذا الرجل أخته، ولو كنَّا في بلادنا كانت وليمة غير هذه، يا أهل المدينة كلوا، ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا أثمانها، ثم شهد اليرموك بالشام، ثم القادسية وحروب العراق مع سعد، وسكن الكوفة، وشهد صفين مع علي، ومات بعده بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن، وقيل: مات سنة ثنتين وأربعين.